الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
قال المصنف رحمه الله: [ الجملة الرابعة في وقت الزكاة.
وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضة والماشية الحول؛ لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة، ولانتشاره في الصحابة رضي الله عنهم، ولانتشار العمل به، ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف.
وقد روي مرفوعاً من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار ] أخرجه الدارقطني أنها من فعل ابن عمر ، ولكنهم رجحوا أنه موقوف، وروي عن عدة من الصحابة: علي و عائشة و أنس و أم سعد الأنصارية و سراء بنت نبهان ، وفي كل الطرق ضعف، والخلاصة أن الحديث صحيح بهذه الشواهد، وصححه الألباني في الإرواء.
[ وليس فيه في الصدر الأول خلاف.. ] أنها لا بد من الحول [ إلا ما روي عن ابن عباس و معاوية .
وسبب الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت ] يعني هذا الحديث: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) معنى الحديث أنه لا يكرر أحد أخذ الزكاة في المال قبل مضي حول عليه، أما إذا جعل الإمام شهراً محدداً لجباية الزكاة، فإنه لا يجب على السعاة أن يسألوا عن كل مال، هل مضى عليه الحول؟ فالذي كان عليه العمل في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده أن السعاة يأخذون الزكاة في كل مال بلغ نصاباً، ولا يسألون المالك عن مضي الحول عليه أو عدم مضيه، ولكنهم لا يعودون في جباية الزكاة إلا بعد مضي الحول.
[ واختلفوا من هذا الباب في مسائل ثمانية مشهورة:
إحداها: هل يشترط الحول في المعدن إن قلنا: إن الواجب فيه ربع العشر؟.
الثانية: في اعتبار حول ربح المال.
الثالثة: حول الفوائد الواردة على مال تجب فيه الزكاة.
الرابعة: في اعتبار حول الدين إن قلنا: أن فيه الزكاة.
الخامسة: في اعتبار حول العروض إذا قلنا إن فيها الزكاة.
السادسة: في حول فوائد الماشية.
السابعة: في حول نسل الغنم إذا قلنا: إنها تضم إلى الأمهات، إما على من يشترط أن تكون الأمهات نصاباً وهو الشافعي و أبو حنيفة، وإما على مذهب من لا يشترط ذلك، وهو مذهب مالك.
الثامنة: في جواز إخراج الزكاة قبل الحول ].
قال رحمه الله: [ المسألة الأولى: هل يشترط الحول في المعدن، فإن الشافعي راعى فيه الحول مع النصاب.. ] قال: يشترط أن يكون نصاباً وأن يكون فيه الحول.
[ وأما مالك] و أحمد [ فراعي فيه النصاب دون الحول ] قالوا: يؤخذ في وقت خروجه.
وأما أبو حنيفة فلم يراع لا الحول ولا النصاب، فقال: أي مال يخرج في وقته يخرج الزكاة منه.
[ وسبب اختلافهم تردد شبهه بين ما تخرجه الأرض مما تجب فيه الزكاة ] يعني بين الحب والثمار فإنها تجب الزكاة فيه عند خروجه [ وبين التبر والفضة المقتنيين ] يعني: الذهب والفضة الذي يملكه عنده في البيت [ فمن شبهه بما تخرجه الأرض لم يعتبر الحول فيه، ومن شبهه بالتبر والفضة المقتنيين أوجب الحول، وتشبيهه بالتبر والفضة أبين، والله أعلم ].
المسألة الثانية:
قال المصنف رحمه الله: [ وأما اعتبار حول ربح المال فإنهم اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:
فرأى الشافعي أن حوله يعتبر من يوم استفيد، سواء كان الأصل نصاباً أو لم يكن، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب ألا يعرض لأرباح التجارة حتى يحول عليها الحول ] المؤلف قرر أن هذا مذهب الشافعي ، بأن الربح يستأنف به الحول، ونحن قد قررنا في صفحة مائة وسبع، وقلنا: إن مذهب الشافعي ومذهب مالك في الأرباح شيء واحد.
[ وقال مالك : حول الربح هو حول الأصل، أي: إذا كمل للأصول حول زكى الربح معه، سواءً كان الأصل نصاباً أو أقل من نصاب إذا بلغ الأصل مع ربحه نصاباً ] يعني: في آخر الحول [ قال أبو عبيد : ولم يتابعه عليه أحد من الفقهاء إلا أصحابه ].
أقول: بل هذا هو مذهب الشافعي كما تقدم تقريره في صفحة مائة وسبع، وانظر المجموع للنووي (6/55) وهو أن مذهب الشافعي و مالك واحد.
[ وفرق قوم بين أن يكون رأس المال الحائل عليه الحول نصاباً أو لا يكون، فقالوا: إن كان نصاباً زكى الربح مع رأس ماله، وإن لم يكن نصاباً لم يزك، وممن قال بهذا القول الأوزاعي و أبو ثور و أبو حنيفة ] و أحمد فهؤلاء قالوا: لا بد أن يكون الأصل نصاباً؛ وقد مضى معنا أن أبا حنيفة يشترط النصاب في طرفي الحول.
[ وسبب اختلافهم تردد الربح بين أن يكون حكمه حكم المال المستفاد.. ] يعني عندما تستفيد مالاً تبدأ به الحول [ أو حكم الأصل ] حكم الأصل الذي ابتاع واشترى به [ فمن شبهه بالمال المستفاد ابتداء قال: يستقبل به الحول، ومن شبهه بالأصل وهو رأس المال قال: حكمه حكم رأس المال، إلا أن من شروط هذا التشبيه أن يكون رأس المال قد وجبت فيه الزكاة.. ] يعني: النصاب [ وذلك لا يكون إلا إذا كان نصاباً؛ ولذلك يضعف قياس الربح على الأصل في مذهب مالك ]؛ لأنه قال: يشترط النصاب في آخر الحول [ ويشبه أن يكون الذي اعتمده مالك رضي الله عنه في ذلك هو تشبيه ربح المال بنسل الغنم ]؛ فعند مالك إذا كان نسل الغنم في آخر الحول نصاباً يزكيه [ لكن نسل الغنم مختلف أيضاً فيه، وقد روي عن مالك مثل قول الجمهور].
أقول: الأقرب في اعتبار الحول في زكاة ربح التجارة أنه إن كان المزكي هو الذي يخرجها ويوزعها على الفقراء، أنه يبتدئ الحول من حين يكون رأس المال نصاباً، ولا ينظر إلى نقصه في وسط الحول إذا جاء رأس الحول وهو نصاب.
وأما إذا كانت الحكومة هي التي تتولى جباية الزكاة وتحدد شهراً لأخذها، فإنها تعتبر النصاب عند جمعها للزكاة، فإذا أخذتها - يعني الزكاة - فلا تعاود جمع الزكاة مرة أخرى إلا بعد مضي الحول، وهذا ما كان يحدث في زكاة الماشية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين، فقد كان السعاة يأخذون الزكاة مما حضر من المال إذا بلغ نصاباً، ولا يسألون متى كان هذا النصاب وكم شهراً له؟ ويكتفون بتمامه عند أخذ الزكاة، ثم لا يأخذون منه الزكاة إلا بعد عام قمري كامل.
قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثالثة: ] حول الفوائد الواردة على المال فيه إشارة إلى أن الربح غير الفوائد، فالربح هو يقلب المال فيحصل فيه زيادة، والفوائد سواءً كانت مرتبات أو إرث أو غير ذلك.. جاءت عليه فهذه تسمى فوائد على المال.
[وهي حول الفوائد، فإنهم أجمعوا على أن المال إذا كان أقل من نصاب، واستفيد إليه مال من غير ربحه يكمل من مجموعهما نصاب؛ أنه يستقبل به الحول من يوم كمل] فلو كان معه مائة درهم وحصل على مائة درهم بعد ستة أشهر يبتدأ الحول.
[واختلفوا إذا استفاد مالاً وعنده نصاب مال آخر قد حال عليه الحول، فقال مالك : يزكى المستفاد إذا كان نصاباً لحوله، ولا يضم إلى المال الذي وجبت فيه الزكاة] أي أنه قال: في الربح تضم الأرباح وحولها حول الأصل، لكن هنا خالف وقال: لا يضم [ وبهذا القول في الفوائد قال الشافعي] و أحمد ، [ وقال أبو حنيفة وأصحابه الثوري : الفوائد كلها تزكى بحول الأصل إذا كان الأصل نصاباً، وكذلك الربح عندهم ] فلم يفرقوا بين الفوائد والربح.
[وسبب اختلافهم هل حكمه حكم المال الوارد عليه أم حكمه حكم مال لم يرد على مال آخر؟] يعني هل حكمه حكم المال الأول أو أنه حكم مال ابتدأه [فمن قال: حكمه حكم مال لم يرد على مال آخر، أعني: مالاً فيه زكاة، قال: لا زكاة في الفائدة] يعني لا زكاة فيه مع المال الحال زكاته يعني لا تضم، وإنما يعتد بها حولاً إذا كان نصاباً [ومن جعل حكمه حكم الوارد عليه، وأنه مال واحد قال: إذا كان في الوارد عليه الزكاة بكونه نصاباً اعتبر حوله بحول المال الوارد عليه، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)، يقتضي ألا يضاف مال إلى مال إلا بدليل]؛ لأنه مبتدأ [ وكأن أبا حنيفة اعتمد في هذا قياس الناض على الماشية ] فإن الماشية إذا ولدت تضم السخال مع الأصل.
[ ومن أصله الذي يعتمده في هذا الباب أنه ليس من شرط الحول أن يوجد المال نصاباً في جميع أجزائه، بل أن يوجد نصاباً في طرفيه فقط وبعضاً منه في كله ] ولو كان أقل من نصاب [ فعنده أنه إذا كان مال في أول الحول نصاباً، ثم هلك بعضه فصار أقل من نصاب، ثم استفاد مالاً في آخر الحول صار به نصاباً أنه تجب فيه الزكاة، وهذا عنده موجود في هذا المال؛ لأنه لم يستكمل الحول، وهو في جميع أجزائه مال واحد بعينه، بل زاد ولكن أُلفي في طرفي الحول نصاباً، والظاهر أن الحول الذي اشترط في المال.. ] يعني الحول الذي اشترط في المال ما اشترط في هذا التقلب، إنما اشترط في مال موجود عنده طيلة السنة [إنما هو في مال معين لا يزيد ولا ينقص لا بربح ولا بفائدة ولا بغير ذلك، إذ كان المقصود بالحول هو كون المال فضلة مستغنىً عنه، وذلك أن ما بقي حولاً عند المالك لم يتغير عنده فليس به حاجة إليه، فجعل فيه الزكاة فإن الزكاة إنما هي في فضول الأموال.
وأما من رأى أن اشتراط الحول في المال إنما سببه النماء]؛ لأن الفضة والذهب تنموا بالتقليب، والماشية تنموا بالنسل فسببها النماء، والتقليب والنماء لا بد له من زمن وهو الحول، بخلاف ما يأتي نماؤه دفعة واحدة، كالزراعة فلا يشترط فيه الحول.
[فوجب عليه أن يقول: تضم الفوائد فضلاً عن الأرباح إلى الأصول]؛ لأنه قد نما [وأن يعتبر النصاب في طرفي الحول] وهو أبو حنيفة [ فتأمل هذا فإنه بين والله أعلم؛ ولذلك رأى مالك أن من كان عنده في أول الحول ماشية تجب فيها الزكاة، ثم باعها وأبدلها في آخر الحول بماشية من نوعها أنها تجب فيها الزكاة، فكأنه اعتبر أيضاً طرفي الحول على مذهب أبي حنيفة ] يعني: في هذه المسألة فقط [وأخذ أيضاً ما اعتمد أبو حنيفة في فائدة الناض القياس على فائدة الماشية على ما قلناه].
أقول: ما رجحه ابن رشد من اعتبار حول الفوائد بالأصل إذا كان الأصل نصاباً هو الراجح، يدل عليه ما ذكره في التوجيه وما سبق من الترجيح في المسألة التي قبلها.
قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الرابعة وهي اعتبار حول الدين إذا قلنا: إن فيه الزكاة، فإن قوماً قالوا: يعتبر ذلك فيه من أول ما كان ديناً يزكيه لعدة ذلك، إن كان حولاً فحول، وإن كان أحوالاً فأحوال ] يعني يزكيه على ما مضى ولو عشر سنوات فيزكي عشر سنوات وهو دين [ أعني: أنه إن كان حولاً تجب فيه زكاة واحدة، وإن أحوالاً وجبت فيه الزكاة لعدة تلك الأحوال.
وقوم قالوا: يزكيه لعام واحد، وإن أقام الدين أحوالاً عند الذي عنده الدين.
وقوم قالوا: يستقبل به الحول.
وأما من قال: يستقبل بالدين الحول من يوم قبض فلم يقل بإيجاب الزكاة في الدين ] قال: عندما يقبضه يسدده في الحول [ومن قال فيه: الزكاة بعدد الأحوال التي أقام فمصيراً إلى تشبيه الدين بالمال الحاضر.
وأما من قال: الزكاة فيه لحول واحد وإن أقام أحوالاً، فلا أعرف له مستنداً في وقتي هذا؛ لأنه لا يخلو ما دام ديناً أن يقول: إن فيه زكاة أو لا يقول ذلك، فإن لم يكن فيه زكاة فلا كلام بل يستأنف به، وإن كان فيه زكاة فلا يخلو أن يشترط فيها الحول أو لا يشترط ذلك، فإن اشترطنا وجب أن يعتبر عدد الأحوال إلا أن يقول: كلما انقضى حول فلم يتمكن من أدائه سقط عنه ذلك الحق اللازم في ذلك الحول فإن الزكاة وجبت بشرطين: حضور المال، وحلول الحول ] فهو واجب عليه، لكن لما يأتي آخر الحول والأعمال والمال غير موجود سقطت عنه الزكاة.
[فلم يبق إلا حق العام الأخير وهذا يشبهه مالك بالعروض التي للتجارة، فإنها لا تجب عنده فيها زكاة إلا إذا باعها وإن أقامت عنده أحوالاً كثيرة] مر معنا عن مالك أن غير المدير لا يزكي إلا لعام واحد عند البيع، فكأن الذي يقول هذا يزكيه لعام واحد يشبهها بالمال الذي فيه التجارة، كما قال مالك في غير المدير.
[وفيه ما شبه بالماشية..] بعضهم يقول: إن الماشية إذا لم يأت الإمام والسعاة فإنها تسقط؛ لأنها تدفع إليهم، [التي لا يأتي الساعي أعواماً إليها، ثم يأتي فيجدها قد انقضت فإنه يزكي على مذهب مالك الذي وجد فقط] ولا تجب عليه الزكاة في ذلك؛ [لأنه لما أن حال عليها الحول فيما تقدم ولم يتمكن من إخراج الزكاة، إذ كان مجيء الساعي شرطاً عنده في إخراجها] يقول: إذا لم يأت السعاة سقطت الزكاة عن الأغنياء، إذ كان الساعي شرطاً عنده في إخراجها [ مع حلول الحول سقط عنه حق ذلك الحول الحاضر وحوسب به في الأعوام السالفة، كان الواجب فيها أقل أو أكثر إذا كانت مما تجب فيه الزكاة، وهو شيء يجري على غير قياس] هذا قول مالك أنه لا بد من وجود الحول والساعي جعله على غير قياس [وإنما اعتبر مالك فيه العمل..] يعني: عمل أهل المدينة.
[ وأما الشافعي فيراه ضامناً؛ لأنه ليس مجيء الساعي شرطاً عنده في الوجوب] بل وجود المال والغنى هو شرط الوجوب وإن لم يأخذها الساعي فعليه أن يوزعها هو بنفسه على الفقراء [وعلى هذا كل من رأى أنه لا يجوز أن يخرج زكاة ماله إلا بعد أن يدفعها إلى الإمام فعدم الإمام، أو عدم الإمام العادل إن كان ممن اشترط العدالة في ذلك؛ أنه إن هلكت بعد انقضاء الحول وقبل التمكن من دفعها إلى الإمام فلا شيء عليه] يعني: لا زكاة على الأغنياء؛ لعدم وجود الإمام العادل فنزيد الطين بلة! فالرؤساء يظلمون من جهة، والأغنياء لا تجب عليهم الزكاة ويموت الفقراء!
أقول: الراجح وجوب دفع الزكاة في المال البالغ نصاباً وحال عليه الحول، سواءً جاء السعاة لجمعها أو لم يجيء السعاة لجمعها فيجب على صاحب المال توزيعها على المستحقين لها، وما قاله مالك من أن مجيء السعاة شرط فلا دليل عليه، بل الآية القرآنية توجب الزكاة، ولا تشترط وجود السعاة لأخذها، قال تعالى مبيناً أن الزكاة حق للمستحقين في مال الأغنياء كالشركة: فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[المعارج:24-25].
وأما الكلام على ترجيح مسألة الدين فقد مضى في التعليق على كلام ابن رشد في مسألة الدين صفحة 57، ولا حاجة إلى الإعادة.
[المسألة الخامسة وهي حول العروض، وقد تقدم القول فيها عند القول في نصاب العروض. صفحة 107.
قال المصنف رحمه الله: [وأما المسألة السادسة: وهي فوائد الماشية فإن مذهب مالك فيها بخلاف مذهبه في فوائد الناض، وذلك أنه يبني الفائدة على الأصل إذا كان الأصل نصاباً، كما يفعل أبو حنيفة في فائدة الدراهم وفي فائدة الماشية] أبو حنيفة مذهبه ليس عليه شيء [فأبو حنيفة مذهبه في الفوائد حكم واحد، أعني: أنها تبنى على الأصل إذا كانت نصاباً، كانت فائدة غنم أو فائدة ناض والأرباح عنده والنسل كالفوائد.
وأما مالك فالربح والنسل عنده حكمهما واحد، ويفرق بين فوائد الناض وفوائد الماشية.
وأما الشافعي فالأرباح والفوائد عنده حكمهما واحد باعتبار حولهما بأنفسهما].
بعد الضم أقول: مذهب الشافعي في الأرباح أن حولها عنده حول الأصل، كما سبق (107)، وأما الفوائد فمذهبه أنها لا تضم كما سبق في (112).
[ وفوائد الماشية ونسلها واحد باعتبار حولهما بالأصل إذا كان نصاباً] فائد الماشية ونسلها واحد عند الشافعي وبه قال أحمد قال: إن حولها حول الأصل إذا كان الأصل نصاباً [ فهذا هو تحصيل مذاهب هؤلاء الفقهاء الثلاثة، وكأنه إنما فرق مالك بين الماشية والناض اتباعاً لعمر ]؛ لأن عمر صرح فيها بالضم [ وإلا فالقياس فيهما واحد ] إما أن تضم أو لا تضم [ أعني: أن الربح شبيه بالنسل الفائدة بالفائدة، وحديث عمر هذا هو أنه أمر أن يعد عليهم بالسخال ولا يؤخذ منها شيئاً، وقد تقدم الحديث في باب النصاب ].
والراجح في هذه المسألة -أعني: المسألة السادسة والتي بعدها- أنه إذا كان الأصل نصاباً فإن الفوائد والنسل تزكى بزكاة الأصل جمعاً بين حديث سويد بن غفلة قال: ( أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلسنا إلى جنبه فسمعته يقول: إن في عهدي ألا آخذ من راضع )، وفي سنده هلال بن خباب وقد وثقه غير واحد، وتكلم فيه بعضهم، والحديث حسن، وقد حسنه الألباني في صحيح أبي داود ..
.. وبينما رواه مالك و الشافعي و أبو عبيد عن عمر أنه قال لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة التي يرد بها الراعي على يده ولا تأخذها، وهذا الحديث يدل على أنه يعتد بالصغار، وذاك الحديث الأول يدل على أنه لا يعتد بها فجمع ما بينها بأن حديث عمر فيما إذا كان نصاباً، وحديث سويدة بن غفلة فيما إذا كان أقل من النصاب.
قال المصنف رحمه الله: [المسألة السابعة وهي اعتبار حول نسل الغنم، فإن مالكاً قال: حول النسل هو حول الأمهات، كانت الأمهات نصاباً أو لم تكن، كما قال في ربح الناض.
وقال الشافعي و أبو حنيفة و أبو ثور : لا يكون حول النسل حول الأمهات إلا أن تكون الأمهات نصاباً ] وهذا الذي رجحناه.
[ وسبب اختلافهم هو بعينه سبب اختلافهم في ربح المال ].
قال المصنف رحمه الله: [وأما المسألة الثامنة وهي جواز إخراج الزكاة قبل الحول] يعني لم ينتهِ الحول بعد وأنت لديك مال، ورأيت المحتاجين من الفقراء، فهل تعطيهم من الزكاة قبل الحول؟
[ فإن مالكاً منع ذلك وجوزه أبو حنيفة و الشافعي ].
قال رحمه الله: [وسبب الخلاف: هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين؟ فمن قال عبادة وشبهها بالصلاة لم يجز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة أجاز إخراجها قبل الأجل على جهة التطوع، وقد احتج الشافعي لرأيه بحديث علي ] الذي أخرجه أبو عبيد في الأموال و الحاكم وقال: صحيح، ووافقه الذهبي ، والخلاصة أنه حديث حسن [ ( أن النبي عليه الصلاة والسلام استسلف صدقة العباس قبل محلها )].
أقول: وبما أن الحديث حسن فالراجح جواز تقديم الصدقة قبل مضي الحول.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر