الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فسيكون الكلام حول موضوع خطير؛ لأن له مساساً بواقعنا، وله صلة بما يجري في مجتمعنا اليوم، وهذا الموضوع معجزة، كان حديثاً فأصبح حدثاً! كان حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فأصبح واقعاً ملموساً.
هذا الحديث رواه لنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال: (كان الناس يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: يا رسول الله! وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه يا رسول الله؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. فقلت: يا رسول الله! وهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا).
كل هذه مقدمة ثم يأتي بيان ما يجب على المسلم تجاه هذه الفتن، قال: (قلت: يا رسول الله! فماذا تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: يا رسول الله! وإن لم يكن يومئذٍ للمسلمين جماعة ولا إمام؟ قال: فاهرب بدينك ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
عُرف عن حذيفة أنه دائماً يسأل عما سيحدث من الشر قبل أن يحدث؛ مخافة أن يدركه هذا الشر على غير علم، وفي هذا الحديث بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك الخير الذي جاء به، وتلك الحياة السعيدة في ظل الإسلام سيعقبها شر، ولقد حدث في تاريخ العالم الإسلامي في أوله شيء من ذلك الشر، مما يدلنا على صحة هذا الحديث، ثم جاء الخير وكان فيه دخن، ثم جاءت هذه الفتنة العمياء التي تمثل المرحلة الرابعة من مراحل هذا الحديث الصحيح، وهي شر يتمثل في: (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)، ثم هم أيضاً: (من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا!!)
وفي الواقع أن هذه المرحلة ربما نعيشها اليوم بحذافيرها.
وأما المرحلة الرابعة فقد تحققت برمّتها في واقعنا اليوم، فأصبحنا نعيش هذه المرحلة، والدليل على ذلك أن هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم الآن يتسلمون مناصب كبيرة في كثير من نواحي الحياة، ثم هم أيضاً بقدر ما يتيسر لهم من إمكانات يزاولون هذه المهنة وهذه المصيبة التي حدثنا عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم يزاولوها.
فإذا كانوا من ذوي السلطة والمكانة فإنهم يقودون الناس إلى أبواب جهنم بالسلاسل، ويقودونهم بالقوة ليفتنوهم عن دينهم وليصرفوهم عنه، ثم يقودونهم إلى أبواب جهنم ليقذفوهم فيها!!
أما إذا كانوا أقل من ذلك فإنهم دعاة الباطل الذين مكنتهم الحياة الراهنة من أن تكون لهم مكانة، ومن أن تكون لهم أفكار وأقلام وألسنة يقودون بها الناس إلى الهاوية وهم كما في الحديث: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، وما أكثرهم اليوم!!
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أجابهم إليها)، دليل على أن العاقل لا يلتفت إلى هؤلاء ولا ينخدع بهم؛ لأن علامة النفاق واضحة عليهم وإن كانت ألسنتهم معسولة حلوة، ولقد جاء وصفهم في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204] بأنه صادق وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة:204]، أي: أخبثهم، وَإِذَا تَوَلَّى [البقرة:205]، أي: إذا تمكن واستطاع أن يخدع الناس فاستلم زمام الأمور فإنه سيفسد في الأرض فساداً عريضاً: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:205]؛ لأن الفساد في الأرض يؤدي إلى فساد في الطبيعة، وفساد في مخلوقات الله تعالى، وفساد في الاقتصاد، وفساد في المال والثمرات والأنفس، وفي كل شيء كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41].
وعلى أيدي هؤلاء المفسدين يحدث كل ما يحدث من شر وفتنة، لكن الله يقول: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وهؤلاء يقول الله تعالى عنهم: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [البقرة:205] أي: أنه حينما ينشر الفساد يتسبب في وقوع العقوبة من الله فيهلك الحرث والنسل، وهذا نتيجة معصيته وإجرامه، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205].
وهؤلاء لهم عزة وأنفة في غير وجهها الصحيح كما قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة:206]، وهؤلاء لا يذيب قسوة قلوبهم إلا نار جهنم، يقول الله تعالى: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206].
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
وحينما كان الإسلام يحاربه أعداؤه من الكفرة، فإن ذلك أمر واضح يدركه الناس عياناً، فيقيمون الحصون بينهم وبين أعدائهم، ولكن الأمر أخطر حينما يكاد للإسلام من أهله، ويحاول، أن تقطع شجرته بغصن من أغصانه، فيحاربوه بأحمد ومحمد وعبد الله من المحسوبين على الإسلام، فأصبح الأمر من الخطورة بمكان؛ لأنهم قوم من أبناء جلدتنا، فهم ينتسبون إلى العرب وينتسبون إلى الإسلام سواءً كان في الهوية أو في الاسم أو في الأصل والأمجاد، ولكن الإسلام منهم براء؛ لأنهم قد أعلنوا الحرب على الله وعلى دينه، فهم بالرغم من أنهم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، لكنهم (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).
أما كيف نستطيع أن نضع الوسام على هؤلاء لنكشفهم أمام الناس، فإن ذلك لا يحتاج إلى أمر عظيم، فما عليك إلا أن تطالع كثيراً من صحف العالم الإسلامي التي تصدر في البلاد الإسلامية، أو كثيراً من مؤلفاتهم ومجلاتهم، أو كثيراً من إعلامهم؛ وستجد أن هؤلاء الدعاة الذين هم من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، يبرزون أمام الناس عياناً فلا يحتاجون إلى وصف يوضحهم أكثر من ذلك الوصف، نعرفهم بسيماهم، ونعرفهم في لحن القول، ونعرفهم بنطقهم، ولربما نعرفهم بكفرهم وإلحادهم حينما يتسنى لهم في بعض الأحيان أو في بعض الأماكن، فقد يعلنوا كفرهم وإلحادهم، أو خروجهم على المبادئ الإسلامية، وعلى القيم الحسنة والأخلاق والفضائل، وكل ذلك لا يحتاج إلى دليل، فهو واقع مشاهد.
أيها الإخوان! إننا نقرأ كثيراً من صحف العالم الإسلامي مما يكثر انتشاره حتى في بلادنا هذه، فنشم رائحة هؤلاء، ونراهم بأمهات أعيننا في وضح النهار، وهم من أبناء جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا، ولكنهم: (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).
فمرة يحاربون الحجاب، ويدعون أن الإسلام لم يفرض هذا الحجاب، وإنما هو من مخلفات القرون الوسطى!! ومرة يقولون: إن هذا التستر وهذا الحجاب تقوقع!! ومرة يقولون: إنه رجعية وتخلف!! ومرة يصفون الحدود والأحكام الشرعية بأنها وحشية وقسوة!! وهكذا لا يدعون جانباً من جوانب هذا الدين إلا ويصيبوه بسهم من سهامهم، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9].
وذلك يعني أن المسلمين كلهم محاربون بهذا الغزو، ولقد أصيب بهذا الداء كثير من أبناء المسلمين من ضعاف العقول، إما ممن لم نربهم التربية الصحيحة المكتملة، أو ممن سلمناهم لهؤلاء يوجهونهم كيف يريدون، فأصبح طائفة من هؤلاء يزمرون ويصفقون وراء هؤلاء القوم، وأصبحت الفتنة قد أصابتهم بشيء من ذلك.
والحديث عن هذا الموضوع واضح؛ لأنه واقع نشاهده ونقرؤه ونعايشه، فكم نرى ونقرأ في صحف تصدر في قلب البلاد الإسلامية وهي تحمل هذه المبادئ الخطيرة، وتحمل هذا السم الزعاف؟ كم نسمع ونقرأ ونشاهد ومع ذلك فإن المسلمين لم يتحرك منهم إلا النزر القليل!
وقوله: (الزم جماعة المسلمين) دليل على أن الدعوة الفردية لا تحل مشكلة، ولا تقضي حاجة؛ إذ إن أي فرد من المسلمين يريد أن يتخلص من هذا الغزو الذي يحمل أعباءه دعاة من أبناء جلدتنا، فلا بد أن ينضم إلى مجموعة خيرة صالحة يتعاون معهم؛ ليحمي نفسه من هذا الغزو؛ وليتخذ لنفسه حصانة؛ لأن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية، ومن الناحية الأخرى: ليشكل قوة تحمي الإسلام، وتحمي أبناء المسلمين، وتقوم بالدعوة إلى الله تعالى، والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ من أجل أن تحتمي الأمة الإسلامية من أعدائها؛ ولذلك فإن العمل الجماعي في سبيل الدفاع عن الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله هو السبيل التي أرشدنا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: (الزم جماعة المسلمين وإمامهم).
أما لو فُقدت هذه الجماعة، وأصبح الشر مستطيلاً في الأرض، وأصبح الأمر بحيث لا يجد المرء فيه ملجئاً وملاذاً في مجتمع إسلامي يعبد الله، ويقيم تعاليم هذا الدين، ويحميه من أعدائه، ولم يكن للمسلمين حينئذٍ إمام؛ فما على المسلم إلا أن يلجأ إلى أصل شجرة فيعض عليها، أي: يلتزم مكاناً نائياً عن هذه المجتمعات الفاسدة، وعن هذه البيئة المتلوثة؛ من أجل أن يفر بدينه، وفي الحديث: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتتبع بها شعف الجبال؛ يفر بدينه من الفتن).
وهذه العزلة لا يلجأ إليها المسلم إلا في حال الضرورة إذا لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام، أما إذا كان لهم جماعة وإمام فإن هذا يعتبر هو العجز والكسل، وهو الجبن والخور، حينما يفر بدينه ويترك الميدان، ويترك الحياة يعبث بها الجرذان، وهو قد عض على أصل شجرة، مع أنه يستطيع أن يغير أو يبدل أو يأمر وينهى.
إن المسلمين الآن -والحمد لله- لهم جماعة وإمام، فكل واحد من المسلمين مطالب أن ينضم إلى هذه المجموعة؛ من أجل أن يشكل جماعة تدافع عن هذا الدين، وليس معنى ذلك أن تخرج على السلطة! ولكن لتكون قاعدة للإسلام وبيئة إسلامية سليمة يأوي إليها من يريد الفرار بدينه.
أما أن نفر بديننا ونترك هذه المجموعة تعمل وحدها في ميدان الدعوة والإصلاح، ونريد أن نفضل الراحة أو أن نعكف على العبادة فإن ذلك لا يجوز.
ولقد فهم طائفة من الناس في الزمن الأول في عهد أبي بكر رضي الله عنه هذا الفهم، ففضلوا أن يعيشوا بعيداً عن مشاكل الناس، ويتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأولوا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم [المائدة:105]، فسارع أبو بكر الصديق رضي الله عنه فصعد المنبر وقال: أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم)، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله أن يعمهم بعقابه).
وعلى هذا فليس معنى الآية: الزموا أنفسكم، وأصلحوا أنفسكم فحسب، ولا يضركم من ضل إذا اهتديتم بأن تعكفوا على العبادة. ولكن معنى ذلك: إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وأديتم الفرائض كالجهاد في سبيل الله، ثم لم يستجب لكم الناس، فحينئذ لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، أما أن نتذرع بهذه الآية أو بغيرها لنعطل هذا الجانب المهم، فإن ذلك ما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى.
أيها الإخوان! إن علينا أن نتفهم هذا الحديث، وأن ننظر إلى واقعنا لنرى هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث الصحيحة التي تعتبر معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت عياناً، ثم علينا أن نسلك الطريق التي أرشدنا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لنلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وحينئذ فلن تضرنا هذه الفتن، ولن يضرنا أولئك الدعاة وإن كان لهم نصيب من البلاغة والفصاحة، وإن كانوا يتسلمون كثيراً من المراكز العالية فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الجواب: بالنسبة للعبادات لا يجب الاستمرار فيها إلا الحج؛ لأن الله يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فالحج -سواءً كان فرضاً أو نفلاً- لا بد من إتمامه، أما سائر العبادات فإن الإنسان غير ملزم بأن يتمها، فلو صام وأفطر أثناء النهار فليس ملزماً بقضاء هذا اليوم، وهكذا أي نافلة لو بدأ بها ثم قطعها فليس ملزماً أن يأتي بنافلة أخرى إلا الحج والعمرة فإنه مطالب بإتمامها ولو كانت نفلاً، فإذا شرع فيهما فلا بد أن يتمها، وإذا أحل فعليه أن يأتي بحج أو بعمرة بدل هذا الحج أو العمرة.
الجواب: علينا أن نعلم أن أعداء الإسلام غزونا من ناحيتين: الشهوات، والشبهات.
فإن لم ينجحوا في الشبهات فإنهم يغزوننا بالشهوات، والشبهات قد لا تجد رواجاً مثل الشهوات؛ لأن الشهوات تميل إليها النفوس، أما والناس على بصيرة من دينهم فإنهم لا يعترفون بهذه الشبهات التي تطلق في مجتمعاتهم الإسلامية؛ لأنهم على ثقة من دينهم، لكن غزو الشهوات هو أخطر شيء أصيب به المجتمع الإسلامي اليوم؛ لأن الإنسان -بطبيعته البشرية- لديه ميل إليها.
ولقد استخدم أعداء الإسلام المرأة وسيلة لانحراف المجتمعات الإسلامية، وهذا مخطط رهيب من قِبَل أعداء الإسلام؛ من أجل أن يفسدوا على هذه الأمة دينها، ويقذفوا بهذا الشباب في هاوية سحيقة، فاستخدموا المرأة في كثير من الأماكن والأعمال المختلفة كالسكرتارية وغيرها من الوظائف، وخلطوا بين الشباب والشابات في كثير من المدارس والجامعات في البلاد الإسلامية، وحتى في الخدمات الجوية استخدموا المرأة أيضاً! وكل ذلك من أجل أن يفسدوا المجتمعات الإسلامية.
وإن ما يحدث في مجتمعاتنا من اختلاط في الأسواق، أو من تبرج، لهو نتيجة تلك المخططات، سواء ما تنشره الصحف أو ما تنشره وسائل الإعلام المرئية، وكل ذلك له آثاره السيئة، فكان ذلك سبباً في هذا الاختلاط في الأسواق، أو في هذا التبرج الذي نهى الله عز وجل عنه، ولا سبيل إلى الخلاص من ذلك إلا بأن يعود المسلمون إلى دينهم، وأن ينشط دعاة الإسلام، وأن يوفق الله المسئولين عن أخلاق هذا البلد فيحولوا بين المسلمين وبين هذا الفساد، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم:4-5]، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [إبراهيم:20].
الجواب: الصحيح أن ترك الإسلام هو الرجوع وهو التخلف، والله يقول: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37]، ومما لا شك فيه أن المراد بالتقدم هو: الأخذ بالإسلام، والتأخر: هو رفض الإسلام، أو رفض شيء من تعاليمه.
والدليل على أن التخلف هو رفض الإسلام أن الأمة الإسلامية حينما كانت متمسكة بدينها وعقيدتها وأخلاقها وسلوكها وفضائلها، كانت أمة مثالية، وكانت تنهار أمام جيوشها الحصون قبل أن تصل إليها!!
ولو قدر لها أن تتمسك بدينها مدة أطول، لاستطاعت أن تغزو العالم كله، وأن ينتشر الإسلام في جميع أرض الله الواسعة، وإن كل ما حدث من التخلف إنما هو بسبب ترك الكثير من المسلمين لتعاليم دينهم.
وعلى هذا فإننا نقول: إنكم أنتم المتخلفون ونحن المتقدمون؛ لأننا نسعى إلى حياة أفضل من هذه الحياة، وأنا لا أشك أن عقلية الرجل الذي يؤمن بالحياة الآخرة أكبر من عقلية الرجل الذي اخترع المركبة الفضائية وما يسمى بالعقل الالكتروني وما أشبه ذلك؛ لأن هذا قد اكتسب أشياء يراها بحواسه، أما ذلك الذي آمن بالغيب فإن عقليته قد اخترقت الحجب فعلمت بأشياء لم تدركها حواسه، فهؤلاء هم المتقدمون، وأولئك هم المتخلفون.
الجواب: الثقة بالنفس هو الاطمئنان إليها، وإعطاؤها ما تستحق من قيمة، لكن حينما تتعدى الحدود من هذه الناحية فإنها تصل إلى الغرور، والرسول صلى الله عليه وسلم مدح الثقة بالنفس، ونهى عن الغرور، فقال لما سئل عن الإيمان: (إذا سرتك حسنتك، وساءتك خطيئتك، فهذه علامة الإيمان)، لكن السرور بالحسنة لا يصل إلى درجة اغترارها بالحسنة والامتنان بها على الله، فإن ذلك هو الغرور.
فكيف يستطيع الشاب المسلم -وخاصة في العطلة الصيفية- أن يقضي فراغه؟
الجواب: هذه الجوانب الثلاث التي قالها الشاعر: بشار بن برد صحيحة، وهي أخطر شيء على الإنسان: الشباب والفتوة والقوة، والفراغ حينما لا يكون هناك شغل، وتوفر المال دون أن تكون هناك عقلية تستطيع أن توجه هذا المال وجهة صحيحة، هذا أخطر شيء على الإنسان؛ لذلك يقول: مفسدة للمرء أي مفسدة، أي: مفسدة عظيمة، ولكن المرء العاقل يستغل هذه الجوانب الثلاث في أشياء إيجابية تعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع العظيم.
فالشباب قوة هائلة لو استغلها الشاب لاستطاع أن يستفيد منها في الدنيا والآخرة، ولاستفادت أمته أيضاً منها، ولكنه حينما يستغل هذه الطاقة وهذه القوة والفتوة في معصية الله فإنها تمكنه مما يريد من هذه المعصية ومن هذا الإثم.
كذلك الفراغ، والفراغ يُحسد عليه المرء، وعلى الإنسان أن يستغل هذا الفراغ فيما يعود عليه بالنفع: بالقراءة، وبمجالسة الصالحين، وبالاجتماع على الخير، أو بالحضور إلى هذه المراكز الصيفية التي أسست من أجل أن تستغل هذا الفراغ، لا من أجل أن تقضي على هذا الفراغ، وإنما من أجل أن تستغله في المصلحة؛ لأنه لا يهمنا أن نقضي الفراغ، وإنما يهمنا أن نستغله في المصلحة.
وهكذا المال أيضاً: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته بالحق).
وعلى هذا: فإن المال والفراغ والشباب كلها أسلحة ذو حدين، فإما أن يستغلها المرء فيما ينفعه، وإما أن يوجهها فيما يضره، وهي إلى الضرر أقرب إذا لم تجد عقلية تفكر وتستطيع استغلالها فيما ينفع.
الجواب: المسلم الحق هو: الذي يقيم تعاليم الإسلام.. المسلم الحق هو الذي يعرف أنه لا أحد في هذا الكون يستحق أن يُعبد أو يُخاف أو يُخضع له أو يُستغاث به أو يُستعان به إلا الله سبحانه وتعالى.. المسلم الحق هو: الذي يطبق كل تعاليم الإسلام من أوامر وأركان وواجبات حسب استطاعته بصدق، وهو الذي يجتنب المحرمات التي ما من ذنب يرتكب منها إلا ويعود على هذا المرء وعلى مجتمعه بالفساد والمصيبة والدمار.
الحق هو: الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.. يشعر باللوعة والألم وهو يرى العالم الإسلامي ويرى أمته قد انتشرت فيها المنكرات والمعاصي والموبقات، وهو يستطيع أن يغير فلم يغير، إذا كان يشعر بهذا الشعور، ويحاول التغيير، فإنه حينئذ يكون مسلماً حقاً.
الجواب: تختلف المناسبة التي يستطيع أن يرد فيها المسلم على دعاة الباطل والشر الذين هم من أبناء جلدتنا، وهم ممن يندسون في مجتمعاتنا، ويعيشون بين ظهرانينا، فعلى المسلم أن يجند كل القوى والطاقات في سبيل الدفاع عن دينه، وفي سبيل دحض حجج هؤلاء المبطلين، وإزالة ما يقذفونه في المجتمع من شبهات ومن شهوات.
فالمسلم عليه أن يستغل كل ما يمكنه استغلاله من الوسائل، فيرد على هؤلاء، ويؤلف، ويتكلم، ويخطب، ويفعل كل ما في وسعه، وكل ما في طاقته في سبيل توجيه الناس، وفي سبيل إبطال شبه هؤلاء الأعداء، وحينئذ يكون قد أدى الدور الذي أنيط به حينما كان على ثغر من ثغور الإسلام.
الجواب: ينبغي ألا نقول: ماتت الغيرة؛ فالعالم الإسلامي فيه خير كثير، وهناك أمهات وآباء فيهم صلاح، وما زالوا يربون أولادهم تربية إسلامية، وإن ما يحدث اليوم من هذا الضعف سببه: إما انشغال كثير من الآباء بالمادة، أو وجود كثير من المغريات التي كان لها الأثر الخطير في سبيل انحراف هؤلاء الشباب، وواجب هؤلاء الآباء وهؤلاء الأمهات أن يخافوا الله تعالى، وأن يحاسبوا أنفسهم، وأن يعلموا أنها أمانة، وأنهم مسئولون عن هذه الأمانة يوم يقفون بين يدي الله سبحانه وتعالى ليحاسبهم وليحاكمهم، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، فإن على هؤلاء الآباء والأمهات واجب عظيم في سبيل التربية، ولكن التربية لها وقتها المناسب، لا تتقدم ولا تتأخر عليه، والسن السابعة هي التي أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أنها بداية السن التي يمكن أن يبدأ الآباء والأمهات فيها بتربية أبنائهم.
الجواب: يقول الله تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، وإذا كانت هذه الكليات أو هذه الجامعات التي تخضع للأنظمة الكافرة تسعى لهدف خبيث؛ من أجل اقتناص أبناء المسلمين، وصرفهم عن دينهم، فإنه لا يجوز الدراسة فيها؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يركن إلى هؤلاء الكافرين.
أما إذا كان هذا الإنسان يأتي إليها لهدف الإصلاح وهو مطمئن على نفسه بأنه لن يتأثر، فإن هذا نوع من المخاطرة -ولربما تكون هذه المخاطرة فيها شيء من الفائدة لكنها ربما تضر هذا الإنسان- وما دام في المجتمعات الإسلامية -والحمد لله- كليات ومعاهد ومدارس بعيدة كل البعد عن مخططات الكافرين فإن علينا أن نفضلها على غيرها.
وما حكم استعمال الكمبيوتر في تفسير آيات الكتاب العزيز؟
الجواب: بالنسبة للسؤال الأول: فالحقيقة أن هذا وضع خطير لجأ إليه طائفة من المفسرين العقليين وباعتقادي أن مصطفى محمود من هذا النوع، والحقيقة أن هذا إقحام للقرآن الكريم في أشياء لا تهمنا ولا تهم المجتمع، وهل جميع النظريات العلمية التي يقولها العلماء نحن مسئولون بأن نؤيدها بالقرآن؟!
إن هذا باب خطير لربما نؤيد هذه القضية العلمية، ثم يأتي العلم -وهو غير ثابت على حقيقة واحدة- لينقض هذه النظرية في يوم من الأيام، وحينئذٍ نكون قد عرّضنا كتاب الله لأن يصبح ألعوبة، ويكذب به المكذبون.
القرآن فوق مستوى هذه النظريات العلمية، القرآن جاء لتربية المرء المسلم، وما علينا إلا أن نسكت عن هذه النظريات، فإذا تعارضت مع القرآن الكريم تعارضاً واحداً فإن علينا أن نضرب بها عرض الحائط، أما إذا لم يظهر لنا التعارض بينها وبين القرآن الكريم فإن علينا أن نرجئها حتى تتعارض وحينئذ فإن علينا أن نرفضها.
أما أن نفسر هذه النظريات العلمية بآيات من كتاب الله عز وجل، فإن كتاب الله فوق هذا المستوى، وكأن الذين يريدون أن يعملوا هذا العمل كما يقول سيد قطب رحمه الله: يريدون أن يلتقوا مع الجاهلية في منتصف الطريق، يقولون: ندنوا قريباً إليكم، وتدنون منا قريباً، وحينئذ نلتقي معهم في منتصف الطريق. ولربما يؤدي بنا هذا إلى أن نتنازل عن شيء من ديننا، أو أن نفسر كتاب الله على غير حقيقته!!
وضربت لكم مثلاً بـمصطفى محمود ، وأنا لست من الراضين عنه، فأنا أخالف هؤلاء الذين يقولون: إن مصطفى محمود قد رجع عن إلحاده، ولكني أقول: إنه قد لجأ إلى نوع من الإلحاد، وضرب الإسلام بطريقة أخرى غير الطريقة التي كان يسلكها قبل ذلك.
أما بالنسبة إلى تفسير القرآن بالكمبيوتر: فنحن لسنا بحاجة إليه، والعلماء الأولون قد خدموا كتاب الله عز وجل خدمة كافية، وما علينا إلا أن نقرأ ما كتبوه، وحينئذٍ سنجد فيه ما يكفي ويشفي، وإذا كان هناك أشياء فسرها لنا العلم الحديث ولم يفسرها لنا العلماء القدامى الذين لم يدركوا هذا التطور الصناعي الجديد، ولكن العلم الحديث قد فسر لنا هذه الآية تفسيراً جديداً، ولكنه لا يخرج بالقرآن عن إطاره؛ فإننا نقبل ذلك.
وعلى سبيل المثال: قول الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25]، في بعض الكتب القديمة أنه قد أنزلت المطرقة والمنشار وما أشبه ذلك من السماء، ولكن بعد أن رأينا هذه العجائب من هذا العلم الحديث عرفنا معنى قول الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ)، وليس معنى ذلك أن القرآن أصبح خاضعاً لهذه النظريات العلمية، ولكن هذه النظريات أصبحت مفسرة للقرآن لا مؤيدة له.
الجواب: الحقيقة أن التلفزيون لو كان قبل هذا الزمن الذي نعيشه لما استطعنا أن نقول عنه أي شيء؛ لأنه آله، أما وقد استخدم اليوم وسيلة لهدم الأخلاق فلا أحد يشك أن أمره خطير، وأن على أي مسلم أن يحاربه بقدر ما أوتي من قوة؛ فهو الذي يفرض الاختلاط، ويعلم الناس الاختلاط، حتى المسرحيات الإسلامية التي نشاهدها أصبحنا نتعلم فيها أن سلفنا الصالح كان يختلط رجالهم بنسائهم!
هذا هو ما تحمله تلك المسرحيات التي يسمونها بالمسرحيات الإسلامية! أضف إلى ذلك المسلسلات الفاسدة التي علّمت الناس الفساد والخلاعة، أضف إلى ذلك الأغاني وغيرها، فكل هذه أمور خطيرة تفرض علينا أن نحاربه بقدر ما أوتينا من قوة.
الجواب: إذا كان هناك هذا الشيء وتستطيع أن تحاربه فعليك أن تحاربه، ولكن حينما لا تستطيع أن تبعده عن بيتك فإن الله يقول: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]، فعليك أن تجتنب المكان الذي وجد فيه هذا الشيء وتستعين الله على ذلك.
الجواب: الازدواجية كلمة مصرية، وكانت تسمى في القديم: النفاق، والنفاق أصبحت له الآن مسميات كثيرة، فمرة يسمى (ازدواجية)، ومرة يسمى (مجاملة)، وما أشبه ذلك.
وهذا النفاق أو هذه الازدواجية إذا كانت في الاعتقاد فإن الله يقول: إن المنافقين فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ [النساء:145]، أما إذا كانت ازدواجية ونفاقاً في العمل فإنها معصية، وعلى الإنسان أن يبتعد عنها، وعليه أن يكون صريحاً، قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204]، وفي اعتقادي أن هذه الازدواجية التي تعيش معنا اليوم ونعيش معها أخطر شيء، فهناك ازدواجية في كل شيء، حتى وسائل الإعلام التي نشاهدها ونقرؤها ونراها بأعيننا تمثل هذه الازدواجية، فلا يكاد قارئ ينتهي من قراءة آيات من كتاب الله حتى تأتي أغنية! ولا تكاد تنتهي هذه الأغنية حتى يأتي حديث! وهكذا، فأصبحت هذه الازدواجية تمثل وتشكل عقداً في نفوس الأطفال والشباب، ولربما يأتي ذلك اليوم الذي لا يستطيع فيه هذا الشاب أو هذا الطفل الذي ألِفَ هذه المناظر والمظاهر أن يفرق بين الخير والشر، ثم يصبح الخير كله شراً أو الشر كله خيراً في ذهنه.
الجواب: ليس هناك شيء أعظم من كتاب الله عز وجل، وأنا أدعو نفسي وأدعو الشباب إلى أن نجعل في كل يوم شيئاً من كتاب الله نقرؤه، ونلزم أنفسنا به، ويا حبذا لو كنا نحفظ ذلك حفظاً، ثم أيضاً هناك مجلات وكتب إسلامية كثيرة تملأ البلاد، وتغص بها المكتبات والحمد لله، وأي واحد منا يستطيع أن يختار أحسن هذه الكتب، وعليه أن يتخير من أنواع هذه الكتب، فهناك الكتب العلمية، وهناك الكتب الثقافية، وما أشبه ذلك، وهناك مجلات تعتني بالتربية الإسلامية، فيا حبذا لو كان الشباب يقتنونها ويكثرون من قراءتها.
الجواب: الحقيقة أن أعداء الإسلام لو أردنا أن نرضيهم أو أن نسعى لدحض شبهاتهم فلن نستطيع؛ لأن الله يقول: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْه [آل عمران:7]، وهؤلاء لسنا مسئولين عن إرضائهم، ولكننا مسئولون عن أن نوضح لهم الحق إن أرادوا الحق.
أما تكرار القصص في القرآن: فالحقيقة أن هذا يعطي القرآن الروعة الصحيحة، فقصة موسى هي أكثر قصة تكررت في كتاب الله، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يأتي بقصتين من قصص القرآن تحدثت عن قصة موسى عليه السلام وإحداهما تشبه الأخرى؛ فإن كل واحدة تأتي بأسلوب جديد غير ما أتت به القصة الأخرى.
وعلى هذا: فإن قصة موسى أو أي قصة جاءت في القرآن الكريم لها أهداف، وهذه الأهداف كما قال الله تعالى: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ [الفرقان:32]، والرسول صلى الله عليه وسلم -وهو يعيش في المحنة الهوجاء التي كان يقاسيها ويعانيها من ذوي قرباه ومن أهل بلده- لا بد أن يُسلى لتخفف المحنة عنه؛ فيخبره الله تعالى بما حدث للمرسلين من قبله، وما فعلت الأمم برسلهم؛ حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مطمئن القلب؛ ليعرف أنه ليس وحده هو الذي سار في هذا الطريق الشائك.
وأكثر القرآن من قصة موسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء؛ لأن قوم موسى هم أقرب الأمم إلى الأمة الإسلامية، فاليهود آخر أمة بعث فيها رسول، ولربما يقول قائل: إن النصارى جاءوا بعدهم! فنقول: النصارى فرع من اليهود، فاليهود الذين بعث فيهم موسى عليه السلام لما طال عليهم الأمد، بُعث فيهم عيسى عليه السلام، فانتصر النصارى على اليهود وآمنوا بعيسى.
والقرآن كله جاء من أجل تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، وإخباره بما فعلت الأمم السابقة بأنبيائها، وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، وهذه القصص كلها تحتوي على الصدق الكامل؛ لأنها من كلام الله عز وجل.
الجواب: الصحيح أن هذه الدورات سواء كان يقوم بها التجار أو تقوم بها الدولة من إرسال الطلبة والبعثات في الحقيقة أننا في غنى عنها، ونستطيع أن نعمل دورات في بلادنا، ونأتي بالمعلمين ليعلمونا اللغة أو أي مادة، والمال هو الذي يحقق كل شيء في هذه الأيام، وماذا علينا لو اكتفينا بكل شيء في بلادنا، ولم نحتج إلى إرسال بعثات إلى بلاد الكفر، فإن ذلك من أكبر الأسباب التي شكلت الخطورة في وقتنا الحالي.
أما الذين يعيشون في تلك البلاد، فإن كانوا يستطيعون أن يقيموا شعائر الدين فنحن لا نقول شيئاً إلا أنهم على خطر في دينهم، أما إذا لم يستطيعوا ذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين) وفسرها العلماء: بأنه الذي لم يستطع أن يقيم شعائر دينه.
وعموماً: البعثات الخارجية من أخطر ما أصيبت به بلادنا التي تمتاز عن جميع أرض الله كلها بأنها لم تدنسها أقدام الاستعمار، والآن بدأت تتأثر على أيدي هؤلاء الذين ذهبوا يدرسون هناك، ليعودوا إلى هذه البلاد وقد تغيرت أفكارهم، وقد حملوا شيئاً من السم الذي ذاقوا طعمه هناك في تلك البلاد، ونسأل الله أن يوفق المسئولين حتى يحولوا بين شبابنا وبين هذه البعثات، وهو المستعان.
الجواب: الحقيقة أن هذا يشكل حلقة من سلسلة هدم الأخلاق والفضيلة، والله تعالى يقول: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، ويقول: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27]، وهذا مخطط طويل عريض، وإذا لم نذهب إلى هناك فإن أولئك سيأتون إلينا ليعيشوا معنا في قعر بيوتنا، ونأتي بالخادمة من البلاد الكافرة أو حتى من البلاد المسلمة لنخلطها بأبنائنا؛ ويحدث الاختلاط داخل قعر البيوت إذا لم يتحقق الاختلاط في المدارس والجامعات؛ لأن بلدنا هذه -والحمد لله- لم تسمح بأن يكون هناك اختلاط، لكن هذا الاختلاط سيتحقق داخل البيوت؛ لتكون خطوة أولى فيصبح بعد ذلك من السهل أن نخلط هؤلاء بهؤلاء في المدارس وفي كل مكان آخر.
فهذا الاختلاط يشكل خطورة عظيمة، وفي اعتقادي أن من أخطر ما أصبنا به في هذا البلد هو هذا الترف المادي الذي يعتبره كثير من الناس هو كل شيء!! ولكنه قد فتح علينا أبواب خطيرة لعل من أبرزها: أن ذهب بنا هذا الترف وهذا البذل وحب الاستعلاء إلى أن نأتي بهؤلاء الخادمات وهؤلاء المربيات لتفسد البيوت وتفسد الأخلاق، ثم نأتي بهؤلاء الذين يقودون السيارات لنسلم لهم أغلى ما نملك: أخلاقنا وفضائلنا وبناتنا ونساءنا؛ وحينئذٍ ننتظر -لو دام الأمر على هذا الوضع- فتنة أخطر من الفتنة التي نعيشها اليوم والعياذ بالله!
الجواب: الحقيقة أني لم أطلع على شيء حول هؤلاء، ولكن المعروف أنهم أناس جاءوا من بلاد الغرب إلى بلاد الشرق الإسلامية، وعاشوا مع المسلمين، ودرسوا الإسلام دراسة شبه كاملة، وبدءوا ينقدون الإسلام، ويطعنون فيه من حيث عرفوه، ولربما يكون بعضهم أعرف بالإسلام من أبناء المسلمين، فطعنوا في الإسلام من هذه الناحية، وشككوا أبناء المسلمين في دينهم، وبعضهم قد اعتنق الإسلام حينما اقتنع وتجرد من أهوائه وشهواته، وعرف أن الإسلام هو دين الحق، أما أكثرهم فهم الذين خططوا لهدم الإسلام، وذلك بعد دراسة عن كثب، وبعد مدة عاشوها طويلاً في البلاد الإسلامية؛ عرفوا فيها الإسلام، وعرفوا كيف يغزى الإسلام، فكان من نتائج هؤلاء المستشرقين هذه المخططات التي غزي بها العالم الإسلامي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر