إسلام ويب

كتاب الصلاة [31]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما تنازع العلماء فيه ما يستحب من القراءة في صلاة الفجر، فمنهم من رأى الاقتصار على أم القرآن، ومنهم من رأى الزيادة. وكذا اختلفوا فيما يستحب قراءته في ركعتي الفجر، وما يستحب لمن دخل المسجد وقد صلاهما في بيته، ومن أدرك الإمام ولم يصلها فالراجح أن يقضيها بعد الفجر.

    1.   

    القنوت في صلاة الوتر

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم فصلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما اختلافهم في القنوت فيه ].

    أي: في قنوت الوتر.

    [ فذهب أبو حنيفة وأصحابه: إلى أنه يقنت فيه، ومنعه مالك ].

    أي: لا يقنت في الوتر.

    [وأجازه الشافعي في أحد قوليه في النصف الآخر من رمضان، وأجازه قوم في النصف الأول من رمضان، وقوم في رمضان كله].

    سبب اختلاف العلماء في القنوت في صلاة الوتر

    [والسبب في اختلافهم في ذلك: اختلاف الآثار، وذلك أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم القنوت مطلقاً، وروي عنه القنوت شهراً، وروي عنه: أنه آخر أمره لم يكن يقنت في شيء من الصلاة، وأنه نهى عن ذلك، وقد تقدمت هذه المسألة].

    أي: أن هذه المسألة قد تقدمت في القنوت في الفريضة.

    والراجح ثبوت القنوت في الوتر أحياناً في جميع السنة من غير تقييد برمضان أو غيره, والراجح أيضاً أن محله بعد الركوع، كما في حديث أبي بن كعب عند أبي داود بسند صحيح: ( أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر بعد الركوع ), وحديث الحسن بن علي عند الحاكم و البيهقي بسند حسن, وكما ثبت القنوت في الوتر قبل الركوع.

    كذلك الراجح عدم جواز شفع الوتر وصحة النفل بعد الوتر, وذلك لحديث طلق : ( لا وتران في ليلة ), وحديث عائشة عند مسلم : (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد أن يوتر وهو جالس), وسبب خلافهم أن ممن قال: يجوز النفل بركعة قال: يتنفل بركعة ويشفع, ومن قال: لا يجوز التنفل بركعة قال: لا يجوز أن تصلي بعد الوتر ركعة.

    وأما الشيخ ناصر الدين الألباني فقد أول قوله صلى الله عليه وسلم: ( واجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ), أن معنى ذلك الحض على صلاة الوتر وعدم تركها والتساهل فيها.

    1.   

    المستحب من القراءة في ركعتي الفجر

    قال المصنف رحمه الله: [الباب الثاني: في ركعتي الفجر. واتفقوا على أن ركعتي الفجر سنة لمعاهدته صلى الله عليه وسلم على فعلها أكثر منه على سائر النوافل].

    وقد دل على ذلك ما أخرجه البخاري و مسلم من حديث عائشة : ( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعهداً منه على ركعتي الفجر ).

    [ولترغيبه فيها].

    دل على ذلك ما أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ).

    [ ولأنه قضاها بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلاة ].

    وهذا أيضاً أخرجه الإمام مسلم في حديث طويل.

    قال: [ واختلفوا من ذلك في مسائل:

    إحداها: في المستحب من القراءة فيهما، فعند مالك المستحب أن يقرأ فيهما بأم القرآن فقط، وقال الشافعي : لا بأس أن يقرأ فيهما بأم القرآن مع سورة قصيرة، وقال أبو حنيفة : لا توقيف فيهما في القراءة يستحب ]. يعني: ليس هناك توقيف يستحب.

    سبب اختلاف العلماء في المستحب من القراءة في ركعتي الفجر

    [وأنه يجوز أن يقرأ فيهما المرء حزبه من الليل].

    [والسبب في اختلافهم: اختلاف قراءته صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة، واختلافهم في تعيين القراءة في الصلاة، وذلك أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخفف ركعتي الفجر على ما روته عائشة قالت: ( حتى أني أقول: أقرأ بأم القرآن أم لا؟ ) ].

    والمعنى: أي: بأم القرآن مع سورة, قال المفسرون: ليس معناه أقرأ بأم القرآن أم أنه لم يقرأ بأم القرآن, وإنما هل قرأ بأم القرآن مع سورة أم لم يقرأ إلا بأم القرآن فقط.

    قال: [ فظاهر هذا أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن فقط ].

    أي: فظاهر هذا الحديث أنه كان يقرأ فيها بأم القرآن فقط.

    قال: [ وروي عنه من طريق أبي هريرة خرجه أبو داود ]. بل وأخرجه مسلم .

    [ (أنه كان يقرأ فيهما بـ ((قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ))، و ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) ).

    فمن ذهب مذهب حديث عائشة اختار قراءة أم القرآن فقط، ومن ذهب مذهب الحديث الثاني اختار أم القرآن وسورة قصيرة، ومن كان على أصله في أنه لا تتعين للقراءة في الصلاة لقوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ[المزمل:20], قال يقرأ فيهما ما أحب ].

    وهذا هو مذهب أبو حنيفة , والراجح أنه يسن فيهما قراءة السورتين بعد الفاتحة, يعني: في الأولى الكافرون, وفي الثانية الإخلاص, لثبوت ذلك عند مسلم .

    1.   

    صفة القراءة المستحبة في ركعتي الفجر

    قال المصنف رحمه الله: [والثانية: في صفة القراءة المستحبة فيهما. فذهب مالك و الشافعي وأكثر العلماء إلى أن المستحب فيهما هو الإسرار. وذهب قوم إلى أن المستحب فيها هو الجهر، وذهب قوم في ذلك بين الإسرار والجهر].

    أي كصلاة الليل فإنها تكون بين السر والجهر؛ لأن صلاة الليل ثبت في الحديث: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بـعمر وهو يجهر في صلاة الليل, ومر بـأبي بكر وهو يسر, فسأل أبا بكر ، فقال له: قد أسمعت من ناديت, أو من صليت, وسأل عمر فقال: أريد أن أنبه الوسنان أو أوقظ الوسنان, وأنبه الجاهل حتى يصلوا, فقال لـأبي بكر : ارفع من صوتك, وقال لـعمر : اخفض من صوتك ), فكان السنة في صلاة الليل بين الجهر والإسرار.

    وخير قوم في ذلك بين الإسرار والجهر ].

    أي أن هؤلاء خيروا؛ ولكن الأفضل أن تكون بين الجهر والإسرار, وأن تلحق بصلاة الليل.

    سبب اختلاف العلماء في صفة القراءة المستحبة في ركعتي الفجر

    قال المصنف رحمه الله: [والسبب في ذلك: تعارض مفهوم الآثار، وذلك أن حديث عائشة المتقدم المفهوم من ظاهره: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ فيهما سراً ولولا ذلك لم تشك عائشة هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا؟ وظاهر ما روى أبو هريرة : أنه كان يقرأ فيهما بـ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)), و ((قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)): أن قراءته عليه الصلاة والسلام فيهما كانت جهراً، ولولا ذلك ما علم أبو هريرة ما كان يقرأ فيهما. فمن ذهب مذهب الترجيح بين هذين الأثرين قال: إما باختيار الجهر إن رجح حديث أبي هريرة ، وإما باختيار الإسرار إن رجح حديث عائشة . ومن ذهب مذهب الجمع قال بالتخيير].

    والأقرب في ذلك أن نقول: إن صلاة الليل ثبت فيها أنها بين الجهر والسر, وصلاة النهار ثبت فيها الإسرار, ولعلها أن تكون أقرب بصلاة النفل في الليل إلحاقاً بالفجر, فإنه يتبع صلاة الليل في الجهر ولا يبتع صلاة النهار في الإسرار, فهذا أقرب أن تكون تابعة لصلاة الليل.

    1.   

    الذي لم يصل ركعتي الفجر وأدرك الإمام في الصلاة أو دخل المسجد ليصليهما فأقيمت الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [والثالثة: في الذي لم يصل ركعتي الفجر وأدرك الإمام في الصلاة أو دخل المسجد ليصليهما فأقيمت الصلاة فقال مالك: إذا كان قد دخل المسجد فأقيمت الصلاة فليدخل مع الإمام في الصلاة ولا يركعهما في المسجد والإمام يصلي الفرض، وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركعهما خارج المسجد، وإن خاف فوات الركعة فليدخل مع الإمام ثم يصليهما إذا طلعت الشمس ووافق أبو حنيفة مالكاً في الفرق بين أن يدخل المسجد أو لا يدخل، وخالفه في الحد في ذلك فقال: يركعهما خارج المسجد ما ظن أنه يدرك ركعة من الصبح مع الإمام وقال الشافعي ] وهو مذهب أحمد .

    [إذا أقيمت الصلاة المكتوبة فلا يركعهما أصلاً، لا داخل المسجد ولا خارجه. وحكى ابن المنذر : أن قوماً جوزوا ركوعهما في المسجد والإمام يصلي وهو شاذ].

    سبب اختلاف العلماء فيما يفعله من أدرك الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر

    قال رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ), فمن حمل هذا على عمومه ].

    بمعنى: فلا صلاة، لا داخل المسجد ولا خارج المسجد.

    [لم يجز صلاة ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلاة المكتوبة، لا خارج المسجد ولا داخله. ومن قصره على المسجد].

    يعني: لا صلاة أي في المسجد.

    [فقد أجاز ذلك خارج المسجد ما لم تفته الفريضة، أو لم يفته منها جزء.

    ومن ذهب مذهب العموم فالعلة عنده في النهي إنما هو الاشتغال بالنفل عن الفريضة].

    والعلة هي: الاشتغال بالنفل عن الفريضة, داخل المسجد أو خارجه.

    [ومن قصر ذلك على المسجد فالعلة عنده إنما هو أن تكون صلاتان معاً في موضع واحد لمكان الاختلاف على الإمام، كما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: ( سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصلاتان معا؟ أصلاتان معاً قال: وذلك في صلاة الصبح والركعتين اللتين قبل الصبح ) ].

    وهذا الحديث أخرجه مالك هو مرسل في إسناده أيضاً شريك بن عبد الله وهو صدوق يخطئ, وله شواهد بمعناه, وسبب اختلاف مالك أنه يشترط ألا تفوته ركعة، وذاك يقول: بشرط أن يدرك ركعة.

    وعلة مالك حديث: ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ), يقول: على أن لفظ: (أدرك), يشير إلى أنه من فاتته من غير تعمد, أما من تعمد أن تفوته ركعة فلم يدرك الصلاة؛ وأن الذي يصلي سنة الفجر بعد الإقامة فقد تعمد التأخر عن الصلاة, فلو فاتته ركعة فقد فاتته الجماعة.

    [وإنما اختلف مالك و أبو حنيفة في القدر الذي يراعى من فوات صلاة الفريضة من قبل اختلافهم في القدر الذي به يفوت فضل صلاة الجماعة للمشتغل بركعتي الفجر؛ إذ كان فضل صلاة الجماعة عندهم أفضل من ركعتي الفجر].

    وفضل صلاة الجماعة متفق أنها أفضل من صلاة الفرد.

    [فمن رأى أنه بفوات ركعة منها يفوته فضل صلاة الجماعة قال: يتشاغل بها ما لم تفته ركعة من الصلاة المفروضة].

    وهذا هو مذهب مالك .

    [ومن رأى أنه يدرك الفضل إذا أدرك ركعة من الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ] والحديث صحيح.

    [أي: قد أدرك فضلها، وحمل ذلك على عمومه في تارك ذلك قصداً أو بغير اختيار، قال: يتشاغل بها ما ظن أنه يدرك ركعة منها.

    و مالك إنما يحمل هذا الحديث والله أعلم على من فاتته الصلاة دون قصد منه لفواتها].

    أي لأنه قال: (من أدرك).

    [ولذلك رأى أنه إذا فاتته منها ركعة فقد فاته فضلها.

    وأما من أجاز ركعتي الفجر في المسجد والصلاة تقام: فالسبب في ذلك أحد أمرين: إما أنه لم يصح عنده هذا الأثر، أو لم يبلغه. قال أبو بكر بن المنذر : هو أثر ثابت أعني قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) وكذلك صححه أبو عمر بن عبد البر ، وإجازة ذلك تروى عن ابن مسعود ] أي إجازة الصلاة.

    والسبب في قول أبي حنيفة و مالك : أنه تعارض عندهما فضيلتان:

    إحداهما: لا تدرك, وهي سنة الفجر؛ لأنها لا تصلى عندهما بعد صلاة الفجر.

    والثانية: فضيلة الجماعة, وهي: تدرك قال مالك : تدرك إذا لم يتعمد التأخير وقال ذلك: تدرك إذا أدرك ركعة، فقدم ما لا يدرك، وهو صلاة سنة الفجر، ثم تدارك ما يدرك, وتخلصا من الآثار الواردة بالمنع من الصلاة إذا أقيمت الصلاة بصلاتها خارج المسجد, إلا أنهما لم يتخلصا من مخالفة عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ), ولا سيما أبي حنيفة لأن العموم عنده قوي وقطعي, وإذا جاء خصوص فيعتبره ناسخاً.

    وأما الشافعي و أحمد فأخذا بالأحاديث الصحيحة الواردة في المنع من الصلاة إذا أقيمت الصلاة, وقالا بقضائها بعد صلاة الفجر لما ورد من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لـقيس في صلاته بعد صلاة الفجر, أخرجه أحمد و أبو داود و الترمذي وهو حديث حسن؛ ولأنها صلاة ذات سبب عند الشافعي ولهذا قال ابن عبد البر في هذه المسألة وهو مالكي الحجة عند التنازع السنة, فمن أدلى بها فقد فلت, ومن استعملها فقد نجا, قال: وقد روت عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين أقيمت الصلاة فرأى ناساً يصلون فقال: أصلاتان معاً؟ )، يعني يصلون ركعتي الفجر بعدما أقيمت الصلاة.

    وروي نحو ذلك عن أنس و عبد الله بن سرجس و ابن بحينة ، و أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهي كلها في كتاب التمهيد.

    وكل هذا إنكار منه لهذا الفعل، يعني: الصلاة إذا أقيمت الصلاة.

    الراجح في صلاة ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلاة

    والخلاصة أن الراجح ما ذهب إليه الشافعي و أحمد من عدم صلاتها إذا أقيمت الصلاة، لا داخل المسجد ولا خارجه, وأنها تقضى بعد صلاة الفجر.

    1.   

    وقت قضاء ركعتي الفجر

    قال المصنف رحمه الله: [والرابعة: في وقت قضائها إذا فاتت حتى صلى الصبح فإن طائفة قالت: يقضيها بعد صلاة الصبح، وبه قال عطاء و ابن جريج ] وهو مذهب الشافعي و أحمد .

    [وقال قوم: يقضيها بعد طلوع الشمس].

    وهو قول القاسم بن محمد و الأوزاعي وهو قول آخر لـلشافعي و أحمد .

    [ومن هؤلاء من جعل لها هذا الوقت غير المتسع].

    يعني: بعد طلوع الشمس.

    [ومنهم من جعله لها متسعاً، وقال: يقضيها من لدن طلوع الشمس إلى وقت الزوال ولا يقضيها بعد الزوال].

    وهو مذهب مالك ، وقال أبو حنيفة : إن أحب قضاها بعد طلوع الشمس وإلا فلا شيء عليه.

    [ وهؤلاء الذين قالوا بقضائها: ومنهم من استحب ذلك ].

    وهم الأئمة الثلاثة ما عدا أبا حنيفة .

    [ ومنهم من خير فيه ].

    وهو مذهب أبي حنيفة .

    [ والأصل في قضائها صلاته لها صلى الله عليه وسلم بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلاة ].

    والأدلة على ذلك الأول: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لم يصلّ ركعتي الفجر فليصلها بعد ما تطلع الشمس ), حديث صحيح أخرجه أحمد و الترمذي و الحاكم .

    والثاني: من حديث قيس بن فهد قال: ( رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر فقال: ما هاتان الركعتان يا قيس , قلت: يا رسول الله! لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان ) رواه أحمد و أبو داود و الترمذي وقال: إسناده ليس بمتصل, قال الشوكاني في النيل: إن قول الترمذي ليس بجيد فقد جاء متصلاً, وقال العراقي : إسناده حسن, فإذاً يجمع بين الحديثين بالتخيير, وبه قال أحمد و الشافعي في إحدى قوليهما. يعني: له قولان يصليها بعد الفجر أو يصليها بعد الصبح.

    1.   

    تثنية النوافل

    قال: [الباب الثالث في النوافل: واختلفوا في النوافل هل تثنى أو تربع أو تثلث؟].

    يعني: النوافل تصلى ثنتين أو ثلاث أو أربع.

    [فقال مالك و الشافعي : صلاة التطوع بالليل والنهار مثنى مثنى يسلم في كل ركعتين. وقال أبو حنيفة : إن شاء ثنى أو ثلث أو ربع أو سدس أو ثمن، دون أن يفصل بينها بسلام.

    وفرق قوم بين صلاة الليل وصلاة النهار فقالوا: صلاة الليل مثنى، وصلاة النهار أربع ].

    وهو مذهب أحمد .

    سبب اختلاف العلماء في النوافل هل تثنى أو تثلث أو تربع

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: اختلاف الآثار الواردة في هذا الباب، وذلك أنه ورد في هذا الباب من حديث ابن عمر ] وهو حديث متفق عليه.

    [ ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ), وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد الجمعة ركعتين، وقبل العصر ركعتين ). فمن أخذ بهذين الحديثين قال: ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ). وثبت أيضاً من حديث عائشة ].

    وهو حديث متفق عليه.

    [ أنها قالت، وقد وصفت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت: فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ). وثبت عنه أيضاً من طريق أبي هريرة ].

    وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم .

    [ أنه قال: ( من كان يصلي بعد الجمعة فليصل أربعاً ). وروى الأسود عن عائشة ].

    وهذا الحديث قد تقدم في الوتر.

    [ ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات، فلما أسن صلى سبع ركعات ). فمن أخذ أيضاً بظاهر هذه الأحاديث أجاز التنفل بالأربع والثلاث دون أن يفصل بينهما بسلام، والجمهور على أنه لا يتنفل بواحدة، وأحسب أن فيه خلافاً شاذاً ].

    الراجح في التثنية والتثليث والتربيع في النوافل

    والأقرب في هذا أن التثنية والتربيع والتثليث بالوتر أو أكثر من ذلك, كل ذلك في صلاة الليل من العمل المخير، دلت عليه أحاديث الباب والأحاديث السابقة في صفة الوتر. ص:467-471

    1.   

    ركعتي دخول المسجد

    قال: [ الباب الرابع في ركعتي دخول المسجد: والجمهور على أن ركعتي دخول المسجد مندوب إليها من غير إيجاب ].

    يعني: أن ركعتي دخول المسجد مندوبة عند الجمهور وليست بواجبة.

    قال: [ وذهب أهل الظاهر إلى وجوبها ].

    وإليه مال شيخنا فقال إنها واجبة؛ لأنه صح الأمر بفعلها بقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليصلِ ركعتين ), وصح النهي عن الجلوس قبل أدائها فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ).

    سبب اختلاف العلماء في ركعتي دخول المسجد

    قال رحمه الله: [ وسبب الخلاف في ذلك: هل الأمر في قوله: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين ) ].

    وهذا الحديث متفق عليه.

    [ محمول على الندب أو على الوجوب، فإن الحديث متفق على صحته. فمن تمسك في ذلك بما اتفق عليه الجمهور ].

    يعني الأئمة الأربعة.

    [ من أن الأصل هو حمل الأوامر المطلقة على الوجوب حتى يدل الدليل على الندب، ولم ينقدح عنده دليل ينقل الحكم من الوجوب إلى الندب قال: الركعتان واجبتان ].

    وهؤلاء هم أهل الظاهر.

    [ ومن انقدح عنده دليل على حمل الأوامر هاهنا على الندب، أو كان الأصل عنده في الأوامر أن تحمل على الندب ].

    والأصل: أن تحمل على الوجوب.

    [ حتى يدل الدليل على الوجوب، فإن هذا قد قال به قوم، قال: الركعتان غير واجبتين. لكن الجمهور إنما ذهبوا إلى حمل الأمر هاهنا على الندب لمكان التعارض الذي بينه وبين الأحاديث التي تقتضي بظاهرها أو بنصها ألا صلاة مفروضة إلا الصلوات الخمس التي ذكرناها في صدر هذا الكتاب، مثل حديث الأعرابي ].

    وهو قوله: (هل عليّ غيرها), أخرجه البخاري و مسلم .

    [ وغيره، وذلك أنه إن حمل الأمر هاهنا على الوجوب لزم أن تكون المفروضات أكثر من خمس، ولمن أوجبها أن الوجوب هاهنا إنما هو متعلق بدخول المسجد لا مطلقاً ], يعني: تلك واجبة مطلقاً وهذه معلقة بدخول المسجد.

    قال: [ كالأمر بالصلاة المفروضة. وللفقهاء أن تقييد وجوبها بالمكان شبيه بتقييد وجوبها بالزمان].

    وهذا يرد به على الظاهرية.

    [ولأهل الظاهر أن المكان المخصوص ليس من شرط صحة الصلاة، والزمان من شرط صحة الصلاة المفروضة].

    يعني: المسجد ليس من شروط صحة الصلاة.

    أما شيخنا ناصر الدين الألباني فيشدد، ويقول: واجبة وجبت هذه الصلاة في وقت يحرم فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقول الجمهور هنا لم يتمسك به الجمهور كلهم، فهناك من الجمهور من قال: بوجوب صلاة العيدين، ومنهم من قال: بوجوب صلاة الوتر, مع أن ما ورد في صلاة العيدين وما ورد في صلاة الوتر أقل مما ورد فيه هذه الصلاة.

    الراجح في حكم ركعتي المسجد

    أقوال العلماء فيمن جاء المسجد وقد ركع ركعتي الفجر في بيته

    قال رحمه الله: [ واختلف العلماء من هذا الباب فيمن جاء المسجد وقد ركع ركعتي الفجر في بيته، هل يركع عند دخوله المسجد أم لا؟ ].

    لأنه ورد: ( لا صلاة بعد الفجر ).

    [ فقال الشافعي : يركع، وهي رواية أشهب عن مالك . وقال أبو حنيفة : لا يركع، وهي رواية ابن القاسم عن مالك ].

    سبب اختلاف العلماء فيمن أتى المسجد وقد ركع ركعتي الفجر في بيته

    قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: عموم معارضة قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الصبح ) ].

    فالحديث الأول متفق عليه والحديث الثاني أخرجه أبو داود و أحمد .

    [ فهذان عمومان وخصوصان: أحدهما: في الزمان، والآخر: في الصلاة].

    فحديث: ( لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الصبح ), هذا خاص في الزمن عام في الصلاة.

    وحديث: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين ).

    عام في الزمن خاص في الصلاة.

    [ وذلك أن حديث الأمر بالصلاة عند دخول المسجد عام في الزمان، خاص في الصلاة، والنهي عن الصلاة بعد الفجر إلا ركعتي الصبح خاص في الزمان عام في الصلاة، فمن استثنى خاص الصلاة من عامها رأى الركوع بعد ركعتي الفجر، ومن استثنى خاص الزمان من عامه لم يوجب ذلك. وقد قلنا: إن مثل هذا التعارض إذا وقع فليس يجب أن يصار إلى أحد التخصيصين إلا بدليل، وحديث النهي لا يعارض بحديث الأمر الثابت والله أعلم ].

    يعني: أن النهي مقدم على الأمر والله أعلم.

    [ فإن ثبت الحديث وجب طلب الدليل من موضع آخر ].

    والخلاصة: أن النهي عن الصلاة في هذه الأوقات قد خصص بالقول والفعل والتقرير, وأن الأمر والنهي في صلاة تحية المسجد لم يخصص لا بقول ولا بفعل ولا بتقرير, وأنها أمر بها في وقت يحرم فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وإذا تعارض عامان أحدهما قد خصص والآخر لم يخصص, قدم العام الذي لم يخصص, كما قال الإمام الحزمي , وقلنا: إن الإمام الشافعي أخذ هذا الحديث في تحية المسجد, ثم نظر فيه إلى المعنى وقال: إنها صلاة ذات سبب مقارن, فالنهي عن الصلاة في هذه الأوقات متوجهاً على الصلاة التي لا سبب لها, أما ما كان سببها متقدم كقضاء الفوائت أو سببها مقارن كتحية المسجد فإنه لا يتناوله النهي, فيبقى النهي في ما كان سببها متأخراً كسنة الإحرام, وفي النفل المطلق.

    الراجح في تحية المسجد لمن دخل وقد صلى ركعتي الفجر في بيته

    والراجح مشروعية صلاة التحية إذا دخل المسجد, وقد صلى سنة الفجر في البيت.

    1.   

    الأسئلة

    الراجح في حكم تحية المسجد

    السؤال: ما هو الراجح في تحية المسجد؟

    الجواب: الأقرب أن تكون واجبة، وإليه مال شيخنا, لما صح من الأمر بفعلها والنهي عن الجلوس بدون أن يصليها.

    مفهوم الترجيح في ركعتي دخول المسجد

    السؤال: مفهوم الترجيح: الجواز والوجوب؟

    الجواب: يجوز أن تكون واجبة ويجوز أن تكون سنة؛ لأنه قد يقال هذا في الأشياء التي يتوقف فيها.

    الجمع بين حديث عائشة: (أن النبي كان يصلي ركعتين بعد أن يوتر...) وحديث: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً)

    السؤال: حديث عائشة سيتناقض مع حديث: ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً

    الجواب: حديث عائشة أنه قال: ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ), مع أنه كان يتنفل, هذا لا بد من التأويل فيه, فأولوا حديث: ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ), يعني: الحث على صلاة الوتر, وقد يقال: إنه يؤول على الأفضل.

    إقامة الصلاة حال صلاة النافلة

    السؤال: قال: صلى ثم أقيمت الصلاة, فهل يقطع صلاته؟

    الجواب: اختلف الفقهاء في قوله: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة ), هل المعنى فلا ابتداء صلاة أو فلا استمرار في الصلاة؟ فبعضهم يرى أنه لا يستمر في الصلاة وهو قول للشافعية، وبعضهم يرى: أنها تبطل الصلاة في نفسها, والذي يقول: إنه يستمر فيها, يقول: شرط إذا كان لم تفته الجماعة فيستمر، والبعض يقول أن: (لا صلاة), أنها تبطل في نفسها, وقال الحافظ ابن حجر : أن النفي هنا يتوجه على الذات: (لا صلاة), وهو الحقيقة, ولكن الذات موجودة, فيتوجه أقرب شيء على المجاز هذا الأقرب وهو لا صحة: (لا صلاة) يعني: لا صحة للصلاة, فهي قد بطلت بنفسها, ومنهم من يراعي المعنى: وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر ألا يشتغل الإنسان عن الفريضة بصلاة النافلة بعد أن أقيمت, فإن أقيمت الصلاة وهو في آخر الصلاة، يعني: في السجود أو في غيره فليتمها؛ لأنه وسيدرك الركعة وسيدرك تكبيرة الإحرام ويدرك فاتحة الكتاب, أما إذا أقيمت الصلاة وهو في أولها بحيث قد تفوته فاتحة الكتاب فإنه يتركها وهذا هو الأقرب, والخلاصة أن الإنسان لا يتشاغل عن الصلاة المكتوبة بعد أن تقام, فإن كان في آخرها فليتمها, وإن كان في أولها فليتركها.

    حكم من أدرك ركعة مع الإمام ثم سلم الإمام وسجد للسهو

    السؤال: من أدرك مع الإمام ركعة ثم سلم الإمام وسجد للسهو فهل يعود المؤتم ليسجد مع الإمام؟

    الجواب: نحن قلنا: قال الفقهاء اتفقوا على أنه إذا أدرك ركعةً من الصلاة فأدرك سهو الإمام فليسجد, سهو الإمام على ما قلنا فيه, وقال الشافعية وبعض العلماء: حتى ولو أدرك التشهد فإنه يحلقه سهو الإمام.

    متابعة المسبوق الإمام في سجود السهو إذا كان بعد السلام

    السؤال: [المسبوق إذا قام بعد سلام إمامه فرأى الإمام سجد للسهو فهل يرجع ليتابعه]؟

    الجواب: لا يرجع؛ لأن القدوة قد انتهت بالسلام؛ لأن عمله هذا خارج الصلاة, قال الإمام أحمد : إن سجد بعد السلام فهو جبران خارج الصلاة وإن سجد قبل السلام فهو جبران في صلب الصلاة, فإذا سها فالقدوة مع الإمام تنتهي بالسلام.

    حكم من ترك سجدة سهواً ولم يتذكر إلا في الركعة الثانية

    السؤال: من سجد سجدة واحدة ولم ينتبه إلا في الركعة الثانية؟

    الجواب: قلنا سابقاً: من ترك ركناً فإن ذكره قبل أن يأتي بمثله وجب عليه الرجوع إليه، فمن ترك سجدة وقام إلى القيام، فإن كان ذكر السجدة قبل أن يأتي بمثلها فلا بد أن يعود إليها.

    وإن ذكرها وهو ساجد في الركعة الثانية, ألغيت الركعة الأولى وإن ذكرها قبل أن يأتي بمثلها، ذكرها وهو في الركوع، أو ذكرها وهو في قراءة الفاتحة فهذا لا يخلو، إما أن يكون ممن يجلس جلسة الاستراحة بعد السجود, فإن سجد سجدة واحدة وجلس جلسة الاستراحة وقام ثم ذكر, فهذا يهوي من القيام إلى السجود مباشرة, فإن جلسة الاستراحة نابت عن الجلوس بين السجدتين, وإن قام ولم يجلس جلسة الاستراحة وذكر فإنه يهوي إلى الجلسة بين السجدتين ثم يسجد السجدة الثانية.

    حكم من صلى الوتر مع الإمام وأراد أن يشفع بعد أن يسلم الإمام

    السؤال: في رمضان صلى الوتر مع الإمام, ويريد أن يتطوع في آخر الليل، هل يصح أن يصلي مع الإمام ثم إذا سلم الإمام يذهب ويأتي بركعة؟

    الجواب: نعم يصح عند الشافعية إلا أن فيه بعض كلام عند من يشترط اتفاق النية, فهذا يصلي وتراً وهذا يصلي نفلاً مطلقاً, فمن يقول: لا يصح الفريضة بعد النافلة كبعض العلماء يمنع, لكن الراجح: أنه يصح صلاة الفريضة بعد النافلة والعكس.

    ترك صلاة الوتر لعذر الاشتغال بطلب العلم وتعذر القيام قبل أذان الفجر

    السؤال: ما حكم من ترك الوتر فترة طويلة من الزمن, بحجة أنه طالب علم أو ينام عنها كل يوم وهو ينوي أن يصلي قبل أذان الفجر ثم لا يقوم إلا بعد الأذان؟

    الجواب: قال الإمام مالك : إنما هو سنة بالعين وفرض بالجنس, فهنا يكون: من باب الفرض بالجنس فعند مالك يأثم, ولكن نحن قلنا: ليس كذلك لا يأثم, ولكن الفقهاء قالوا: إن تعمد ذلك فإنه يخل بالمروءة وترد شهادته، ويكون سبباً للتساهل بالفرائض, فلا ينبغي له ذلك ولا ينبغي أن يكون طلب العلم وسيلة لترك أعمال صالحة.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765799833