إسلام ويب

خمس قصصللشيخ : طارق السويدان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للقصص تأثير كبير في نفوس الناس، ولقد جاء القرآن الكريم بهذا الأسلوب في كثير من المواطن، فبين به حال الطائعين والمقصرين، موضحاً للسبيل، ومبيناً للطريق.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    القصة الأولى:

    قصة أصحاب البستان:

    إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [القلم:17-33].

    كان لرجل عجوز بستان كبير ورائع، كان هذا البستان مملوءاً بالأشجار والثمار، يعطي ثماراً كثيرة وزروعاً وفيرة أكثر من أي بستان آخر، وكان زرع هذا البستان وثماره تزداد في كل سنة.

    هذا الرجل العجوز كان مؤمناً بالله عز وجل وتقياً، يحب الله ويعبده، وينفذ أوامره، ويبتعد عن نواهيه.

    كان العجوز يرعى حق الفقراء في بستانه، فيعطيهم الكثير حتى لا يحتاجوا لأحد من بعده، وفي هذه السنة في موسم حصاد البستان أعطى العجوز الفقراء الكثير من ثمار بستانه كعادته، وكان سعيداً جداً عندما رأى ابتسامة الرضا على وجوه الفقراء.

    أما أولاده فقد تضايقوا كثيراً لأنهم شعروا أن الثمار ذهبت من أيديهم إلى الفقراء، ولكنهم كتموا ضيقهم.

    أخذ كل من الفقراء نصيبه، وبقي من ثمار البستان الشيء الكثير، سبحان الله! كأنه لم ينقص من الثمار شيء، فالله سبحانه وتعالى قد بارك في هذا المال الذي كان صاحبه يعطي الصدقة.

    عمد العجوز إلى هذه الثمار الكثيرة ووزعها بين أولاده، وأخذ كل واحد منهم نصيباً كثيراً حتى فاضت الثمار بين أيديهم، ومرت سنوات طويلة ومات العجوز، وورث الأولاد البستان عن أبيهم العجوز، وقرروا ألا يعطوا الفقراء شيئاً، ويستأثروا بكل الثمار لأنفسهم، اتفقوا فيما بينهم أن يقطفوا الثمار سراً، ويتقاسموها فيما بينهم ولا يعطوا الفقراء شيئاً.

    كان من بينهم الأخ الأوسط أرق قلباً منهم، فقال لهم: لا تفعلوا ذلك، وذكَّرهم بفعل أبيهم الطيب، وبنصائح أبيهم قبل أن يموت، ولكنهم لم يستمعوا لنصحه، فجاراهم ومشى معهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم.

    في صباح اليوم التالي خرج الشباب الثلاثة قبل الفجر في الظلام وهم يتخافتون بينهم: أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم:24] أي: ما نريد أي مسكين يأخذ من هذه الثمار شيئاً، وبدءوا في مسيرهم نحو البستان.

    لما وصلوا إلى البستان قالوا: إِنَّا لَضَالُّونَ [القلم:26] أي: نحن ضائعون، لماذا قالوا ذلك؟

    لأن الله سبحانه وتعالى عرف نيتهم وعزمهم وقرارهم فأرسل على البستان في الليلة التي سبقت الحصاد صاعقة قوية أحرقت كل الأشجار وكل الثمار، دمرت كل شيء فيه، حل بهم عذاب الله عز وجل، فاحترق البستان، فلما رأوه ما عرفوه: قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [القلم:26-27] هنا ذكرهم الأوسط أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ [القلم:28]كيف تمنعون الثمار وحق الفقير والمسكين، ضاع البستان وضاعت الثمار ولو أعطوا حق الفقراء لبقي كل شيء، لكنهم كانوا أنانيين بخلاء، نسوا أن الله سبحانه وتعالى يعوض الصدقات، لاموا أنفسهم على ما هموا بفعله، وتمنوا لو أنهم ساروا على نهج أبيهم ودربه، يزرعون الابتسامة والسعادة في نفوس الفقراء وقلوبهم لعل الله سبحانه وتعالى يرضى عنهم ويمنحهم الخير الكثير.

    وجاء في القرآن أن الله سبحانه وتعالى قد أبدلهم بنيتهم الطيبة هذه خيراً منها، لما تابوا وأنابوا.

    فهذه قصة فيها درس للبخلاء، وتأكيدٌ لعزم الكرماء المتصدقين. اللهم اجعلنا منهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088937534

    عدد مرات الحفظ

    780014020