الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فالفصل الرابع: في نصاب الغنم وقدر الواجب من ذلك.
قال المصنف رحمه الله: [ وأجمعوا من هذا الباب على أن في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على العشرين ومائة ] واحدة [ ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت على المائتين ] واحدة [ فثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة ] يعني إذا زادت على ثلاثمائة فلا شيء فيها حتى تصل أربعمائة ففي كل مائة شاة شاة.
[ وذلك عند الجمهور إلا الحسن بن صالح فإنه قال: إذا بلغت الغنم ثلاثمائة شاة وشاة واحدة أن فيها أربع شياه، وإذا كانت أربعمائة شاة وشاة ففيها خمس شياه، وروي قوله هذا عن منصور عن إبراهيم ، والآثار الثابتة المرفوعة في كتاب الصدقة على ما قاله الجمهور ]. وبما أن الآثار الثابتة تؤيد قول الجمهور فإنه هو الراجح.
قال المصنف رحمه الله: [ واتفقوا على أن المعز تضم مع الغنم، واختلفوا من أي صنف منها يأخذ المصدق ] يعني: الساعي، [ فقال مالك : يأخذ من الأكثر عدداً، فإن استوت خير الساعي، وقال أبو حنيفة : بل الساعي يخير إذا اختلفت الأصناف ] ولم ينظر إلى عدد [ وقال الشافعي : يأخذ الوسط من الأصناف المختلفة؛ لقول عمر رضي الله عنه: نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا نأخذها ولا نأخذ الأكولة ولا الرَّبى ولا المخاض ولا فحل الغنم، ونأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين خيار المال ووسطه ].
والراجح ما ذهب عليه الشافعي في أنه يأخذ من الوسط لما في ذلك من العدل بين المالك والمستحق.
[ وكذلك اتفق فقهاء جماعة الأمصار على أنه لا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عور؛ لثبوت ذلك في كتاب الصدقة، إلا أن يرى المصدق أن ذلك خير للمساكين.
واختلفوا في العمياء وذات العلة، هل تعد على صاحب المال أم لا؟ فرأى مالك و الشافعي أن تعد، وروي عن أبي حنيفة أنها لا تعد.
وسبب اختلافهم هل مطلق الاسم يتناول الأصحاء والمرضى أم لا يتناولهما؟ ].
أقول: الراجح أن المرضى تعد؛ لأن مطلق الاسم يتناول الجميع.
قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا من هذا الباب في نسل الأمهات، هل تعد مع الأمهات فيكمل النصاب بها إذا لم تبلغ نصاباً ] يعني: الأم [ فقال مالك : يعتد بها، وقال الشافعي و أبو حنيفة و أبو ثور ] و أحمد [ لا يعتد بالسخال إلا أن تكون الأمهات نصاباً.
وسبب اختلافهم: احتمال قول عمر رضي الله عنه إذ أمر أن تعتد عليهم بالسخال، ولا يؤخذ منها شيء، فإن قوماً فهموا من هذا إذا كانت الأمهات نصاباً ] يعني تعتد السخال منها [ وقوم فهموا هذا مطلقاً ].
أقول: أثر عمر قال النووي في المجموع (5/326): رواه مالك في الموطأ والشافعي بإسناد صحيح.
أما حكم المسألة فالراجح أنه لا يعتد بالسخال إلا إذا كانت الأمهات نصاباً، فإن لم يكن النصاب إلا بالسخال احتسب الحول من حين كمال النصاب؛ لأنه قبل تكملة النصاب بالأمهات لا يكون الحول قد أتى على ماشية بلغت نصاباً..
وأثر عمر محتمل فلا دلالة فيه على أحد القولين، والأصل في وجوب الزكاة هو مرور الحول على نصاب زكوي؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )، وهو حديث صحيح، بما له من الشواهد، فقد روي عن جماعة من الصحابة -كما سيأتي ص (109) من هذا الكتاب: فإذا جاء وقت خروج الساعي والأمهات لم تبلغ نصاباً إلا بالسخال فليس له أخذ الزكاة منها، أما إذا جاء وقت خروج الساعي فوجد الأمهات تبلغ نصاباً فإنه يعتد عليهم بالسخال ويكون حولها حول الأصل، وليس عليه أن يبحث في مرور الحول على الأصل، بل يأخذ منها من غير سؤال، هذا ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء: أنه إذا جاء وقت إخراج الزكاة فوجدوا الماشية قد بلغت نصاباً أخذوا منها الزكاة، ثم لا يأخذون منها مرة ثانية إلا بعد مضي الحول.
فمثلاً: الحول.. إذا كان المزكي مثلاً يزكي ماله لنفسه، فإذا وجد عنده مال مستفاد فإنه إذا مضى عليه الحول فإنه يزكيه، ولا يزكيه إلا بعد حول واحد، أما إذا كان الإمام هو الذي يجبي الزكاة في شهر معين من السنة فإنه إذا مر على الملاك، فمن كان عنده مال سواء مر عليه شهر أو شهران وهو نصاب سواء ماشية أو عروض تجارة فإنه يدفع للساعي الزكاة، ولا يأتي الساعي إلى المالك ويسأله عن الحول؟ لم يكن هذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج في شهر لأخذ الزكاة، فيأخذون الزكاة من كل مال بلغ نصاباً، ولا يعودون إلا بعد الحول، إذاً العبرة بخروج الساعي ووجود النصاب.
فمسألتنا هذه التي هي هل تضم السخال أو لا تضم؟ فإذا خرج الساعي فوجد ثلاثين من الغنم وعشراً من السخال فلا يأخذ الزكاة منها، وإذا وجد معه ثمانين من الغنم، ومائة وما يبلغ بها مائة وواحدة من السخال أخذ اثنتين؛ لأنها قد صارت نصاباً، ولا يسأله متى ملكت هذا الغنم ومتى ولد لك؟ بل يحسب ذلك عليه ويأخذ الزكاة، ولا يعود عليه إلا بعد مضي الحول.
[ وأحسب أن أهل الظاهر لا يوجبون في السخال شيئاً، ولا يعدون بها لو كانت الأمهات نصاباً ولو لم تكن؛ لأن اسم الجنس لا يطلق عليها عندهم ].
وقد انتصر له ابن حزم في المحلى في ست صفحات (من 274، 279).
قال المصنف رحمه الله: [ وأكثر الفقهاء على أن للخلطة تأثيراً في قدر الواجب من الزكاة ] أي: الخليطين فيعتبر ماله كمال رجل واحد [واختلف القائلون بذلك هل لها تأثير في النصاب أم لا؟ ] وبعض الفقهاء قالوا: لا تأثير للخلطة وإنما التأثير للشركة، فالخليطان يزكي كل واحد ماله لنفسه وهم الحنفية، وقال بعض الفقهاء: إن للخلطة تأثيراً، ثم اختلفوا فيما بينهم هل لها تأثير في إخراج الواجب أو تأثير في إخراج الواجب والنصاب؟
[ فأما أبو حنيفة وأصحابه فلم يروا للخلطة تأثيراً، لا في القدر الواجب، ولا في قدر النصاب، وتفسير ذلك أن مالكاً و الشافعي وأكثر فقهاء الأمصار ] ومنهم أحمد [ اتفقوا على أن الخلطاء يزكون زكاة المالك الواحد، واختلفوا من ذلك في موضعين ] يعني الذين اتفقوا [ أحدهما في نصاب الخلطاء، هل يعد نصاب مالك واحد، سواء كان لكل واحد منهم نصاب أو لم يكن؟ أو أنما يزكون زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهم نصاب.
والثاني: في صفة الخلطة التي لها تأثير في ذلك: وأما اختلافهم أولاً في هل للخلطة تأثير في النصاب وفي الواجب أو ليس لها تأثير؟ فسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم ما ثبت في كتاب الصدقة من قوله عليه الصلاة والسلام: من حديث ابن عمر وهو حديث حسن ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع؛ خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، فإن كل واحد من الفريقين أنزل مفهوم هذا الحديث على اعتقاده ] يعني: مذهبه [ وذلك أن الذين رأوا للخلطة تأثيراً ما في النصاب والقدر الواجب أو في القدر الواجب فقطـ، قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: ( وما كان من الخليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، وقوله: ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع ) يدل دلالة واضحة أن ملك الخليطين كملك رجل واحد ] دلالة ظاهرة [ فإن هذا الأثر مخصص لقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ) ] يعني أن هذا الحديث يقول: إنه لا بد لمال كل من الملاك أن يكون نصاباً، وأن يختص بإخراجه، لكن حديث الخلطة خصص هذا الحديث.
[ أما في الزكاة عند مالك وأصحابه، أعني: في قدر الواجب، وإما في الزكاة والنصاب معاً عند الشافعي وأصحابه ] و أحمد [ وأما الذين لم يقولوا بالخلطة فقالوا: إن الشريكين قد يقال لهما: خليطان ] قالوا: إن الحديث في الشريكين فكان الحديث محتملاً للخليطين ومحتملاً للشريكين، وهؤلاء الحنفية.
[ ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع )، إنما هو نهي للسعاة ] يعني ينهى السعاة بألا يفرقوا بين الأموال وألا يجمعوا بينها [ أن يقسموا ملك الرجل الواحد قسمة توجب عليه كثرة الصدقة، مثل رجل يكون له مائة وعشرون شاة فيقسم عليه إلى أربعين ثلاث مرات ] وهذا تأويل بعيد [ أو يجمع ملك رجل واحد إلى ملك رجل آخر حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة.
قالوا: وإذا كان هذا الاحتمال في هذا الحديث وجب ألا تخصص به الأصول الثابتة المجمع عليها ] مذهبهم هو أن لديهم أصولاً ثابتة قد قرروا عليها أحكاماً فيردون حديث الآحاد ويردون المحتل، وهذا مذهب الحنفية..
[ أعني: أن النصاب والحق الواجب في الزكاة يعتبر بملك الرجل الواحد ] هذا عندهم أصل ثابت لا يخصص به مثل هذا الحديث فهو محتمل في المعنى.
[ وأما الذين قالوا بالخلطة فقالوا: إن لفظ الخلطة هو أظهر في الخلطة نفسها منه في الشركة، وإذا كان ذلك كذلك فقوله عليه الصلاة والسلام فيها: ( إنهما يتراجعان بالسوية )، مما يدل على أن الحق الواجب عليهما حكمه حكم رجل واحد، وأن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنهما يتراجعان بالسوية ) يدل على أن الخليطين ليسا بشريكين؛ لأن الشريكين ليس يتصور بينهما تراجع إذ المأخوذ هو من مال الشركة مثلاً خليطان أحدهما له أربعون من الغنم، والثاني له ستون وشاة فيجب عليهم شاة واحدة، فيقول صاحب الأربعين: شاتي بثلاثة آلاف، فادفع لي ألفين، أما لو كانت شركة فدفع أحدهم قيمة أربعين والثاني قيمة ستين، أو كان هناك ابن وبنت ورثا المال من أبيهما للذكر مثل حظ الأنثيين، في مائة وعشرين شاة ففيها شاة واحدة، فجاء الساعي وأخذ شاة فهل تراجعا بينهما بالسوية أو أخذ من رأس المال؟
أخذ من رأس المال شاة واحدة وبقي ملكهما مائة وعشرون شاة إلا شاة، فهذا الحديث لا ينطبق على رأي أبي حنيفة في كونهما يتراجعان بينهما بالسوية بل هو بعيد، فيدل على أن الحديث ظاهر في الخلطة.
إذاً ما قاله الإمام أحمد و مالك و الشافعي من أن الخلطة مؤثرة هو الراجح، وسنتكلم عليه إن شاء الله..
والخلطة قد تفيدهما تخفيفاً، وقد تكون ضرراً، وقد تفيد أحدهم تخفيفاً والآخر ضرراً، فتفيدهم ضرراً على قول الشافعي إذا كان لكل واحد منهم عشرون شاة فإنه لا تجب عليهم الزكاة، ولكن إذا اختلطوا وجبت عليهم الزكاة، وتفيدهم تخفيفاً إذا كان لكل واحد منهم أربعين شاة، فتأخذ منهم شاة واحدة.
وتفيد أحدهم تخفيفاً والآخر ضرراً إذا كان لأحدهم على مذهب الشافعي عشرون شاة، والآخر أربعون شاة،
والفرق بين الخليطين والشريكين هو أن الخليطين كل واحد ماله متميز، والشريكين لا تميز بين المال، بل الملك شائع بينهما.
فمن اقتصر على هذا المفهوم ولم يقس عليه النصاب قال: الخليطان إنما يزكيان زكاة الرجل الواحد إذا كان لكل واحد منهما نصاب ومن جعل حكم النصاب تبعاً لحكم الحق الواجب قال: نصابهما نصاب الرجل الواحد، كما أن زكاتهما زكاة الرجل الواحد، وكل واحد من هؤلاء أنزل قوله عليه الصلاة والسلام:( لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع ) على ما ذهب إليه.
فأما مالك رحمه الله تعالى فإنه قال: معنى قوله: ( لا يفرق بين مجتمع ) أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فتكون عليهما فيهما ثلاث شياه فإذا افترقا كان على كل واحد منهما شاة ] يعني مائتين وواحدة كل واحد معه مائة وشاة ففيها شاة واحدة في مائة وشاة، والثاني معه مائة وشاة كذلك، وهما مفترقان فعليهما شاتان، إذا اجتمعوا كذلك.
[ ومعنى قوله: ( لا يجمع بين مفترق ) أن يكون النفر الثلاث لكل واحد منهم أربعون شاة ] وهم غير خلطاء، فيأتي آخر الحول فيخلطونها، عندما يخرج الساعي [ فإذا جمعوها كان عليهم شاة واحدة، فعلى مذهبه النهي إنما هو متوجه نحو الخلطاء الذين لكل واحد منهم نصاب.
وأما الشافعي فقال معنى قوله:( ولا يفرق بين مجتمع ) أن يكون رجلان لهما أربعون شاة، فإذا فرقا غنمهما لم يجب عليهما فيها زكاة؛ إذ كان نصاب الخلطاء عنده نصاب ملك واحد في الحكم.
قال المصنف رحمه الله: [ وأما القائلون بالخلطة فإنهم اختلفوا فيما هي الخلطة المؤثرة في الزكاة.
فأما الشافعي فقال: إن من شرط الخلطة أن تختلط ماشيتهما وتراحا لواحد، وتحلبا لواحد ] يعني: في مكان واحد [ وتسرحا لواحد وتسقيا معاً ] يعني: يكون حوضهما واحداً [ وتكون فحولهما مختلطة ] قال ابن رسلان صاحب الزبد:
مال الخليطين كمـال المفــرد إن مسرح ومرتع يتحد
والفحل والراعي وأرض الحلب وفي مراح ليلها والمشرب
والمسرح: محل ما تسرح الغنم، والمرتع: محل الرعي. والفحل والراعي يكون كل رعاتهم مختلطين، ما يميز بين الرعاة، كلهم يعطوهم الأجرة سواء.
وأرض الحلب: مكان ما يلحبون، وليس أنهم يحلبونهن في إناء واحدـ، ولكن المكان الذي يحلبون فيه واحد، وكل يحلب غنمه لنفسه. والمراح المحل الذي تأوي إليه في الليل. [ ولا فرق عنده بالجملة بين الخلطة والشركة، ولذا يعتبر كمال النصاب لكل واحد من الشريكين كما تقدم ] هذا الكلام مستقيم؟
لأنه لا يعتبر كمال النصاب للخلطة ويعتبرها بين الشركة، هذا مما جعلني أرجع إلى كتب المذهب الشافعي وكتب مذهب أحمد ؛ فعرفت أن هناك سقط كلمة وهي (لا) [ ولا فرق عنده بالجملة بين الخلطة والشركة؛ ولذا لا يعتبر كمال النصاب لكل واحد من الشريكين كما تقدم ] كما تقدم في الخلطة، وهل تقدم في الشركة؟ لا ما تقدم! وإنما الذي تقدم في الخلطة، أقول: سقط من الطبعة أو من الأصل لفظة (لا) قبل قوله (يعتبر) فتغير المعنى في حكم المسألة، فكان المعنى في حكمها أن الشافعي يفرق بين خلطة الجوار وخلطة الشركة، فلا يشترط في خلطة الجوار النصاب، ويشترط في خلطة الشركة النصاب، وبالرجوع إلى كتب مذهب الشافعي و أحمد تبين أن مذهب الشافعي و أحمد عدم التفرقة بين خلطة الجوار وخلطة الشركة، في أنه لا تجب فيهما أن يكون ملك كل واحد نصاباً، فثبت سقوط لفظة (لا) إما من الطبعة أو من الأصل انظر الروضة للنووي (2/170) والمغني لـابن قدامة، (2/454).
[ وأما مالك فالخليطان عنده ما اشتركا في الدلو والحوض والمراح والراعي والفحل ] متقاربان، هو والشافعي؟
[ واختلف أصحابه في مراعاة بعض هذه الأوصاف أو جميعها.
وسبب اختلافهم اشتراك اسم الخلطة؛ ولذلك لم ير قوم تأثير الخلطة في الزكاة، وهو مذهب أبي محمد بن حزم الأندلسي ].
والراجح أن الخلطة ثابتة بهذا الحديث؛ لأن فيه دلالة واضحة على الخلطة، وأن المراد بها غير الشركة، كما ذكر ذلك ابن رشد ، وأما الترجيح بين المذهبين مذهب مالك و الشافعي . فالراجح أنه يشترط أن يكون ملك كل واحد منهما نصاباً، فإن الحديث وإن كان فيه دلالة ظاهرة في أن الخليطين يزكيان زكاة الرجل الواحد، وذلك في قوله: ( وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية )، فإنه ليس فيه دلالة ظاهرة على عدم اعتبار النصاب لكل واحد منهما، والأصل في الزكاة أنها لا تجب في مال لم يبلغ النصاب؛ لحديث أبي سعيد المتفق عليه:( ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ).
فالراجح أن الخلطة ثابتة بهذا الحديث؛ لأن فيه دلالة واضحة على الخلطة وأن المراد بها غير الشركة كما ذكر ذلك ابن رشد .
وأما الترجيح بين المذهبين فالراجح أنه يشترط. هذا هو الراجح.
والفرق بين مذهب أبي حنيفة وبين مذهب مالك والشافعي مثلاً إذا كان معهما ثمانون شاة وكلها نصاب فعند الشافعي و مالك عليهما زكاة رجل واحد، فيخرجون شاة واحدة، وأما أبو حنيفة فيقول: يخرجون شاتين، فليس لها أي تأثير عنده.
قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الخامس: في نصاب الحبوب والثمار والقدر الواجب في ذلك.
وأجمعوا على أن الواجب في الحبوب، أما ما سقي بالسماء فالعشر، وأما ما سقي بالنضح فنصف العشر؛ لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ] في الحديث الصحيح الذي تقدم صفحة (74) من الكتاب.
[ وأما النصاب فإنهم اختلفوا في وجوبه في هذا الجنس من مال الزكاة، فصار الجمهور ] مالك و الشافعي و أحمد [ إلى إيجاب النصاب فيه، وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً بإجماع، الصاع: أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، والجمهور أن مده رطل وثلث وزيادة يسيرة بالبغدادي، وإليه رجع أبو يوسف حين ناظره مالك على مذهب أهل العراق بشهادة أهل المدينة بذلك ] أخرجوا له مد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزال موجوداً حتى الآن، إذا أردت مد الرسول صلى الله عليه وسلم فستجده موجوداً في المدينة يباع، فهو نفس المد الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويأخذه الحجاج.. والخمسة الأوسق تساوي اليوم ستمائة كيلو غرام واثنين وخمسين وثمانية من عشرة.
إذا بلغ نصاباً ثمانية أشوال التي تعرفونها وجبت عليه الزكاة فيما كان فيما سقي بالسماء - بماء المطر- العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر.
[ وقال أبو حنيفة : ليس في الحبوب والثمار نصاب.
وسبب اختلافهم معارضة العموم للخصوص ] فمذهب أبي حنيفة أن العام نص وأن الخاص نص، فإذا تقدم الخاص نسخه العام المتأخر عنه، وإذا تقدم العام نسخ منه الخاص المتأخر بقدره، فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)، يقول: هذا خاص، فتأخر عنه: ( فيما سقت السماء العشر ) هذا عام متأخر، فنسخ به الخاص.
[ أما العموم فقوله عليه الصلاة والسلام: ( فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ).
وأما الخصوص فقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) والحديثان ثابتان ] يعني: أنهما صحيحان، والحاصل في قوله صلى الله عليه وسلم: ( فيما سقت السماء العشر)، هذا عام في القليل والكثير، فيسمى ظاهراً، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) هذا نص في أنه إذا كان المال أقل من هذا القدر فلا صدقة فيه، مثال ذلك: لو قلت من جاءك اليوم فأكرمه! هذا ظاهر في أن أكرم كل من جاء، ولكن قلت لك مرة أخرى: لا تكرم اليوم ممن جاءك إلا خمسة أشخاص فقط، وهذا خاص؛ فيقدم النص الذي هو الخاص على الظاهر الذي هو العام؛ [ فمن رأى الخصوص يبنى على العموم قال: لا بد من النصاب، وهو المشهور.
ومن رأى أن العموم والخصوص متعارضان ] إذ كل منهما نص فيما هو فيه [ إذا جهل المتقدم فيهما والمتأخر إذ كان قد ينسخ الخصوص بالعموم عنده، وينسخ العموم بالخصوص ] وهو أبو حنيفة [ إذ كل ما وجب العمل به جاز نسخه، والنسخ قد يكون للبعض وقد يكون للكل.. ] فإذا تأخر العام نسخ الكل، وإذا تأخر الخاص نسخ البعض.
[ ومن رجح العموم قال: لا نصاب، ولكن حمل الجمهور عندي الخصوص على العموم هو من باب ترجيح الخصوص على العموم في الجزء الذي تعارضا فيه، فإن العموم فيه ظاهر والخصوص فيه نص ] هذا مذهبنا. لكن الأحناف يقولون: العموم نص، [ فتأمل هذا فإنه السبب الذي صير الجمهور إلى أن يقولوا يبنى العام على الخاص، وعلى الحقيقة ليس بنياناً ] فإنما هو تعارض نص وظاهر [ فإن التعارض بينهما موجود إلا أن يكون الخصوص متصلاً بالعموم فيكون استثناء، واحتجاج أبي حنيفة في النصاب بهذا العموم فيه ضعف، فإن الحديث إنما خرج مخرج تبيين القدر الواجب منه ] يعني أن الحديث ما أراد أن يبين النصاب! إنما أراد أن يبين الفرق بين ما سقي بالسماء، وما سقي بالنضح.
الراجح: ما ذهب إليه الجمهور من شرط النصاب في الحبوب؛ لأن الحديث نص في ذلك.
أما ما استدل به أبو حنيفة فإنما خرج مخرج تبيين القدر الواجب منه، وليس فيه تعرض لعدم شرطية النصاب.
قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا من هذا الباب في النصاب في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في النصاب ].
المسألة الثانية: [ في جواز تقدير النصاب في العنب والتمر بالخرص.
الثالثة: هل يحسب على الرجل ما يأكله من ثمره وزرعه قبل الحصاد والجذاذ في النصاب أم لا؟ ].
الشيخ: [ أما المسألة الأولى ] في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في النصاب [ فإنهم أجمعوا على أن الصنف الواحد من الحبوب والثمر يجمع جيده إلى رديئة وتؤخذ الزكاة عن جميعه بحسب قدر كل واحد منهما، أعني: من الجيد والرديء، فإذا كان الثمر أصنافاً أخذ من وسطه.
واختلفوا في ضم القطاني بعضها إلى بعض ] القطنية: اسم جامع للحبوب التي تطبخ، وذلك مثل العدس والباقلاء واللوبيا والحمص والأرز والسمسم.. إلى غيره، وليس القمح والشعير من القطاني [ وفي ضم الحنطة والشعير والسلت ] أيضاً ]. والسلت شيء من الحبوب، [ فقال مالك : القطنية كلها صنف واحد، والحنطة والشعير والسلت أيضاً ] كله صنف واحد، [ وقال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد وجماعة القطاني كلها أصناف كثيرة بحسب أسمائها ] فالأرز غير السمسم وغير العدس وغير الباقلاء، فلا يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. [ ولا يضم منها شيء إلى غيره في حساب النصاب، وكذلك الشعير والسلت والحنطة عندهم أصناف ثلاثة لا يضم واحد منها إلى الآخر؛ لتكميل النصاب] فلا بد عندهم من أن يحصل من كل واحد نصاب.
قال المصنف رحمه الله: [ وسبب الخلاف: هل المراعاة في الصنف الواحد هو اتفاق المنافع أو اتفاق الأسماء؟ فمن قال اتفاق الأسماء ] وهم الثلاثة [ قال: كلما اختلفت اسماؤها فهي أصناف كثيرة، ومن قال اتفاق المنافع ] وهو مالك [ قال: كلما اتفقت منافعها فهي صنف واحد وإن اختلفت اسماؤها، فكل واحد منهما يروم أن يقرر قاعدته باستقراء الشرع ] أي: تتبع الشرع [ أعني: أن أحدهما يحتج لمذهبه بالأشياء التي اعتبر فيها الشرع الاسماء، والآخر بالأشياء التي اعتبر الشرع فيها المنافع، ويشبه أن يكون شهادة الشرع للأسماء في الزكاة أكثر من شهادته للمنافع، وإن كان كلا الاعتبارين موجوداً في الشرع والله أعلم ].
يتبين من هذا أن الأئمة المجتهدين إنما يغوصون في المعاني ويبنون كلامهم على المعاني ولا يمكن أن نحصر الحق في مذهب واحد. ولا يمكن أن نحصر الحق في المذاهب الأربعة؛ لأنها ليست إجماعاً، فإذا ما جاء أحد من المقلدة حتى من ادعى السلفية فهم أكثر وأشد تقليداً. مثلاً هذا شيء سمعتموه أيام الانتخابات وهو: بماذا تعرف السني من البدعي؟ قالوا: اسأله، فإن قال: إن الانتخابات خلافية فهو بدعي! يعني أن كلام الشيخ الذي في اليمن أو الأربعة إجماعاً، وأن مخالفتهم بدعة، وأنهم أهل السنة والجماعة، وأنهم الفرقة الناجية، وأن من خالفهم ليس من الفرقة الناجية.
هذا والله قصور في العلم! وضيق فيه، وعدم معرفة للعلم، ليأتوا وينظروا في كلام العلماء وكيف هو اختلاف العلماء؟ والله بأن اتباع المذاهب أقل تقليداً من هؤلاء! لأنك لو ذهبت إلى حنفي، وقلت له: الحنفية هي الفرقة الناجية والمذاهب الثلاثة ليسوا من الفرقة الناجية، فلن يقر بهذا هؤلاء أشد تقليداً وتعصباً من أهل المذاهب، وذلك لأنهم طلبة علم ليس لديهم شيء من العلم، ولم يأخذوا عن أحد من العلماء شيئاً، فلو اتصلوا بالعلماء ورأوا العلماء وعرفوا كيف تأخذ المسائل لفهموا ذلك؛ ولهذا نرى كثيراً من طلابنا في جامعة الإيمان يبدأون متعصبين.. وهكذا، ولا يزالون يحتكون بالعلماء وكتبهم وإذا ما دخلوا في بداية المجتهد ورأوا أن لكل واحد من العلماء وجهة من النظر بدأوا يسكنون.
يقول إمام السلفية ابن القيم في مدارج السالكين على قوله تعالى: وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً[غافر:7]: سعة رحمة الله لسعة علمه، ثم استطرد وقال: وكذلك علماء البشر، كلما كان الرجل لديه سعة من العلم تجد لديه سعة من الرحمة، وكلما كان ضيق الأفق تجد فيه الشدة؛ ولهذا تجد بعض الطلاب يقول لك: فلان ضال، وهو لا يعرف شيئاً من العلم. ويحكم على العلماء بالضلال، فهذا لا ينبغي.
ولعل السبب أنهم لا يدرسون الفقه بل يدرسون الحديث فقط وهم ليسوا من العرب الذين يعرفون الحديث، وليسوا من الصحابة الذي تلقوا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون إلى معرفة المرسل وإلى معرفة المنقطع، ولا إلى تعديل الرجال، وكانوا يعرفون معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يعرفون الخاص من العام.. حتى النساء! عمر - لما لم يأخذ بقول المرأة التي طلقت: بأنه لا نفقة لها ولا سكنى، قالت: قال الله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1]، فأي أمر سيحدثه للمبتوتة؟
فامرأة من الصحابة تحاجج عمر ، إذاً كانوا يعرفون كيف يتلقون، أما هؤلاء فليس لهم معرفة بصحة الحديث، ولا بضعفه ولا بكيفية العمل عند التعارض، وكيف يقدم العام على الخاص، والمطلق على المقيد، والمبين على المجمل، ولا يعرفون فحوى الخطاب ولا لحن الخطاب، ولا يعرفون القياس، وأنواع القياس ولا يعرفون الناسخ والمنسوخ، فكيف يعمدون إلى الحديث.
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( رب مبلغ أوعى من سامع ). وكتاب تلبيس إبليس، تكلم فيه المؤلف على تلبيس إبليس على المحدثين، وكذلك الفقيه والمتفقه، فقد تكلم على كثير من العلماء من الذين يشتغلون بالحديث ولا يشتغلون بفقهه، ذكر من ذلك: أن امرأة جاءت إلى أصحاب الحديث، وقالت: إني امرأة أغسل الأموات ويؤتى إلي بالميت وأنا حائض فهل يجوز لي أن أغسلهم؟ فقالوا: ما ندري! اسألي الفقيه! فجاءت إلى ذلك الفقيه المحدث فسألته، فقال: ( روت عائشة أنها كانت تغسل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض )، ثم قال: فالميت أولى من الحي، فتغسل الميت كما تغسل الحي، فقال المحدث: هذا الحديث أخرجه فلان، ورواه فلان، قالت: للمحدثين أين أنتم لما سألتكم؟!
فهكذا نرى ضعف العلم وعدم السعة هو السبب الذي يجعلهم يقولون: إنهم هم الفرقة الناجية، وهذا شيء من الغرور، ومن طغيان العلم أو الطاعة، ولهذا لما كانت المعتزلة مغترة بنفسها؛ سمت نفسها الفرقة الناجية.
قال الزمخشري في جماعة أهل السنة:
وجماعة سموا هواهم سنة وجماعة حمر لعمري موكفة
يعني: أهل السنة حمرة على هذه السروج..
قد شبهوه بخلقه فتخوفوا شنع الورى فستروا بالبلكفة
فتخوفوا شنع الورى يعني: أن الورى.. يعيرونهم
فتستروا بالبلكفة أي: قالوا: بلا كيف! وهي كلمة منحوتة.
لكن أجاب عليه أهل السنة فقالوا:
شبهت جهلاً صدر أمة أحمد وذوي البصائر بالأمور الموكفة
وجب الخسار عليك فانظر منصفاً في آية الأعراف فهي المنصفة
أترى الكليم أتى بجهل ما أتى وأتوا شيوخك ما أتوا عن معرفة
يعني: أن الأنبياء لا يجهلون المستحيلات فإذا كانت رؤية الله مستحيلة، فهل يتصور أن يسأله الكليم، ويقول: (ربي أرني أنظر إليك)، فلن يسأل إلا ما هو جائز.
أترى الكليم أتى بجهل ما أتى وأتوا شيوخك ما أتوا عن معرفة
وتلقبوا الناجين كلا إنهم إن لم يكونوا في لظى فعلى شفة
وتلقبوا الناجين.. يعني: لقبوا أنفسهم: الفرقة الناجية.
وكأن هذه الفرق التي تلقب نفسها بالفرقة الناجية يأتيها شيء من الغرور، فيجعلها تقدح وتجرح الأمة الإسلامية، وهكذا كان شأن هذه الفرق، فقد عمد الزمخشري وجرح الأئمة الأربعة وأهل الحديث فقال:
إن يسألوا عن مذهبي لا أبح به وأكتمه كتمانه لي أسلم
فإن حنفياً قلت قالوا بأنه يبيح الطلاء وهو الشراب المحرم
أي أنه: يبيح النبيذ وهو الشراب المحرم، أو الطلاء..
وإن مالكياً قلت قالوا بأنه أبيح لهم لحم الكلاب وهم هم
يقول: إنهم كلاب، تجريح!
وإن شافعياً قلت قالوا بأنه يبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وهذا تصحيف وتحريف وقلب للكلام، فهناك قول في المذهب الشافعي يقول: وماء الزنا لا حرمة له، وعليه قالوا: إنه لو وطئت مرأة من الزنى فحملت فلا تكون بنته، وليست بنته، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر )، فليست بنتاً له، وبما أنها ليست بنتاً له فيكره نكاحها، ما قال: يحرم، قال: فأكره نكاحها، وقد يكون تحريماً قال:
وإن حنبلياً قلت قالوا بأنه تقيل حلولي بغيض مجسم
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه يقولون شيخ ليس يدري ويعلم
وأخرني دهري وقدم معشراً على أنهم لا يعلمون وأعلم
ومذ أفلح الجهال أيقنت أنني أنا الميم والأيام أفلح أعلم
يعني الدهر: مقطوع الشفتين، وهو: الميم..
فمن هو مقطوع الشفتين فلا ينطق بالميم.
فلا ينبغي لنا أن نغتر بالعلم ولا أن نغتر بالطاعة! ينبغي علينا التواضع، وأن نكون كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ورحمه الله: أقول القول وأعتقد أنه صواب ومحتمل للخطأ، واعتقد أن قول المخالف خطأ محتمل للصواب، ومع هذا كان يحب بعضهم بعضاً، وينشدون الأشعار في بعضهم بعضاً حتى إن الشافعي كان يزور تلاميذه ويثني عليهم الثناء الحسن،
وقد كان يزور الإمام أحمد ويتكلف الزيارة إليه وهو من تلاميذه، فقال رجل للإمام أحمد وهو يودع الإمام الشافعي : كيف تأخذ بركاب هذا الرجل؟ قال له: لو أردت العلم فخذ بركابه.
والإمام الشافعي يقول فيه:
قالوا: يزورك أحمد وتزوره قلت: الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له
انظر كيف كان التوادد والتحابب بين العلماء،! ولا يقول: فلان خالف فلاناً، بل قال الإمام الشافعي :
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارتــــــــــــــــه المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة
فقال له الإمام أحمد :
تحب الصالحين وأنت منهم محب القوم يلحق بالجماعة
وتكره من تجارته المعاصـــــــي حماك الله من تلك البضاعة
هكذا كان التوادد بين العلماء، وليس التجريح والتشاتم وكتابة بعضهم في بعض، فكل واحد الآن من العلماء قد فقد أدب الخلاف، فلا يبدءون كلامهم إلا بالتجريح، حتى إن بعضهم قد قال كلمة والله لا تصدر إلا من السوقة المتدينين
الذين يربون لحاهم إذا كانوا راهنوا على شيء، يقول: إذا كنت كاذباً فاحلقوا هذه اللحية! كذا! هكذا سمعتها في بعض الأشرطة من بعض من يدعي العلم، يقول: إذا كنت كاذباً فاحلقوا لحيتي! أنت عالم ما هذه كلمة العلماء! يراهن بحلق اللحية، هذه كلمة السوقة المتدينين، وليست كلمة العلماء.
سبحانك الله وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر