إسلام ويب

كتاب أحكام الميت [3]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • قياس الميت على الحي في الأحكام التي تجري عليه بعد وفاته محل نزاع بين العلماء، وتفرع من ذلك الاختلاف في نزع قميصه عند غسله، وتحديد عدد الغسل، وكذا إعادة غسله إذا خرج من بطنه شيء بعد الغسل، ومن ذلك أيضاً تقليم أظافره والأخذ من شعره. وكل من العلماء ذكر رأيه واحتج له بحجة.

    1.   

    نزع قميص الميت عند غسله

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    فقد كنا رجحنا مذهب الشافعي في أن الميت يغسل في القميص، ولكن رجعنا عن هذا الترجيح بعد أن اطلعنا وطالعنا ورأينا ترجيحاً آخر, ولهذا سنعيد شيئاً من قراءة الفصل الرابع فنقول:

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الرابع: في صفة الغسل. نزع القميص في الغسل، وفي هذا الفصل مسائل:

    إحداها: هل ينزع عن الميت قميصه إذا غسل, أم يغسل في قميصه؟

    اختلفوا في ذلك, فقال مالك : إذا غسل الميت نزع ثوبه, وتسترت عورته، وبه قال أبو حنيفة . وقال الشافعي : يغسل في قميصه], أقول: الراجح مذهب مالك و أبي حنيفة , في أن الميت يجرد من ثيابه كلها, وتستر عورته؛ لأن هذا هو العمل المعهود فعله بالأموات في زمن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون من سنة التقرير, سواءً اطلع على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الأقرب، لأنه لا يمكن أن يكون ذلك الفعل مستمراً في زمنه ولم يَطلع عليه أو لم يُطلع عليه؛ لأن الله علم أنهم يجردونه، ولو كان غير جائزٍ لأنزل فيه وحياً.

    إذاً فهذه السنة تعتبر سنة تقريرية, أما ما فعل به صلى الله عليه وسلم من عدم تجريده من ثيابه كما ورد في حديث عائشة فشيء خاص به, أجمع من حضر غسله من الصحابة على فعله, استناداً، على الصوت الذي سمعوه، ولا تشريع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والهواتف والرؤى ليستا من مصادر التشريع, لا سيما إذا كانوا نائمين فمصادر التشريع الكتاب والسنة, وما استند عليهما من إجماع أو قياس, وهذا فعل فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأدباً منهم، ولكنه لا يعتبر تشريعاً, فهذا ما توصلنا إليه بعد البحث, وذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي.

    الاستدلال على تجريد الميت عند غسله بفعل الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم

    فإن قيل: ألا يكون هذا الذي فعله الصحابة من باب الاجتهاد؟

    فيقال: هو من باب الاجتهاد وهم فيهم معذورون، وقد يكونون مصيبين.

    فهذا شيء فعل خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم فلا نأخذ منه كما قال الشافعي و أحمد شرعاً نطبقه في غير الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن غير الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت فيه سنة تقريرية.

    فإن قيل: كيف عرفنا أن تجريد الميت معهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟

    فيقال: ورد في حديث عائشة أنا كنا نجرد فلما جاء كذا تكلموا في هذا, فهم كانوا يجردون, وفي أحكام الجنائز أشار إشارة لطيفة إلى هذا -لأن أحكام الجنائز كتاب لم يذكر الخلافات ولا التفريعات, إنما يثبت ما يراه صحيحاً- فقال: ويجرد الميت من ثيابه؛ لأنه الفعل الذي كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر في حديث عائشة .

    غسل الميت من غير تجريده

    فإن قيل: وهل التجريد واجب أو مندوب؟

    فيقال: مشروع, ويجوز تغسيله في ثيابه, لكن لا نقول: سنة.

    1.   

    التحديد في غسل الميت

    قال: [ المسألة الثالثة: الاختلاف في التوقيت في الغسل ], التوقيت يعني: التحديد.

    [ اختلفوا في التوقيت في الغسل، فمنهم من أوجبه ], يعني: أوجب أعداداً معروفة, [ومنهم من استحسنه واستحبه, والذين أوجبوا التوقيت منهم من أوجب الوتر], فقال: يجب العدد ويجب أن يكون وتراً, ثلاثاً خمساً سبعاً، [ وبه قال ابن سيرين .

    ومنهم من أوجب الثلاث فقط وهو أبو حنيفة .

    ومنهم من حد أقل الوتر في ذلك، فقال: لا ينقص عن الثلاث, ولم يحدد الأكثر وهو الشافعي ]، قال: لا ينقص عن ثلاث وله أن يزيد، ولم يحدد الزيادة, [ومنهم من حد الأكثر في ذلك، فقال: لا يتجاوز به السبع, وهو أحمد بن حنبل .

    وممن قال باستحباب الوتر ولم يحد فيه حداً مالك بن أنس وأصحابه ].

    سبب اختلاف العلماء في تحديد غسل الميت

    قال: [ وسبب الخلاف بين من اشترط التوقيت ومن لم يشترطه بل استحبه, معارضة القياس للآثار, وذلك أن ظاهر حديث أم عطية -هذا أثر- يقتضي التوقيت, لأن فيه: (اغسلنها, ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)], أكثر من ذلك, [وفي رواية: (أو سبعاً).

    وأما قياس الميت على الحي في الطهارة, فيقتضي أن لا توقيت فيها]؛ لأن غسل الجنب ما فيه توقيت, [ كما ليس في طهارة الحي توقيت, فمن رجح الأثر على النظر قال بالتوقيت, ومن رأى الجمع بين الأثر والنظر حمل التوقيت على الاستحباب.

    فأما الشافعي فإنه رأى أنه لا ينقص عن ثلاث, لأنه أقل وتر نطق به في حديث أم عطية ، ورأى أن ما فوق ذلك مباح؛ لقوله: (أو أكثر من ذلك إن رأيتن)], فأخذ من قوله: (إن رأيتن), الإباحة لا السنة.

    [ وأما أحمد فأخذ بأكثر وتر نطق به في بعض روايات الحديث, وهو قوله: (أو سبعاً).

    وأما أبو حنيفة فصار في قصره في الوتر على الثلاث؛ لما روي أن محمد بن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثاً, يغسل بالسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور], فأخذ بهذا.

    [ وأيضاً فالوتر الشرعي عند أبي حنيفة إنما ينطبق على الثلاث فقط], لأن صلاة الوتر ثلاثاً, [ وكان مالك يستحب أن يغسل في الأولى بالماء القراح، وفي الثانية بالسدر، وفي الثالثة بالكافور].

    الخلاصة: الراجح أن أصل الغسل يحصل بغسل الميت مرةً واحدة، وما زاد على ذلك فإنه من كمال الغسل؛ لحديث ابن عباس المتفق عليه: (اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه)، فلو كان الواجب أكثر من ذلك لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

    إعادة غسل الميت إذا خرج من بطنه حدث

    قال: [ واختلفوا إذا خرج من بطنه حدث ], يعني: بول أو غائط, [هل يعاد غسله أم لا؟ فقيل: لا يعاد, وبه قال مالك ، وقيل: يعاد, والذين رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب فيه الإعادة إن تكرر خروج الحدث, فقيل: يعاد الغسل عليه واحدة, وبه قال الشافعي ، وقيل: يعاد ثلاثاً، وقيل: يعاد سبعاً. وأجمعوا أنه لا يزاد على السبع شيء].

    أولاً: أريد أن أوضح أن الخارج من السبيلين لا يوجب الغسل, الغائط أو البول ونحوهما لا يوجب الغسل.

    ثانياً: أن الميت قد سقط عنه التكليف, فوجوب الغسل هو علينا أمر تعبدنا الله به.

    فالراجح أنه لا يعاد الغسل؛ أولاً لأن الخارج من السبيلين لا يوجب الغسل في الحي بل الوضوء فقط ما عدا المني.

    ثانياً: أن الميت ليس من أهل التكليف, والذي يشرع أن يغسل موضع الأذى إن أمكن.

    1.   

    تقليم أظفار الميت والأخذ من شعره

    قال: [ واختلفوا في تقليم أظفار الميت والأخذ من شعره ] لتزيينه [ فقال قوم: تقلم أظفاره ويؤخذ من شعره وقال قوم: لا تقلم أظفاره، ولا يؤخذ من شعره, وليس فيه أثر ], وبما أن المسألة ليس فيها أثر، يعني حديث, فإن ذلك يدل على عدم الوقوع, فإن مثل هذا لو وقع لنقل, فلم ينقل عن الصحابة لما كانوا يغسلون الموتى أنهم كانوا يقلمون أظفارهم ويزيلون شعورهم, فهذا يدل على أنهم لم يكونوا يعملون هذا الشيء.

    ثم إن قياس الميت على الحي في إزالة هذه الأشياء بعيد جداً؛ لأن الحي محل للزينة بخلاف الميت.

    فالراجح إبقاء الميت على ما هو عليه, ولا يفعل به إلا ما ورد وهو الغسل.

    وأما الكافور فالمقصود به الرائحة ويقال: أنه يمسك الجسد، ويقول الفقهاء: إذا وجد الدليل سقط التعليل.

    بقاء الذهب على الميت

    فإن قيل فهل يبقى الذهب على سن الميت مع أنه للزينة؟

    فيقال: الذهب الذي أراه والله أعلم أنه إن أمكن نزعه من غير إيذاء وتشويهه، كأن يكون سهل النزع أما إذا كانت ماسكة لا تنزع إلا بطرقها بالمطارق فهذا ما ينبغي.

    والمراد بالماء القراح: الذي لا يخلط فيه شيء، الصافي.

    [ وقال قوم: لا تقلم أظفاره ولا يؤخذ من شعره, وليس فيه أثر ].

    سبب اختلاف العلماء في تقليم أظفار الميت والأخذ من شعره

    قال: [ وأما سبب الخلاف في ذلك، فالخلاف الواقع في ذلك في الصدر الأول، ويشبه أن يكون سبب الخلاف في ذلك قياس الميت على الحي, فمن قاسه أوجب تقليم الأظفار, وحلق العانة؛ لأنه من سنن الحي باتفاق.

    وكذلك اختلفوا في عصر بطنه قبل أن يغسل، فمنهم من رأى ذلك، ومنهم من لم يره, فمن رآه رأى أن فيه ضرباً من الاستنقاء]، يعني لينقوه, [من الحدث عند انتهاء الطهارة, وهو مطلوب من الميت كما هو مطلوب من الحي، ومن لم ير ذلك رأى أنه من باب تكليف مالم يشرع, وأن الحي في ذلك بخلاف الميت].

    والراجح أن الأصل في هذا الاتباع, والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بذلك, فالراجح الاقتصار على الوارد وهو الغسل.

    1.   

    كفن الميت

    قال: [ الباب الثالث: في الأكفان.

    والأصل في هذا الباب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة)], الحديث أخرجه البخاري و مسلم .

    والأثواب السحولية هي: البيض.

    وهي منسوبة إلى قرية في اليمن, كانت تصنع فيها هذه الثياب البيض.

    [ وأخرج أبو داود -بسند لكنه ضعيف- عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: ( كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول ما أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحقو ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر, قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب معه أكفانها يناولنها ثوباً ثوباً ) ].

    لكن الأثر الضعيف, لأن فيه أربعة أثواب بزيادة واحد.

    إلا أن تكون أدرجت في الثوب الآخر كان لفافتين, لأنهم يقولون: الثوب الآخر يكون لفافتين، فيكون خمسة.

    بل هي خمسة: الحقو, ثم الدرع, ثم الخمار, ثم الملحفة, ثم أدرجت في الثوب الآخر. لكن الحديث ضعيف.

    [ فمن العلماء من أخذ بظاهر هذين الأثرين, فقال: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب, والمرأة في خمسة أثواب، وبه قال الشافعي و أحمد وجماعة, وقال أبو حنيفة : أقل ما تكفن فيه المرأة ثلاثة أثواب، والسنة خمسة اثواب, وأقل ما يكفن فيه الرجل ثوبان، والسنة فيه ثلاثة أثواب.

    ورأى مالك أنه لا حد في ذلك، وأنه يجزئ ثوب واحد فيهما، إلا أنه يستحب الوتر.

    سبب خلاف العلماء في تحديد عدد الكفن

    وسبب اختلافهم في التوقيت ]، يعني: التحديد, تحديد الكفن, [ اختلافهم في مفهوم هذين الأثرين, فمن فهم منها الإباحة لم يقل بالتوقيت, إلا أنه استحب الوتر لتفاقهما في الوتر, ولم يفرق في ذلك بين المرأة والرجل، وكأنه فهم منهما الإباحة, إلا في التوقيت, فإنه فهم منه شرعاً لمناسبته للشرع ] شرع الإباحة [ ومن فهم العدد أنه شرع لا إباحة قال بالتوقيت, إما على جهة الوجوب، وإما على جهة الاستحباب، وكله واسع إن شاء الله, وليس فيه شرع محدود, ولعله تكلف شرع فيما ليس فيه شرع, وقد كفن مصعب بن عمير يوم أحد بنمرة ], فهذا يدل على أنه ليس شرطاً, [فكانوا إذا غطوا بها رأسه خرجت رجلاه, وإذا غطوا بها رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر)].

    تغطية رأس الميت وتطييبه إذا مات محرماً

    قال: [ واتفقوا على أن الميت يغطى رأسه ويطيب، إلا المحرم إذا مات في إحرامه, فإنهم اختلفوا، فقال مالك و أبو حنيفة : المحرم بمنزلة غير المحرم, وقال الشافعي : لا يغطى رأس المحرم إذا مات, ولا يمس طيباً.

    وسبب اختلافهم معارضة العموم ], يعني عموم الأحاديث في غير المحرم، [معارضة العموم للخصوص، فأما الخصوص فهو حديث ابن عباس قال: ( أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وقصته راحلته, فمات وهو محرم فقال: كفنوه في ثوبين, واغسلوه بماء وسدر، ولا تخمروا رأسه, ولا تقربوه طيباً، فإنه يبعث يوم القيامة يلبي )], أخرجه البخاري و مسلم .

    [ وأما العموم فهو ما ورد من الأمر بغسله مطلقاً، فمن خص من الأموات المحرم بهذا الحديث, كتخصيص الشهداء بقتلى أحد, جعل الحكم منه صلى الله عليه وسلم على الواحد حكماً على الجميع ] يعني الحكم على الواحد -هذا المحرم- حكم على الجميع، حكم على من مات محرماً, [ وقال: لا يغطى رأس المحرم، ولا يمس طيباً.

    ومن ذهب مذهب الجمع, لا مذهب الاستثناء والتخصيص, قال: حديث الأعرابي خاص به لا يتعدى إلى غيره], والراجح أن الواجب من الكفن ثوب واحد سابغ يستره، فإن ضاق ولم يكن سابغاً، كأن كان صغيراً، ولم يكن سابغاً ستر رأسه ترك الرأس، ويدل على ذلك حديث مصعب بن عمير .

    ويسن أن يكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة, يعني يدرج فيها درجاً كما في حديث عائشة .

    والراجح أن المحرم لا يغطى رأسه كما يدل عليه حديث المحرم, ويندب أن يكون الكفن حسناً؛ لما أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة : (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه,)، قال العلماء: والمراد بإحسان الكفن نظافته، وكثافته, وستره, وتوسطه, وليس المراد به السرف فيه، والمغالاة، ونفاسته.

    1.   

    كيفية المشي مع الجنازة

    قال: [ الباب الرابع: في صفة المشي مع الجنازة.

    واختلفوا في سنة المشي مع الجنازة، فذهب أهل المدينة إلى أن من سننها المشي أمامها, وقال الكوفيون و أبو حنيفة وسائرهم: إن المشي خلفها أفضل.

    وسبب اختلافهم اختلاف الآثار التي روى كل واحد من الفريقين عن سلفه وعمل به, فروى مالك -في الموطأ وهو حديث صحيح- عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً: ( المشي أمام الجنازة,) ]، يعني روى أن المشي أمام الجنازة وهو حديث صحيح, وموصول، تكلم عليه الشيخ ناصر في الإرواء عن أبي هريرة .. [عن أبي بكر و عمر ]، يعني: روى المشي أمام الجنازة, [وبه قال الشافعي ، وأخذ أهل الكوفة بما روي عن علي بن أبي طالب من طريق عبد الرحمن بن أبزى قال: كنت أمشي مع علي بن أبي طالب في جنازة وهو آخذ بيدي وهو يمشي خلفها، و أبو بكر و عمر يمشيان أمامها, فقلت له في ذلك، فقال: إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على صلاة النافلة, وإنهما ليعلمان ذلك، ولكنهما سهلان يسهلان على الناس], معنى هذا الكلام أن الإنسان المتبوع إذا كانت هناك سنة, وكانت فيها مشقة، فلا مانع أن يسهل على الناس حتى لا يحرجهم في ذلك, وهذا الحديث أخرجه عبد الرزاق ، وقال البيهقي : والآثار في المشي أمامها أصح وأكثر, وهو صحيح, قال: [ وبما روي أيضاً عن ابن مسعود أنه كان يقول: ( سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السير مع الجنازة؟ فقال: الجنازة متبوعة, وليست بتابعة, وليس معها من يقدمها) ], وهذا الحديث علق عليه بقوله: أخرجه أحمد ، قال الترمذي : و أبو ماجد الراوي رجل مجهول، والخلاصة أنه حديث ضعيف.

    [ وحديث المغيرة بن شعبة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الراكب يمشي أمام الجنازة, والماشي خلفها وأمامها, وعن يمينها وعن يسارها, قريباً منها )], أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي و الحاكم , وقال: صحيح على شرطهما, ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا, وهو صحيح, فهذا فيه فسحة, [ (... وهذه الأحاديث التي صار إليها الكوفيون, وهي أحاديث يصححونها ويضعفها غيرهم ].

    والراجح أنه يجوز المشي أمام الجنازة وخلفها، وعن يمينها ويسارها, شريطة أن يكون قريباً منها.

    وأما الراكب فيسير أمامها, لقوله صلى الله عليه وسلم: (الراكب يمشي أمام الجنازة، والماشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها)، والحديث صحيح.

    قال شيخنا: لكن الأفضل المشي خلفها؛ لأنه مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: (واتبعوا الجنائز), رواه أحمد عن أبي سعيد بسند حسن, ويؤيده حديث علي: المشي خلفها أفضل من المشي أمامها, كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فرادى.

    كما في كتاب أحكام الجنائز, قال: أخرجه البيهقي وغيره, وإسناده حسن, وله حكم الرفع. صفحة ثلاث وسبعين.

    1.   

    القيام للجنازة

    [ وأكثر العلماء على أن القيام إلى الجنازة منسوخ, بما رواه مالك -في الموطأ- من حديث علي بن أبي طالب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنازة ثم جلس), وذهب قوم إلى وجوب القيام، وتمسكوا في ذلك بما روي من أمره صلى الله عليه وسلم بالقيام لها، كحديث عامر بن ربيعة -الذي أخرجه البخاري و مسلم - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا إليها حتى تخلفكم أو توضع)], والحديث الأول الذي نسبناه إلى مالك في الموطأ أخرجه مسلم كذلك.

    قال: [ واختلف الذين رأوا أن القيام منسوخ في القيام على القبر في وقت الدفن], فهما مسألتان: المسألة التي مرت والقيام حتى توضع, [ فبعضهم رأى أنه لم يدخل تحت النهي ]، يعني أنهم كانوا يقومون ثم نهاهم, [وبعضهم رأى أنه داخل تحت النهي على ظاهر اللفظ.

    ومن أخرجه من ذلك -أنه لم يدخل تحت النهي- احتج بفعل علي في ذلك, وذلك أنه روى النسخ, وقام على قبر ابن المكفف, فقيل له: ألا تجلس يا أمير المؤمنين! فقال: قليل لأخينا قيامنا على قبره].

    الراجح في القيام للجنازة

    والراجح أن القيام لها منسوخ, وهو على نوعين:

    أولاً: قيام الجالس إذا مرت به.

    ثانياً: قيام المشيع لها عند انتهائها إلى القبر حتى توضع على الأرض, فهذين الحكمين كلاهما منسوخ, والدليل على ذلك حديث علي, وله ألفاظ:

    الأول: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة فقمنا ثم جلس فجلسنا), أخرجه مسلم .

    الثاني: (كان يقوم للجنازة ثم جلس بعد,)، رواه مالك , وعنه الشافعي في الأم و أبو داود .

    الثالث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة، ثم جلس بعد ذلك, وأمرنا بالجلوس), أخرجه أحمد بسند جيد.

    الرابع: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنازة حتى توضع، وقام الناس معه، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود), وهذا دليل في حق المشيع.

    الخامس: من طريق إسماعيل بن مسعود بن الحكم الزرقي, عن أبيه, قال: [ شهدت جنازة بالعراق، فرأيت رجالاً قياماً ينتظرون أن توضع، ورأيت علي بن أبي طالب يشير إليهم أن اجلسوا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالجلوس بعد القيام ]. أخرجه الطحاوي بسند حسن.

    قال شيخنا: وهذا اللفظ والذي قبله صريحان في أن القيام لها حتى توضع داخل في النهي, وأنه منسوخ. انظر أحكام الجنائز صفحة ثماني وسبعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765804242