إسلام ويب

سلسلة فلسطين المؤامرةللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مؤامرات أعداء الله على الإسلام وأهله كثيرة، وكل مؤامرة لها خطورتها على المسلمين، لكن أشد هذه المؤامرات خطورة على الإسلام وأهله المؤامرة الفكرية ثم المؤامرة الأخلاقية، فإن تأثر المسلمين بأفكار الغرب وأخلاقه أحد أسباب انهزام المسلمين نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، فلابد من تصحيح المفهوم الإسلامي وحل قضايانا بسرعة قبل الزيادة في الألم، واستفحال سيطرة الكفر وأهله علينا.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فإنه في يوم 2/ربيع الأول/ 897هـ الموافق 2/1/1492م، وقع أبو عبد الله محمد الصغير آخر ملوك الأندلس من المسلمين معاهدة الاستسلام، وذلك بعد قتل انتفاضة المسلمين التي قامت في ربوع غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وخرج أبو عبد الله الصغير من مدينة غرناطة، ووقف على تل من التلال القريبة من قصر الحمراء -قصر الحكم في غرناطة- وهو يبكي وينتحب، قالت له أمه عائشة الحرة: أجل! فلتبك كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال.

    وخرج المسلمون بذلك خروجاً نهائياً من الأندلس بعد أن حكمت بالإسلام ثمانية قرون، غير أن الأيام تحمل معها مفاجآت كثيرة، فتلك البلاد التي حكمت بالإسلام هذه المدة الطويلة لا يعيش فيها الآن من المسلمين إلا حوالي مائة ألف مسلم فقط، وهي بذلك تكون من أقل دول العالم احتضاناً للمسلمين، وهو درس لا بد أن يفقهه المسلمون.

    وكأني ألحظ في وجوه الحاضرين دهشة وتساؤلات، أشعر أن الزملاء يقولون: يا دكتور! أنت نسيت مجموعة المحاضرات الخاصة بفلسطين وإلا ماذا؟ ما هي حكاية الكلام عن الأندلس؟

    أبداً والله لم أنس، ولن أنسى قضية فلسطين، ولكن العلاقة وثيقة جداً بين قضية فلسطين الحالية وبين الأندلس الماضية.

    من جديد ألحظ دهشة في العيون تظهر -سبحان الله- مع تباعد الزمان، وتباعد المكان، فإن العلاقة وثيقة بين الأندلس وبين فلسطين!! نعم، وثيقة وسنرى الرباط بينهما بعد قليل.

    ملحوظة في غاية الأهمية لتاريخ الأندلس، لماذا لم يعد للإسلام ذكر في هذه البلاد إلا من آثار قديمة، وبعض المساجد التي حولت إلى كنائس، بينما احتلت بلاد إسلامية كثيرة غير بلاد الأندلس، ومع ذلك لم يخرج منها الإسلام، احتلت مصر والجزائر وسوريا والسودان وليبيا والعراق، ومعظم بلاد العالم الإسلامي، لكن البلاد ما زالت مسلمة بعد الاحتلال الطويل، أما أسبانيا فالوضع فيها مختلف، لماذا؟

    ذلك أن الاحتلال الأسباني للممالك الإسلامية في الأندلس كان احتلالاً استيطانياً إحلالياً سرطانياً، بمعنى: أن الأسبان ما كانوا يدخلون مدينة إسلامية إلا ويقتلون أهلها جميعاً، مذابح جماعية في كل مكان، أو يطردونهم خارج البلاد، وهكذا مع الوقت يتحول سكان البلد المسلمون إلى شهداء أو لاجئين، ثم يأتون بالأسبان من كل مكان يستوطنون هذه البلاد، وهكذا مع مرور الوقت أصبح سكان الأندلس كلهم من الأسبان، وليسوا من المسلمين، واختفى المسلمون بالكلية من ساحة الأندلس.

    يا ترى كيف كان حال المسلمين حول بلاد الأندلس في البلاد المجاورة في تونس، في الجزائر، في المغرب، في مصر، في الشام؟ كيف كان حال المسلمين وقت سقوط الأندلس؟ كان المسلمون في فرقة شديدة وضعف، ولاشك أنهم فكروا مع هذا الضعف في استعادة بلاد الأندلس، ولكنهم لم يستطيعوا هذا؛ لضعف قوتهم، ومن المؤكد أن اللاجئين الذين خرجوا من بلاد الأندلس بعد السقوط فكروا يوماً ما في العودة، ولكن لم يستطيعوا؛ لضعف إمكانياتهم وقلة حيلتهم، وهكذا مر شهر وشهران، وعام وعامان، وقرن وقرنان، بل خمسة قرون، وضاعت الأندلس -أسبانيا والبرتغال- من ذاكرة المسلمين.

    من من المسلمين الآن يفكر في استعادة بلاد الأندلس؟

    الأندلس الآن عبارة عن دولتين، تربطهما مع كل بلاد المسلمين علاقات حميمة، كان المؤرخون قديماً عندما يتحدثون عن الأندلس بعد سقوطها يقولون: أعادها الله للمسلمين، كما يتحدث مؤرخ فيقول: فتح طارق بن زياد رحمه الله بلاد الأندلس -أعادها الله للمسلمين- في سنة 92هـ؛ ذلك لأنها كانت دائماً في الذاكرة، أما مع تقادم العهد فقد اختفت كلمة: أعادها الله للمسلمين، اختفت من أفواه المؤرخين.

    انظروا إلى زيارة قام بها سفير مغربي للأندلس بعد سقوطها بأكثر من مائة عام، هذا السفير اسمه الغزال الفاسي رحمه الله، سفير سلطان المغرب إلى ملك أسبانيا كارلوس الثالث ، زار في هذه السفارة مسجد قرطبة الجامع العظيم، فقال عنه: وهو من أعظم مساجد الدنيا في الطول والعرض والعلو، ومنذ عبرنا هذا المسجد لم تفتر لنا عبرة مما شهدنا من عظمته، وتذكرنا ما كان عليه في عهد الإسلام، وما قرئ فيه من العلوم وتليت فيه من الآيات، وأقيمت به من الصلوات، وقد تخيل في الفكر أن حيطان المسجد وسواريه تسلم علينا، وتهش إلينا من شدة ما وجدنا من الأسى، حتى صرنا نخاطب الجمادات، ونعانق كل سارية، ونقبل سواري المسجد وجدرانه.

    سبحان الله!! ما أشبه اليوم بالبارحة، الأندلس تتكرر من جديد، أين؟ في فلسطين نعم، بنفس طريقة الاحتلال الأسباني، قتل أو طرد للمسلمين، تحويل الشعب إلى لاجئ وشهيد، هدم للمباني والديار، وإقامة للمستوطنات اليهودية في كل مكان، عملية إحلال منظمة للشعب الفلسطيني بالشعب اليهودي، وإن ترك الأمر على حاله في تراخ ودعة من المسلمين فإن مصير فلسطين نفس مصير الأندلس.

    إذا تقادم العهد على عملية الاستيطان والإحلال سيصبح المكان مع مرور الزمان اسمه إسرائيل، كما أصبحت الأندلس بعد مرور الزمان اسمها أسبانيا والبرتغال.

    إذا تقادم العهد على احتلال فلسطين فقد يأتي زمان يزور فيه المسلمون المسجد الأقصى كما كانوا يزورون مسجد قرطبة يقبلون السواري والجدران، ويسمعون بآذانهم شكوى المجد لهم يقول: أين المسلمون؟

    يا إخوة! قضية فلسطين قضية من أخطر قضايا أمة الإسلام، بل لعلها الأخطر على الإطلاق، قضية فلسطين أخطر بكثير من كل القضايا الداخلية والخارجية لكل أقطار الإسلام، وهي بالتبعية أخطر من كل قضايا الأفراد الشخصية، قضية فلسطين هي قضية أمة تذبح، وشعب يباد، وأرض تغتصب، وحرمات تنتهك، وكرامة تهان، ودين يضيع، يراها البعض قضية معقدة أشد تعقيد، وهي بالنسبة لآخرين واضحة كالشمس في وسط النهار، والفارق بين الناس هو المنظور الذي ينظر به إلى القضية.

    أضرب لكم مثلاً مشهوراً: ثلاثة مكفوفين أمسكوا بفيل كي يصفوه، أمسك الأول بذيل الفيل وقال: إن الفيل طويل ورفيع، وأمسك الثاني بخرطوم الفيل وقال: بل طويل وثخين، وأمسك الثالث بأذن الفيل وقال: بل عريض ومفلطح، وصدقوا فيما يصفون على قدر علمهم، لكن هل وصفوا الفيل حقاً؟ يختلف الأمر كثيراً حسب الزاوية التي ينظر منها إلى الموضوع.

    يذكرني أيضاً برجل يريد إصلاح جهاز التلفزيون مثلاً، فذهب وأتى بكتاب الإرشادات الخاص بالمدفأة، وحاول الإصلاح وبالطبع فشل، ثم ذهب وأتى بكتاب المروحة، وحاول إصلاح التلفزيون وبالطبع فشل، فذهب وجاء بكتاب السخان وهكذا..وهو يتعجب من صعوبة القضية، وسبحان الله!! لو أمسك كتابه الخاص به لهان الأمر كثيراً، هكذا بدأ المسلمون يحلون ألغاز قضية فلسطين، فوجدوها في غاية الصعوبة، مرة يتمسكون بكتاب الاشتراكية والمعسكر الشرقي، ومرة يتمسكون بكتاب الرأسمالية والمعسكر الغربي، ومرة يبحثون عن كتاب المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ومرة يتمسكون بكتاب القومية العربية، ومرة يتمسكون بكتاب مجلس الاتحاد الأوربي، ولم يتمسكوا بالكتاب الصحيح لقضية فلسطين القرآن الكريم والسنة المطهرة: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)، (إنه من يعش منكم سيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ).

    لذلك لما بعد الناس عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تخبطوا كثيراً وتاهوا وتشتتوا، حتى من في قلبه حماسة للقضية، ورغبة في الإصلاح، وأمل في التغيير، لم يدر ماذا يفعل حتى يؤدي ما عليه؛ لأنه لا يمسك بالكتاب الصحيح.

    ترى ما هو دور الشعوب في حل قضية فلسطين حلاً صحيحاً عادلاً مستقيماً على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089077117

    عدد مرات الحفظ

    781405223