بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
الفصل الثاني: في نصاب الإبل والواجب فيه:
قال المصنف رحمه الله: [ أجمع المسلمون على أن في كل خمس من الإبل شاة إلى أربع وعشرين، فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض ]، وهي أنثى الإبل التي أتمت سنة وقد دخلت في الثانية، فهذه تسمى بنت مخاض، يعني أن أمها حامل عليها وتمخض الحمل في بطنها.
[ إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ]، وهو ذكر الإبل الذي أتم سنتين ودخل في الثالثة [ وإن كانت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون.. ] وهي أنثى الإبل التي تمت سنتين ودخلت في الثالثة [ إلى خمس وأربعين، فإن كانت ستاً وأربعين ففيها حقة ] وهي أنثى الإبل التي أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، وسميت حقة؛ لأنها تستحق أن يطرقها الفحل [ إلى ستين، فإن كانت واحداً وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ] وهي أثنى الإبل التي أتمت أربع سنين ودخلت في الخامسة، والجذعة: هي التي أخرجت أسنانها كلها.
[ فإذا كانت ستاً وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإن كانت واحداً وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة ] وتكون هذه الحقتان إلى أن تبلغ عشرين ومائة فقط [ لثبوت هذا كله في كتاب الصدقة الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل به بعده أبو بكر و عمر ]، والحديث أخرجه الترمذي وإسناده حسن.
[ واختلفوا منها.. ] يعني في نصاب الإبل [ في مواضع:
منها: فيما زاد على العشرين والمائة ] ماذا يخرج فيه؟
[ ومنها: إذا عدم السن ] يعني: إذا وجبت عليه بنت لبون فوجد بنت مخاض إذا عدم السن فوجد أعلى منه أو أقل منه بين أبله فما حكمه؟
[ ومنها إذا عدم السن الواجبة عليه، وعنده السن الذي فوقه أو الذي تحته ما حكمه؟
ومنها هل تجب الزكاة في صغار الإبل، وإن وجبت فما الواجب؟ ] أي: في الصغار.
قال المصنف رحمه الله: [ فأما المسألة الأولى.. وهي اختلافهم فيما زاد على المائة وعشرين، فإن مالكاً قال: إذا زادت على عشرين ومائة واحدة فالمصدق بالخيار ] صاحب الصدقة بالخيار، المصدق: الذي يأخذ الصدقة [ إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين ] في مائة وواحد وعشرين إلى مائة وثلاثين، فإذا كان مثلاً مائة وواحداً وعشرين، أو مائة وخمساً وعشرين، وستاً وعشرين، وسبعاً وعشرين وتسعاً وعشرين، في هذا كله المصدق بالخيار له أن يأخذ ثلاث بنات لبون أو يأخذ حقتين، هذا مذهب مالك [ وقال ابن القاسم من أصحابه: بل يأخذ ثلاث بنات لبون من غير خيار ] وهذا تحكم [ إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة فتكون فيها حقة وابنتا لبون، وبهذا القول قال الشافعي ] ورواية عن أحمد [ قال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك: بل يأخذ الساعي ] هذا قول ثالث [ حقتين فقط] يعني في المائة والواحد والعشرين [ من غير خيار إلى أن تبلغ مائة وثلاثين.
وقال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه و الثوري : إذا زادت على عشرين ومائة عادت الفريضة على أولها ] يعني أنه في العشرين والمائة حقتان، ويحسب خمس بعد المائة والعشرين ويهب فيها شاة، وخمس ويهب فيها شاة، وخمس ويهب فيها شاة، وخمس.. إلى أن تبلغ خمس وعشرين ويهب بنت لبون مع الحقتين، [ ومعنى عودها: أن يكون عندهم في كل خمس ذود شاة فإن كانت الإبل مائة وخمساً وعشرين كان فيها حقتان وشاة الحقتان للمائة والعشرين، والشاة للخمس، فإذا بلغت ثلاثين ومائة ففيها حقتان وشاتان، فإذا كانت خمساً وثلاثين ففيها حقتان وثلاث شياه إلى أربعين ومائة ففيها حقتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومائة، فإذا بلغتها ففيها حقتان وابنة مخاض الحقتان للمائة والعشرين وبنت المخاض للخمس وعشرين، كما كانت في الفرض الأول إلى خمسين ومائة، فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق فإذا زادت على الخمسين ومائة استقبل بها الفريضة الأولى إلى أن تبلغ مائتين، فيكون فيها أربع حقاق ] تحسب إلى أن تبلغ خمساً وسبعين، فيكون فيها ثلاث حقاق وبنت لبون وبعد ذلك تستقبل الفريضة إلى أن تبلغ مائتين ففيها أربع حقاق وهكذا [ثم يستقبل بها الفريضة.
وأما ما عدا الكوفيين من الفقهاء، فإنهم اتفقوا على أن ما زاد على المائة والثلاثين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقه ] إذا زادت على المائة والثلاثين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، والأوقاص بينها معفو عنها.
مثلاً لو صارت مائة وأربعين في الأربعين بنت لبون وفي المائة حقتان .. وهكذا، فإذا صارت مائة وخمسين فيها ثلاث حقاق؟ وعلى هذا الحساب لا يختلف.
ويظهر أنه كل ما كثرت الإبل خفت الصدقة، فقد كانت بنت لبون في خمس وعشرين فأصبحت بنت البون في أربعين.
[ وسبب اختلافهم في عودة الفرض أو لا عودته ] فأبو حنيفة قال: تعود والجمهور قالوا: لا تعود [ اختلاف الآثار في هذا الباب، وذلك أنه ثبت في كتاب الصدقة أنه قال عليه الصلاة والسلام :( فما زاد على العشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة ) ] وهو حديث حسن [وروي من طريق أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كتب كتاب الصدقة وفيه: ( إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة )] هذا الذي أخذ به أبو حنيفة ، ولكن الحديث ضعيف [ فذهب الجمهور إلى ترجيح الحديث الأول إذ هو أثبت، وذهب الكوفيون إلى ترجيح حديث عمرو بن حزم؛ لأنه ثبت عندهم هذا من قول علي و ابن مسعود ، قالوا: ولا يصح أن يكون مثل هذا إلا توقيفاً، إذ كان مثل هذا لا يقال بالقياس.
وأما سبب اختلاف مالك وأصحابه والشافعي ] فمالك يقول: المصدق مخير بين أن يأخذ حقة أو ثلاث بنات لبون، وقال الشافعي : يأخذ ثلاث بنات لبون، وقال بعض أصحابه: يأخذ حقتين.
[ فيما زاد على المائة والعشرين إلى الثلاثين فلأنه لم يستقم لهم حساب الأربعينيات ولا الخمسينيات، فمن رأى أن ما بين المائة وعشرين.. إلى أن يستقيم الحساب وقص ] يعني: معفواً عنه [ قال: ليس فيما زاد على ظاهر الحديث الثابت شيء ظاهر حتى تبلغ مائة وثلاثين، وهو ظاهر الحديث.
وأما الشافعي وابن القاسم فإنما ذهبا إلى أن فيها ثلاث بنات لبون؛ لأنه قد روي عن ابن شهاب ] في حديث صحيح [ في كتاب الصدقة: ( أنها إذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون.. )، إذاً فيكون هذا نص في المسألة، [ فإذا بلغت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة.
فسبب اختلاف ابن الماجشون و ابن القاسم هو معارضة ظاهر الأثر الثابت للتفسير الذي في هذا الحديث، فإن ابن الماجشون رجح ظاهر الأثر للاتفاق على ثبوته، و ابن القاسم و الشافعي حملا المجمل على المفصل المفسر ] المجمل وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( فما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة )، قالوا: قد فسرتها رواية ابن شهاب [ وأما تخيير مالك الساعي، فكأنه جمع بين الأثرين والله أعلم ] يعني: الأثر الوارد ( حقتان إلى مائة وعشرين وثلاث بنات لبون إذا زادت واحدة ) فقال مالك : مخير بين أن يأخذ بحديث ابن شهاب ، أو يأخذ الحقتين ويجعلها أوقاصاً.
أقول: بما أن حديث ابن عمر حسن وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا زادت على المائة والعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ) وحديث عمرو بن حزم ضعيف وهو قوله: ( عادة الفريضة )؛ لانقطاعه فالراجح مذهب الجمهور في عدم عود الفريضة، خلافاً لـأبي حنيفة بل إن في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة إذا ما بلغت الإبل مائة وثلاثين.
أما الترجيح بين مذهب الشافعي و مالك فالراجح منهما مذهب الشافعي ؛ لما رواه ابن شهاب في كتاب الصدقة: (أنها إذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون )، وهو حديث صحيح.
قال الإمام النووي في المجموع (5/352) فإن زادت على مائة وعشرين واحدة وجبت ثلاث بنات لبون، ثم بعد مائة وإحدى وعشرين يستوي الأمر فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، فيجب في مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة فيستقر الفرض هنا بتسعة يعني: زيادات التسع على الواحد والعشرين [ ثم يستقر بعشرة أبداً ويكون ما بين واحد إلى تسعة، فإذا زاد عشرة استقام الحساب أبداً ]. انتهى كلام النووي .
أما المسألة الثانية: ماذا يعطي المصدق إذا عدم السن الواجب من الإبل؟
قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثانية: وهو إذا عدم السن الواجب من الإبل الواجبة وعنده السن الذي فوق هذا السن أو تحته، فإن مالكاً قال: يكلف شراء ذلك السن ] يقول: يذهب ويشتري من الخارج [ وقال قوم: بل يعطي السن الذي عنده وزيادة عشرين درهماً إن كان السن الذي عنده أحط أو شاتين، وإن كان أعلى دفع إليه المتصدق عشرين درهماً أو شاتين، وهذا ثابت في كتاب الصدقة ] وأخرجه البخاري ، في كتاب الصدقة[ فلا معنى للمنازعة فيه ] إذا كان الحديث ثابتاً [ ولعل مالكاً لم يبلغه هذا الحديث، وبهذا الحديث قال الشافعي و أبو ثور]. والراجح ما أشار إليه ابن رشد عملاً بالحديث.
[ وقال أبو حنيفة : الواجب عليه القيمة على أصله في إخراج القيم في الزكاة ] يقول: يدفع القيمة؛ لأنه يجوز عنده إخراج القيمة عن الزكاة.
[ وقال قوم: بل يعطي السن الذي عنده، وما بينهما من القيمة ] معناه: إن كان أعطى أقل فيدفع للفقراء ما بينهما من القيمة وإن كان أعطى أكثر فيدفع له الساعي ما بينهما من القيمة. ويعرف هذا بالتقويم.
قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الثالثة: وهي هل تجب في صغار الإبل وإن وجبت فماذا يكلف؟ فإن قوماً ] وهم مالك و الشافعي و أحمد [ قالوا: تجب فيها الزكاة ] تحسب الصغار مع الكبار [ وقوم قالوا: لا تجب ].
قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: هل يتناول اسم الجنس الصغار أو لا يتناوله؟
والذين قالوا: لا تجب فيها زكاة هو أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة وقد احتجوا بحديث سويد بن غفلة أنه قال: ( أتانا مصدق النبي عليه الصلاة والسلام، فأتيته فجلست إليه فسمعته يقول: إن في عهدي ألا آخذ من راضع لبن، ولا أجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع، قال: وأتاه رجل بناقة كوماء ) ] يعني: كبيرة [ ( فأبى أن يأخذها ).
والذين أوجبوا الزكاة فيها منهم من قال: يكلف شراء السن الواجبة عليه] فمثلاً معه خمس وعشرون ناقة، ضعيفات، صغار نقول له: اذهب وخذ بنت لبون، معه أربعون أو ست وثلاثون نقول له: اذهب وخذ حقة. وهذا ليس بصواب.
[ ومنهم من قال: يأخذ منها وهو الأقيس.
وبنحو هذا الاختلاف اختلفوا في صغار البقر وسخال الغنم ] هل يجب فيه أو لا يجب؟
والراجح: مذهب أبي حنيفة و ابن حزم أنها لا تجب الصدقة في الصغار؛ لحديث سويد بن غفلة ، انظر المحلى، (5/257).
الفصل الثالث: في نصاب البقر وقدر الواجب في ذلك.
قال المصنف رحمه الله: [ جمهور العلماء على أن في ثلاثين من البقر تبيعاً وفي أربعين مسنة ] والتبيع هو ولد البقرة الذي يتبع أمه في المرعى، والمسنة ما لها سنتان، والتبيع ماله سنة.
[ وقالت طائفة: في كل عشر من البقر شاة إلى ثلاثين ففيها تبيع.
وقيل: إن بلغت خمساً وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ففيها بقرتان إذا جاوزت ذلك، فإذا بلغت مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة، وهذا عن سعيد بن المسيب.
واختلف فقهاء الأمصار فيما بين الأربعين والستين ] يعني: الخمسين، مثلاً خمس وخمسون وخمس وأربعون [ فذهب مالك و الشافعي و أحمد و الثوري وجماعة أن لا شيء فيما زاد على الأربعين حتى تبلغ الستين ]، يعني: وقص معفو عنه [ فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان، إلى سبعين ففيها مسنة وتبيع، إلى ثمانين ففيها مسنتان، إلى تسعين ففيها ثلاثة أتبعة، إلى مائة ففيها تبيعان ومسنة.. ثم هكذا ما زاد، ففي كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة ].
قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في النصاب أن حديث معاذ غير متفق على صحته، ولذلك لم يخرجه الشيخان. وبالجملة فالحديث صحيح بشواهده.
وسبب اختلاف فقهاء الأمصار في الوقص في البقر أنه جاء في حديث معاذ هذا أنه توقف في الأوقاص وقال: حتى أسأل فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم عليه وجده قد توفي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يرد في ذلك نص طلب حكمه من طريق القياس، فمن قاسها على الإبل والغنم لم ير في الأوقاص شيئاً ] وهو الراجح [ ومن قال: إن الأصل في الأوقاص الزكاة إلا ما استثناه الدليل من ذلك وجب ألا يكون عنده في البقر وقص، إذ لا دليل هناك من إجماع ولا غيره].
والراجح بما أن حديث معاذ صحيح بما له من الطرق والشواهد، فالراجح أن الواجب في الثلاثين من البقر تبيع وفي الأربعين مسنة، وهكذا يستوي الحساب، وما بين الأربعين إلى الستين فهو وقص، وهكذا، وبعدها في السبعين تبيع ومسنة، وفي الثمانين مسنتان، ويستوي الحساب.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر