أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فمع الدرس السابع عشر من دروس السيرة النبوية: العهد المدني: فترة الفتح والتمكين.
في الدرس السابق تعرفنا على النتائج العظيمة لغزوة تبوك ورأينا قدوم الوفود الكثيرة إلى المدينة المنورة لتعلن إسلامها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لكل شيء نهاية، ولكل أجل كتاب، ولكل قصة خاتمة، وكثيراً ما نرى أن عمر الإنسان ينتهي دون أن يرى حلمه يتحقق، أو دون أن يشاهد خطة تنجح، لكن من سعادة الإنسان حقاً أن يطيل الله عز وجل في عمره حتى يرى ثمار عمله، ونتيجة جهده، فيسعد لذلك أيما سعد، ويشعر أن تعب السنين لم يذهب هباء منثوراً، نعم، لا يشترط للإنسان المخلص أن يرى نتيجة كده وتعبه، ولكن لا شك أنها نعمة من الله عز وجل ومنة عظيمة لا تقدر بثمن.
وقد عاش الرسول عليه الصلاة والسلام حتى رأى الجزيرة العربية بكاملها تقريباً تدخل في الإسلام، وتقر به، بعد حرب ضروس، بعد مقاومة عنيفة شديدة، ها قد دخل الناس في دين الله أفواجاً، ها قد مكن للإسلام وارتفعت راية التوحيد في كل مكان، ها قد عادت الكعبة المشرفة إلى حقيقتها، صارت كما كانت أيام إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوحد فيها الله عز وجل، ولا يشرك به أحد أبداً.
لا أستطيع وصف سعادة الرسول عليه الصلاة والسلام الصلاة والسلام بكل هذا الخير.
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يسعد إذا رأى رجلاً واحداً يؤمن، كان يقول: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم).
فها هو الآن لا يرى رجلاً ولا رجالاً يؤمنون، بل يرى الجموع الغفيرة والقبائل العظيمة والبلاد الكثيرة تدخل في دين الله أفواجاً.
فهذا التمكين يحمل معنى آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعموم المسلمين وهو أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم قد أشرفت على الانتهاء، ومهمة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت البلاغ، وها قد تحققت مهمته على الوجه الأكمل، ووصلت رسالته بيضاء نقية إلى كل الجزيرة العربية، بل وتجاوزت ذلك إلى ممالك العالم القديم، ووصلت الدعوة إلى فارس والروم ومصر واليمن والبحرين وعمان وغيرها، واكتملت كل بنود الشرع الحكيم.
وإذا كان قد حدث ذلك فمعناه: أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاربت هي الأخرى على الانتهاء.
ومع كل الألم الذي يصاحب النفس عند تصور ذلك، إلا أن الواقع يخبر أن لكل شيء نهاية، ولكل أجل كتاباً، ولكل قصة خاتمة.
ففي أواخر العام العاشر من الهجرة كان واضحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته أن أجل الحبيب صلى الله عليه وسلم قد اقترب، ومن رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى أنه مهد لهذا الموت بأحداث ومواقف وبعبارات كثيرة؛ وذلك ليهون على المسلمين مصابهم الفادح، ففتح مكة وإسلام هوازن وثقيف وقدوم الوفود تلو الوفود على المدينة المنورة كل ذلك علامة من علامات اقتراب الأجل، وأن المهمة قاربت على الانتهاء.
كذلك في شهر رمضان من السنة العاشرة من الهجرة اعتكف صلى الله عليه وسلم عشرين يوماً بدلاً من عشرة أيام كان معتاداً عليها، كل هذا كان تمهيداً لأمته أنه سيعتزلها ويبتعد عنها مدة أطول من المدة المعتادة، سيأتي وقت يبعد عنها بجسده تماماً، وإن كان سيظل بروحه وسنته وأقواله وأفعاله وتوجيهاته معهم إلى يوم القيامة.
وفي شهر رمضان أيضاً راجعه جبريل عليه السلام القرآن مرتين، بدلاً من مرة واحدة.
وفي شهر شوال توفي ابنه إبراهيم عليه السلام، ومع أن البعض كان يتمنى أن لو بقي شيء من عقبه صلى الله عليه وسلم ليذكرنا به، لكن هذه حكمة ورحمة من رب العالمين سبحانه وتعالى، فنحن رأينا مغالاة الشيعة في أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنته فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، ما بالك لو عاش له ولد، وكان له عقب ينتهي نسبهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لا شك أنها كانت ستتحول إلى فتنة عصمنا الله منها، ولله الحمد والمنة.
أيضاً في هذه الأيام بعث صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه إلى اليمن، وقال له: يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري.
هذه إشارات في منتهى الوضوح إلى أن أجله صلى الله عليه وسلم قد اقترب.
وفي شهر ذي القعدة من نفس السنة العاشرة بدأ صلى الله عليه وسلم في الاستعداد للقيام بالحج، للمرة الأولى والأخيرة في حياته صلى الله عليه وسلم، وهي الحجة التي عرفت في التاريخ بحجة الوداع.
ودعا إليها القبائل المختلفة من كل أنحاء الجزيرة العربية، وتجاوز المسلمون الذين حضروا هذه الحجة مائة ألف مسلم، وذكر بعض الرواة أن عدد المسلمين في هذه الحجة كان يزيد على (14000) من المسلمين، هذا عدد ضخم وهائل ومهول، وكانوا في غزوة تبوك التي وقعت قبل سنة واحدة فقط، كان المسلمون (30000) مقاتل فقط، وفي هذا الوقت (140000) بعد سنة واحدة من تبوك.
كانت حجة الوداع من أهم المعسكرات الإيمانية التي عاشها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام لعدة أيام، ومن أسعد اللحظات، فقد علمهم وأدبهم وأرشدهم ووضح لهم الطريق وبين لهم المعالم فيها، فهذه الحجة لم تكن مجرد أداء لفريضة، بل وضعت فيها وبوضوح القواعد التي عليها تبنى الأمة الإسلامية، والأمور التي بها تحافظ الأمة الممكنة على تمكينها في الأرض.
وخطب الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الحجة ثلاث خطب، في ثلاثة مواضع مختلفة، في هذه الخطب بصر صلى الله عليه وسلم الأمة التي كتب الله عز وجل لها التمكين بما يحفظ لها هذا التمكين ويقويه، وهذه الحجة العظيمة، تحتاج إلى دراسة خاصة، وإلى تفريغ جهد ووقت، لعل في هذه المحاضرات لا يتسع الوقت لتحليل حجة الوداع، وسنفرد إن شاء الله لها محاضرة خاصة أو محاضرتين، نتحدث فيهما عن الدروس المستفادة والقواعد الهامة المستنبطة من هذه الحجة العظيمة.
لكن في هذا الدرس سنمر سريعاً على بعض الوصايا التي حرص صلى الله عليه وسلم أن يوجهها إلى أمته.
الوصية الأولى: دستور المسلمين هو الكتاب والسنة، والاعتصام بهما يحمي من الضلال ويحفظ الأمة، ويقود إلى الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم: (وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي).
الوصية الثانية: الوحدة بين المسلمين على أساس الدين والعقيدة، لا على أساس العرق والعنصر، يقول صلى الله عليه وسلم: (تعلمون أن كل مسلم أخ للمسلم).
الوصية الثالثة: العدل، والعدل المطلق، فلا تقوم أمة ولا تستمر وهي ظالمة، مع وصية خاصة بالنساء، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس إن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً).
الوصية الرابعة: التحذير من الذنوب، والتنبيه على أن ما يحتقره العبد من الذنوب قد يؤدي إلى هلكته، والتحذير من الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به، فاحذروه على دينكم).
الوصية الخامسة: أن الاقتصاد الإسلامي ليس فيه مشروعية للربا، يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن ربا الجاهلية موضوع).
وفي رواية يقول: (قضى الله أنه لا ربا).
هكذا وضع ربا الجاهلية جميعها.
الوصية السادسة: البلاغ، مهمة هذه الأمة البلاغ، وأن تحمل رسالة رب العالمين سبحانه وتعالى إلى العالمين، قال صلى الله عليه وسلم: (فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع).
وأكثر صلى الله عليه وسلم من قوله: (ألا هل بلغت، اللهم فاشهد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد).
إذاً: مهمة الأمة الإسلامية: أن تحمل الرسالة إلى كل العالم.
الوصية السابعة: تأصيل مبدأ التيسير في الدين، وأن الشريعة كلها يسر، فقد أكثر صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة من قوله: (لا حرج، لا حرج، افعل ولا حرج، افعل ولا حرج).
وليت المسلمين يفقهون طبيعة هذا الدين، إن طبيعة هذا الدين هي اليسر: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).
الوصية الثامنة: السمع والطاعة لأمير المسلمين ما دام يحكم بكتاب الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي، ما أقام فيكم كتاب الله عز وجل).
الوصية التاسعة: أن الشرع يطبق على الحاكم كما يطبق المحكومين، ليس هناك استثناء أمام القانون قال صلى الله عليه وسلم (ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن
وقال عن الربا: (وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا
إذاً: تطبق الشريعة على الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وهو زعيم هذه الأمة، وعلى عموم الشعب بكامله ليس هناك استثناء.
الوصية العاشرة: على الدولة الصالحة أن تأخذ بيد شعبها إلى الجنة، وليس فقط أن توفر لهم سبل المعاش المريح، والحياة الرغيدة، قال صلى الله عليه وسلم: (وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت).
الدولة العلمانية لا تنظر مطلقاً إلى هذه النقطة، فليذهب الشعب إلى الجحيم إن أراد ذلك،المهم عندها قيم في الدنيا، لكن الدولة الإسلامية لا تنظر للشعب هذه النظرة الآنية السطحية التافهة، وإنما وظيفتها الأولى أن تسعى حثيثاً لهداية الناس إلى رب دين العالمين سبحانه وتعالى، ومن أدوارها أن تدعو شعبها بل وتدعو العالم كله إلى دخول الجنة، فتلك عشر كاملة.
لا شك أن كل وصية من هذه الوصايا تحتاج إلى تفصيل، ولا شك أيضاً أن الجوانب الفقهية الهامة في هذه الوصايا، تحتاج أيضاً إلى دراسة وافية.
وقد أكثر صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة من قوله: (خذوا عني مناسككم) لذلك هذا الأمر يحتاج إلى دارسة، ونسأل الله عز وجل أن ييسر لنا وقتاً نستطيع فيه الحديث عن هذه الأمور الهامة.
بعد هذه الحجة رجع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة، ومكث فيها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر من السنة الحادية عشرة للهجرة، وفي شهر صفر بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام في إعداد بعث حربي جديد للشام، لقتال الرومان؛ لأن الرومان قتلوا والي معان عندما أسلم، فكان لا بد من رد حاسم، وهذا هو الإعداد الثالث لمجابهة الدولة الرومانية العظمى: الأول: كان في مؤتة، والثاني: كان في تبوك، والثالث: بعث جيش أسامة بن زيد هذا.
وأمر صلى الله عليه وسلم على هذا البعث أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما، فالرسول صلى الله عليه وسلم يلفت أنظارنا بهذا الفعل إلى أمرين مهمين:
الأول: ليس من المهم من هو القائد، ولا نسب القائد، ولا عمر القائد، المهم هو كفاءة القائد، وأنه يحتكم في كل أموره إلى كتاب الله عز وجل، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والقائد في هذه المعركة أسامة بن زيد هو ابن مولى كان يباع ويشترى، وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه.
وفي نفس الوقت كان عمره ثماني عشرة سنة، أو حتى لم يبلغ الثامنة عشرة سنة، ومع ذلك يتولى قيادة هذا الجيش العظيم.
الأمر الثاني: أن طاقات الشباب هائلة، والرسول عليه الصلاة والسلام بأي حال من الأحوال لا يضيع جيشه، ولا يخاطر بمصير أمته بزعامة لا تتصف بكفاءة، وبخاصة أن الصراع القادم سيكون مع أعتى قوة في الأرض في زمانهم، ولو لم يكن صلى الله عليه وسلم موقناً تمام اليقين أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أهل لهذه المهمة لما ولاه، لا سيما أنه كان تحت إمرة أسامة مجموعة فذة من القادة العسكريين، ومن السابقين، ويكفي أن من جنود أسامة رضي الله عنهم في هذه المعركة عمر رضي الله عنه.
وهذا الفعل يبين لنا قيمة وإمكانيات الشباب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجهز الجيش الهام، وخرج من المدينة المنورة في اتجاه الشام في أواخر شهر صفر سنة إحدى عشرة للهجرة، لكن بعد خروجه مسافة خمسة أميال من المدينة المنورة سمع الجيش بمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتظروا في مكانهم، لم يكملوا الطريق؛ حتى يطمئنوا على صحة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
بدأ مرض الرسول عليه الصلاة والسلام الذي كان في نهايته الوفاة، ويصعب على النفس أن تتصور موت الرسول صلى الله عليه وسلم، فسبحان الله الذي ثبت أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الفاجعة.
ونحن بعد مرور أكثر من (1400) سنة على موت الرسول عليه الصلاة والسلام لا نستطيع أن نتمالك أنفسنا عند سماع أو قراءة قصة وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقد كانت بلا مبالغة أكبر مصيبة، وأعظم كارثة في تاريخ الأرض منذ خلقها الله عز وجل وإلى يوم القيامة.
ومع كون وفاة الأنبياء بصفة عامة مصيبة كبيرة على أقوامهم، إلا أن مصيبة وفاة الرسول عليه الصلاة السلام كانت أعظم وأجل، ليس فقط لكونه صلى الله عليه وسلم أعظم الأنبياء أو سيد المرسلين وإن كان كذلك صلى الله عليه وسلم، لكن كانت المصيبة الكبرى هي انقطاع الوحي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انقطاعاً أبدياً إلى يوم القيامة؛ لأنه لا يوجد نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى مدار ثلاثة وعشرين سنة كاملة تعود الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على نزول الوحي من السماء في كل لحظة، وفي كل ظرف وفي كل أزمة.
رحلة طويلة من الأحداث الساخنة والصاخبة والمعقدة كان الوحي فيها دليلاً للمسلمين وهادياً لهم، ومبصراً لعقولهم، ومطمئناً لأفئدتهم.
فما أعجب الحياة في ظل الوحي!
ولا شك أن البشر جميعاً يخطئون، والمؤمن الصادق يعتذر سريعاً عن خطئه ويتوب من قريب، لكن أحياناً تختلط الحقائق مع الأباطيل، فيتوه الصواب بين طرق الخطأ المتشعبة، فتجد الإنسان المسلم يأخذ أحياناً قراراً يحسبه سليماً صحيحاً شرعياً، بينما يكون الحق في خلاف ذلك، يحدث هذا مراراً وتكراراً معنا ومع الناس جميعاً، حتى إننا لا ندري أكنا على حق أم اخترنا الباطل؟ لكن في أيام الوحي كان الوضع مختلفاً عن وضعنا، كان إذا أخطأ الصحابة نزل الوحي يبين لهم الخطأ، ويبصرهم بالطريق، ويوضح الحق من الباطل، فيعلم الصحابة علماً يقينياً حدود الحق وحدود الباطل، حتى عندما كان صلى الله عليه وسلم يختار رأياً خلاف الأولى، كان الوحي ينزل بالتصويب وبترتيب الأوليات، وبتوضيح الفروق الدقيقة جداً بين الصحيح والأصح، وبين الفاضل والمفضول، كانت حياة عجيبة.
نعم، ترك الله عز وجل لنا منهجاً قيماً عظيماً نعرف به الحلال من الحرام ونرتب به الأوليات ترتيباً شرعياً سليماً، لكن ليس ذلك كما كان أيام الوحي.
وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يحبون الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من حبهم لأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم، بل أكثر من أنفسهم، وكلنا نعلم قصة امرأة بني دينار وذكرناها في غزوة أحد، عندما علمت باستشهاد أبيها وأخيها وزوجها في موقعة أحد، فقالت في لهفة: (ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو بخير كما تحبين، قالت: أرونيه، فلما رأته سالماً قالت: كل مصيبة بعدك جلل) يعني: صغيرة يسيرة؛ لذلك كانت مصيبة موت الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من كل المصائب التي حدثت في الأرض منذ خلقت وإلى يوم القيامة.
كيف كانت الأيام الأخيرة في حياته صلى الله عليه وسلم؟
لقد حرص صلى الله عليه وسلم في أيامه الأخيرة على توديع الجميع، حتى إنه لم يودع الأحياء فقط، بل ودع الأموات أيضاً، فقد خرج صلى الله عليه وسلم في أوائل شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة إلى أحد فصلى على الشهداء هناك وودعهم، ومن ثم رجع إلى المدينة المنورة، وصعد المنبر وأوصى الناس كما روى البخاري عن عقبة بن عامر قال: (إني فرطكم - يعني: أنا سابقكم إلى الله عز وجل-، وإني شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها).
وصايا من الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أمته في آخر حياته. وفي أواخره شهر صفر، خرج صلى الله عليه وسلم إلى البقيع حيث يدفن الموتى من أهل المدينة المنورة هو وأبو مويهبة وهو مولى للرسول عليه الصلاة والسلام، روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده والدارمي في سننه عن أبي مويهبة : (أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه من جوف الليل ذات ليلة فقال: يا
يعني: ما أنتم فيه الآن أفضل مما يعيش فيه الناس، ومما هم قادمون عليه.
ثم قال: (لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها، الآخرة شر من الأولى، يقول
في اليوم التاسع والعشرين من صفر شهد الرسول صلى الله عليه وسلم جنازة في البقيع، وعند رجوعه من البقيع بدأ المرض الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم، وكان قبل أسبوعين تماماً من وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد أصابه صداع شديد في رأسه، وارتفعت درجة حرارته جداً، حتى ربط عصابة على رأسه، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يشعرون بالحرارة من فوق العصابة.
كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم في منتهى الشدة، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تشعر هي الأخرى بصداع في رأسها، فقالت: (وا رأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنا وا رأساه).
ولعلها المرة الأولى في حياته صلى الله عليه وسلم التي لا يلتفت فيها إلى مرض السيدة عائشة رضي الله عنها؛ لشدة مرضه هو صلى الله عليه وسلم، ومع مرور الوقت اشتد المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كعادته ينتقل كل يوم من بيت زوجة إلى بيت أخرى، بحسب دورهن، لكنه مع اشتداد المرض عليه أصبح من الصعب عليه فعلاً أن ينتقل بين الحجرات، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يستقر في بيت إحداهن إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستقر في بيت أحب زوجاته إلى قلبه، السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، لكنه استحيا صلى الله عليه وسلم أن يطلب ذلك من زوجاته؛ لئلا يكسر نفوسهن، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: (أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ حتى جاء يوم
ففهمن أمهات المؤمنين رضي الله عنه، ومن أدبهن وحبهن له أذن له بالبقاء حيث يحب، فبقي صلى الله عليه وسلم في بيت السيدة عائشة من يوم خمسة من شهر ربيع الأول إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم يعني: بقي: أسبوعاً كاملاً.
في هذا الأسبوع كان لا يقوى صلى الله عليه وسلم على المسير، فكان يتحامل على الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكانت قدماه تخط في الأرض لا يقوى على المشي، وكان صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه، وقضى هذا الأسبوع الأخير كما ذكرنا كله في بيت عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يكاد يتكلم في هذا الأسبوع إلا بصعوبة شديدة، حتى قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رجلاً اشتد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه دخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً، فيقول
في يوم الأربعاء سبعة ربيع أول سنة إحدى عشرة هجرية قبل الوفاة بخمسة أيام ارتفعت درجة حرارة الرسول صلى الله عليه وسلم جداً، واشتد ألم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أغمي عليه أكثر من مرة، فلما أفاق في إحدى المرات أراد أن يخرج إلى المسلمين حتى يوصيهم، فما استطاع أن يتحرك صلى الله عليه وسلم.
هذه إشارة شديدة الوضوح باقتراب أجله صلى الله عليه وسلم.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم عرض نفسه للقصاص، فقال: (من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه).
يقول ذلك صلى الله عليه وسلم وهو الذي لم يظلم في حياته قط، بل كان دائم التنازل عن حقه، وما غضب لنفسه قط صلى الله عليه وسلم.
يقول ذلك وهو الذي كان يحب الرفق في كل شيء، وهو الذي لم يتلفظ بفحش ولا سوء، ولا طعن حتى في أشد مواقف حياته صعوبة صلى الله عليه وسلم.
ثم أوصى صلى الله عليه وسلم بالأنصار، فقال: (أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كرشي وعيبتي).
يعني: خاصتي وموضع سري: (وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم).
ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كلاماً مؤثراً غاية التأثير، روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن عبداً خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده، يقول
لم يدرك الصحابة في هذه الساعة ولم يتصوروا أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو العبد المقصود بالتخيير، ولكن الصديق رضي الله عنه بما له من حس مرهف وعلم واسع أدرك ذلك الأمر فبكى رضي الله عنه وقال: (فديناك بآبائنا وأمهاتنا، يقول
فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من هذه الوصايا المؤثرة في ذلك اليوم دخل بيته.
في يوم الخميس الثامن من ربيع أول يعني: قبل الوفاة بأربعة أيام حدث موقف هام، روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما اشتد به الوجع قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده -وفي البيت رجال فيهم
من الواضح أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يرى أن كتابة هذا الذي يريد كتابته أمر واجب ضروري، إنما هو أمر اختياري تقديري؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد هذا أربعة أيام ولم يطلب الكتاب مرة أخرى ليكتب، ولو كان ضرورياً لأمر به صلى الله عليه وسلم، لكن على الرغم من أن كتابة الكتاب لم تكن أمراً حتمياً، إلا أنه كان لغرض الإيضاح، وكان فيه خير ما، لكن منع المسلمون هذا الخير؛ بسبب اختلافهم وكثرة لغطهم.
والاختلاف دوماً يمنع كثيراً من الخير.
ضحى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخير الذي كانوا سيحصلونه في سبيل أن يمنع عنهم التنازع؛ ولأن وحدتهم كانت مقدمة عنده على ما دونها من مصالح.
وفي نفس هذا اليوم ثمانية ربيع أول سنة إحدى عشرة هجرية أوصى صلى الله عليه وسلم بثلاث وصايا:
قال صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
والوصية الثانية: (وأجيزوا الوفد، بنحو ما كنت أجيزهم به).
يعني: أعطوا الوفد جائزة كما كنت أعطيهم، يعني: أقروهم وأحسنوا ضيافتهم.
أما الوصية الثالثة: فنسيها أحد رواة الحديث، واختلف العلماء في تحديدها، فبعضهم قال: القرآن، وبعضهم قال: تجهيز جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وبعضهم قال: الصلاة.
وكان صلى الله عليه وسلم حتى ذلك اليوم وبرغم مرضه يصلي بالناس كل الصلوات، فصلى بهم ذلك اليوم الصبح والظهر والعصر، وبعد ذلك صلى بهم المغرب وقرأ في المغرب بـ(المرسلات عرفاً) ثم عاد إلى بيته صلى الله عليه وسلم وقد ثقل عليه المرض جداً، وأغمى عليه أكثر من مرة، ثم أفاق فقال: (أصلى الناس؟ قال الصحابة: لا، هم ينتظرونك، فقال صلى الله عليه وسلم ضعوا لي ماء في المخضب).
مكان يغتسل فيه صلى الله عليه وسلم، أراد الاغتسال لتخفيف درجة الحرارة حتى يقوم لتأدية صلاة العشاء، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (ففعلنا، فاغتسل فذهب لينوء فأغمي عليه صلى الله عليه وسلم، ثم أفاق، فقال أصلى الناس؟ قلنا: لا يا رسول الله، هم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا يا رسول الله، هم ينتظرونك، فقال للمرة الثالثة: ضعوا لي ماء في المخضب فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه للمرة الثالثة، ثم أفاق: فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله).
أرأيتم الحرص على صلاة الجماعة، والحرص على الذهاب إلى المسجد مع هذا المرض الثقيل وهذا الإغماء المتكرر؟! يا حسرتاه على أقوام أصحاء يتخلفون عن صلاة العشاء وغيرها من صلوات الجماعة، والمساجد على بعد خطوات معدودات من بيوتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟!
بعد هذه المحاولات المضنية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك أنه لن يستطيع الخروج لصلاة الجماعة، وللمرة الأولى في حياته صلى الله عليه وسلم -ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها- لم يستطع أن يتحرك، لكنه مع ذلك كان حريصاً على أمته حتى في أشد حالات مرضه صلى الله عليه وسلم، فما زال يردد: (أصلى الناس؟ أصلى الناس؟).
تقول عائشة رضي الله عنها: (والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة) في هذا الوقت قرر صلى الله عليه وسلم أن ينوب عنه واحد من المسلمين لإمامة المسلمين في الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: (مروا
في يوم الجمعة، صلى أبو بكر جميع الصلوات بالمسلمين وخطب بهم الجمعة في ذلك اليوم أيضاً، ولم يستطع صلى الله عليه وسلم الحركة مطلقاً في ذلك اليوم، وكان مما أوصى به في ذلك اليوم ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل).
في يوم السبت العاشر من ربيع أول صلى أبو بكر جميع الصلوات بالناس، لكن في أثناء صلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس شعر صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة، فقرر ألا يضيع الفرصة، فحاول أن يصلي مع الجماعة مرة ثانية، فخرج يهادى بين رجلين: العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ورجلاه تخطان في الأرض، حتى وصلا به إلى الصف الأول، فكان أبو بكر يؤم الناس في ذلك الوقت، فلما أحس أبو بكر بقدوم الرسول عليه والسلام، أراد أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، ثم أتي به صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلى جنب أبي بكر الصديق رضي الله عنه من ناحية اليسار، يعني: كان الرسول صلى الله عليه وسلم في موضع الإمام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالساً لا يستطيع القيام، وأبو بكر يصلي بصلاته، ويرفع صوته فيصلي الناس بصلاة أبي بكر .
مجهود هائل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يفوت صلاة واحدة مع الجماعة وهو يستطيع، مع أنه قد وصل إلى هذه الحالة التي وصفنا من التعب والمرض والإغماء.
في يوم الأحد الحادي عشر من شهر ربيع أول، يعني: قبل الوفاة بيوم واحد صلى أبو بكر بالمسلمين كل الصلوات، وتخلص صلى الله عليه وسلم من كل بقايا الدنيا التي عنده على بساطتها وقلتها، فأعتق ما تبقى من غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، ولم يترك في بيته عند موته من الطعام إلا القليل.
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني).
يقول أنس رضي الله عنه: (ما أمسى عند آل محمد صلى الله عليه وسلم صاع بر ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة) يعني: كل بيوته صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها الطعام الذي يكفيهم.
جاء يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول إحدى عشرة هجرية، وهو اليوم الذي شهد أعظم مصيبة في تاريخ البشرية.
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه صلى الله عليه وسلم يوم أن هاجر من مكة إلى المدينة، وما رأيت يوماً كان أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وشتان بين بداية هذا اليوم وبين نهايته، فأول هذا اليوم صلى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه صلاة الصبح بالناس، وكانت هذه الصلاة هي السابعة عشرة التي يصليها أبو بكر بالناس في وجود الرسول صلى الله عليه وسلم.
يقول أنس رضي الله عنه: (كان
يقول أنس (فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص
لم يستطع صلى الله عليه وسلم أن يصلي معهم، ولم يأت عليه في الدنيا صلاة أخرى صلى الله عليه وسلم، لما ارتفع الضحى من ذلك اليوم دعا صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها، ثم أسر في أذنها أمراً فبكت بكاءً شديداً رضي الله عنها وأرضاها، قال لها: (لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري؛ فإني نعم السلف أنا لك، فلما رأى صلى الله عليه وسلم بكاءها قال: يا
لكن السيدة فاطمة رضي الله عنها كانت تشاهد الألم والمعاناة التي يشعر بها الحبيب صلى الله عليه وسلم فدفعها ذلك إلى أن تقول: (وا كرب أبتاه فقال صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم).
وصدق صلى الله عليه وسلم كيف يشعر بالكرب من رأى مقعده من الجنة وهو حي على وجه الأرض؟! فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يمرض: (إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير).
أي: يخير بين الموت، وبين البقاء في الدنيا.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق، فأشخص بصره إلى السقف) يعني: نظر إلى السقف وكأنه يرى مقعده من الجنة، وكأنه يعرض عليه التخيير في هذه اللحظة، ثم قال: (اللهم الرفيق الأعلى).
فاختار لقاء الله عز وجل، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (إذاً لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح).
يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان أخبرهم بالتخيير.
واقتربت اللحظات الأخيرة من حياته صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن ينصح أمته حتى آخر أنفاسه صلى الله عليه وسلم، فكانت عامة وصية الرسول صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه).
يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بحاجتين في غاية الأهمية، الأولى: الصلاة، ثم كذلك يوصي بالرقيق والعبيد مما ملكت أيمانكم، ويجمع بينهما، لكي يؤكد على وجوب الإحسان إلى الرقيق.
يروي البخاري أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول: (إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي، وبين سحري ونحري).
السحر هو الصدر أو الرئة، والنحر هو الرقبة.
يعني: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يسند رأسه على صدر ورقبة السيدة عائشة رضي الله عنها، ثم تكمل عائشة رضي الله عنها وتقول: (وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل
أظلمت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله عليه السلام قد نورها يوم دخلها، فتحولت من يثرب إلى المدينة المنورة، والآن أظلمت نفس المدينة يوم مات الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكان موته فتنة حقيقة للأمة الإسلامية.
لقد اضطرب المسلمون اضطراباً شديداً حتى ذهل بعضهم ولم يستطع التفكير، وقعد بعضهم ولم يستطع القيام، وسكت بعضهم ولم يستطع الكلام، وأنكر بعضهم ولم يستطع التصديق.
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات و
كان يعتقد تماماً بعدم موته، حتى إنه يقول في رواية أخرى: (والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك).
أي: أنني كنت لا أعتقد إلا أنه لم يمت فعلاً، ثم قال عمر رضي الله عنه: (وليبعثنه الله عز وجل فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات).
كان هذا موقف عمر رضي الله عنه وأرضاه، وما أدراك من هو عمر .
يقول صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن أصحابه ويصف أصحابه قال: (وأشدهم في أمر الله
هذه هو أثر المصيبة على أشد الصحابة في أمر الله عز وجل.
انظروا إلى موقف عمر رضي الله عنه وأرضاه؛ لتعلموا عظم أثر المصيبة على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
ظل المسلمون على هذه الحال يتمنون صدق كلام عمر رضي الله عنه، حتى جاء الصديق رضي الله عنه، ودخل مسرعاً إلى بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، بيت ابنته عائشة رضي الله عنها، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراشه قد غطوا وجهه، فكشف عن وجهه، فلما أدرك الحقيقة المرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، بكى الصديق رضي الله عنه وأرضاه بكاء مراً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بالنسبة لـأبي بكر كل شيء، لم يكن رسولاً فقط بالنسبة له، لكن كان صاحباً وموطن سر، ومبشراً ومطمئناً، وزوجاً لابنته، ورئيساً لدولته، وهادياً لطريقه، كان كل شيء، ومع كل ذلك أنزل الله عز وجل علي الصديق ثباتاً عجيباً، لو لم يكن له من المواقف في الإسلام إلا هذا الموقف لكان كافياً على عظمته رضي الله عنه وأرضاه.
فأكب الصديق رضي الله عنه وأرضاه على حبيبه صلى الله عليه وسلم فقبله في جبهته، ثم قال وهو يضع يده على صدغي الرسول عليه الصلاة والسلام: وا نبياه، وا خليلاه، وا صفياه، ثم تماسك قائلاً بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله عز وجل الموتتين أبداً، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها، ثم أسرع رضي الله عنه وأرضاه خارجاً إلى الناس، فوجد عمر يقول ما يقول، ويقسم على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما مات، فقال: أيها الحالف على رسلك، وفي رواية قال: اجلس يا عمر ، لكن عمر لم يكن يسمع شيئاً، فتركه أبو بكر الصديق رضي الله عنه واتجه إلى الناس، فأقبل الناس عليه وتركوا عمر .
فخطب فيهم خطبته المشهورة الموفقة، التي تعتبر على قصرها من أهم الخطب في تاريخ البشرية، ثبت الله عز وجل بها أمة كادت أن تضل، وأوشكت أن تفتن.
قال رضي الله عنه وأرضاه في حزم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ينبه الصديق بفقه عميق على حقيقة الأمر، ويضعه في حجمه الطبيعي، فبرغم عظم المصيبة إلا أنها لا يجب أبداً أن تخرج المسلمين عن شعورهم وعن حكمتهم وعن إيمانهم، فحقيقة الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر، وحقيقة الأمر أن البشر جميعاً يموتون، وحقيقة الأمر أننا ما عبدناه لحظة واحدة، ولكننا جميعاً عبدنا معه رب العالمين سبحانه وتعالى، والله حي لا يموت، فلا داعي للاختلاط، ولا داعي للفتنة، ولا داعي للاضطراب، وما حدث أمر متوقع، وربنا حي لا يموت، وهو الذي سيجزينا على صبرنا ويعاقبنا على جزعنا.
ثم قرأ الصديق رضي الله عنه وأرضاه في توثيق عجيب آية من سورة آل عمران، تبصر المسلمين بالحقيقة كاملة، وتعرفهم تماماً بما يجب عليهم تجاه هذا الأمر.
قرأ الصديق رضي الله عنه: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها.
في هذه اللحظة أدرك الناس حقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
أخرجت هذه الآية الكريمة المسلمين من أوهام الأحلام إلى حقيقة الموت، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت، حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات.
يعني: عمر العملاق رضي الله عنه وأرضاه لم يتحمل المصيبة، فسقط مغشياً عليه، وارتفع البكاء في كل أنحاء المدينة.
قال أبو ذؤيب الهذلي رضي الله عنه: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء، كضجيج الحجيج أهلوا جميعاً بالإحرام، فقلت: مه؟ ماذا حصل؟ فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأثرت المصيبة تأثيراً شديداً على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فكانت تقول: (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً، فمن حداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري، فوضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم .) يعني: أضرب صدري ووجهي مع النساء.
مصيبة كبيرة أخرجت معظم الحكماء عن حكمتهم، لكن الحمد لله الذي من على هذه الأمة بـالصديق رضي الله عنه وأرضاه، فثبت الله عز وجل به الأمة بكاملها، وبدأت الأمة في أخذ خطوات عملية للخروج من الأزمة الهائلة.
كان أمام المسلمين أمران في غاية الأهمية، لا بد من حسمهما بسرعة، وهما: من يلي أمور المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فهذه دولة كبرى الآن لا بد لها من زعامة، وبرغم فداحة المصاب إلا أن واقعية الصحابة حتمت عليهم أن يختاروا من بينهم من يحكمهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة وبعد مشاورات ومداولات اختاروا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ثاني اثنين، والصاحب الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلم الصحابة وأتقى الصحابة وأفقه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
وقد فصلنا كثيراً هذا الأمر عندما تكلمنا عن الصديق رضي الله عنه وأرضاه في مجموعة المحاضرات الخاصة به.
أما الأمر الثاني فهو قضية تغسيل وتكفين ودفن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي قضية حساسة جداً ومحيرة، ومن القضايا الأولى التي سيأخذ فيها الصحابة رضي الله عنهم قراراً في غياب الرسول صلى الله عليه وسلم.
هناك من الأحكام الفقهية ما قد يكون خاصاً به صلى الله عليه وسلم، وهناك ما قد يكون عاماً على عموم المسلمين، أما الغسل لجسده الشريف فقد احتار الصحابة في أمره، قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟
فلما اختلفوا ألقى الله عز وجل عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا ورأسه على صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يرون من هو: أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء من فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم.
وهذا حديث صحيح رواه أبو داود وأحمد وابن حبان والحاكم وابن ماجة والبيهقي .. وغيرهم.
وقام بعملية الغسل مجموعة من الصحابة معظمهم من آل البيت، كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يغسله، وأسامة بن زيد وشقران مولى الرسول عليه الصلاة والسلام يصبان الماء، والعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وولداه قثم والفضل يقلبونه، وأوس بن خولي الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه يسنده على صدره، ثم بعد ذلك كفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية من كتان يعني من قطن، ليس فيها قميص ولا عمامة.
كان هذا الغسل والتكفين في صباح يوم الثلاثاء الثالث عشر من ربيع الأول، وكان الصحابة في هذا اليوم مشغولين بقضية الاستخلاف.
وبعد الغسل والتكفين وضعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على فراشه، ثم بدءوا في الصلاة عليه، ودخل الناس أرسالاً، يعني: كانوا يدخلون عشرة عشرة، صلى عليه أولاً أهل البيت، أهل بيته صلى الله عليه وسلم وعشيرته، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم بقية الرجال في المدينة، ثم دخلت النساء فصلت عليه، ثم بعد ذلك الصبيان، حتى صلى عليه جميع من بالمدينة من المؤمنين.
ثم كانت بعد ذلك قضية الدفن، واختلف الصحابة في مكان الدفن وفي كيفيته، أما مكان الدفن فقد قال بعضهم: يدفن في مسجده، وقال آخرون: يدفن مع أصحابه في البقيع فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض).
فقرروا أن يدفنوه صلى الله عليه وسلم في المكان الذي مات فيه في حجرة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
أما في كيفية الدفن فقد اختلفوا أيضاً في الدفن هل يشق له في قبره أم يلحد؟ على أن يلحدوا له، فجاء أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه ورفع فراش الرسول عليه الصلاة والسلام وحفر تحت الفراش، وأصلح اللحد الذي سيدفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ليلة الأربعاء بدأ الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في إنزال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره.
ونزل في قبره علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن عباس ، وشقران مولى الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين، وقيل: نزل معهم عبد الله بن عوف وقيل: أوس بن خولي .
وبعد أن وضع صلى الله عليه وسلم في قبره أهالوا عليه التراب، لتغلق أهم صفحة من صفحات التاريخ البشرية، لم يصدق الصحابة أنفسهم من كونهم يعيشون في الحياة بدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كونهم يمشون على الأرض وهو يرقد تحتها صلى الله عليه وسلم.
يقول أنس بن مالك : (ولما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي، وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا).
القلوب وكأنها ليست القلوب، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمدها بنور وهدى وأمان وراحة واطمئنان، أما الآن فقلوبنا ليست هي القلوب التي كانت يوم كان صلى الله عليه وسلم حياً بين أظهرنا.
تقول السيدة فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، كما جاء في البخاري : (يا
من المؤكد أن نفوسهم لم تطب بذلك، لكن ماذا يفعلون؟ قدر كتبه الله عز وجل على كل عباده، ولا راد لقضائه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لعل الشيء الوحيد الذي كان يصبر الصحابة على فراق الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا على موعد معه يوم القيامة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يقول قبل أن يموت: (موعدكم الحوض) والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يكن أملهم فقط اللقاء عند الحوض، ولكن كان أملهم مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، مع الفارق الهائل بين عمله صلى الله عليه وسلم وبين أعمالهم، فقد جاء في البخاري ومسلم عن أنس بن مالك : (جاء رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وسأله عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. يقول أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم و
كان الصحابة يعيشون على أمل اللقاء مع الحبيب صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهذا الذي دفعهم بعد ذلك لاستقبال الموت بنفس راضية، حتى رأينا بلالاً رضي الله عنه وهو على فراش الموت سعيداً فرحاً بأنه سيموت؛ لأنه سيقابل حبيبه صلى الله عليه وسلم، يقول بلال رضي الله عنه وأرضاه عند موته: غداً ألقى الأحبة، محمداً وصحبه.
وهذا الذي أسعد فاطمة رضي الله عنها وأرضاها بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى ضحكت؛ لأنها أول من سيموت من آل الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك ستراه قريباً بعد موتها.
وهذا الذي جعل أنساً رضي الله عنه وأرضاه دائم التذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه كان يقول: قل ليلة تأتي علي إلا وأنا أرى فيها خليلي صلى الله عليه وسلم.
خلاصة القول: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد فارق بجسده الدنيا، إلا أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعيشون معه دائماً بأفكارهم وعواطفهم وفي مواقفهم المختلفة، بل وفي نومهم وأحلامهم، وهذا الذي صبرهم على فراق الحبيب، وإلا فمن يصبر على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله عز وجل كما آمنا برسولنا صلى الله عليه وسلم ولم نره أن يحشرنا في زمرته، وأن يجمع بيننا وبينه على حوضه فيسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر