إسلام ويب

كتاب الصلاة [22]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صلاة الجمعة لها فضل عظيم في الإسلام، وقد زاد عثمان رضي الله عنه الأذان الأول فيها لحاجة الناس إلى أن يتهيئوا لصلاة الجمعة، وللجمعة أركان كثيرة: منها الخطبة. وقد اختلف العلماء في حكم الخطبة، ومقدارها، وما يقال فيها، وحكم الجلوس بين الخطبتين، والإنصات للخطبة، كما اختلفوا في وجوب الركعتين على من دخل المسجد والإمام يخطب، والسورتين اللتين يُقرأ بهما بعد الفاتحة في صلاة الجمعة.

    1.   

    الأذان الأول لصلاة الجمعة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:

    فقد ورد في الأذان يوم الجمعة حديث ما لفظه: ( كان الأذان يوم الجمعة على عهد رسول الله و أبي بكر و عمر أذاناً واحداً حين يخرج الإمام، فلما كان زمن عثمان ، وكثر الناس، فزاد الأذان الأول ليتهيأ الناس للجمعة ).

    لكن الراجح أن المشروع في أذان الجمعة أن يؤذن لها أذان واحد، كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم.

    قال شيخنا ناصر الدين الألباني في الأجوبة النافعة لأسئلة مسجد الجامعة)، تعرض فيه لأحكام الجمعة: إنما زيد الأذان الأول - يعني ما فعله عثمان بن عفان ­- لعلة، وهي كثرة الناس، وتباعد منازلهم عن المسجد النبوي، فمن صرف النظر عن هذه العلة، وتمسك بأذان عثمان مطلقاً، لا يكون مقتدياً به رضي الله عنه، بل هو مخالف له، حيث لم ينظر بعين الاعتبار إلى تلك العلة، التي لولاها لما كان لـعثمان أن يزيد على سنته عليه الصلاة والسلام، وسنة الخليفتين من بعده.

    فإذاً إنما يكون الاقتداء به رضي الله عنه عندما يتحقق السبب الذي من أجله زاد عثمان الأذان الأول، وهو كثرة الناس، وتباعد منازلهم عن المسجد، وألا يوجد مكبرٌ للصوت يبلغهم به النداء.

    أما قوله في الحديث: ( فزاد عثمان الأذان الأول ليتهيأ الناس للجمعة )، يعني أنه كان يؤذن الأذان الأول حتى يستعد الناس لحضور صلاة الجمعة.

    كان يؤذن في السوق، في دار تسمى دار الزوراء، وهي دار في السوق حتى يتهيأ الناس للجمعة قبل الوقت، والعلة ليست موجودة اليوم التهيؤ للجمعة فالناس يتهيئون للجمعة إذا أذن المؤذن.

    أما سابقاً فما كانوا يسمعون الأذان الأساسي؛ لأنه يؤذن في باب المسجد، ومعروف أن المساجد كانت غير متعددة في المدينة، لكن يوم الجمعة يصلون في مسجد الرسول، فلا بد أن يكون محل الأذان قريباً من الناس حتى يسمع أهل القرى القريبة من المدينة، والمحيطة بها الأذان، فيتهيؤوا ويخرجوا فيَصِلُوا إلى المسجد عند رقي الرسول صلى الله عليه وسلم للمنبر.

    وفي الحديث الذي ذكره الشيخ ناصر الدين الألباني ولم ينكروا عليه الأذان كما أنكروا عليه الزيادة في بناء المسجد، وكما أنكروا عليه الإتمام، فكأنهم أقروه؛ لأنهم عرفوا أن هناك حاجة إليه.

    فيعطى حكم الإجماع السكوتي للحاجة فقط مثل الريف الذين ليس عندهم مكرفونات.

    مداخلة: العلة التي ذكرها الشيخ ناصر الألباني .

    1.   

    أركان صلاة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الثالث في الأركان.

    اتفق المسلمون على أنها خطبة وركعتان بعد الخطبة، واختلفوا من ذلك في خمس مسائل هي قواعد هذا الباب ].

    1.   

    حكم خطبة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الأولى: في الخطبة، هل هي شرط في صحة الصلاة وركن من أركانها أم لا؟ ] يعني بقوله ركن من أركانها شرطاً من شروط صحة صلاة الجمعة، أو ركناً؛ لأنهم قالوا: إنها بمنزلة ركعتين، فتكون من ماهية الصلاة، وإذا قالوا: إن الخطبة ليست بمنزلة ركعتين فتكون شرطاً لصلاة الجمعة.

    [فذهب الجمهور إلى أنها شرط وركن]. يعني: بعضهم قال: شرط، وبعضهم قال: ركن.

    [ وقال قوم: إنها ليست بفرض، وجمهور أصحاب مالك على أنها فرض إلا ابن الماجشون ] ابن الماجشون يقول: إنها سنة.

    سبب اختلاف العلماء في حكم خطبة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم هو: هل الأصل المتقدم من احتمال كل ما اقترن بهذه الصلاة أن يكون من شروطها أو لا يكون ].

    يعني بالأصل المتقدم أن ما اقترن بهذه الصلاة، هل يكون شرطاً فيها أو لا يكون شرطاً فيها؟

    [فمن رأى أن الخطبة حال من الأحوال المختصة بهذه الصلاة، وبخاصة إذا توهم أنها عوض من الركعتين اللتين نقصتا من هذه الصلاة، قال: إنها ركن من أركان هذه الصلاة، وشرط في صحتها. ومن رأى أن المقصود منها هو الموعظة المقصودة من سائر الخطب]. أي: فالمقصود أنها موعظة للناس في الأسبوع.

    [ رأى أنها ليست شرطاً من شروط الصلاة، وإنما وقع الخلاف في هذه الخطبة، هل هي فرض أم لا؟ لكونها راتبة من سائر الخطب ]. يعني لازمة أما سائر الخطب والمواعظ فليست راتبة.

    [ وقد احتج قوم لوجوبها بقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ[الجمعة:9])) وقالوا: هو الخطبة ].

    يعني أنهم قالوا: ذكر الله هو الخطبة، ونحن نقول: ذكر الله مجمل، ذكر الله يشمل الخطبة ويشمل الصلاة، كلها ذكر، فقد أمرنا بالسعي، واللفظ المجمل بيانه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.

    إذاً نقول: الراجح أنها شرط، وذلك لقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، وذكر الله يشمل الخطبة والصلاة، ومواظبة الرسول صلى الله عليه وسلم على خطبة الجمعة دائماً، وعدم تركها حتى ولو مرة واحدة هو بيان للأمر المجمل والأمر يفيد الوجوب.

    أما من رأى أن الخطبة ركن من أركان الجمعة، أي: رأى أنها من ماهية الصلاة، وفاتته الخطبتان، وهما بمنزلة ركعتين، فلا يقال: إنه يصلي ركعتين بعد ركعتي الجمعة يجبر بهما الخطبتين اللتين فاتتاه.

    1.   

    مقدار خطبة الجمعة وما يقال فيها

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: واختلف الذين قالوا بوجوبها ].

    فهم اتفقوا على الوجوب، لكن اختلفوا في القدر المجزئ منها، فقال ابن القاسم : هو أقل ما ينطلق اسم خطبة في كلام العرب من الكلام المؤلف المبتدأ بحمد الله ]، أي: كلام ينطلق عليه اسم الخطبة يكفي.

    [ وقال الشافعي : أقل ما يجزئ من ذلك خطبتان اثنتان]. أي: لا بد من خطبتين اثنتين.

    [ يكون في كل واحدة منهما قائماً ]. يعني يخطب قائماً.

    [ يفصل إحداهما من الأخرى بجلسة خفيفة يحمد الله في كل واحدة منهما في أولها ].

    أولاً: خطبتان.

    ثانياً: قائماً.

    ثالثاً: يجلس جلسة خفيفة.

    رابعاً: يحمد الله في كل واحدة منهما في أولها.

    خامساً: [ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ].

    سادساً: [ ويوصي بتقوى الله ].

    سابعاً: [ ويقرأ شيئاً من القرآن في الأولى ].

    ثامناً: [ ويدعو في الآخرة ]، للمؤمنين والمؤمنات، فهي ثمانية شروط، ولهذا ترى الشافعية يتعصبون.

    سبب اختلاف العلماء في مقدار خطبة الجمعة وما يقال فيها

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم هو: هل يجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي أو الاسم الشرعي ] فـالشافعي يقول: الاسم الشرعي.

    [ فمن رأى أن المجزئ أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي لم يشترط فيها شيئاً من الأقوال التي نقلت عنه صلى الله عليه وسلم فيها.

    ومن رأى أن المجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم الشرعي، اشترط فيها أصول الأقوال التي نقلت من خطبه صلى الله عليه وسلم، أعني: الأقوال الراتبة الغير مبتذلة ].

    يعني: الأقوال التي كانت تذكر دائماً في خطب النبي صلى الله عليه وسلم، لكني وجدت أن الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ليس بوارد في الخطبة.

    [ والسبب في هذا الاختلاف أن الخطبة التي نقلت عنه فيها أقوال راتبة وغير راتبة، فمن اعتبر الأقوال الغير راتبة، وغلب حكمها، قال: يكفي من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي أعني اسم خطبة عند العرب ]. فلم ينظر إلى الأقوال التي كان يذكرها أو لا يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اعتبر الاسم اللغوي وهو خطبة فقط.

    [ ومن اعتبر الأقوال الراتبة ]، التي كانت تتكرر دائماً في خطبه عليه الصلاة والسلام.

    [ وغلب حكمها قال: لا يجزئ من ذلك إلا أقل ما ينطلق عليه اسم الخطبة في عرف الشرع واستعماله ].

    القول الراجح في الأقوال اللازمة في خطبة الجمعة

    والراجح مذهب الشافعي ؛ لمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ولكن لا بد من النقل الصحيح لما داوم عليه، فهؤلاء المقلدة الذين يعترضون على الخطيب إذا لم يترض عن الخلفاء الراشدين فيقولون له: الخطبة ناقصة، فيقال لهم: وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يترضى عن الخلفاء الراشدين! فهذه جاءت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فكيف تقولون: إنها ملزمة، ويرى بعض الناس أنك لا بد أن تقول: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ))[النحل:90]، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[العنكبوت:45]، والسبب في ذلك أنهم يعتمدون على خطب قديمة، وفيها هذه الأشياء في كل خطبة، فهم يرون أنها واجبة في كل خطبة.

    1.   

    حكم الجلوس بين خطبتي الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [وليس من شرط الخطبة عند مالك الجلوس ]. الجلوس في الخطبة، هل هو شرط أو للاستراحة فقط؟

    [وهو شرط كما قلنا عند الشافعي ]، فـالشافعي يقول: الجلوس تعبدي وليس للاستراحة، ولو كان للاستراحة لتركه النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة أو مرتين، ولكنه كان يجلس دائماً، فهو أمر تعبدي، فالذي لا يجلس بين الخطبتين خطبته باطلة. ولهذا ينبغي على الداعية أن يكون ملماً بهذه المسائل، وإذا لم يكن ملماً بها فإنه سيكثر عليه الإنكار، لا سيما إذا نزل في بلد لا يعرفون غير مذهب واحد.

    فمرة خطب الجمعة رجل سوداني مالكي، لا يرى أن الجلوس بين الخطبتين شرطٌ، وهو لا يعرف المذهب الشافعي، فخطب في مدينة الزيدية ولم يجلس، فقام الناس وقالوا: خطبتك باطلة، وامتنعوا من الصلاة وراءه، فينبغي على الداعية مراعاة بعض الخلاف في بعض المواضع، فإذا كنت ترى أنه سيكون سبباً في عدم قبول الدعوة، وإن كنت ترى خلافه فاتركه، دخل الإمام أحمد مسجداً وأراد أن يحدث، وكان يرى سنة المغرب القبلية، وهم لا يرونها فتركها مثلهم، فقيل له: لماذا لا تركع؟ قال: لئلا ينكر عليّ الناس، فهكذا ينبغي للعالم أن يقدم الأهم فالأهم، لا يأت بمسألة لا يعرفها الناس ويفرضها عليهم بعد ذلك ثم يأتي بالحق فلا يقبلونه منه.

    [ وهو شرط كما قلنا عند الشافعي ، وذلك أنه من اعتبر المعنى المعقول منه من كونه استراحة للخطيب لم يجعله شرطاً ]. مثل مالك .

    الراجح في الجلوس بين خطبتي الجمعة

    [ ومن جعل ذلك عبادة جعله شرطاً ].

    والراجح أنه عبادة؛ لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، إذ لو كان من الاستراحة لتركه في بعض الأحيان، هذا ما ترجح لي ولا ألزم به.

    1.   

    الإنصات لخطبة الجمعة

    أقوال العلماء في حكم الإنصات لخطبة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [ الإنصات للخطبة

    اختلفوا في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب على ثلاثة أقوال: فمنهم من رأى أن الإنصات واجب على كل حال، وأنه حكم لازم من أحكام الخطبة، وهم الجمهور و مالك و الشافعي و أبو حنيفة و أحمد بن حنبل وجميع فقهاء الأمصار ]. قالوا إنه واجب.

    [ وهؤلاء انقسموا ثلاثة أقسام ]، وهناك خلاف داخلي يبن هؤلاء.

    [ فبعضهم أجاز التشميت ورد السلام في وقت الخطبة، وبه قال الثوري و الأوزاعي وغيرهم، وبعضهم لم يجز رد السلام ولا التشميت، وبعض فرق بين رد السلام والتشميت فقالوا: يرد السلام ولا يشمت ]. السبب في الاختلاف أولاً: أن التشميت ورد السلام دعاءان فمن نظر إلى أنهما دعاءان مطلوبان أجازهما واستثناهما من الإنصات، ومن نظر إلى أنهما يشتملان على الخطاب، والرسول صلى الله عليه وسلم حرم الكلام في الصلاة ومنه تشميت العاطس؛ لأنه دعاء يشتمل على الخطاب، فهو كلام منعهما، والدعاء المشتمل على الخطاب لا يجوز في الصلاة إلا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم فنقول: فقط، ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله )، أما غيره فلا يجوز أن تدعو له في الصلاة مخاطباً له، وأما أن تدعو للغائب باسمه فلا مانع، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم عليك بفلان وفلان) من الكفرة، ودعا بأسماء بعض أصحابه من المسلمين الذين كانوا مستضعفين في مكة، فالدعاء بالاسم لا يسمى خطاباً، أما الدعاء بالخطاب فيسمى كلاماً.

    [ والقول الثاني مقابل القول الأول، وهو أن الكلام في حال الخطبة جائز إلا في حين قراءة القرآن فيها وهو مروي عن الشعبي و سعيد بن جبير و إبراهيم النخعي ]، لقوله تعالى: ((وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا))[الأعراف:204]، فيدل بمنطوقه على وجوب الإنصات عند قراءة القرآن، وبمفهومه على أنه لا يجب الإنصات لغير القرآن.

    [ والقول الثالث: الفرق بين أن يسمع الخطبة أو لا يسمعها، فإن سمعها أنصت وإن لم يسمعها جاز له أن يسبح أو يتكلم في مسألة من العلم، وبه قال أحمد و عطاء وجماعة ].

    ولكن لا نقول بالإطلاق، فيتكلمون في العلم بل بشرط عدم ارتفاع أصواتهم حتى لا يشوشوا على من يسمع الخطيب، هذا كلام أحمد .

    [والجمهور على أنه إن تكلم لم تفسد صلاته]، الجمهور يرون أنه إذا كان المستمع بعيداً من الخطيب أو انقطع مكبر الصوت فلا يجب عليه الإنصات ويجوز أن يقرأ قرآناً أو يذاكر علماً أو يتحدث مع شخص آخر بشرط عدم التشويش على غيره من الحاضرين.

    [ وروي عن ابن وهب أنه قال: من لغا فصلاته ظهر أربع ]. يعني يصلي الظهر أربعاً.

    سبب اختلاف العلماء في حكم الإنصات لخطبة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [ وإنما صار الجمهور لوجوب الإنصات؛ لحديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) ]. والحديث أخرجه البخاري و مسلم ، أقول: وهذا هو الراجح؛ لورود الدليل به، مع عدم وجود ما يخالفه.

    [ وأما من لم يوجبه فلا أعلم لهم شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الأمر قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الأعراف:204]، أي: أن ما عدا القرآن فليس يجب له الإنصات، وهذا فيه ضعف والله أعلم. والأشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم ].

    قلت: وهذا لا يظن بكثير من الأئمة الأعلام مثل: الإمام أحمد فهو بعد الشافعي وقد ألف المسند، والإمام البخاري ألف صحيحه بعد الإمام أحمد ، والإمام مسلم بعد البخاري ، فإذا لم يطلعوا على هذه الأحاديث المتفرقة على الرجال، وهي لم تدون آنذاك، فقد يفوتهم الكثير، حتى إن الإمام أبي حنيفة وجد مذهبه وفقهه قبل أن يدون ويجمع في موطأ الإمام مالك ، فكأنه والله أعلم أنها كانت الأحاديث في أوراق مع بعض الناس المحدثين. فلهذا اضطر الإمام أبو حنيفة إلى القياس، ولكن أصحابه من بعده تعصبوا، فجاءت أحاديث صحيحة ضد هذا القياس، فقدموا عليها القياس، فالإمام أبو حنيفة معذور فيما استعمله من القياس، ولكن إذا صح الحديث فأصحابه ليسوا بمعذورين في التعصب له في القياس، ولهذا نرى كتب أصول الفقه، الشافعي وكذلك كتب الإمام أحمد وغيره كانت الأصول تدون قبل تخريج الفروع عليها، ثم تذكر مسائل الفروع التي تنطبق على الأصول، أما أصول الحنفية فهي تساير الفروع، يعني إذا رأوا فرع كذا كذا أصلوا له، إذا رأوا فرعاً آخر أصلوا له، فكانت الفروع قبل الأصول، فأصول الأحناف تساير الفروع.

    اختلاف العلماء في رد السلام وتشميت العاطس في الخطبة

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما اختلافهم في رد السلام وتشميت العاطس، فالسبب فيه تعارض عموم الأمر بذلك لعموم الأمر بالإنصات]. عموم الأمر بالإنصات، وعموم الأمر برد السلام وتشميت العاطس.

    [ واحتمال أن يكون كل واحد منهما مستثنى من صاحبه.

    فمن استثنى من عموم الأمر بالصمت يوم الجمعة الأمر بالسلام وتشميت العاطس أجازهما، ومن استثنى من عموم الأمر برد السلام والتشميت الأمر بالصمت في حين الخطبة لم يجز ذلك]. عكس القضية، [ومن فرق فإنه استثنى رد السلام من النهي عن التكلم في الخطبة]. لأن رد السلام واجب، أما التشميت فليس بواجب.

    [واستثنى من عموم الأمر التشميت وقت الخطبة، وإنما ذهب واحد واحد من هؤلاء إلى واحد واحد من هذه المستثنيات لما غلب على ظنه]. كل قدم ما غلب على ظنه، [من قوة العموم في أحدها، وضعفه في الآخر، وذلك أن الأمر بالصمت هو عام في الكلام خاص في الوقت. والأمر برد السلام والتشميت هو عام في الوقت خاص في الكلام، فمن استثنى الزمان الخاص من الكلام العام لم يجز رد السلام، ولا التشميت في وقت الخطبة، ومن استثنى الكلام الخاص من النهي عن الكلام العام أجاز ذلك.

    والصواب ألا يصار لاستثناء أحد العمومين بأحد الخصوصين إلا بدليل، فإن عسر ذلك فبالنظر في ترجيح العمومات والخصوصات وترجيح تأكيد الأوامر بها ].

    الراجح من أقوال العلماء في مسألة رد السلام وتشميت العاطس وقت سماع الخطبة

    والراجح أنه لا يرد السلام، ولا يشمت العاطس، وذلك لأن التعارض هنا وقع بين نهي وأمر، يعني النهي عن الكلام، والأمر برد السلام، ومن المقرر عند علماء الأصول أنه إذا تعارض نهي وأمر، غلب جانب النهي؛ ولأنه أيضاً قد ورد المنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حال الخطبة، فمن قال لصاحبه: أنصت! فقد لغا، فهذا نهي صريح ومنع من تشميت العاطس الذي هو سنة من باب أولى، ويلحق به رد السلام من باب لحن الخطاب، يعني: أنه متساو، إلا أنه لا مانع أن يرد السلام بالإشارة قياساً على ما ورد من رده بالإشارة في الصلاة، أما الابتداء بالسلام والتشميت فيمنع حال الخطبة مطلقاً.

    والقول في تفصيل ذلك يطول، ولكن معرفة ذلك بإيجاز أنه إن كانت الأوامر قوتها واحدة، والعمومات والخصوصات قوتها واحدة، ولم يكن هنالك دليل على أي يستثنى من أي وقع التمانع ضرورة ].

    ولكن هذا قليل.

    [ وهذا يقل وجوده، وإن لم يكن فوجه الترجيح في العمومات والخصوصات الواقعة في أمثال هذه المواضع هو النظر إلى جميع أقسام النسب الواقعة بين الخصوصين والعمومين، وهي أربع: أربع نسب.

    [عمومان في مرتبة واحدة من القوة]، هنا، مرتبة واحدة من القوة، مثل: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين )، هذا عام، وأحاديث الإنصات، وإن قلنا: كلها متساوية في العموم، فهذا فرض في الذي هي متساوية.

    [ وخصوصان في مرتبة واحدة من القوة، فهذا لا يصار لاستثناء أحدهما إلا بدليل. والثاني مقابل هذا، وهو خصوص في نهاية القوة، وعموم في نهاية الضعف ]. وهذا الظاهر أنه يقدم الخصوص.

    الشيخ: [ فهذا يجب أن يصار إليه ولا بد، أعني أن يستثنى من العموم الخصوص ]. وعكسه وعموم في نهاية القوة، وخصوص في نهاية الضعف.

    [ الثالث خصوصان في مرتبة واحدة، وأحد العمومين أضعف من الثاني، فهذا ينبغي أن يخصص فيه العموم الضعيف ]. ولم يذكر له المصنف مثالاً.

    [ الرابع: عمومان في مرتبة واحدة، وأحد الخصوصين أقوى من الثاني، فهذا يجب أن يكون الحكم فيه للخصوص القوي، وهذا كله إذا تساوت الأوامر فيها في مفهوم التأكيد، فإن اختلفت حدثت من ذلك تراكيب مختلفة، ووجبت المقايسة أيضاً بين قوة الألفاظ وقوة الأوامر، ولعسر انضباط هذه الأشياء قيل: إن كل مجتهد مصيب، أو أقل ذلك غير مأثوم ].

    توجيه القول: بأن كل مجتهد مصيب

    قلت: كل مجتهد مصيب. كلام صحيح، وأقول: إن المصيب واحد، كلام صحيح، ولا تعارض بينهما، فمعنى كل مجتهد مصيب لأنه يجب عليه أن يعمل باجتهاده، ولا يجوز له أن يتنازل إلى قول آخر لا يرى أنه صواب، وهذا ما قاله الإمام ابن تيمية ، فمثلاً أنا اجتهدت وإن كنت في باطن الأمر لست مصيباً، لكن لا يجوز لي أن آخذ غير اجتهادي، فإذاً أنا مصيب في العمل بما أوصلني إليه اجتهادي، فقوله: كل مجتهد مصيب، قال الإمام ابن تيمية في الفتاوى: أي: في العمل بما أداه إليه اجتهاده.

    وأما أن المصيب واحد فهو كذلك، يعني في الحقيقة.. في باطن الأمر المصيب واحد، أما في العمل، فكل مصيب فعليه أن يعمل بما أدى إليه اجتهاده.

    والحكم في المقلد كالحكم في المجتهد، إذا لم يكن ذلك المقلد. أولاً: ليس بمتعصب.

    ثانياً: يريد الحق، فلو فرضنا أن هناك إنساناً ما يعرف إلا المذهب الشافعي ، وهؤلاء العلماء، فقلدهم، فليس مخطئاً؛ لأنه مقلد لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد، ولا يعرف إلا كلام هؤلاء العلماء فقط، فهو مصيب في ذلك.

    ويشترط في المقلد إذا تعددت أقوال العلماء أن يتحرى، بما يرى أنه الصواب، ويرى فيه النفع، ويرى الورع، فيتحرى فيمن يقلد كما يتحرى المجتهد في الأدلة.

    [ أو أقل ذلك غير مأثوم ].

    فالمقلد والمجتهد إذا قلنا: إنه غير مأجور، فهو أقل شيء غير مأثوم، ولكن الصواب أن المجتهد إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.

    ولكن على المجتهد ألا يقول أنا وأتباعي الفرقة الناجية، وغيرنا ليس من الفرقة الناجية، بل يقول: أظن أن ما قلته هو الصحيح، مع أنه يحتمل الخطأ، ويحتمل أن يكون الصواب قول غيري، كما قال الشافعي ، أنا أظن أنه هو الصحيح، ولكنه محتمل للخطأ، وأن يكون الصواب كلام غيري.

    1.   

    صلاة ركعتين لمن دخل المسجد حال الخطبة

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: صلاة ركعتين للداخل أثناء الخطبة.

    اختلفوا فيمن جاء يوم الجمعة والإمام على المنبر: هل يركع أم لا؟ فذهب بعض إلى أنه لا يركع وهو مذهب مالك ]، وأحمد ، و أبو حنيفة .

    [وذهب بعضهم إلى أنه يركع]. وبه قال الشافعي .

    سبب اختلاف العلماء في تحية المسجد وقت الخطبة

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم معارضة القياس لعموم الأثر، وذلك أن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين)، يوجب أن يركع الداخل في المسجد يوم الجمعة، وإن كان الإمام يخطب، والأمر بالإنصات إلى الخطيب يوجب دليله ألا يشتغل بشيء مما يشغل عن الإنصات وإن كان عبادة ]، هذا هو القياس.

    [ ويؤيد عموم هذا الأثر ]. أي: عموم الأثر الأول: (إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين)، فهذا عام في الجمعة وغيرها، يؤيده الحديث الخاص.

    [ ما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا جاء أحدكم المسجد والإمام يخطب فليركع ركعتين خفيفتين)، خرجه مسلم في بعض رواياته ]. فهذا نص على أنه يركع.

    [ وأكثر رواياته: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر الرجل الداخل أن يركع، ولم يقل: إذا جاء أحدكم) الحديث ]، فيريدون أن يجعلوا الحديث خاصاً بهذا الرجل، وقد قالت الحنفية: إن الرجل كان فقيراً، وأثوابه رثة، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يراه أهل المسجد فأمره بالقيام إلى الصلاة؛ لينظروا إليه، فيروا أثوابه رثة فيحنوا عليه ويتصدقوا، فهذا المقصود من الركعتين، وليس المقصود هنا أنها سنة في هذا الوقت.

    هكذا أول هذا الحديث أتباع أبي حنيفة ، لكن الإمام أبا حنيفة لعله لم يحصل على هذا الحديث.

    [ فيتطرق إلى هذا الخلاف في هل تقبل زيادة الراوي الواحد إذا خالفه أصحابه؟]، يعني: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب)، هذه زيادة خالف بها الراوي أصحابه.

    [ عن الشيخ الأول الذي اجتمعوا في الرواية عنه أم لا؟ فإن صحت الزيادة وجب العمل بها، فإنها نص في موضع الخلاف، والنص لا يجب أن يعارض بالقياس لكن يشبه أن يكون الذي راعاه مالك في هذا هو العمل ].

    وهذا هو الراجح، أن النص لا يعارض بالقياس، لما يأتي:

    أولاً: ما تقرر عند علماء المصطلح أن زيادة الثقة مقبولة.

    ثانياً: وحيث وهي مقبولة، فهي نص في الموضوع لا تقبل التأويل بحال من الأحوال.

    ثالثاً: ما تقدم من الترجيح في المسألة الثانية في الصلاة التي يتعلق النهي عن فعلها.

    1.   

    ما يقرأ في صلاة الجمعة

    أقوال العلماء في السور المستحب قراءتها في صلاة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الخامسة:

    أكثر الفقهاء على أن من سنة القراءة في صلاة الجمعة قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى؛ لما تكرر ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام]. أنه كان يقرأ بسورة الجمعة في الركعة الأولى.

    [ وذلك أنه خرج مسلم عن أبي هريرة : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الأولى بالجمعة، وفي الثانية بـإذا جاءك المنافقون)، وروى مالك ( أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ فقال: كان يقرأ بـ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ) يعني هذه مرة وهذه مرة.

    [ واستحب مالك العمل على هذا الحديث، وإن قرأ عنده بسبح اسم ربك الأعلى كان حسناً، لأنه مروي عن عمر بن عبد العزيز ، وأما أبو حنيفة فلم يقف فيها شيئاً ]. أبو حنيفة قال: إن الجمعة كغيرها لا تختص بسورة، وذلك لأنه لم يبلغه هذه الأحاديث، وأما الشافعي فقال: يستحب أن يقرأ في الأولى الجمعة، وفي الثانية المنافقون، أو في الأولى: الأعلى، وفي الثانية: الغاشية.

    سبب اختلاف العلماء في السور المستحب قراءتها في صلاة الجمعة

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم معارضة حال الفعل للقياس، وذلك أن القياس.. ] عند أبي حنيفة . [يوجب ألا يكون لها سورة راتبة كالحال في سائر الصلوات، ودليل الفعل يقتضي أن يكون لها سورة راتبة.

    وقال القاضي - يعني المؤلف -: خرج مسلم عن النعمان بن بشير : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] ) ].

    وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين).

    الراجح فيما يستحب قراءته في صلاة الجمعة

    وعلى هذا فالراجح أنه يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة في الركعة الأولى، أو سورة الأعلى، وفي الركعة الثانية بسورة المنافقين، أو الغاشية، أو يقرأ في الركعة الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالغاشية؛ لصحة الأحاديث الواردة في ذلك كله.

    1.   

    الأسئلة

    جلوس الخطيب في خطبة الجمعة

    السؤال: ما رأيك يا شيخ فيمن يقول: إن جلوس الخطيب في خطبة الجمعة لم يرد عليه دليل من السنة، فهل من السنة ألا يجلس؟

    الجواب: الجلوس في الخطبة، يحتمل معنيين: الأول: أن يخطب جالساً، والثاني: أن يجلس بين الخطبتين. أما أنه يخطب جالساً فما خطب الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً، وأما الجلوس بين الخطبتين، فما يقول في جلوس الرسول بين الخطبتين والاستمرارية على ذلك.

    الدليل على اشتراط الخطبة للجمعة

    السؤال: من أين عرفنا أن الخطبة شرط في الجمعة؟

    الجواب: عرفنا أن الخطبة شرط في الجمعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم داوم عليها، وقلنا: إنها أي: الخطبة بيان لقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ[الجمعة:9].

    قراءة القرآن والإمام يخطب

    السؤال: ما حكم من يقرأ القرآن والإمام يخطب محتجاً بأن القرآن أفضل من الخطبة؟

    الجواب: هذا حق أريد به باطل، لأن لكل مقام مقال، وهذا المقام مقام الخطبة والإنصات، حتى إن العلماء قالوا: إذا تعارض طلبان أو أمران أحدهما يفوت، والآخر يبقى، فيقدم الذي يفوت؛ لأنه وإن كان الآخر أفضل إلا أنه يمكن فعله لاحقاً؛ لأنه باقٍ، وذلك كما إذا سمعت الأذان وأنت تقرأ القرآن، فينبغي لك أن تنصت، وتستمع للأذان، وبعد ذلك تقرأ القرآن إن شئت.

    وهنا مسألة وهي غريبة وواقعة، وهي أن الإنصات للأذان سنة والكلام ليس بحرام في وقت الأذان، وأما الإنصات للخطبة فواجب، والكلام والاشتغال في وقت الخطبة حرام، (فمن مس الحصى فقد لغا).

    تحية المسجد وقت الأذان للجمعة

    السؤال: إذا دخل شخص يوم الجمعة والخطيب جالس على المنبر، والمؤذن يؤذن ويمكن أن يكمل الشخص الركعتين مع انتهائه من الأذان، فهل يصلي الركعتين أثناء الأذان أم ينتظر حتى يشرع الخطيب في الخطبة ثم يصلي؟

    الجواب: أنا أرى أنه يصلي الركعتين؛ لأن الاستماع للأذان سنة بالاتفاق، وأما الاستماع للخطبة فالأكثر من العلماء على أنه واجب.

    كتابة الخطبة حال استماعها

    السؤال: هل يجوز أن يكتب رجل في الخطبة؟

    الجواب: لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من مس الحصا فقد لغا ).

    صفة صلاة الجمعة لأهل مسجد لا خطيب لهم

    السؤال: اليوم يوجد في بعض القرى مساجد لا يجدون فقيهاً، فهل ينتظرون إلى نهاية وقت الخطبة، أو خطبة الإذاعة، أو ينقلون الخطبة من مسجد جامع غير مجاور؟

    الجواب: هذه مسألة غريبة، لكن على كل حال نرى أن عليهم الالتزام بما كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أن يخطب واحد منهم، أو أن يذهبوا إلى المسجد المجاور.

    صلاة الجمعة في البيت لعذر

    السؤال: هل يجوز أن يصلى الجمعة في البيت عندما يكون هناك مانع من الذهاب إلى المسجد من مطر أو غيره؟

    الجواب: لا يجوز أن يصلي الجمعة في البيت.

    ما يقال عند الجلوس بين الخطبتين

    السؤال: ماذا يقول الخطيب عند الجلوس بين الخطبتين، وكذلك المستمعون؟

    الجواب: لا يوجد قول مخصوص، لكن لا مانع أن يستغفر، أنا سألت الشيخ ناصر الدين الألباني عما يقوله المأموم وقت جلوس الخطيب بين الخطبتين.

    فقال الشيخ الألباني : يقول دعاء الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). قلت: من قال هذا في وقت الخطبة؟ قال: لا مانع أن يذكر الله به إذا لم يعتقد أنه سنة في ذلك الوقت، لا مانع أن يقوم بأي ذكر لكنه لا يعتقد أنه سنة.

    التسبيح عند جلوس الخطيب بين الخطبتين

    السؤال: [ هل يجوز التسبيح وقت جلوس خطيب الجمعة بين الخطبتين؟ ]

    الجواب: يجوز التسبيح أو أي ذكر آخر، فلا مانع أن يذكر الله بأي ذكر، لكن لا يعتقد أنه سنة.

    صلاة الجمعة على المسافر

    السؤال: أربعة مسافرون ومعهم مذياع في يوم الجمعة وما أحد منهم تقدم يخطب بهم فما يجب عليهم؟

    الجواب: أولاً المسافر لا جمعة عليه، الجمعة على المقيم والخطبة من المذياع لا تنفع.

    صلاة الجمعة في حق البدو المتنقلين

    السؤال: [ هل تجب صلاة الجمعة على البدو الرحل؟ ]

    الجواب: يصلوا ظهراً فقط ولا يجب عليهم إقامة جمعة.

    خطأ الخطيب في آيات القرآن

    السؤال: إذا غلط الخطيب في آيات القرآن فهل نرد عليه؟

    الجواب: نعم الكلام مع الخطيب جائز، وإنما يمنع الكلام يوم الجمعة مع غير الخطيب، أما إذا تكلم مع الخطيب فلا يكون ممنوعاً؛ لأنه ورد ذلك، قال: يا رسول الله! قحطت البلاد وكذا وكذا فادع الله لنا، فالكلام مع الخطيب جائز لأنه لا يحصل منه تشويش، فإذا رد على الإمام إذا أخطأ في الآية القرآنية فلا مانع.

    الدعاء المشتمل على خطاب

    السؤال: إذا كان الدعاء مشتملاً على خطاب فهل يصح، وهل الاستغفار في أثناء الخطبة جائز؟

    الجواب: قال الشافعي : إن الاستغفار والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في آخر الخطبة واجب، وفي المسائل الجامعة للشيخ ناصر قال: إنه بدعة. يعني: الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، والمواظبة عليه.

    أما الدعاء بكاف الخطاب: يرحمك الله! هداك الله! أصلحك الله! هذا كله يسمى خطاباً، أما أصلح الله المؤمنين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات فهذا ليس بخطاب.

    معنى حديث أبي أيوب: (فإن دخل المسجد فإن بدا له أن يركع فليركع ...)

    السؤال: ورد في حديث أبي أيوب التخيير في الركعتين قال: ( فإن دخل المسجد فإن بدا له أن يركع فليركع، وإلا فليجلس

    الجواب: فإن بدا له أن يركع فليركع، وإلا فليجلس، هذا مطلق، يعني إن بدا له أن يركع، يعني التنفل غير تحية المسجد، فالأحاديث تدل على أنه يتنفل؛ لأنهم كانوا قبل الجمعة إذا دخلوا المسجد منهم من يتنفل حتى يجيء الخطيب، ومنهم من يقرأ، فهذا نحمله على التنفل، جمعاً بين الأدلة، ولا يجلس حتى يركع ركعتين، هذا الأقرب والله أعلم، نحمله على التنفل الزائد عن تحية المسجد.

    الرد على الخطيب إذا أخطأ في الحديث

    السؤال: إذا غلط الخطيب في الحديث فهل يزد عليه ونصحح له خطأه؟

    الجواب: لا مانع أن ترد عليه في الآية، إذا ما رأيت تشويشاً ولا شيئاً.

    الكلام أثناء سماع الخطبة خارج المسجد

    السؤال: إذا كنا مثلاً خارج المسجد، ونسمع الخطبة عبر المكبر فهل يجوز أن نتكلم؟

    الجواب: إذا كان في الشارع، ولم يدخل المسجد فلا مانع!

    قول المؤذن للمستمعين: (اسمعوا وأنصتوا) عقب الأذان

    السؤال: المؤذن عقب الأذان ينبه الناس مثلاً بأهمية الخطبة، فيقول: استمعوا وانصتوا!

    الجواب: هذا بدعة، هذا بدعة، لأنهم كل جمعة يقولون لهم: اسمعوا وأنصتوا حتى صاروا يظنون أنها من متممات أذان يوم الجمعة، لكن لا مانع أن يقول لهم الخطيب إذا رأى إنساناً يتكلم يقول له بهذا، والإمام له أن يكلم بعض الناس.

    قول الخطيب بعد الخطبة الأولى: (قلت ما سمعتم ...)

    السؤال: قول الخطيب بعد انتهاء الخطبة الأولى: قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؟

    الجواب: هذا لا مانع منه! لكنه لا يداوم عليه يظن العامة أنها جزء من الخطبة، وأنها لا بد منها.

    الشيخ الألباني فقيه ومحدث

    السؤال: [ هل صحيح ما يقال عن الشيخ الألباني رحمه الله بأنه محدث فقط وليس فقيهاً؟ ]

    الجواب: الشيخ ناصر الدين الألباني فقيه ومحدث، ولا يعرف ذلك إلا من جالسه، فإنه يعرف من المذاهب ما لا يعرفه المتخصصون فيها.

    وقد كان مرة يدرسنا في التأمين، فقرر على أن مذهب الشافعي الجديد أنه لا يسن للمأموم الجهر بالتأمين، وإنما يؤمن سراً، وأنا كنت قد قرأت المذهب الشافعي، والذي تلقيته من المعتمد في مذهب الشافعي أنه يجهر، وعندنا في الدراسة المعتمد في المذهب الشافعي هو القول الجديد، فكنت أظن أن هذا الكلام هو قول الشافعي الجديد، فقال لي: لا! الجديد من مذهب الشافعي أنه لا يجهر.

    ثم ذهبنا إلى المكتبة فإذا القول بالجهر بالتأمين هو القديم، على أن هناك ست عشرة مسألة من المذهب القديم معتمدة في المذهب الجديد، والتقعيد من فقهاء الشافعية المتأخرين يفرعون عليها ولا يذكرون الجديد فيها، فلما فرعوا على هذه المسألة وهي من الستة عشرة المسألة المعتمدة في القديم، لم يدرك كثير من الناس على أنها من القديم، وهذا هو المعتمد عند الشافعي ، واعتمد الأصحاب هنا القول القديم، فهذا التحقيق الفقهي يدل على أن الشيخ الألباني يعرف من المذاهب ما لا يعرفه المتخصص.

    وأما ما يدل على أن الشيخ الألباني محدث فقصة حصلت لي معه في حديث: ( أمن فارتج بها المسجد )، قال شيخنا الألباني عنه: حديث ضعيف كما في نيل الأوطار، فأنا ذهبت بعد أن تناقشت معه في هذا الحديث إلى البيت؛ لأطالع القول في الحديث فطالعت نيل الأوطار، وطالعت كتباً أخرى، فإذا هو قد كتب لنا أن الحديث ضعيف: (فارتج بها المسجد)، وقال الشوكاني : والحديث صحيح وتكلم عليه كلاماً كثيراً، فجئت في اليوم الثاني وقلت له: يا شيخ! أنت قلت: إن الحديث ضعيف، والحديث صححه الشوكاني ، وقال عليه كذا وكذا وكذا، وقلت: ونقل تصحيح الشوكاني فلان وفلان وذكرت له ثلاثة أو أربعة، لكنهم كانوا متأخرين عن الشوكاني . قال: أما هؤلاء الذي ذكرتهم فإنهم قلدوا الشوكاني ، وأما الشوكاني فإنه كان ينقل من تلخيص الحبير، وكأنه أصابه شغل فذهب ورجع وانقلبت الورقة، فأخذ كلام حديث على حديث، وفعلاً ذهبت فإذا الكلام الذي وضعه الشوكاني على حديث (ارتج المسجد) كان على غير هذا الحديث.

    وكان مع الشيخ الألباني مناظرة مع رجل من الشافعية، هذا الشافعي يقول بوجوب التقليد حتى على العالم، فقال له الشيخ الألباني : ما تقول في الصلاة على الطائرة؟ لأنها لم يتكلم عنها العلماء السابقون، فقال الرجل الشافعي : جائزة. فقال الشيخ الألباني : ولماذا؟ فقال الرجل: كالصلاة على السفينة. فقال له الشيخ الألباني : إذاً أنت مجتهد؛ لأنك عملت بالقياس في هذه المسألة، ولكنك أصبت من حيث أخطأت، أصبت في الاجتهاد وأخطأت في التقليد، فإن أئمة الشافعية قد ذكروا هذه المسألة في كتبهم، قبل أن توجد الطائرة، وقالوا: ولو صلى على أرجوحة غير متعلقة بالهواء، فصلاته باطلة؛ لأنه لم يصل على مكان، ولكن لم يعرفوا على أن الهواء أمواج هوائية، كالأمواج المائية في البحر.

    فهذه المسائل الدقيقة تدل على أن الشيخ الألباني رحمه الله محدث وفقيه.

    وسئل الشيخ الألباني : هل من شرط المجتهد أن يجيب عن كل ما يسأل عنه من المسائل؟

    فقال الشيخ الألباني : لا يشترط ذلك؛ لأن صاحب نشر البنود يقول: إن من شرط المجتهد أن يكون متهيئاً للبحث في ما يسأل عنه ويأتي بالجواب، وليس من شرط المجتهد أن يجيب عن كل ما يسأل عنه حالاً.

    ثم أورد أن الإمام مالك سئل عن ست وثلاثين مسألة، أو ثمانٍ وثلاثين مسألة، فأجاب في ست مسائل فقط، والإمام أبو حنيفة سئل عن مسائل فلم يجب في عشر، و الشافعي سئل عن مسألة فلم يجب فيها، فليس من شرط المجتهد أن يجيب عن كل ما يسأل عنه، بل من آداب العالم وفضله أن يقول فيما لا يدري: لست أدري، ولا يحاسب على: لست أدري.

    يروى أن عالماً كان جالساً عند ملك وكانوا يسألونه فيجيب، فسألوه عن مسألة فقال: لا أدري. فقال الجالسون للملك: كيف تعطيه العطاء وهو يقول: لا أدري؟ فقال العالم: لو يعطيني الملك على كل مسألة أقول فيها: ما أدري لنفدت خزائن ملكه!

    اضطراب الشيخ الألباني في الحكم على بعض الأحاديث

    السؤال: يقولون في الشيخ محمد ناصر الدين الألباني : إن هناك اثني عشر ألف حديث اضطرب فيها، مرة يصححها، ومرة يضعفها فما صحة مثل هذا الكلام؟

    الجواب: ليس إلى هذا الحد، لكن يجوز أنه يصحح الحديث مرة ويضعفه مرة، فهناك أحاديث قد ضعفها ورجع فصححها، مثل حديث: (استعينوا على أموركم بالكتمان)، هذا العلماء كلهم يضعفوه وهو صححه، وقال: إنه وجد له سند صحيحاً.

    فنحن ما نقول: إن الشيخ ناصر الدين الألباني لا يخطئ، بل نحن نخالفه كثيراً، وكذلك لا نوافقه على قوله في الحركة الإسلامية، فهو متعصب كثيراً ضد الحركة الإسلامية، لكنه عالم كبير، ونعرف حقه، وسألته مرة عن مسألة فقال: لا أدري. فقلت له: قال العلماء فيها كذا وكذا، وجئت له بالأقوال كلها، وأنا أريد الترجيح. فقال: إلى الآن لم أهتد إلى ترجيح في هذه المسألة، وهذه الأقوال أعرفها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765799605