إسلام ويب

سلسلة فلسطين مفاهيم خاطئةللشيخ : راغب السرجاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحرير فلسطين ليس واجباً علينا لأنها أرض عربية، ولا نحررها من أجل إيقاف نزيف الدماء، أو من أجل حل مشكلة اللاجئين، إنما نحررها لأنها أرض إسلامية فتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام، وفيها المسجد الأقصى، وهذا هو المعيار الصحيح الذي ينتصر به المسلمون على اليهود.

    1.   

    السعي إلى تحرير فلسطين من منطلق العروبة

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلنا لا نؤمن إلا بك، ولا نعبد إلا أنت، ولا نخلص إلا لك، ولا نتوكل إلا عليك، ولا نتوجه إلا إليك، ولا نجاهد إلا فيك، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286]. آمين.. آمين.

    وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

    أما بعد:

    فمع المحاضرة الثالثة من المحاضرات الخاصة بقضية فلسطين وعرضنا في المحاضرة السابقة سؤالاً هاماً هو: لماذا نحرر فلسطين؟ في محاولة لتحديد الهدف الذي من أجله تتحرك الطاقات والعقول والأيادي، لماذا نحرر فلسطين؟ ما هي الدوافع وما هي النيات وما هي الحقوق وما هو الطريق؟ وتحدثنا عن ستة اختيارات أو محاور يعتقد في صحة كل منها مجموعة من المسلمين، فصلنا في ثلاثة اختيارات في المرة السابقة الاختيار الأول: هل لأنها إسلامية؟ وقد اخترنا هذا التوجه، ووضحنا أسباب اختياره. الاختيار الثاني: نحررها لأن فيها القدس، وتحدثنا عن سلبيات هذا الاختيار وعن إيجابياته، وخلصنا أنه مع أهمية القدس إلا أننا لا نحرر فلسطين فقط من أجل القدس، ولكن من أجل كل فلسطين، بل إن الحديث عن القدس فقط قد يؤثر سلباً على قضية فلسطين. الاختيار الثالث: نحررها لأن بها الأقصى الشريف، وتحدثنا أيضاً عن السلبيات والإيجابيات في هذا الاختيار بتفصيل كبير يرجع له في مكانه، وبقيت لنا ثلاثة اختيارات لم نتحدث عنها ويعتقد في صحتها طائفة كبيرة من المسلمين.

    في محاضرة اليوم نتحدث عن هذه الاختيارات الثلاثة الباقية، الاختيار الأول الذي نتحدث عنه اليوم هو الاختيار الرابع من الاختيارات المطروحة في المحاضرة السابقة، وهو: هل نحرر فلسطين لكونها عربية ونحن عرب. ولعل هذا الاختيار هو الأكثر شيوعاً عند عموم المقاتلين من أجل القضية الفلسطينية، وهو الاختيار الذي تتولاه معظم دوائر الإعلام العربية، ومعظم الهيئات الرسمية في مختلف بلاد العالم العربي.

    والحق أني أرى أن هذا الاختيار هو منطلق خطير يغير كثيراً من الفهم الصحيح للقضية، ويضعف كثيراً من أوراق الضغط عندنا، بل ويتمشى تماماً مع المؤامرة الفكرية التي يتولاها الغرب والشرق ومن خدع بقولهم من المسلمين حتى لو كان هؤلاء المطالبون يطالبون بكامل فلسطين، ولكن من منطلق أنها عربية فهذا شيء غريب، مع أنه يمكن أن نأخذ كل فلسطين تحت هذا المنطلق، إلا أن هذا الأمر سيؤدي إلى كارثة كبيرة بأرض فلسطين، ونتذكر هنا ما قلناه في المحاضرة الأولى من أن بعض أخطاء الفهم قد تسقط الأمم. تعالوا بنا نرى ما هي عيوب الاختيار الذي نحن بصدده الآن.

    القتال تحت راية العروبة بدلاً من راية الإسلام

    أولاً: يقولون: إن فلسطين عربية؛ لأنه كان يعيش فيها قبل دخول اليهود فلسطين قبائل كنعان العربية؛ ولذا فهي عربية؛ ومن أجل ذلك ندافع عنها، وهم بذلك يربطون ملكية البلد بمن عاش فيها أولاً، وهذا مبدأ غير إسلامي كما ذكرنا في الدرس السابق، فإننا ذكرنا أن البلاد تصبح ملكاً للمسلمين بفتحهم إياها سواء كان ساكنوها من قبل عرباً أو غير عرب، مصر الآن دولة عربية، هل سكنها العرب أولاً ولذا فهي عربية، أم من الممكن أن يقوم القبط الآن ويقولوا: هذه بلادنا وعشنا فيها قبل المسلمين؟ وهذا صحيح، نعم. عاشوا فيها قبل المسلمين، لكن منذ أن فتحت بالإسلام أصبحت البلاد الإسلامية.

    الجزائر الآن دولة عربية، هل سكنها العرب أولاً، أم أنها كانت مسكونة بالبربر وهم ليسوا من العرب، هل فتح المسلمون بلاد فارس؛ لأنه كانت لهم جذور عربية في فارس؟ هل فتحوا بلاد الأندلس؛ لأنه كانت لهم جذور عربية في الأندلس؟

    إذاً: لا يجب أن يجرنا اليهود إلى جدالات جانبية لإخراجنا عن المنهج السليم، فيأتي اليهود ويزورون التاريخ، ونظل في جدال كبير ورجوع للحفريات، فمن آخر ما سمعت أن شارون أعلن أنهم وجدوا آثاراً في الجولان تدل على أن اليهود سكنوا هذه البلاد قبل العرب، طبعاً هم يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون: هذا من عند الله، وتعالوا إذاً ندخل في جدل عقيم وطويل وحفريات مزورة وخروج عن شرع الله سبحانه وتعالى.

    لأننا نجر مع اليهود إلى جدالات خارج المنهج، فلو كان الأمر بهذه الطريقة فلنأت لنخرج الاستراليين من أستراليا مثلاً، ومن المعروف أن أهل أستراليا الحاليين ليسوا هم الأهل الأصليين، وأيضاً نخرج روسيا من الشيشان، فالجميع يعترف أن أهل الشيشان سكنوا في بلاد الشيشان قبل روسيا، بل فلنخرج الأمريكان أنفسهم من بلاد أمريكا، ونعطيها للهنود الحمر الذين لا ينكر الأمريكان أنهم سكنوا البلاد قبلهم.

    إذاً: ليس هناك داعٍ لأن نمشي مع اليهود في هذا الطريق، فهم قوم تمرسوا على الجدال وعلى تغييب الحق، وتمرسوا على إنكار الحقيقة ولو كانت مثل ضوء الشمس.

    عدم تشرفنا بالانتماء إلى كنعان الوثني العربي

    ثانياً: هل يحرر المسلمون فلسطين لأن كنعان كان يسكن فيها أولاً؟ تعالوا بنا نفكر بهدوء، هل نتشرف بانتمائنا إلى كنعان؟ إن قبائل كنعان هذه كانت قبائل وثنية عربية تعيش في أرض فلسطين منذ قديم الزمان، وهم -أي: اليهود- يقولون: إن داود وسليمان عليهما السلام كانا يعيشان في هذه البلاد، ومن قبلهما يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم جميعهاً أفضل الصلاة والتسليم، والحق أقول: نعم. كان كنعان يعيش قبل هؤلاء الأنبياء في فلسطين، لكن ألا يشرفني الانتماء إلى هؤلاء الأنبياء المرسلين عن الانتماء إلى كنعان ، فإن بيننا وبين هؤلاء الأنبياء أخوة العقيدة والإيمان بالله، بينما بيني وبين كنعان كره في الله، أكرهه لأنه كان يسجد لصنم من دون الله.

    وهكذا يكون الأساس الذي يبني عليه المسلم علاقاته، الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، لا نفعل مثلما فعل كاتب مصري مشهور، يكتب عموداً ثابتاً في صحيفة مشهورة من أن اليهود من طبعهم الغدر وإنكار الجميل، حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام -والكلام للمؤلف- قد قتل المصري وهرب، ولم يراع حق المصريين الذين ربوه وأطعموه وحملوه فوق رءوسهم.

    يعني: هذا المؤلف يطعن طعناً مباشراً في نبي من أنبياء الله لأنه إسرائيلي. سبحان الله! هذا النبي من أولي العزم من الرسل، ولا يجوز أبداً أبداً أن يدفعنا كرهنا لليهود أن نكره أنبياءهم الذين هم رسل الله، هذا خطأ كبير جداً في الفهم، وأقل ما يوصف به فعل هذا المفكر أن هذا سوء أدب مع الأنبياء, ونسأل الله أن يكون قد ارتكبه عن جهل، وإلا فالعواقب خطيرة، بل خطيرة جداً.

    وسؤال يهمس في أذنك: أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى أبي جهل العربي القرشي الكافر أم إلى بلال الحبشي المؤمن وليس بعربي؟ أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى أبي لهب العربي القرشي الكافر، أم إلى طارق بن زياد البربري المؤمن وليس بعربي؟ أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى الوليد بن المغيرة العربي القرشي الكافر، أم إلى صلاح الدين الأيوبي الكردي المؤمن وليس بعربي؟

    طبعاً نحن لدينا خلفية أن صلاح الدين عربي؛ لأن الفيلم المشهور الذي عرضوه ويتكلم عن صلاح الدين الأيوبي جاءوا به وفيه كلمة مزورة على لسان صلاح الدين الأيوبي ، أنه يقول: نحن العرب فعلنا كذا وكذا. والأصل أننا نحن المسلمون.

    أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى أمية بن خلف العربي القرشي الكافر، أم إلى محمد الفاتح التركي فاتح القسطنطينية المؤمن وليس بعربي؟ أيهما أشرف لك أن تنتمي إلى النضر بن الحارث العربي القرشي الكافر أم إلى قطز المملوكي الشركسي المؤمن وليس بعربي؟

    نعم، الآن اكتشفنا أن كثيراً من رموزنا الإسلامية العظيمة ليست بعربية، فنحن يا إخوة! لا نحرر فلسطين لكونها سكنت بـكنعان الوثني أولاً، نحن نحررها لأنها بكاملها قطر إسلامي فتح بالإسلام كما ذكرنا.

    نسيان المسلمين البلاد الإسلامية المحتلة غير العربية

    ثالثاً: من خطورة تكرار أن فلسطين عربية نسيان المسلمين البلاد الإسلامية المحتلة غير العربية، ونسيانهم هموم المسلمين غير العرب حتى وإن كانوا في بلاد غير محتلة، فالمسلمون في جمهوريات الإتحاد السوفييتي المحررة يحتاجون إلى عون المسلمين من العرب وغيرهم، مع العلم أن إسرائيل هي أول دولة ذهبت وأقامت علاقات وثيقة مع هذه الدول الإسلامية، والمسلمون في غياب عظيم عن هذا الدور الكبير، تخيلوا إسرائيل أول بلد يقيم علاقات مع تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان وطاجاكستان وكل هذه البلاد، ثروات ضخمة جداً في هذه البلاد وطاقات بشرية كبيرة جداً فيها؛ ولهذا أقامت معها إسرائيل هذه العلاقات ولم يتحرك لها المسلمون.

    كذلك المسلمون في بلاد أفريقيا يحتاجون إلى المسلمين في بلاد العرب، والمسلمون الأمريكيون والأوربيون يحتاجون إلى المسلمين في بلاد العرب، فالذي يجمعنا بهم هو رباط العقيدة وليس رباط العنصر والعرق.

    فقدان الوحدة مع مليار مسلم غير عربي

    رابعاً: بمناداتنا بعروبة فلسطين تحذف ببساطة قوة مليار مسلم مساعد ومعين، فهو شيء شديد الحساسية يدخل في قلوب غير العرب عندما تتحدث عن عروبتك وكأنهم مسلمون من الدرجة الثانية، نلاحظ في بلاد العالم الغربي حيث تعيش جاليات مسلمة من شتى البقاع أموراً عجباً، تجد المسلمين مقسمين إلى مجموعات منفصلة بحسب العنصر، بل وقد يتنافسون فيما بينهم تنافساً يخل بالعلاقة بينهم، بل وقد يتصارعون في هذه الغربة، تجد على سبيل المثال تجمعاً عربياً ومجموعة باكستانية.. ومجموعة تركية، وهكذا بحسب العرق والعنصر.

    والله أذكر حديثاً مع باكستاني قال:

    إن في قلبه ألماً شديداً لإحساسه أن العرب ينظرون إليهم نظرة دونية، مع شدة العاطفة الإسلامية في قلوب الباكستانيين وفي قلوب الهنود وفي قلوب الأندونيسيين وفي قلوب الماليزيين، يقول: في قلوبنا عاطفة إسلامية شديدة، ويقول: ومع أنه قد خرج منا وممن حولنا من البلاد غير العربية البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والبيهقي والغزالي والسرخسي والنيسابوري ، كل هؤلاء وغيرهم كثير خرجوا من هذه البلاد غير العربية إلا أن العرب ينظرون إلينا نظرة دونية، ففي قلبه ألم شديد جداً.

    ولو نظرت في صلاة الفجر فإنك تجد نسبة الحضور في صلاة الفجر في هذه البلاد الغربية أكثر من 70% أو 75% من الجاليات الباكستانية والهندية والماليزية وغير العربية بصفة عامة.

    فهذه عاطفة كبيرة جداً، ونحن ببساطة حين نقول: نحن عرب ونحرر فلسطين لكونها عربية -نحذف كل هؤلاء من صف المسلمين ومن صف القوة المواجهة لإسرائيل ببساطة، بهذه الكلمة تحذف مائتي مليون أندونيسي، وتحذف مائة مليون باكستاني ومائة مليون بنغلاديشي ومائة مليون نيجيري وثمانين مليون تركي ومائة مليون.. هندي وغيرهم كثير.

    يا أخي! وسع مداركك وانظر ماذا أراد الله لك وتبتغي غيره، انظر إلى الأمر من منظور سياسي وعسكري واقتصادي، انظر إليه من باب المصالح؛ هل من المصلحة أن تواجه إسرائيل وأنت تبلغ من العدد مائتي مليون، أم من المصلحة أن تواجهها وأنت تبلغ من العدد مليار مسلم ومائتين أو ثلاثمائة مليون؟

    فرق ضخم جداً، تخيل معي بدلاً من الجامعة العربية كيان آخر اسمه الجامعة الإسلامية، كما كان يريد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله, آخر السلاطين المحترمين في الخلافة العثمانية. تخيل معي جامعة تكون قراراتها ليست لمجرد التنفيس عن الشعوب الإسلامية، ولكن أخذ قرارات واقعية مؤثرة تغير من مسار الشعوب تبعاً لمصلحة الشعوب، جامعة إسلامية موحدة تجمع بين طياتها طاقة بشرية هائلة وفيها تكنولوجيا ماليزيا وأندونيسيا، وفيها بترول الخليج والقوقاز، وفيها مزارع السودان والعراق، وفيها مناجم أفريقيا وفيها وصواريخ إيران، وفيها نووية باكستان ويورانيوم كازاخستان، وفيها قناة السويس وباب المندب ومضيق البسفور في تركيا.

    يا أخي! اعرف إمكانيات الأمة الإسلامية، ولا داعي لعنجهية العنصر والقومية والقبلية.

    فقدان عنصر قوة العقيدة الإسلامية

    خامساً: إن أخطر الآثار على المناداة بعروبة فلسطين هي تغير الغاية من القتال، وفقدان العنصر الحقيقي للنصر وهو قوة العقيدة الإسلامية، وطبق هذا الكلام معي على قضية فلسطين، فالسلطة العلمانية لا تربط منهجها بالله سبحانه وتعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، بل تربطه فقط بالآباء والأجداد وكأن لسان حالهم يقول: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22]، هذه السلطة العلمانية تشعر أن قوتها قوة ذاتية في أفرادها، وليس في كونها تعمل لله عز وجل، بينما السلطة الإسلامية تشعر أن قوتها مستمدة من الله الخالق وليس من غيره من المخلوقات، وإن شعرت السلطة العلمانية بضعف وذل تلجأ إلى عموم البشر الأقوياء في نظرها، ولا تنظر إلى الدستور الصحيح الذي يحدد طريقة السير وطريقة الحياة، تلجأ إلى غيرها ممن يعتزون بآبائهم مثلما تعتز هي بآبائها، بل وقد تحارب من ينادون بإسلامية المنهج وإسلامية الطريق، قد تلجأ السلطة العلمانية إلى روسيا باعتبارها صديقاً قديماً، وتنسى أنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وتنسى أن روسيا لما واجهت مشكلة مع إخوان الفلسطينيين في الشيشان ما كان لها حل إلا القتل والإبادة، فكيف ترجو منها تأييداً في فلسطين لذات القوم الذين تقاتلهم في الشيشان؟!

    وقد تلجأ إلى بريطانيا وفرنسا، وتنسى أن بريطانيا هي التي زرعت إسرائيل في فلسطين بتأييد فرنسي كما سيأتي في تاريخ فلسطين، وتنسى أن طائرات بريطانيا ما زالت تقصف إخوانهم في العراق، بل وقد تلجأ وفي سفه شديد إلى أمريكا، مع علمها أنها المؤيد الأول والداعم والمستمر لكل ما تفعله إسرائيل، فإذا بحكام هذه السلطة يرسلون الرسائل إلى رؤساء أمريكا يطلبون منهم أن يوقفوا عنف إسرائيل، سبحان الله!

    بل والعجب العجاب أنهم قد يلجئون إلى إسرائيل ذاتها بتنسيقات أمنية وترتيبات عجيبة يدفع ثمنها الإسلاميون من أهل فلسطين، وهكذا يبحثون عن عزتهم في مناهج كثيرة وقوى متعددة، ولا يفكرون ما داموا ينطلقون من مبدأ عنصري وهو العروبة فقط في الذهاب إلى المنهج الإسلامي: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:139]، ولو ذهبوا أحياناً إلى المنهج الإسلامي فإنه يكون على سبيل الاضطرار لا الرغبة، أحياناً يطلقون الإسلاميين لإرهاب العدو لا اقتناعاً بمنهجهم، أحياناً يزورون باكستان أو إيران لعلها تفعل ما لم يفعله أبناء العمومة من العرب اضطراراً غير مقصود لا يغني عند الله شيئاً.

    فإلى هؤلاء الذين يعتزون بعروبتهم بديلاً عن إسلاميتهم أنقل إليهم قولاً لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وهو قول مشهور: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، وإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، إن كنتم تشعرون بذل فاعلموا أنكم قد ابتغيتم العزة في غير موضعها، فنصر المسلمين يا إخوة! يستمد من نصر الله لهم، ونصر الله لهم يستمد من نصرهم لله: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وكيف ننصر الله؟ ننصره بتطبيق شرعه، نصره بطاعة أوامره، ننصره باجتناب نواهيه، ننصره بالالتزام بطريق نبيه صلى الله عليه وسلم، ننصره بالبعد عن العنصرية والفرقة.

    خبر قرأته في صحيفة أمريكية والله ظننته خبراً كيدياً وما ظننت أنه خبر صحيح حتى تيقنت من بعض الفلسطينيين هناك، تهنئة أمريكية للسلطة هناك في فلسطين بإنشاء أكبر مصدر من مصادر الاقتصاد الفلسطيني هناك، يا ترى! ما هو أكبر مصدر سيمد الدولة الفلسطينية الناشئة؟ ما هو المصدر الذي سيمدها بالمال والطاقة؟ المصدر هو إنشاء أكبر نادٍ للقمار في الشرق الأوسط في أريحا، نعم، والله يا إخوة! ولا حول ولا قوة إلا بالله، أكبر نادٍ للقمار، ولما سئلوا عن ذلك قالوا: إن القمار محرم في إسرائيل، لا يوجد نوادي قمار هناك في إسرائيل؛ ولذلك أنشئوا هذا النادي في أريحا، حتى يخدعوا اليهود، يجعلونهم يأتون إلى أريحا ليصرفوا نقودهم هناك، ويصبح المصدر الرئيسي للدخل الفلسطيني من القمار.

    فهذا منهج علماني بعيد تماماً عن أسباب النصر الحقيقية للمسلمين، كما أن معظم المطلوبين من قبل إسرائيل بتهمة أنهم يرهبون إسرائيل عاشوا شهوراً وسنوات في سجون السلطة العربية في فلسطين.

    شيء خطير جداً إلغاء إسلامية القضية وجعلها قضية عربية عنصرية فقط، والله شاهدت ملصقاً يوزع في المكتبات الإسلامية وهو عجيب جداً حيث إنه مكتوب عليه: القدس عربية، القدس عربية، يعني: أولاً: تكلمنا في الدرس السابق عن قضية القدس وفلسطين والفرق بينهما فهو يعني: صغر القضية جداً وجعلها القدس، ثم لم يقل إسلامية أيضاً، ضيع الوجهة أصبحت القدس عربية، وأشد من هذا أنك عندما تنظر إلى هذا الملصق تجد أنه قد رسم عليه قبة الصخرة ولم يرسم عليه المسجد الأقصى.

    اعتماد اليهود على المنطلق الديني في سعيهم لإنشاء دولتهم

    وهذه النقطة تحدثنا عنها في الدرس السابق وما فيها من تمييع تام للقضية؛ وهدر كامل لأسباب القوة.

    إسرائيل كانت في منتهى الذكاء أن ضربت على هذا الوتر لما قامت، وأطلقت على نفسها اسماً قومياً عنصرياً إسرائيل وهو يعقوب عليه الصلاة والسلام، وهو منهم ومن أمثالهم بريء، وكأن كل الدولة تقوم على أكتاف أولاد إسرائيل، مع أن معظم اليهود في إسرائيل ليسوا من أبناء يعقوب ولا حتى من الأسباط، بل هم من الذين دخلوا اليهودية في أوروبا الشرقية وأفريقيا بعد ذلك.

    اليهود ثلاث طوائف ضخمة جداً، منشئوا الدولة اليهودية والذين يسيطرون على أعلى وأهم المناصب حتى الآن هم من طائفة يهودية تسمى الإشكانيزيين، والإشكانيزيون هؤلاء في اللغة العبرية تعني: الألماني؛ لأنهم كانوا يعيشون زماناً طويلاً يتكلمون لغة مكونة من خليط من الألمانية والعبرية، عاشوا في ألمانيا وشرق أوروبا وروسيا، وهم جميعاً من سلالات قبائل الخزر الوثنية الذين كانوا يسكنون في تلك المناطق، واعتنقوا اليهودية في القرن العاشر الميلادي يعني: في زمن حديث جداً، ولا يمتون بأي صلة عرقية لبني إسرائيل، ويطلق عليهم أحياناً اليهود الغربيون، هل تعلمون كم يمثلون هؤلاء من اليهود في العالم؟ قرابة 80%، 80% من يهود العالم ليسوا من أصل إسرائيل، ومنهم معظم يهود الولايات المتحدة الأمريكية الذين هاجروا إليها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ومن هؤلاء خرج معظم زعماء الحركة الصهيونية وقادة إسرائيل الآن.

    المجموعة الثانية من اليهود: هم اليهود الشرقيون، يطلقون عليهم اسم السفرديين، وهم الذين عاشوا فترات طويلة في بلاد المسلمين، سواء في الأندلس أو في شمال أفريقيا أو في مصر أو تركيا أو إيران، وهؤلاء يتكلمون إما العربية وإما لغة أخرى تعرف باسم اللدينو خليط بين العبرية والأسبانية، ولذلك سموا بالسفرديين، والسفردي بمعنى: أسباني، وهؤلاء معظم أبناء اليهود الذين شتتهم الرومان من فلسطين.

    المجموعة الثالثة: هي يهود الفلاشا المشهورة، وهم اليهود الذين يعيشون في أفريقيا وبالذات في أثيوبيا، إذاً: معظم يهود العالم ليسوا من أبناء إسرائيل، كما أنه ليس كل أبناء إسرائيل ظلوا على يهوديتهم، فكثير من أبناء إسرائيل دخلوا النصرانية على مدار عشرين قرناً سابقة، وكثير منهم أيضاً دخلوا الإسلام على مدار أربعة عشر قرناً سابقة، وهؤلاء النصارى أو المسلمون وإن كانوا من أبناء إسرائيل إلا أن اليهود لا يدينون لهم بأي ولاء، بل على العكس يكنون لهم كل الكراهية والبغض.

    إذاً: ما الشيء الذي جمع شتات اليهود من كل بلاد العالم؟ ما هو الشيء الذي ضم كل العنصريات المختلفة الأوربية والروسية والأفريقية، والعنصريات التي أصلاً من بني إسرائيل؟ هذا الشيء هو الديانة اليهودية وليس العنصرية الإسرائيلية.

    يعني: كلمة إسرائيل لا تمثل حقيقة الدولة، والتسمية الصحيحة المناسبة لهذه الدولة هي دولة اليهود، وهذه التسمية كانت تطرح في أروقة الأمم المتحدة قبل قيام إسرائيل (جيويش استيت) أو دولة اليهود، ومع ذلك لما قامت في سنة ثمانية وأربعين سمت نفسها إسرائيل؛ وذلك لأنها لو أطلقت على نفسها الدولة اليهودية كان بالتبعية أن يطلق على من حولها الدولة الإسلامية، وهذا شيء بالغ الخطورة على إسرائيل، فهي لا تريد استثارة النوازع الدينية عند المسلمين، فيصبح الإسلام في مقابلة اليهودية، ويفقه المسلمون المعركة كما فقهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يعلمون مواطن القوة في جيش المسلمين، والمسلمون لا يعلمون مواطن القوة في جيشهم، هم يريدون أن يفهم المسلمون المعركة على أنها حرب بين عنصرين بين أبناء إسرائيل وبين أبناء يعرب العربي، فتصبح إسرائيل في مقابلة العرب، ويصبح الصراع اسمه الصراع العربي الإسرائيلي، وليس الصراع الإسلامي اليهودي. وشتان.

    وبالتأكيد فإن اليهود قد قرءوا جيداً تاريخ المسلمين، وعلموا أن لحظات الانتفاضة الحقيقة والنصر المبين للمسلمين لا تكون إلا تحت راية الإسلام، أما غيرها من الرايات فلا يتحقق تحته نصر، فقال اليهود : فليحاربنا المسلمون تحت أي راية، فسوف ننتصر عليهم. تحت راية العروبة أو تحت راية الاشتراكية أو تحت راية الرأسمالية أو تحت راية الفلسطينية أو الفرعونية أو الفينيقية أو أي راية، إن ذلك ليس مهماً، المهم عندهم عدم وجود راية الإسلام، انظر إلى كلام بن غوريون أول رئيس لإسرائيل: نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات، نحن فقط نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً، وبدأ يتململ من جديد.

    كذلك شيمون بيريز في مؤتمر انتخابه كان يقول: لا يمكن أبداً أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهراً سيفه، ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه، نسأل الله أن يخيب ظنه، ولن يغمد الإسلام سيفه أبداً.

    إذاً: القتال تحت راية العروبة بدلاً من راية الإسلام شيء خطير لما ذكرناه أولاً؛ لأنه لا يهمنا من عاش فيها أولاً، المهم متى فتحت؟

    ثانياً: لأننا لا يشرفنا الانتماء إلى كنعان العربي الوثني.

    ثالثاً: لأننا قد ننسى البلاد الإسلامية المحتلة وهي غير عربية.

    رابعاً: لأننا سنفقد الوحدة مع مليار مسلم غير عربي.

    خامساً: وهو الأخطر على الإطلاق: لأننا سنفقد عنصر القوة الرئيسي وهو قوة العقيدة الإسلامية وتأييد رب العالمين.

    فإن قيل: كون فلسطين عربية ليس فيه ضرر؟

    أقول: لا، هناك فرق، نحن لا نتشرف بالعربية العنصر والأرض، ولكن نتشرف باللغة العربية التي هي العربية اللسان، فمن تحدث العربية فهو عربي ولو كان أبواه من العجم، ومن لم يتحدث العربية فهو ليس بعربي ولو كان أبواه قرشيين، هذا هو المعيار الحقيقي، فيجب أن نحث أولادنا وأنفسنا على تعلم اللغة العربية والاعتزاز بها؛ لأنها لغة القرآن، وهي مشرفة على غيرها من اللغات، بل هي لغة أهل الجنة، أما الاعتزاز بالعنصر فهذا أمر مرفوض تماماً.

    إن الذي يتكلم اللغة العربية يستطيع أن يقرأ القرآن ويفهمه ويستنبطه، وهكذا الحال مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب الفقه والتفسير والعقيدة وغيرها من الكتب، وشتان بين اللغة الأصلية وبين التراجم، فإن الذي يستطيع أن يقرأ الإنجليزية يحاول أن يقرأ الآيات باللغة الإنجليزية ويحاول أن يقرأ ترجمة القرآن الكريم، ويلاحظ ببساطة شديدة الفرق بين لغة القرآن وبين الترجمة، فهي ثغرة عظيمة وقع فيها المسلمون العرب، فعلى المسلمين أن يفقهوا الدين ويوصلوه إلى غير العرب، ويعلموهم العربية حتى يستمتعوا بالقرآن والحديث بأنفسهم.

    وتعلم العربية واجب أيضاً على غير العرب، وعليهم أن يتخذوها بديلاً عن لغتهم، ويربطوا أنفسهم بالكيان الإسلامي الكبير المجتمع على كتاب الله سبحانه وتعالى، وعلى حديث رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فبهذه اللغة يفهمون دستور حياتهم وسبيل نجاتهم، وأهل فلسطين جميعاً يتكلمون العربية ويقرءون القرآن ويفهمون الحديث، وهذا يزيدهم شرفاً إلى شرفهم، وعزاً إلى عزتهم بدينهم ولغتهم، وليس لعنصرهم وأصلهم.

    هذا كان الاختيار الرابع، أننا لا نحرر فلسطين لكونها عربية بل لكونها إسلامية.

    جعل قضية إعادة اللاجئين القضية المحورية والهدف الأساسي

    الاختيار الخامس وهو أمر يقاتل من أجله بعض المسلمين، ولكن ليس بالأمر المنتشر، فبعض المسلمين يقاتل فقط من أجل إعادة اللاجئين إلى أرض فلسطين. فأقول: إن هذا هو ما تريده إسرائيل تماماً، أن تجعل القضية قضية لاجئين، وهنا تتدخل إسرائيل وتعرض حلولاً بتعويض اللاجئين مالاً وإسكانهم في مكان خارج فلسطين، يعني مثلاً: في الأردن أو في لبنان أو في مصر أو في ليبيا أو في أي مكان، وقد عرض بالفعل هذا من قبل، وليس هذا بجديد.

    كان موشى ديان يتعجب قائلاً: يريدون إعادة اللاجئين إلى إسرائيل وهي تبلغ من المساحة 28 ألف كيلو متر مربع فقط -يقصد بذلك مساحة كل فلسطين- وعندهم من الأرض ما تبلغ مساحته أكثر من 14 مليون كيلو متر مربع. إشارة إلى مساحة الدول العربية المحيطة، وهو بذلك يريد أن يضيع القضية، ويشير إلى أن القضية ليست قضية أرض، إنما القضية قضية أناس لا يجدون مكاناً يسكنون فيه، فنحن سنسكنهم في أماكن أفضل من الأماكن التي سكنوا فيها من قبل، فتجد أنه بسهولة شديدة جداً يستطيع الفلسطينيون أن يهاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويحصلوا هناك على الجنسية الأمريكية، فيعيشون هناك في أمريكا ويتركوا أرض فلسطين.

    إذاً: هناك طرح إسرائيلي بعرض مال أو بدل أو تعويض للاجئين على أن يتركوا أرض فلسطين.

    البديل الآخر: أن يعودوا إلى فلسطين تحت الحكم اليهودي، وبذلك يصبحون مثل عرب إسرائيل الآن، وهم مجموعة من العرب مضطهدة تحت حكم اليهود، يعاملون بعنصرية واضحة وسيطرة كاملة، ولو سمح لهم برفع صوت فلن يكون إلا من خلال الأحزاب اليهودية الليكود أو العمل، ولو زاد الصوت عن حده لابد أن يكون العقاب إما قطع اللسان أو قطع العنق.

    هذا بلا شك تضييع كبير جداً لمفهوم القضية الصحيح، وهو أن يعود اللاجئون إلى الأرض حاكمين وليسوا محكومين بالحكم اليهودي، فلا يعيشون تحت وطأة اليهود هناك فيما يسمى بإسرائيل.

    إذاً: هذا الطرح غير مقبول بالمرة، ومع ذلك يردده بعض الناس، لكن لا نقبله لا شرعاً ولا عقلاً.

    جعل قضية إنقاذ الفلسطينيين من الإبادة هي القضية الأساسية

    الاختيار السادس والأخير: هل نحرر فلسطين لوقف نزيف الدماء؟

    كثير من المسلمين يتحرك لحل قضية فلسطين بنية وقف نزيف الدماء، وهذا ولا شك هدف نبيل وعظيم وكريم، وقد تحدثنا من قبل عن حرمة دماء المسلمين، وأنها أغلى من الأقصى الشريف، ولكن ما الثمن الذي سيدفع لإنقاذ الدماء الطاهرة والأرواح الزكية؟

    قبل الإجابة عن هذا السؤال، أسأل سؤالاً آخر: ما هي الأهداف التي من أجلها شرعت القوانين في الإسلام؟

    وضعت الشريعة الإسلامية لحفظ خمسة أمور مرتبة بحسب الأهمية: الدين.. النفس.. النسل.. المال.. العقل.

    فأول هذه الأشياء الدين، ويبذل كل شيء للحفاظ على الدين، حتى النفس تبذل للحفاظ على الدين؛ ولذلك شرع الله الجهاد في سبيله، وحض الإسلام على التضحية بالنفس والمال من أجل حفظ الدين نشره وتعليمه، ثم النفس مقدمة على النسل؛ لذلك إن كانت حياة الأم مهددة بالخطر يضحى بالنسل من أجل الحفاظ على النفس، والنفس أيضاً مقدمة على المال؛ لذلك يبذل المال كله للحفاظ على نفس المؤمن، كذلك النفس مقدمة على العقل، فإن كاد الرجل أن يهلك عطشاً جاز له أن يشرب خمراً مع أن هذا سيذهب عقله لكن النفس مقدمة.

    إذاً: النفس مقدمة على كل هذه الأشياء، لكن ليست مقدمة على الدين، فلا يضحى بالدين من أجل النفس؛ لأن الدين هو المقصد الأول للشريعة.

    وفي قضية فلسطين ذكرنا أن تحرير أرض فلسطين فرض عين على المسلمين، فرض عين على المسلمين، نعم؛ لأنها أرض فتحت بالإسلام وحكمت بالإسلام، ثم احتلت من قبل اليهود؛ لتحكم بشرع غير شرع الإسلام، وبدين محرف وبقوانين علمانية وبتغييب للدين، وكون تحرير أرض فلسطين يأخذ هذا المنطلق يجعل هذا التحرير جزءاً من الدين.

    إذاً: إضاعة أرض فلسطين هي إضاعة للدين ومن أجل حفظ أرض فلسطين -أي: حفظ الدين- يبذل كل شيء حتى النفس، بل من أجل حفظ أشبار من أرض فلسطين تبذل النفس، فالدفاع عما تملك جزء من الدين، ومع أن المال مؤخر عن النفس لا يكون ذلك إلا عندما تنفقه مختاراً، لكن إذا أخذ رجل مالك عنوة شرع لك الله أن تقاتل دون مالك وقد تبذل النفس؛ لأن احتلال المال أو سرقة المال أصبحت تضييع للدين.

    روى الترمذي والإمام أحمد عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)، هذا للدفاع عن شيء تملكه، فما بالك بالدفاع عن أرض إسلامية محتلة؟ هذا أمر ليس لك أن تتركه ولست مخيراً في ذلك، بل هذا قد فرض فرضاً عينياً على كل أهل فلسطين، وإن لم يقفوا فرض على أمة المسلمين جميعاً.

    نرجع للسؤال الأول: كثير من المسلمين يتحركون لإنقاذ دماء فلسطين ترى ما هو الثمن الذي سيدفع لإنقاذ هذه الدماء؟ إن كنت ستدفع مالاً لإنقاذه فهذا مقبول، وإن كنت ستدفع عقلاً وفكراً ومجهوداً لإنقاذه فهذا أيضاً مقبول، وإن كنت ستبذل نفسك من أجل نفسه فهذا مقبول وهو من باب الإيثار، لكن أن تبذل أرضاً ولو شبراً من أرض المسلمين لإنقاذ الأرواح فهذا ليس بمقبول؛ لأن بذل الأرض تضييع للدين، وبذل النفس حفظ للدين.

    إذاً: لا يستقيم أبداً أن أحرك بسرعة مفاوضات السلام كما يقولون لإنقاذ أرواح الفلسطينيين الأبرياء في مقابل إعطاء 80% من أرض فلسطين لليهود، نعم يا إخوة! منتهى أحلام المفاوضين الفلسطينيين أن يحصلوا على 22% من أرض فلسطين، ويعترفون بعد ذلك لإسرائيل بـ78% من الأرض، وهذا في حال لو وافقت إسرائيل على ذلك، إذاً: نخرج بقاعدة من هذا الحوار وهي: يقدم الدين على كل شيء، ومن أجله يبذل الغالي والثمين وإن كان نفساً أو مالاً، غير أن لنا تعليقات أخرى على قضية دماء الفلسطينيين في الانتفاضة.

    1.   

    تعليقات على قضية دماء الفلسطينيين في الانتفاضة

    تحرير أرض فلسطين لا يكون إلا ببذل الدماء الزكية

    أولاً: قد يقول قائل: أليس هناك طريقة لتحرير فلسطين من غير الدماء الكثيرة التي تبذل؟ وسبحان الله! الإجابة بمنتهى الأسف: لا، لا يمكن، سنة من سنن الله في الأرض أن الشعوب لا تحرر إلا بالدماء والتضحيات والبذل والعطاء، كل الشعوب حتى الشعوب غير الإسلامية، فيتنام لم تحرر من العدوان الأمريكي إلا بعد أن بذل شعب فيتنام دماءه من أجل تحرير أرضه، وهم ليسوا أصلاً على ملة من الملل، ولا يرجون أجراً ولا ثواباً، لكن ثمن الحرية عظيم، ولا يمكن أبداً أن يأخذ الناس حقوقهم من الطواغيت والجبابرة والمحتلين حول طاولة مفاوضات، فلو قعد الفيتناميون مع الأمريكان ألف سنة حول طاولة المفاوضات ما خرج الأمريكان من أرضهم، ولو قعد الليبيون مع الإيطاليين ألف سنة حول طاولة مفاوضات ما خرج الإيطاليون من ليبيا، ولو قعد الجزائريون مع الفرنسيين ألف سنة حول طاولة المفاوضات ما خرج الفرنسيون وهكذا.

    فلماذا ستشذ فلسطين عن القاعدة؟! لماذا يعتقد المفاوضون الفلسطينيون أن إسرائيل سوف تعطيهم حقاً حول طاولة مفاوضات، مع أنهم يعلمون أن اليهود أخس وأنذل ألف مرة من المحتلين السابقين سواء كانوا أمريكاناً أو إنجليزاً أو إيطاليين، وقد يقول قائل: مصر أخذت أرضها بالسلام، وأخذت سيناء بالسلام. سأقول له أيضاً: لا، فإن مصر بذلت الدماء الزكية في أكتوبر سنة 1973م وبذلك حركت الأمور خطوة، كما أن الجزء الذي حررته مصر بالسلاح تستطيع أن تدافع عنه بالسلاح، أما الجزء الذي أخذته مصر بالسلام في كامب ديفيد للأسف جزء ضعيف وهزيل، وليس فيه جيش مصري يدافع عنه، وهذا من العيوب الخطيرة في كامب ديفيد، وسيأتي الحديث عن ذلك بالتفصيل إن شاء الله في محاضرة لاحقة.

    ليس معنى هذا: أننا ضد السلام بل على العكس: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال:61]، لكن لا يكون الدين أبداً ثمناً للسلام، ولابد للسلام أن يرد الحقوق كاملة لأصحابها، وأول الحقوق هو حق الله عز وجل.

    شهداء فلسطين لن يعدموا الأجر من الله

    التعليق الثاني على قضية الدماء في فلسطين: نقول: هل ضاعت الدماء التي بذلت في انتفاضة تهدف إلى تحرير فلسطين؟

    أبداً والله، نحن لا نقول: ضاعت بل نقول: فازت، يا إخوة! إنها الشهادة، فلا تعتقد أبداً أن هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله قد خسروا أرواحهم، وماتوا في عز شبابهم، وضاعت أحلامهم وآمالهم لا، إن هؤلاء بدءوا حياتهم بموتهم، وعجل لهم من الكرامة والفضل بمجرد موتهم ما يعجز عنه البيان، والحسابات عند الله يا إخوة! مختلفة تماماً عن حسابات البشر، لكن كثيراً من البشر ينظر إلى النتائج، والله سبحانه وتعالى ينظر إلى الأعمال والنيات ولا ينظر إلى النتائج، فكثير من الصحابة الصادقين ماتوا قبل أن يروا نصراً أو تمكيناً، ومع ذلك هم في أعلى عليين، فلم يحرم من الأجر ياسر وسمية رضي الله عنهما والدا عمار بن ياسر ، وقد قتلا في فترة مكة دون نصر ولا تمكين، ومع ذلك يمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: (صبراً آل ياسر! فإن موعدكم الجنة)، كذلك خبيب بن عدي ومصعب بن عمير وحمزة بن عبد المطلب وسعد بن الربيع وغيرهم، هؤلاء استشهدوا في أحد دون أن يشاهدوا دولة الإسلام قائمة، لكن ما ضاع أجرهم، فحسابات الله سبحانه وتعالى مختلفة تماماً عن حسابات البشر.

    رجل أنفق عاماً كاملاً لدعوة زميله إلى الصلاة وفعل الخيرات وترك المنكرات، ثم أبى ذلك الزميل إلا أن يستمر في شهواته -هل ضاع على الداعي هذا المجهود؟ أبداً والله ما ضاع؛ ذلك لأن الله يحاسب على العمل والنية، ولا يحاسب على النتيجة، فشهداء أحد يشبههم شهداء فلسطين الآن، فقد بذلوا أرواحهم دون نصر مادي ملحوظ، ومع ذلك اسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى مسلم في صحيحه عن مسروق رحمه الله قال: (سألنا عبد الله عن هذه الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم إطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)، فهل تريد أن تحرم شباب فلسطين من هذا الأجر والنعيم؟

    يؤكد المعنى السابق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا، إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة).

    روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعلمت أن الله أحيا أباك فقال له: تمن؟ فقال له: أرد إلى الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى، قال: إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون).

    روى البخاري عن جابر قال: (لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبكه. ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعت).

    إذاً: ملخص التعليقات التي ذكرناها على قضية وقف نزيف الدماء: أن هذه الدماء غالية جداً ولكن أولاً: الشعوب لا تحرر إلا ببذل الدماء، ثانياً: الدماء التي بذلت دماء طاهرة بذلت في سبيل الله ففازت بالنعيم، والله يحاسب على الأعمال والنيات، ولا يحاسب على النتائج.

    شهداء فلسطين أعدادهم قليلة بالنسبة لمقاييس تغيير الأمم

    تعليق ثالث على بذل الدماء في فلسطين: كم من الشهداء سقط حتى الآن في أرض فلسطين؟ سبعمائة شهيد ثمانمائة شهيد ألف شهيد، فهذه يا إخوة أرقام لا تمثل شيء في مقاييس تغيير الأمم، وعلى سبيل المثال لا الحصر في مذبحة صبرا وشاتيلا قتل من المسلمين الفلسطينيين أكثر من ثلاثة آلاف في يوم واحد، وثورة سنة 1937م -كما سيأتي تفصيلها إن شاء الله في الحديث عن تاريخ فلسطين- استشهد فيها من أهل فلسطين 12 ألف مسلم ولم يحن الوقت، الطريق طويل، 12 ألف مسلم في سنة 1937م قد لا نعلم عنهم شيئاً، لكن الله يعلمهم.

    مليون شهيد بذلوا في الجزائر لتحرر، ومليون شهيد بذلوا في أفغانستان لتحرر من روسيا كما تعلمون، ثم انظروا كم من القتلى يموتون دون هدف، مائة ألف قتلوا في زلزال الهند المدمر، ثمانون ألفاً من المدنيين قتلوا في هيروشيما على يد الأمريكان كما تعلمون في سنة 1945م وبعدها بثلاثة أيام قتل ثمانون ألفاً من المدنيين، في مدينة ناجازاكي، مع أن إمبراطور اليابان كان قد اتخذ قرار للاستسلام قبل ضرب أمريكا اليابان بهذه القنابل، كما أن اليابان لما ضربت أمريكا لم تضرب إلا أهدافاً عسكرية، كذلك مائتان وخمسون ألف مدني ولاجئ في مدينة برزبن تم حرقهم بقنابل فسفورية في ليلة واحدة في يوم 13 فبراير سنة 1945م، وذلك بقصف الطائرات الأمريكية والإنجليزية المتحضرة.

    مليونا شخص ماتوا في السودان من سنة 1973م إلى سنة 2001 نتيجة الحرب الأهلية والمجاعة والفيضانات، 22 مليون قتيل بالإيدز، هذا غير 37 مليون حامل للمرض، مع أن عمر الإيدز في الأرض لا يزيد على 20 سنة، خمسة ملايين منهم ماتوا في العام السابق فقط، أمريكا قتلت 20 مليوناً من الهنود الحمر؛ ليستوطنوا بعد ذلك في أمريكا هل تعرفون قدر ضحايا الحرب العالمية الثانية، وكانت حرباً بلا هدف نبيل، قتل في أقل تقدير في الحرب العالمية الثانية 50 مليوناً من البشر، وبعض التقديرات تقول: قتل في الحرب العالمية الثانية 65 مليوناً، وتعرفون طبعاً قضية نقل العبيد من أفريقيا إلى أمريكا التي قامت بها فرنسا وإنجلترا، وكانت لعملية النقل ضحايا ماتوا جراء هذا النقل، بلغ عددهم في أقل تقدير 100 مليون من البشر.

    لذلك لما أرادوا إثارة هذه القضية في أحد المؤتمرات رفضت فرنسا وإنجلترا والدول الغربية وأمريكا أن يدفعوا تعويضات لمائة مليون، وهابوا أن يكشفوا عن هذه الفضائح أمام العالم المتحضر، والكلام هذا ليس قديماً، بل هو من مائة وخمسين سنة أو مائتي سنة، مع أن فرنسا تسمى بلد الحرية والمساواة والنور كما يتحدثون عنها، هي التي قامت مع إنجلترا بهذا القتل البشع لمائة مليون من البشر في أفريقيا، فهذه أرقام ضخمة جداً كما ذكرنا، ورقم ألف لا يعني شيئاً أبداً في تغيير الأمم، لكنهم جميعاً يموتون في غاية نبيلة في أرض فلسطين.

    اليقين الكامل أن العمر لا يزيد ولا ينقص عما قدره الله

    رابعاً: عند المسلمين يقين كامل أن العمر لا يزيد ولا ينقص عما قدره الله سبحانه وتعالى، وأن الأجل محتوم: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، محمد الدرة الطفل الشهيد الذي استشهد وهو يبلغ من العمر 12 عاماً في مشهد مأساوي مؤثر للغاية، هذا الغلام لو لم يخرج من بيته لمات في داخل بيته، ولكن الله قدر سبباً معيناً لموته فخرج لهذا السبب: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154]، لكن انظر إلى فضل الله وكرمه، لو مات هذا الغلام في بيته لحزن عليه أبواه وإخوته فقط وإلى أجل محدود، أما باستشهاده بهذه الصورة فقد أحيا أمة، كاملة من أندونيسيا إلى المغرب وسيظل المؤرخون يؤرخون بموته بعد ذلك.

    فانظر إلى الفضل والكرم من رب العالمين سبحانه وتعالى لما شرع لنا الجهاد في سبيله.

    إذاً: نوجز الحديث السابق كله في أن السبب الرئيسي الذي من أجله نحرر فلسطين هو لأن فلسطين أرض إسلامية، أمر سبحانه وتعالى بتحريرها، وتحرير كل أرض إسلامية أخرى محتلة؛ ولا نحررها لكونها تحتوي في داخلها على القدس أو الأقصى فقط وإن كان هذا قد زادها شرفاً وعزاً، ولا نحررها لكونها عربية مع أن اللغة العربية قد زادتها قيمة وقدراً، ولا نحررها لمشكلة اللاجئين مع أن هذا أمر مهم، عليهم أن يعودوا حاكمين إلى البلاد، ولا نحررها لوقف نزيف الدماء وإن كانت هذه الدماء غالية وثمينة وطاهرة، ولا نحررها لأن فلاناً أمر أو فلاناً نصح أو فلاناً أشار، ولكن نحررها سمعاً لربنا وطاعة له، وامتثالاً لكتابه، وتطبيقاً لشرعه، نحررها أملاً في جنة الرحمن وهرباً من النيران.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وجزاكم الله خيراً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767203690