إسلام ويب

كتاب الصلاة [30]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله السجود للسهو لجبر ما نقص أو زيد من الصلاة، ولكن اختلف العلماء فيمن يجب عليه سجود السهو وفي كيفية متابعة المسبوق للإمام في سجود السهو إذا كان السجود قبل السلام أو بعده، واختلفوا في كيفية تنبيه المأموم للإمام إذا سها في صلاته على قولين: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، وقيل: التسبيح للرجال والنساء.

    1.   

    بيان من يجب عليه سجود السهو

    الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الخامس:

    اتفقوا على أن سجود السهو من سنة المنفرد والإمام ]، يعني: أن المنفرد إذا سها يسجد للسهو, والإمام إذا سها يسجد للسهو.

    [ واختلفوا في المأموم يسهو وراء الإمام هل عليه سجود أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أن الإمام يحمل عنه السهو، وشذ مكحول فألزمه السجود في خاصة نفسه. وسبب اختلافهم: اختلافهم فيما يحمل الإمام من الأركان عن المأموم وما لا يحمله ]. ولكن الراجح: أن الإمام يحمل سهو المأموم؛ لأن المأموم تابع، ولا يمكن أن يخالف إمامه.

    متابعة المسبوق للإمام في سجود السهو وإن لم يتبعه في سهوه

    قال المصنف رحمه الله: [ واتفقوا على أن الإمام إذا سها أن المأموم يتبعه في سجود السهو وإن لم يتبعه في سهوه ].

    ومعنى كلامه: أن المأموم إذا جاء في الثالثة وقد سها الإمام في الثانية مثلاً وترك التشهد الأوسط، واقتدى به في الثالثة وبقية الصلاة، فيسجد للسهو مع الإمام وإن لم يسه معه؛ لأن النقص في صلاة الإمام نقص في صلاة المأموم.

    كيفية متابعة المسبوق للإمام في سجود السهو بعد السلام

    قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا متى يسجد المأموم إذا فاته مع الإمام بعض الصلاة، وعلى الإمام سجود سهو؛ فقال قوم: يسجد مع الإمام، ثم يقوم لقضاء ما عليه، وسواء كان سجوده قبل السلام أو بعده ].

    ومعنى كلامه هذا: أن الإمام إذا سجد للسهو بعد السلام، فإن المأموم الذي بقيت عليه بعض الصلاة لا يتابع الإمام في السلام، وإنما ينتظره حتى يسجد للسهو فيسجد معه، ثم يقوم لتكملة ما عليه من صلاة، أما إذا كان سجود سهو الإمام قبل السلام فإن المأموم يسجد معه ثم يقوم لتتمة الصلاة بعد سلام الإمام؛ لأن الإمام سجد بعد السلام، وهو ليس له محل في السلام، ولكن عليه أن يتابع الإمام في سجوده, والإمام يسجد بعد السلام، فيسلم الإمام وهو لا يسلم, ولكنه يسجد للسهو فقط ثم يقوم لتكملة الصلاة, وخلاصة القول: إنه يسجد مع الإمام سواء سجد قبل السلام أو بعده.

    [ وبه قال عطاء و الحسن و النخعي و الشعبي و أحمد و أبو ثور وأصحاب الرأي. وقال قوم: يقضي ]، يعني: يتم. [ ثم يسجد ]، يعني: أنه لا يسجد مع الإمام ولا يسلم، وإنما ينتظره حتى يسلم، ثم يقوم لتكملة صلاته، ويسجد للسهو في نهاية التتمة سواء سجد للسهو قبل السلام أم بعده.

    وبه قال ابن سيرين و إسحاق . وقال قوم: إذا سجد قبل التسليم سجد معه، وإن سجد بعد التسليم سجدهما بعد أن يقضي، وبه قال مالك و الليث و الأوزاعي .

    هذا كلام جيد.

    [ وقال قوم: يسجدهما مع الإمام، ثم يسجدهما ثانية بعد القضاء ]، أي: بعد التمام، [ وبه قال الشافعي ].

    وتوضيح مذهب الشافعي كالتالي: إن سجد الإمام قبل السلام سجد معه، ثم بعد ذلك يسجد في آخر صلاته, فيكون السجود مرتين, وإن سجد الإمام بعد السلام تركه وقام، ثم سجدها في آخر صلاته, فمذهب الشافعي يوافق مذهب مالك : في أنه إن سجد قبل السلام سجد معه, وإن سجد بعد السلام لم يسجد معه, ولكنه يخالفه في أنه يعيد السجود, فمثلاً إذا سجد مع الإمام قبل السلام قال الإمام مالك : لا يسجد مرةً أخرى, وقال الشافعي : يسجد مرةً أخرى, واتفقوا: فيما إذا سلم الإمام وسجد بعد السلام فإن مالكاً قال: يقوم ويسجد في آخر صلاته, و الشافعي قال: يقوم ويسجد في آخر صلاته.

    [ وسبب اختلافهم: اختلافهم أيُّ أولى وأخلق أن يتبعه: في السجود مصاحباً له، أو في آخر صلاته ].

    يعني: يتبعه بحيث تكون المتابعة أولى أو موضع السجود أولى؛ لأن موضع السجود بعد التشهد الأخير, وهؤلاء قالوا: يتابعه ويسجد قبل التشهد الأخير, فاختلفوا, هل الأولى المتابعة ويسجد المأموم قبل التشهد الأخير, أو الأولى أنه يسجد لنفسه بعد التشهد الأخير.

    فكأنهم اتفقوا على أن الاتباع واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ). واختلفوا هل موضعها للمأموم هو موضع السجود (أعني: في آخر الصلاة) أو موضعها هو وقت سجود الإمام؟ فمن آثر مقارنة فعله لفعل الإمام على موضع السجود، ورأى ذلك شرطاً في الاتباع (أعني: أن يكون فعلهما واحداً حقاً) قال: يسجد مع الإمام وإن لم يأت بها في موضع السجود، ومن آثر موضع السجود قال: يؤخرها إلى آخر الصلاة، ومن أوجب عليه الأمرين أوجب عليه السجود مرتين ]، وهذا مذهب الشافعي . [ وهو ضعيف ].

    بل ما قاله الإمام الشافعي هو المتجه حسب الأصول والقياس في أنه يجب عليه, فالسجود الأول للمتابعة: كتشهد المأموم مع الإمام في غير موضعه, أليس إذا جاء في الركعة الثانية والإمام يتشهد لثانيته، فتشهد معه على الرغم من أنه ليس من صلاته، فمتابعته للإمام هنا في غير موضعه وإنما للمتابعة، مثلاً: جاء في الركعة الثانية واقتدى بالإمام في الركعة الثالثة للمغرب, فإنه يجلس للتشهد وهذا التشهد يسمى تشهد متابعة.

    إذاً فهذا السجود يشبه هذا الجلوس في المتابعة في غير موضع.

    والسجود الثاني في آخر الصلاة: هو المطلوب في حق المأموم, حسب الاتباع للسنة في حق نفسه, كالتشهد في ثانيته بعد انقضاء القدوة, كأن يكون لحق بثالثة المغرب مع الإمام، فجلس للتشهد الأخير للإمام متابعةً, وقام لأداء ركعة ثم جلس لتشهده الأوسط حق نفسه، فسجوده الأخير كجلوسه الثاني؛ لأن هذا محله, فيكون كما قاله الشافعي : من أنه هو المتجه حسب الأصول, والأصول: على أن سجوده في آخره, والقياس: أن القسمة على التشهدات.

    وهذا تأييد لمذهب الشافعي ؛ لأن المؤلف ضعفه ونحن أيدناه.

    إذاً مذهب الشافعي أن محل سجود السهو آخر الصلاة، ويجب متابعة الإمام، وإذا كان الإمام لم يسلم فيجب عليك متابعته بالسجود في آخر صلاتك.

    فإذا قيل: هناك قاعدة تقول: القياس في العبادات ضعيف، فيقال: إن القياس في العبادة صحيح إذا كان حكم المسكوت عنه هو حكم المنطوق به لعلة, فيوجد القياس هنا؛ لأن التشهد وجبت به المتابعة, ثم وجب أن يأتي به في آخر صلاته, فكذلك سجود السهو وجب فيه المتابعة، ثم عليه أن يأتي به في محله, والإمام أحمد يقول في سجود السهو: وما لم يرد فيه ألحقناه بصلب الصلاة قياساً على, كذا.

    وإنما قال في الكتاب: والإمام أحمد أخذ شعبةً من مذهب الظاهرية.

    1.   

    التسبيح للإمام إذا سها في صلاته

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل السادس:

    واتفقوا على أن التسبيح لمن سها في صلاته أن يسبح له، وذلك للرجل; لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما لي أراكم أكثرتم من التصفيق؟! من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء )]، وهذا الحديث متفق عليه.

    [ واختلفوا في النساء فقال مالك وجماعة: إن التسبيح للرجال والنساء، وقال الشافعي ]، وهو مذهب أحمد أيضاً [ وجماعة: للرجال التسبيح وللنساء التصفيق.

    والسبب في اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنما التصفيق للنساء )، فمن ذهب إلى أن معنى ذلك أن التصفيق هو حكم النساء في السهو - وهو الظاهر - قال: النساء يصفقن ولا يسبحن، ومن فهم من ذلك الذم للتصفيق ]، يعني: لا تصفقوا فالتصفيق لعب النساء, يعني: عند اللعب يصفقن، وعند حفلاتهن أيضاً، ولذلك ذم من هذه الجهة.

    [ قال: الرجال والنساء في التسبيح سواء، وفيه ضعف؛ لأنه خروج عن الظاهر بغير دليل، إلا أن تقاس المرأة في ذلك على الرجل، والمرأة كثيراً ما يخالف حكمها في الصلاة حكم الرجل ]، وهذا قياس في العبادة.

    [ ولذلك يضعف القياس ]، وهذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه قياس في مقابلة النص، وليس لضعفٍ في ذات القياس.

    والراجح: أن التسبيح مشروع للرجال في التنبيه في الصلاة, وأن التصفيق خاص بالنساء في التنبيه في الصلاة, قال الحافظ : يدل على ذلك رواية ابن حازم في الأحكام بصيغة الأمر: ( فليسبح الرجال ولتصفق النساء ), وهذا الحديث يدل على الأمر وهو نص يدفع ما تأوله صاحب هذه المقالة, قال القرطبي : القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبراً ونظراً.

    وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765804230