إن قضاء الله وقدره نافذ على العبد لا محالة؛ شاء ذلك أم أبى، وعدم الرضا بقضاء الله وقدره لا يغير من المقدور شيئاً، فيجب على المسلم أن يصبر على البلاء والقضاء والقدر، ولنا في قصص الأنبياء والمرسلين والسلف الصالح عظة وعبرة، والصبر كما قيل: مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل.
أيها الإخوة! إن الابتلاءات هي قدر الله الغالب، وأمره النافذ، فالدنيا دار متى ما أضحكت في يومها أبكت غداً، كم نرى فيها من شاكين، وكم نسمع فيها عن متبرمين، هموم وغموم، وأحزان وآلام، آمال تخيب، وأمانٍ تضيع، وشكاوى توجع، نقص في النفس، والأهل، والولد، والمال، والرزق والكسب، والثمر، خوف وجوع ومرض، وأحوال وأحداث:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ 
[البقرة:155].
أيها الإخوة! من العجائب والغرائب أن يظن ظانٌ أن دنياه ستصفو أو ستسلم له قيادتها أبد الدهر، إن سرور الدنيا أحلام نوم، أو ظلٌ زائل، فهي كما تضحك تبكي، وكما تسر تسوء، ولئن متعت قليلاً فلطالما منعت طويلاً، وما ملأت بيتاً سروراً إلا خبأت له يوماً شروراً، جاء في بعض الأخبار: أن ذا القرنين لما رجع من مشارق الأرض ومغاربها، وبلغ أرض بابل مرض مرضاً شديداً، فلما أشفق أن يموت، وخاف على أمه أن تجزع عليه؛ كتب إليها كتاباً يقول فيه: يا أماه! اصنعي طعاماً واجمعي من قدرتي عليه، ولا يأكل من طعامك من أصيب بمصيبة، فلما وصل كتابه إليها صنعت طعاماً وجمعت الناس وقالت: لا يأكل من هذا الطعام من أصيب بمصيبة، فلم يتقدم ولم يأكل أحدٌ من ذلك الطعام شيئاً، فعلمت الأم ما أراد ذو القرنين فقالت: من يبلغك عني أنك وعظتني فاتعظت، وعزيتني فتعزيت، فعليك السلام مني حياً وميتاً.
يقول أبو العتاهية :
فالابتلاءات تتنوع والفتن تتلون، ويبتلى الناس بالمتضادات والمتباينات:
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
[الأنبياء:35].
لذلك حين تستحكم الأزمات، وتترادف الضوائق، فلا مخرج إلا بالثبات والصبر.