أحمده سبحانه حمداً كثيراً كما يحبه ربنا ويرضى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أمة الإسلام: اتقوا الله تعالى وأطيعوه, واعلموا أن النصر من عند الله, وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
أيها المسلمون! إن الضعف الذي حلّ بالأمة الإسلامية قد أفقدها شيئاً كثيرًا من هيبتها وعزتها, ومن كرامتها, لقد دبّ الضعف في صفوف المسلمين لما اختلفت الأمة في أهوائها, وتفرقت كلمتها, وتشعبت مناهجها؛ فصارت ألعوبة للأعداء ولقمة سائغة أكلتها سباع الشيطان، وما ذاك يا أمة الإسلام, وما ذاك يا أمة التوحيد, وما ذاك يا أمة لا إله إلا الله! إلا لما تركت الأمة الإسلامية ما فيه غذاؤها الروحي والفكري وهو القرآن والسنة والحكم بهما والتحاكم إليهما.
لما تركوا ذلك -إلا القليل منهم- ورأى أعداء الإسلام والمسلمين منهم ذلك, جلبوا عليهم بخيلهم ورجلهم حتى حسنوا لهم البدع والمنكرات, وحتى غزوا الأمة من كل جانب, وبكل سلاح, غزوها من ناحية الفكر والعقيدة فغيروا الأفكار وأفسدوا العقيدة, غزوها من ناحية الأخلاق والمثل العليا فأفسدوا الأخلاق وهدموا المثل العليا, غزوا الأمة من ناحية المنهج والسلوك فضيعوها في متاهات الجهل والخرافات والبدع وفرقت الأمة دينها, وكانوا شيعاً متفرقة وصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة, قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي اليوم} فالله المستعان يا أمة الإسلام!
الأمة الآن شيع متفرقة استبدلت بالحكم بالكتاب والسنة القوانين الوضعية, وأحكام الطواغيت، وهي الحكم بغير ما أنزل الله جل وعلا.
ومع الأسف الشديد لما انزلقت الأمة الإسلامية في ذلك عمّ فيهم الجهل, وأصبحوا الآن يقتل بعضهم بعضا ويسب بعضهم بعضاً في الإعلام والمجلات, وصدق فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين خطب في يوم عرفة: {ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض} الآن يا أمة الإسلام. إخوة متجاورون في أوطان متجاورة يقتل بعضهم بعضاً, وأعداء الإسلام تتفرج وتتفكر ماذا يفعلون! يقتل بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً في الإعلام والمجلات, وصاروا في حلبة الصراع نهبة للأعداء من كل ناحية, فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم إنا نسألك الخلاص لأمة الإسلام، اللهم إنا نسألك الخلاص لأمة الإسلام.
كل ذلك وغيره من المبادئ الهدامة التي تبدد الأفكار, وتهدم الأخلاق, وتبرهن وتعلن أنها جاءت لما رأت الضعف بالأمة الإسلامية ولما رأت الكثير يتخلى عن دينه ويتباعد، ويزعم الزعم الخطأ أن الحكم بما أنزل الله قد انقضى وقته, وانقرض أهله, فلا يطابق هذا العصر، ولا يناسب أهله أهل هذا العصر, وما هو إلا رجعية وتخلف إلى الوراء, كل ذلك زعم باطل ولا يقول ذلك ولا يدعي ذلك إلا من ارتد عن دين الله, ورضي بالقوانين الوضعية, ولكن أين أبو بكر لهذه الردة والله يقول وهو أصدق القائلين وأحكم الحاكمين: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
فالجواب في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] فلما غير البعض من المسلمين بالطاعة المعصية, غير الله عليهم وما ربك بظلام للعبيد، فلو تصورنا حال المسلمين اليوم تصوراً صريحاً, وحكمنا العقل بعيداً عن تيارات العاطفة؛ لوجدنا في الأمة التي تدعي الإسلام اليوم ما هو أكبر من أسباب الخذلان والهزيمة, فيهم من لا يؤمن بالله واليوم الآخر, اعتنقوا دين الشيوعية الحمراء, فيهم من يشرك بالله بدعاء المخلوقين، بالتوسل بالموتى وبالقبور، وتعظيم الموتى والتعلق بالأضرحة, فيهم من لا يقيم الصلاة ويقول: إنها روتين, ولا يعترف بها, ولا يؤدي الزكاة, وفيهم من لا يصوم رمضان, ومنهم من لا يحج البيت, وفيهم من يحكم بغير ما أنزل الله, ويرى أن الحكم بما أنزل الله رجعية وقد انتهى وقته -مع الأسف الشديد- وفيهم من تباع الخمور في أسواقهم, وتشرب علانية في بلدانهم, وفيهم من لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر, وفيهم من لا يقيم الحدود التي أوجب الله في الجرائم, ويرى أن إقامة الحدود همجية ووحشية إلى غير ذلك من المعاصي والمنكرات.
كل ذلك واقع في أمة الإسلام التي تدعي الإسلام وكثير وكثير..! ومع ذلك تطمع في النصر على الأعداء, وهي قد تلبست بكثير من عادات أعداء الإسلام, وأخذها الكثير ممن يدعي الإسلام منهجاً وطريقاً، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم وقال: {من تشبه بقوم فهو منهم}.
أمة الإسلام! أيها الإخوة في الله! فما بالكم بهذه الفظائع التي توجد في بعض البلاد العربية اليوم وغيرها؟ مع ذلك يطمعون في النصر على الأعداء، فهذا مستحيل؛ لعدم وجود أسباب النصر التي أمر الله بها قال تعالى: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد, يا منان! يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! نسألك اللهم أن تنصر الإسلام والمسلمين, اللهم انصر الإسلام والمسلمين, اللهم اخذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين, اللهم أبرم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يعز فيه أهل طاعتك, ويذل فيه أهل معصيتك, ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوان الله وطاعته, والمحذر من سخطه ومعصيته, اللهم وفقنا لاتباعه، اللهم ارزقنا اتباعه، اللهم وفقنا للأخذ في منهجه وسلوك طريقه، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وخذوا بأسباب القوة تتحقق لكم الحياة الطيبة في العاجلة والآجلة وتفوزوا برضا الله, فجاهدوا أنفسكم، جاهدوا أنفسكم على القيام بطاعة الله, مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وابدءوا أولاً بإصلاح أحوالكم.
تمسكوا بآداب الإسلام, وتخلقوا بأخلاقه, نظفوا منازلكم من البدع والمنكرات, ومن آلات اللهو, ومن المجلات التي أعدها أعداء الإسلام حرباً للأخلاق وللعقائد وللفضائل، وقاتلة للمروءة وللغيرة، وقاتلة للأوقات، ومعمية للقلوب التي في الصدور, حتى إنها صدت الكثير عن تلاوة كتاب الله, وعن قراءة سنة رسول الله, ويا لها من مصيبة عظيمة وكسر لا يجبر؛ أن يشتغل المسلمون فيما يضرهم, ويتركون ما فيه نفعهم بالعاجلة والآجلة وصدق الله حيث يقول: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6].
عباد الله! إن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور ما أحدث على غير هدي من الله، أو من غير سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص:50].
وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحابه أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمّر أعداء الدين, اللهم ابعث لدينك ناصراً ومؤيداً يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعين لنا يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، فإن لم يغفر لنا ربنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً, لا إله إلا أنت يا سامع الصوت، ويا سابق الفوت, ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت, نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغيثنا يا رب العالمين.
اللهم أغثنا, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً، سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم عاماً نافعاً غير ضار يا رب العالمين.
اللهم احيي بلدك الميت, اللهم انشر رحمتك على العباد، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا واسع الفضل والإحسان! أنت الغني ونحن الفقراء, إليك لجأنا، إليك فوضنا أمورنا, لا ملجأ لنا منك إلا إليك يا رب العالمين.
اللهم أغثنا غيثاً عاجلاً غير آجل, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر