إسلام ويب

كتاب الصلاة [25]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لصلاة الخوف صفات عديدة تكون على حسب الحال في القتال؛ رحمة من الله بعباده، والمريض في الإسلام يصلي الصلاة على حسب قدرته وله مثل أجر الصحيح، وللصلاة مبطلات منها ما اُتفق عليها مثل الضحك والحدث، ومنها ما هو مختلف فيه كالتبسم والنفخ ومدافعة الأخبثين.

    1.   

    حكم صلاة الخوف

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    [ الباب الخامس من الجملة الثالثة، وهو: القول في صلاة الخوف ] أي: وقت صلاة الخوف.

    ذكر اختلاف العلماء في جواز صلاة الخوف

    قال المصنف رحمه الله: [ اختلف العلماء في جواز صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم وفي صفتها.

    فأكثر العلماء على أن صلاة الخوف جائزة؛ لعموم قوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا[النساء:101] الآية، ولما ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وعمل الأئمة والخلفاء من بعده بذلك، وشذ أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة فقال: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإمام واحد ] بل بأئمة متعددين [ وإنما تصلى بعده بإمامين، يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين، ثم يصلي الآخر بطائفة أخرى - وهي الحارسة - ركعتين أيضاً وتحرس التي قد صلت.

    والسبب في اختلافهم: هل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف هي عبادة، أو لمكان فضل النبي صلى الله عليه وسلم؟

    فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن رآها لمكان فضل النبي صلى الله عليه وسلم رآها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان يمكننا أن ينقسم الناس على إمامين، وإنما كان ضرورة اجتماعهم على إمام واحد خاصة من خواص النبي صلى الله عليه وسلم، وتأيد عنده.. ] أي: عند أبي يوسف [ هذا التأويل بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ[النساء:102] الآية، ومفهوم الخطاب: أنه إذا لم يكن فيهم فالحكم غير هذا الحكم ]؛ أي إذا كان غير الرسول صلى الله عليه وسلم فالحكم غير هذا الحكم.

    قال: [ وقد ذهبت طائفة من فقهاء الشام ]، كأنه الأوزاعي [ إلى أن صلاة الخوف تؤخر عن وقت الخوف إلى وقت الأمن.. ] أي لا يصلون ألبتة [ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ] وحديث صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الخندق صحيح رواه البخاري و مسلم ، ولكن هذا كان قبل نزول صلاة الخوف.

    قال: [ والجمهور على أن ذلك الفعل يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف، وأنه منسوخ بها ].

    والراجح أن صفة صلاة الخوف باقية إلى وقتنا هذا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ومفهوم المخالفة الذي قال به أبو يوسف مخالف لقواعدهم الأصولية، وهو عدم العمل بمفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة في الآية لا يأخذ به الجمهور؛ لأنه لبيان الواقع.

    لأن الواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم، والمخالفة أنه إذا كان ليس فيهم فلا تقام الصلاة، في قوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ[المؤمنون:117].

    أما صفة صلاة الخوف، فسوف نمر على الصفات كلها ونشرحها، وستُعرف كلها إن شاء الله.

    قول أبي يوسف أن الصلاة لا تكون بإمام واحد بل عند وجود فرقتين فيكون لإحدى الفرقتين إمام مختص بها والفرقة الأخرى لها إمام مختص بها، وهذا قد ينطبق عند وجود إمامين أو قائدين في الحرب.

    ولا حجة له في كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم مرتين، فلا مانع من أن يصلي الإمام الواحد بهم مرتين.

    1.   

    صفة صلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ وأما صفة صلاة الخوف فإن العلماء اختلفوا فيها اختلافاً كثيراً؛ لاختلاف الآثار في هذا الباب، أعني: المنقولة من فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف، والمشهور من ذلك سبع صفات ].

    الصفة الأولى لصلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ الصفة الأولى: فمن ذلك ما أخرجه مالك ] و البخاري [ و مسلم من حديث صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ] وهي الصلاة التي يكون العدو فيها في غير جهة القبلة [ من حديث صالح بن خوات : ( عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاتهم، ثم ثبت جالساً.. ) ] في صلاته [ ( وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم ) ] فهذه الصفة التي مثلناها لكم؛ وهي ظاهرة.

    [ وبهذا الحديث قال الشافعي ]، وقال: إن هذه الصفة لصلاة الخوف فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة.

    الصفة الثانية لصلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ الصفة الثانية وروى مالك هذا الحديث بعينه.. ] يعني هذا الذي عمل به الشافعي رواه مالك بعينه [ عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات موقوفاً.. ] ولكن فيه شيء من المخالفة للحديث الذي أخذ به الشافعي [ كمثل حديث يزيد بن رومان : ( أنه لما قضى الركعة بالطائفة الثانية سلم ولم ينتظرهم حتى يفرغوا من الصلاة )، واختار مالك هذه الصفة ] يعني معناه أنه صلى بهم ركعة وسلم، ثم قاموا وأتموا لأنفسهم، كالصلوات المعروفة عند إدراك الرجل بعض الصلاة مع الإمام.

    [ واختار مالك هذه الصفة ]، فـالشافعي اختار المرفوع، و مالك اختار الموقوف [ و الشافعي آثر المسند على الموقوف، و مالك آثر الموقوف; لأنه أشبه بالأصول.. ] يعني أشبه بالصلوات التي يصليها الإنسان مع الإمام فإذا فاته شيء منها فإنه يقوم ليتم لنفسه، والإمام يسلم ولا ينتظره، [ أعني: ألا يجلس الإمام حتى تفرغ الطائفة الثانية من صلاتها; لأن الإمام متبوع لا متبع، وغير مختلف عليه ] فهاتان صفتان لصلاة الخوف صفة اندرجت في صفة، صفة أخذ بها الإمام الشافعي وهي المرفوعة المسندة التي اتفق عليها البخاري و مسلم ، وفيها أن الإمام ينتظر المأمومين، وهذه الصفة هي الصفة الراجحة، وأما الصفة التي قالها الإمام مالك فهي وإن كانت ثابتة فلا تعارض المرفوع؛ لأنها موقوفة.

    وكذلك الراوي لهذه الصفة التي أخذ بها مالك صالح بن خوات وقد خالف ما روى.

    الصفة الثالثة لصلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ والصفة الثالثة: ما ورد في حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، رواه الثوري وجماعة وخرجه أبو داود قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفة، وطائفة مستقبلو العدو، فصلى بالذين معه ركعة وسجدتين، وانصرفوا ولم يسلموا، فوقفوا بإزاء العدو.. ) ] وهم لا زالوا في الصلاة، لم يسلموا بعد [ ( ثم جاء الآخرون فقاموا معه، فصلى بهم ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء، فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا وذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع هؤلاء إلى مرتبتهم فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ) ]، ولكن هذه الصفة حديثها ضعيف، وفيها أعمال كثيرة؛ لأنهم أخذوا بعضاً من الصلاة وذهبوا يحرسون، ثم بعد ذلك رجعوا ليكملوا ما فاتهم، فهذه الصفة سندها ضعيف، وفيها عمل كثير..

    [ وبهذه الصفة قال أبو حنيفة وأصحابه: ما خلا أبا يوسف على ما تقدم ].

    الصفة الرابعة لصلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ والصفة الرابعة الواردة في حديث أبي عياش الزرقي ] أخرجه أبو داود ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني [ قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد ، فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، فأنزل الله آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، والمشركون أمامه ).. ] هذا والمسلمون مستقبلوا القبلة [ ( فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف واحد، وصف بعد ذلك صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً.. ) ] أي: الصفان [ ( ثم سجد، وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخر يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء سجدتين وقاموا سجد الآخرون.. ) ] الذين كانوا قياماً يحرسونهم [ ( الذين كانوا خلفه، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا معه، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه، سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً، فسلم بهم جميعاً )، وهذه الصلاة صلاها بعسفان وصلاها يوم بني سليم.

    قال أبو داود : وروي هذا عن جابر وعن ابن عباس وعن مجاهد ، وعن أبي موسى وعن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال: وهو قول الثوري وهو أحوطها؛ يريد أنه ليس في هذه الصفة كبير عمل مخالف لأفعال الصلاة المعروفة، وقال بهذه الصفة جملة من أصحاب مالك وأصحاب الشافعي ] وحملها أصحاب مالك وأصحاب الشافعي فيما إذا كان العدو في جهة القبلة.

    وهذه الصفة أخرجها الإمام مسلم ..

    قال: [ وخرجها مسلم عن جابر وقال جابر : كما يصنع حراسكم بأمرائكم ].

    الصفة الخامسة لصلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ والصفة الخامسة: الواردة في حديث حذيفة قال ثعلبة بن زهدم : كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال حذيفة : أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا شيئاً.. ]، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ركعتين، وهو صلى ركعة [ وهذا مخالف للأصل مخالفة كثيرة.

    وخرج أيضاً عن ابن عباس في معناه ] خرج ابن عباس حديثاً، هذا الحديث أخرجه مسلم [ أنه قال: ( الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع، وفي السفر ركعتان، وفي الخوف ركعة واحدة ) ] فهذا يدل على أن هذه الصلاة كذلك جائزة، ومروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحديثها صحيح، وهي كذلك مروية عن ابن عباس في مسلم رفعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا يجوز أن تكون صلاة الخوف ركعة، وذلك بحسب الأحوال، إذا رأوا أن العدو سيدركهم فتكون على حسب الأحوال.

    [ وأجاز هذه الصفة الثوري ].

    الصفة السادسة لصلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ الصفة السادسة: الواردة في حديث أبي بكرة وحديث جابر ] حديث أبي بكرة أخرجه البخاري و مسلم وحديث جابر أخرجه أبو داود .

    [ عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه صلى بكل طائفة من الطائفتين ركعتين.. ركعتين )، وبه كان يفتي الحسن ، وفيه دليل على اختلاف نية الإمام والمأموم ] فيحتمل أنه صلى بهؤلاء ركعتين وسلم، وصلى بهؤلاء ركعتين وسلم، هذه صفة، وهذه الصفة موجودة عند مسلم وعند أبي داود ، وحديثها صحيح، لكن من المحتمل أن تكون النية مختلفة؛ لأن الركعتين الأولى فرض، والثانية في حق الرسول صلى الله عليه وسلم نفل، هذا إذا كان سلم في كل ركعتين، فتكون النية مختلفة، فصلى بالطائفة الأولى فرضاً، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين وهي وإن كانت إعادة فهي في الحقيقة نفل، وهذا هو الأقرب.

    ويصح أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أتم الصلاة فصلى أربعاً ولم يسلم، وسلم كل من الطائفتين من ركعتين وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فكانت للرسول صلى الله عليه وسلم أربعاً ولهم ثنتين، هذا يصح، والحديث محتمل للوجهين.

    [ وفيه دليل على اختلاف نية الإمام والمأموم؛ لكونه متماً .. ] فهم ابن رشد للحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى متماً [ وهم مقصرون، خرجه مسلم عن جابر .

    الصفة السابعة لصلاة الخوف

    قال رحمه الله: [ الصفة السابعة : الواردة في حديث ابن عمر ] الذي أخرجه مالك و البخاري [ عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام، وطائفة من الناس، فيصلي بهم ركعة، وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا معه ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا، فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين تتقدم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة ركعة بعد أن ينصرف الإمام، فتكون كل واحدة من الطائفتين قد صلت ركعتين.. ) ] وهذه الصفة هي قريبة من تلك التي ذكرناها، وهي الصفة التي قلنا: إن حديثها ضعيف، والفرق بينهما أن في الصفة السابقة عادت الطائفة الأولى إلى مكانها، قال: صلى بهؤلاء ركعة وذهبوا قبل أن يسلموا واستقبلوا العدو، وصلى بهؤلاء ركعة وسلم، ثم ذهبت كل واحدة وصلت لنفسها، فهذه التي هنا هي الصحيحة؛ لأنها واردة في البخاري وتلك الرواية السابقة مقاربة لهذه الرواية التي في البخاري ولكن سندها ضعيف.

    كيفية الصلاة عند شدة الخوف والقتال

    قال رحمه الله: [ ( فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم، أو ركباناً مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ) ] وهذا: فإن كان خوف أشد من ذلك، هذا يصح أن يكون عند المسايفة، وكذلك عندما تتقابل الدبابات والطائرات.. وهكذا، فيصلي صاحب الدبابة على الدبابة وصاحب المدفع على المدفع، وإذا لم يستطع أن يصلي بقيام وركوع فيحرك الدبابة ويضرب العدو بالمدفع ويطير بالطائرة ويصلي بالإيماء، مستقبل القبلة أو غير مستقبلها.

    قال: [ وممن قال بهذه الصفة أشهب عن مالك وجماعة.

    قال أبو عمر : الحجة لمن قال بحديث ابن عمر هذا أنه ورد بنقل الأئمة أهل المدينة، وهم الحجة في النقل على من خالفهم، وهي أيضاً مع هذا أشبه بالأصول؛ لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقضوا الركعة إلا بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، وهو المعروف من سنة القضاء المجتمع عليها في سائر الصلوات.. ] يتكلم على الصفة السابعة التي تصح قبل التئام الحرب، فهم قضوا لأنفسهم ركعة بعدما سلم الإمام، فهي تؤيد الصفة التي رواها أبو داود ، وقلنا: إن حديثها ضعيف؛ لأنهم قضوا لأنفسهم، ولكن كان على ابن رشد أن يقول: حديثها ضعيف، والصفة السابعة تؤيدها، وكان على المعلق أن يقول ذلك.

    [ وأكثر العلماء على ما جاء في هذا الحديث من أنه إذا اشتد الخوف جاز.. ] يتكلم على الصفة التي عند المسايفة وشدة الخوف.

    [ أن يصلوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وإيماء من غير ركوع ولا سجود.

    وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال: لا يصلي الخائف إلا إلى القبلة، ولا يصلي أحد في حال المسايفة ] يقول: لا صلاة حال المسايفة، ومراده أن الصلاة تؤخر.

    [ وسبب الخلاف في ذلك مخالفة هذا الفعل للأصول.. ] يعني أن هذا الفعل وهو صلاة الرجل غير مستقبل القبلة مخالف لاشتراط القبلة لصلاة الفريضة [ وقد رأى قوم أن هذه الصفات كلها جائزة، وأن للمكلف أن يصلي أيتها أحب، وقد قيل: إن هذا الاختلاف إنما كان بحسب اختلاف المواطن ].

    فإذا كان العدو في غير جهة القبلة، فهو مخير بين الصفة الرابعة وغيرها من الصفات، أما إذا كان العدو في جهة القبلة فإنه مخير أن يصلي بأي صفة من الصفات، غير الصفة الرابعة، وللجنود أن يصلوا ركعة واحدة، كما ثبت في صحيح مسلم .

    والسر من تخصيص الرابعة؛ وذلك لأن عملها أقل، فحمل العلماء الصفة الرابعة إذا كان العدو في جهة القبلة، وحملوا غيرها من الصفات إذا كان العدو في غير جهة القبلة.

    1.   

    صلاة المريض

    قال رحمه الله: [ الباب السادس من الجملة الثالثة في صلاة المريض:

    أجمع العلماء على أن المريض مخاطب بأداء الصلاة، وأنه يسقط عنه فرض القيام إذا لم يستطعه ويصلي جالساً، وكذلك يسقط عنه فرض الركوع والسجود إذا لم يستطعهما أو أحدهما ويومئ مكانهما، واختلفوا فيمن له أن يصلي جالساً، وفي هيئة الجلوس، وفي هيئة الذي لا يقدر على الجلوس ولا على القيام.. ] كيف يصلي؟!

    صفة صلاة من لم يستطع القيام

    قال رحمه الله: [ فأما من له أن يصلي جالساً فإن قوماً قالوا: هذا الذي لا يستطيع القيام أصلاً.. ] لا على عصا ولا غيرها وهؤلاء مشددون [ وقوم قالوا: هو الذي يشق عليه القيام من المرض، وهو مذهب مالك ] و الشافعي و أحمد ، وهو الراجح.

    [ وسبب اختلافهم هو: هل يسقط فرض القيام مع المشقة أو مع عدم القدرة؟ وليس في ذلك نص.. ] بل فيه حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب )، فقوله: (فإن لم تستطع) أي: بالمشقة لا عدم القدرة؛ لأنه في الرواية الأخرى قال له: ( ولك نصف أجر القائم )، قال العلماء: وهذا فيمن صلى قاعداً وهو يستطيع أن يصلي قائماً إلا أنه يشق عليه القيام كثيراً، فله أن يصلي قاعداً.

    [ وأما صفة الجلوس فإن قوماً قالوا: يجلس متربعاً.. ] وهذا ما رجحه شيخنا في صفة الصلاة.

    [ أعني: الجلوس الذي هو بدل من القيام.. ] يعني لا يجلس في كل الصلاة متربعاً، بل يتربع في الجلوس الذي هو بدل القيام، أما بين السجدتين فيجلس مفترشاً كعادته، وكذلك جلوس التشهد كعادته يجلس مفترشاً أو متوركاً.

    [ وكره ابن مسعود الجلوس متربعاً، فمن ذهب إلى التربيع فلا فرق بينه وبين جلوس التشهد، ومن كرهه فلأنه ليس من جلوس الصلاة ].

    صفة صلاة من لا يقدر على القيام والجلوس

    قال رحمه الله: [ وأما صفة صلاة الذي لا يقدر على القيام ولا على الجلوس، فإن قوماً قالوا: يصلي مضطجعاً، وقوم قالوا: يصلي كيفما تيسر له.. ] أي: مضطجعاً أو على جنب [ وقوم قالوا: يصلي مستقبلاً رجلاه إلى الكعبة، وقوم قالوا: إن لم يستطع صلى على جنبه، فإن لم يستطع على جنبه صلى مستلقياً ورجلاه إلى القبلة على قدر طاقته، وهو الذي اختاره ابن المنذر ]، وهو المختار لحديث عمران بن حصين السابق.

    1.   

    أسباب إعادة الصلاة

    قال رحمه الله: [ الجملة الرابعة: قضاء الصلاة:

    وهذه الجملة تشتمل من أفعال الصلاة على التي ليست أداء، وهذه هي: إما إعادة، وإما قضاء، وإما جبر لما زاد أو نقص بالسجود.

    ففي هذه الجملة إذاً ثلاثة أبواب:

    الباب الأول: في الإعادة.

    الباب الثاني: في القضاء.

    الباب الثالث: في الجبران الذي يكون بالسجود ] يعني سجود السهو.

    والإعادة يسميها قضاءً.

    قال: [ الباب الأول: في الإعادة. وهذا الباب الكلام فيه في الأسباب التي تقتضي الإعادة ] أي: أنه يعيدها مرة أخرى [ وهي: مفسدات الصلاة، واتفقوا على أن من صلى بغير طهارة أنه يجب عليه الإعادة عمداً كان أو نسياناً.. ] كما لو صلى مثلاً وهو على جنابة [ وكذلك من صلى لغير القبلة عمداً كان ذلك أو نسياناً.

    وبالجملة فكل من أخل بشرط من شروط صحة الصلاة وجبت عليه الإعادة، وإنما يختلفون من أجل اختلافهم في الشروط المصححة ] فبعضهم يقول: هذا شرط، وبعضهم يقولون: ليس بشرط، مثل النجاسة، فالجمهور يرون أنها شرط، و الشوكاني يرى أنها واجبة وأنها تصح الصلاة لمن كانت عليه نجاسة وهو يعلم ولكن عليه إثم.

    الحدث

    [ وهاهنا مسائل تتعلق بهذا الباب خارجة عما ذكر من فروض الصلاة اختلفوا فيها فمنها:

    أنهم اتفقوا على أن الحدث يقطع الصلاة، واختلفوا هل يقتضي الإعادة من أولها إذا كان قد ذهب منها ركعة أو ركعتان قبل طرو الحدث، أم يبني على ما قد مضى.. ] يعني أن المحدث يذهب فيتوضأ ثم يأتي ويصلي الركعتين الباقيتين.

    [ فذهب الجمهور.. ] ومنهم الأئمة الثلاثة: مالك و أحمد و الشافعي [ إلى أنه لا يبني لا في حدث ولا في غيره مما يقطع الصلاة إلا في الرعاف فقط ] فقد اختلفوا فيه، ولم يتفقوا، ومعنى كلامه إلا في الرعاف فقالوا: يبني.

    [ ومنهم من رأى أنه لا يبني لا في الحدث ولا في الرعاف، وهو الشافعي ] إذاً مالك و أحمد قالا: يبني في الرعاف فقط، و الشافعي قال: لا يبني، لا في حدث ولا في رعاف [ وذهب الكوفيون إلى أنه يبني في الأحداث كلها ].

    يذهب يتوضأ ويأتي ويبني على ما صلى قبل الحدث.

    [ وسبب اختلافهم: أنه لم يرد في جواز ذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما صح عن ابن عمر ] أخرجه مالك ، [ أنه رعف في الصلاة فبنى ولم يتوضأ.

    فمن رأى أن هذا الفعل من الصحابي يجري مجرى التوقيف ] يعني كأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه [ إذ ليس يمكن أن يفعل مثل هذا إلا بقياس أجاز هذا الفعل، ومن كان عنده من هؤلاء أن الرعاف ليس بحدث ] والأكثر على أن الرعاف ليس بحدث [ أجاز هذا البناء في الرعاف فقط ] مثل أحمد و مالك [ ولم يعده لغيره، وهو مذهب مالك ومعه أحمد ومن كان عنده أنه حدث أجاز البناء في سائر الأحداث ]؛ لأن أبا حنيفة يقول: إن الدم حدث، ويستدل بفعل ابن عمر أنه بنى، فيقول: وكذلك كل الأحداث يبني فيها، [ قياساً على الرعاف، ومن رأى أن مثل هذا لا يجب أن يصار إليه إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قد انعقد الإجماع على أن المصلي إذا انصرف إلى غير القبلة أنه قد خرج من الصلاة ] إلا في مسألة السهو عندما خرج سرعان الناس بعدما سلم الرسول صلى الله عليه وسلم من الركعة الثانية سهواً.

    [ وكذلك إذا فعل فيها فعلاً كثيراً لم يجز البناء لا في الحدث ولا في الرعاف ]، أقول: وهذا هو الراجح أي أنه لا بد أن يستأنف الصلاة.

    المرور بين يدي المصلي

    المسألة الثانية: المرور بين يدي المصلي:

    قال رحمه الله: [ اختلف العلماء هل يقطع الصلاة مرور شيء بين يدي المصلي إذا صلى لغير سترة؟ ] يعني إذا صلى لغير سترة ومر الكلب والحمار والمرأة بين يديه، هل تقطع صلاته أو لا تقطع؟

    [ فذهب الجمهور.. ] أبو حنيفة و مالك و الشافعي لأن ابن رشد لا يعد أحمد من الجمهور [ إلى أنه لا يقطع الصلاة شيء، وأنه ليس عليه إعادة ].

    [ وذهب طائفة.. ] منهم الإمام أحمد [ إلى أنه يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب الأسود.

    وسبب هذا الخلاف: معارضة القول للفعل، وذلك أنه خرج مسلم عن أبي ذر أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( يقطع الصلاة المرأة، والحمار، والكلب الأسود )، وخرج مسلم و البخاري عن عائشة أنها قالت: ( لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة، وهو يصلي ) ] فهذا هو الفعل، لكن رد القائلون بقطع الصلاة فقالوا: إن الاعتراض غير المرور، وهي استدلت بهذا على جواز المرور، وقالت: ( جعلتمونا كالكلاب والحمير؟! كان يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا معترضة بين يديه )، ففهمت من الاعتراض جواز المرور وأنه لا يقطع الصلاة.

    [ وروي مثل قول الجمهور عن علي ، وعن أبي ، ولا خلاف بينهم في كراهية المرور بين يدي المنفرد والإمام.. ] أما الكراهة فقالوا بالكراهة كلهم [ ولا خلاف بينهم في كراهية المرور بين يدي المنفرد والإمام إذا صلى لغير سترة أو مر بينه وبين السترة.. ] يعني: إذا صلى الإنسان إلى غير سترة فيكره سواءً كان إماماً أو منفرداً، أن تمر بين يديه، يعني بين سجوده وقيامه، وإذا صلى إلى سترة فمر وراء السترة، ويكره مرورك بينه وبين السترة.

    بقي المرور بين يدي المأمومين إذا صلى الإمام إلى سترة، فهل لي أن أخترق الصفوف؟

    [ ولم يروا بأساً أن يمر خلف السترة، وكذلك لم يروا بأساً أن يمر بين يدي المأموم؛ لثبوت حديث ابن عباس وغيره قال: ( أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فمررت بين يدي بعض الصفوف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، ولم ينكر علي ذلك أحد )، وهذا عندهم يجري مجرى المسند ]؛ لأنه عمله في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم [ وفيه نظر ] وفي رواية: ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير جدار )، في البخاري ، وفي رواية: ( ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير سترة )، وهذه أوردها الحافظ ابن حجر وعزاها إلى السنن وأقرها.

    [ وإنما اتفق الجمهور على كراهية المرور بين يدي المصلي؛ لما جاء فيه من الوعيد في ذلك، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( فليقاتله فإنما هو شيطان ) ].

    القول الراجح في حكم صلاة من مر بين يديه حمار أو كلب أو مرأة

    والأقرب أنه يحرم المرور بين يدي المصلي؛ للوعيد الدال على ذلك.

    وأما مرور الثلاثة: الكلب والحمار والمرأة بين يدي المصلي أيقطع الصلاة أم لا يقطعها؟ فالجمهور قالوا: إنها لا تقطع الصلاة، واستدلوا بحديث: ( لا يقطع الصلاة شيء )، وهو في البخاري موقوفاً، وروي مرفوعاً.

    قال شيخنا: إنه ضعيف بجميع طرقه؛ خلافاً لمن صححه من المعاصرين، ولعله يقصد الشيخ أحمد شاكر ، فقد صححه وجرى أنه ناسخ لحديث قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود، والشيخ أحمد شاكر لديه بحث طويل، وقال: إنه لم يسبق إلى هذا البحث، ومضمون البحث: ( أن رجلاً كان من الذين أسلموا قديماً، وبعد ذلك أخذ إلى مكة وعذب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو له في الصلاة، فجاء - بعد أن خرج من مكة - يصلي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فمر حمار تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله.. سبحان الله.. سبحان الله! فلما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته، قال: من هذا الذي قال: سبحان الله؟! قال: أنا يا رسول الله! فقال له: لا يقطع الصلاة شيء )، وصحح هذا الحديث أحمد شاكر ، وإن كان ضعفه الشيخ الألباني ، صححه بروايات وقال: وهو ظاهر على أن هذا الصحابي كان قد تلقى الحكم قبل النسخ، ثم إنه سبح ينبه الرسول صلى الله عليه وسلم فدل على أنه تلقى الحكم قبل النسخ لهذا الحكم، فقال له: ( لا يقطع الصلاة شيء )، وأطال البحث عليه.

    لكن حتى لو قال أحمد شاكر : إنه حديث صحيح، فسيحمل على من صلى إلى سترة، فلا يقطع الصلاة شيء، وأما من صلى إلى غير سترة فإن هذه الثلاثة تقطع صلاته.

    قال شيخنا: وعلى فرض صحته فإن الجمع مهما أمكن مقدم على القول بالنسخ، وهو ممكن هنا بحمل حديث عدم القطع الصلاة على ما إذا كانت هناك سترة للمصلي، وحديث القطع في حال عدم وجود السترة، وهو جمع حسن.

    لكن الجمهور حملوا القطع على نقص الأجر ولم يحملوه على البطلان، انظر: تمام المنة، (306).

    النفخ في الصلاة

    المسألة الثالثة: النفخ في الصلاة:

    [ اختلفوا في النفخ في الصلاة على ثلاثة أقوال:

    فقوم كرهوه ولم يروا الإعادة على من فعله، وقوم أوجبوا الإعادة على من نفخ.. ] وهم الجمهور، لكن اشترطوا أن يبين منه حرفان، بأن يقول: أف.. فإنه بان منه الهمز والفاء. والنحنحة إذا بان منها حرفان فتجب الإعادة، وبه قال الأئمة الأربعة. [ وقوم فرقوا بين أن يسمع أو لا يسمع ] وهذا قول لـأبي حنيفة ، أي: إن سمع فهو بمنزلة الكلام وإلا فلا يضر.

    [ وسبب اختلافهم: تردد النفخ بين أن يكون كلاماً أو لا يكون كلاماً ].

    أقول: الراجح أن النفخ لا يطلق عليه أنه كلام، ومثله السعال والتنحنح لا في اللغة ولا في العرف ولا في الشرع، فإن قلت: والله لا أتكلم اليوم بكلمة، ثم سعلت، فلا نقول لك: اذهب فكفر عن يمينك، ولأنه ورد بسند صحيح عند أبي داود في صلاة الكسوف عن ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في آخر سجدة.. ) يعني من صلاة الكسوف، فقال: ( أف.. أف )..

    الضحك في الصلاة

    قال رحمه الله: [ اتفقوا على أن الضحك يقطع الصلاة، واختلفوا في التبسم، وسبب اختلافهم: تردد التبسم بين أن يلحق بالضحك أو لا يلحق به ].

    والراجح أن التبسم لا يقطع الصلاة.

    صلاة الحاقن

    صلاة الحاقن:

    قال رحمه الله: [ اختلفوا في صلاة الحاقن، فأكثر العلماء يكرهون أن يصلي الرجل وهو حاقن ] ومنهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة و الشافعي و أحمد ؛ [ لما روي من حديث زيد بن أرقم ] الصواب من حديث عبد الله بن أرقم ، أخرجه مالك وهو حديث حسن [ قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة )، ولما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ) يعني الغائط والبول، ولما ورد من النهي عن ذلك عن عمر أيضاً، وذهب قوم إلى أن صلاته فاسدة وأنه يعيد ]، ومنهم أهل الظاهر [ وروى ابن القاسم عن مالك ما يدل على أن صلاة الحاقن فاسدة؛ وذلك أنه روي عنه: أنه أمره بالإعادة في الوقت وبعد الوقت ]؛ لأن الإمام مالكاً إذا أمر بالإعادة في الوقت فيقول: بالكراهة وإذا أمر بالإعادة في الوقت وبعد الوقت فيقول: فاسدة.

    السبب في اختلاف العلماء في صلاة الحاقن

    قال رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: اختلافهم في النهي، هل يدل على فساد المنهي عنه أم ليس يدل على فساده؟ وإنما يدل على تأثيم من فعله فقط إذا كان أصل الفعل الذي تعلق النهي به واجباً أو جائزاً، وقد تمسك القائلون بفساد صلاته بحديث رواه الشاميون، منهم من يجعله عن ثوبان ، ومنهم من يجعله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جداً ) ] لكن الحديث هذا عن ثوبان قال: هو حديث صحيح، وقد صححه الألباني ..

    [ قال أبو عمر بن عبد البر : هو حديث ضعيف السند لا حجة فيه ] لكن قلنا: إن الحديث صحيح.

    فحديث عائشة وهو قوله: ( لا يصل أحدكم بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان )، يدل على نفي الصلاة.

    والمراد نفي الذات الشرعية، ومعناه البطلان، نعم، فالأقرب ما ذهب إليه ابن حزم و مالك ، والقول فيه كالقول في حديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وقوله: ( لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ )، فاتفقوا على أنه لا صلاة لمن أحدث حتى يتوضأ، أن صلاته باطلة، وهم الجمهور ما عدا الحنفية.

    أما حديث: ( لا يحل للمؤمن أن يصلي )، فإنه يدل على الحرمة.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765799730