بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثامن في صلاة العيدين].
استحباب الغسل لصلاة العيدين: [أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين، وأنهما بلا أذان ولا إقامة، لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].
أما ثبوت الغسل فإنه ورد فيه حديثان ضعيفان, ولكن الغسل للعيد يقاس على الغسل في الجمعة؛ لأن فيه تجمعاً للناس فلا بد أن يتجمعوا ويزيلوا عنهم الروائح الكريهة التي تؤذي بعضهم بعضاً, أما الأذان والإقامة فورد فيهما من حديث ابن عباس و جابر بن عبد الله أخرجه البخاري و مسلم قال: ( لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ).
[ إلا ما أحدث من ذلك معاوية في أصح الأقاويل، قاله أبو عمر .
وكذلك أجمعوا على أن السنة فيها تقديم الصلاة على الخطبة؛ لثبوت ذلك أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
في الحديث المتفق عليه, ( أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر وعمر يصلون العيد قبل الخطبة ).
[ إلا ما روي عن عثمان بن عفان أنه أخر الصلاة وقدم الخطبة؛ لئلا يفترق الناس قبل الخطبة.
وأجمعوا أيضاً على أنه لا توقيت في القراءة في العيدين ].
يعني: يقرأ بأي سورة شاء.
[ وأكثرهم استحب أن يقرأ في الأولى بـ ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))، وفي الثانية بالغاشية؛ لتواتر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] .
لم يرد متواتراً إنما ورد مشهوراً, فورد عن ابن عباس و أنس بن مالك و ثور بن جندب و النعمان بن بشير ، أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بـ: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)), و ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)) ), وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف, والحديث حسن بشواهده.
[ واستحب الشافعي القراءة فيهما بـ ((ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ)) و ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ))؛ لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ].
أخرجه الإمام مسلم ( أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأضحى والفطر يعني: بهذه السورتين بـ ((ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ)) و((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)) ), والكل سنة, إن قرأها سواء بـ ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)), أو الغاشية، أو بـ ((ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ)) و ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)), فكله سنة, ولا يوجد خلاف هنا فالمسائل إجماعية.
[ واختلفوا من ذلك في مسائل أشهرها: اختلافهم في التكبير ] .
أي هل التكبير في الصلاة قبل القراءة أم بعد القراءة؟ [ وذلك أنه حكى في ذلك أبو بكر بن المنذر نحواً من اثني عشر قولاً، إلا أنا نذكر من ذلك المشهور الذي يستند إلى صحابي أو سماع ] .
يعني: إما على حديث صحيح أو على قول صحابي.
[ فنقول: ذهب مالك : إلى أن التكبير في الأولى من ركعتي العيدين سبع مع تكبيرة الإحرام قبل القراءة، وفي الثانية ست مع تكبيرة القيام من السجود ]، خمس وتكبيرة القيام السادسة.
[ وقال الشافعي : في الأولى: ثمان ] .
ومنها تكبيرة الإحرام.
[ وفي الثانية: ست مع تكبيرة القيام من السجود ] .
إذاً فمذهب الشافعي أن التكبيرة لصلاة العيدين في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام والركوع, وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام والركوع.
[ وقال أبو حنيفة : يكبر في الأولى ثلاثاً بعد تكبيرة الإحرام يرفع يديه فيها، ثم يقرأ أم القرآن وسورة، ثم يكبر راكعاً ولا يرفع يديه، فإذا قام إلى الثانية كبر ولم يرفع يديه وقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثم كبر ثلاث تكبيرات يرفع فيها يديه، ثم يكبر للركوع ولا يرفع فيها يديه ] .
يعني: محصله أن مذهب أبي حنيفة ثلاث تكبيرات في الركعة الأولى قبل القراءة, وثلاث تكبيرات في الركعة الثانية بعد القراءة.
[ وقال قوم: فيها تسع في كل ركعة، وهو مروي عن ابن عباس و المغيرة بن شعبة و أنس بن مالك و سعيد بن المسيب ، وبه قال النخعي ].
قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن الصحابة.
فذهب مالك رحمه الله إلى ما رواه عن ابن عمر أنه قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة ، فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة؛ ولأن العمل عنده بالمدينة كان على هذا، وبهذا الأثر بعينه أخذ الشافعي ] .
فكلهم أخذوا بهذا الأثر.
[ إلا أنه تأول في السبع أنه ليس فيها تكبيرة الإحرام، كما ليس في الخمس تكبيرة القيام، ويشبه أن يكون مالك إنما أصاره أن يعد تكبيرة الإحرام في السبع، ويعد تكبيرة القيام زائداً على الخمس المروية أن العمل ألفاه على ذلك ] .
يعني: عمل أهل المدينة وجده على ما قال.
[ فكأنه عنده وجهٌ من الجمع بين الأثر والعمل، وقد خرج أبو داود معنى حديث أبي هريرة مرفوعاً عن عائشة وعن عمرو بن العاص ] .
قلت: وهذا وهم أو تحريف، وإنما هو عبد الله بن عمرو بن العاص .. أخرجه أحمد وهو حديث صحيح بشواهده, طيب. وكذلك قلنا: عن حديث حذيفة بن اليمان وهو حديث صحيح بشواهده.
[وروي أنه (
فقال أبو موسى : كان يكبر أربعاً على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى : كذلك كنت أكبر في البصرة حين كنت عليهم ) وقال قوم بهذا.
وأما أبو حنيفة وسائر الكوفيين فإنهم اعتمدوا في ذلك على ابن مسعود ، وذلك أنه ثبت عنه أنه كان يعلمهم صلاة العيدين على الصفة المتقدمة ] .
التي ذكرناها عن الحنفية.
[ وإنما صار الجميع إلى الأخذ بأقاويل الصحابة في هذه المسألة؛ لأنه لم يثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ومعلوم أن فعل الصحابة في ذلك هو توقيف ] .
يعني: الصحابة في مثل هذا لا يحكمون بالاجتهاد، وإنما أخذوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
[ إذ لا مدخل للقياس في ذلك ].
قال: يرفع أو لا يرفع.
الراجح أنه يكبر في الأولى: سبع تكبيرات قبل القراءة سوى تكبيرة الإحرام, وفي الثانية: خمساً قبل القراءة سوى تكبيرة القيام, لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص, وقد صححها شيخنا لما لها من الطرق والشواهد, انظر الإرواء (2/106).
قال رحمه الله: [ وكذا اختلفوا في رفع اليدين عن كل تكبيرة، فمنهم من رأى ذلك وهو مذهب الشافعي ومنهم من لم ير الرفع إلا في الاستفتاح فقط ومنهم من خير ].
قال شيخنا في تمام المنة على مسألة رفع اليدين في التكبيرات: الصواب أنه لا يسن رفع اليدين في تكبيرات العيد؛ لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم, وكونه مروياً عن عمر وابنه لا يجعله سنة, كيف ولم يصح. انظر تمام المنة (348).
على من تجب صلاة العيد.
[ واختلفوا فيمن تجب عليه صلاة العيد أعني: وجوب السنة ].
قد مر عليكم بأنه وجوب السنة عند المالكية ما كان سنةً بعينه وواجباً بجنسه, وليس وجوب الفرض.
[ فقالت طائفة: يصليها الحاضر ] .
يعني: غير المسافر.
[ والمسافر، وبه قال الشافعي و الحسن البصري ] .
يصلي الحاضر والمسافر والمرأة مع الجماعة أو منفرداً.
[ وكذلك قال الشافعي : إنه يصليها أهل البوادي، ومن لا يجّمع ] من لا يصلي الجمعة. [ حتى المرأة في بيتها.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنما تجب صلاة الجمعة والعيدين على أهل الأمصار والمدائن.
وروي عن علي أنه قال: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع.
وروي عن الزهري أنه قال: لا صلاة فطر ولا أضحى على مسافر ].
قال رحمه الله: [ والسبب في هذا الاختلاف: اختلافهم في قياسها على الجمعة، فمن قاسها على الجمعة كان مذهبه فيها على مذهبه في الجمعة ] يعني: كما فرض في صلاة الجمعة فرض فيها.
[ ومن لم يقسها رأى أن الأصل هو أن كل مكلف مخاطب بها حتى يثبت استثناؤه من الخطاب ].
فكل الناس مخاطبون بها كالصلوات والمفروضة كذلك مخاطبون بها، قال القاضي -يعني المؤلف-: [ قد فرقت السنة بين الحكم للنساء في العيدين والجمعة ] .
فالجمعة لم تطلب من النساء حضورهن فيها, ولكن العيدين طلبت السنة حضور النساء حتى ذوات الخدور.
[ وذلك أنه ثبت: أنه عليه الصلاة والسلام أمر النساء بالخروج للعيدين ولم يأمر بذلك في الجمعة ] .
وهو حديث متفق عليه, من حديث أم عطية قالت: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذاوات الخدور ), يعني: الشباب وغير الشباب حتى ذوات الخدور وهن المحجبات في البيوت لا يخرجن.
قال رحمه الله: [ وكذلك اختلفوا في الموضع الذي يجب منه المجيء إليها ] من أي موضع؟ [ كاختلافهم في صلاة الجمعة من الثلاثة الأميال إلى مسيرة اليوم التام. واتفقوا على أن وقتها من شروق الشمس إلى الزوال ].
قال رحمه الله: [ واختلفوا فيمن لم يأتهم علم بأنه العيد إلا بعد الزوال، فقالت طائفة: ليس عليهم أن يصلوا يومهم ولا من الغد ] .
لأنها صلاة انتهت, قالوا: فلا يقضون في هذا اليوم ولا في اليوم الثاني.
[ وبه قال مالك و الشافعي و أبو ثور . وقال آخرون: يخرجون إلى الصلاة في غداة ثاني العيد، وبه قال الأوزاعي و أحمد و إسحاق .
قال أبو بكر بن المنذر : وبه نقول لحديث رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه أمرهم أن يفطروا، فإذا أصبحوا أن يعودوا إلى مصلاهم ).
قال القاضي: خرجه أبو داود ، إلا أنه عن صحابي مجهول، ولكن الأصل فيهم رضي الله عنهم حملهم على العدالة ].
أولاً ما نسبه إلى الشافعي من عدم القضاء وجه ضعيف في المذهب, والراجح في المذهب: أنهم يقضون إما في اليوم نفسه إن أمكن جمع الناس وإلا ففي الغد.
والراجح من هذه الأقوال في مسألة القضاء: مذهب أحمد , من أنهم يصلون في غداة ثاني العيد لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار وهو الذي أشار إليه في المتن بقوله: [قال القاضي: خرجه أبو داود ، إلا أنه عن صحابي مجهول ] .
وهو قوله هنا: عن عمومة له من الأنصار, قالوا: ( غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم رأوا الهلال بالأمس: فأمر الناس أن يفطروا من يومهم, وأن يخرجوا لعيدهم من الغد ). رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه و أحمد و الدارقطني و البيهقي وصححه، وتبعه الحافظ في بلوغ المرام, وصححه ابن المنذر و ابن السكن و ابن حزم كما ذكر الحافظ في التلخيص، وقال: وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث.
قال رحمه الله: [ واختلفوا إذا اجتمع في يوم واحد عيد وجمعة ]. ماذا يعملون؟ أيصلون الصلاتين أم يصلون صلاة واحدة.
[ هل يجزئ العيد عن الجمعة؟. فقال قوم: يجزئ العيد عن الجمعة، وليس عليه في ذلك اليوم إلا العصر فقط ]، أي أنه لا يصلي الظهر [ وبه قال عطاء ، وروي ذلك عن ابن الزبير و علي .
وقال قوم: هذه رخصة لأهل البوادي ] .
يعني: أن أهل البوادي يتجمعون في العيد ولا يتجمعون في الجمعة.
[وقال قوم: هذه رخصة لأهل البوادي الذين يردون الأمصار للعيد والجمعة خاصة].
فهم يردون للعيد فقط.
[ كما روي عن عثمان أنه خطب في يوم عيد وجمعة فقال: من أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فليرجع ] .
ورواه مالك في الموطأ، وزاد في معناه: عن أبي هريرة مرفوعاً أخرجه أبو داود وهو حديث صحيح، وقد صححه الألباني , يعني: أن هذا في حق أهل البادية.
[ وروي نحوه عن عمر بن عبد العزيز ، وبه قال الشافعي ] .
قال الشافعي : وأن السقوط هو سقوط التجميع لا الظهر.
[ وقال مالك و أبو حنيفة : إذا اجتمع عيد وجمعة فالمكلف مخاطب بهما جميعاً: العيد على أنه سنة، والجمعة على أنها فرض ] .
حتى أهل البوادي يرجعون.
[ ولا ينوب أحدهما عن الآخر، وهذا هو الأصل إلا أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليه، ومن تمسك بقول عثمان ، فلأنه رأى أن مثل ذلك ليس هو بالرأي ] .
قلنا ورد فيه حديث صحيح مرفوع,
[وإنما هو توقيف، وليس هو بخارج عن الأصول كل الخروج]؛ لأنه أسقط الجمعة وأوجب الظهر.
[ وأما إسقاط فرض الظهر والجمعة التي هي بدله لمكان صلاة العيد فخارج عن الأصول جداً ] .
لأن صلاة العيد سنة, وصلاة العيد واجبة فكيف يقوم سنة عن واجب.
[ إلا أن يثبت في ذلك شرع يجب المصير إليه ] .
إذاً نقول على قوله: (يجب المصير إليه) أقول: الراجح أنه لا يجب على أهل البوادي إذا ما حضروا لصلاة العيد أن يحضروا مرةً ثانية لصلاة الجمعة, بل يصلونها ظهراً في منازلهم؛ لما في ذلك من المشقة, ولحديث أبي هريرة الذي أشار إليه المعلق.
[ واختلفوا فيمن تفوته صلاة العيد مع الإمام: فقال قوم: يصلي أربعاً، وبه قال أحمد و الثوري ، وهو مروي عن ابن مسعود . وقال قوم: بل يقضيها على صفة صلاة الإمام ركعتين يكبر فيهما نحو تكبيره ويجهر كجهره، وبه قال الشافعي و أبو ثور ] .
وهذا أقرب من قول أحمد ؛ لأن أحمد قاس هذا على الجمعة وهو قياس بعيد.
[وقال قوم: بل ركعتين فقط لا يجهر فيهما ولا يكبر تكبيرة العيد. وقال قوم: إن صلى الإمام في المصلى صلى ركعتين، وإن صلى في غير المصلى صلى أربع ركعات].
قالوا: كالجمعة إذا فاتتك هل تقضى جمعة لا, بل تصلي الظهر, لكن هذه نفل فات وقتها فلا تقضى, قالوا: لأن الجمعة إذا فاتت فلا تقضَى، وإنما تصلى ظهراً, وهذا نفل مشروع فيه الجماعة فإذا فات فلا يقضى؛ لأن من شرطه الجماعة.
[وقال قوم: لا قضاء عليه أصلاً وهو قول مالك وأصحابه. وحكى ابن المنذر عنه مثل قول الشافعي ].
أنها تقضى ويجهر ويكبر فيها.
[ فمن قال أربعاً شبهها بصلاة الجمعة ] إذا فاتت.
[ وهو تشبيه ضعيف، ومن قال ركعتين كما صلاهما الإمام فمصيراً إلى أن الأصل هو أن القضاء يجب أن يكون على صفة الأداء ] .
وهو كذلك, القضاء يجب أن يكون على صفة الأداء.
[ ومن منع القضاء؛ فلأنه رأى أنها صلاة من شرطها الجماعة والإمام كالجمعة، فلم يجب قضاؤها ركعتين ولا أربعاً؛ إذ ليست هي بدلاً من شيء ].
أما الجمعة فبدل عن الظهر فترجع إلى الأصل.
[ وهذان القولان هما اللذان يتردد فيهما النظر ] .
يعني قول: من يقضيها كصلاة العيد مع الإمام, وقول: من لا يقضيها, هذه الأقوال التي يتردد فيها النظر.
[أعني: قول الشافعي وقول مالك ، أما سائر الأقاويل في ذلك فضعيف لا معنى له؛ لأن صلاة الجمعة بدل من الظهر، وهذه ليست بدلاً من شيء، فكيف يجب أن تقاس إحداهما على الأخرى في القضاء، وعلى الحقيقة فليس من فاتته الجمعة فصلاته الظهر قضاء بل هي أداء؛ لأنه إذا فاته البدل وجبت عليه .. والله الموفق للصواب ].
والراجح: أنها تصلى كصفتها مع الإمام؛ لأن الأصل أن القضاء يجب أن يكون على صفة الأداء, وأما قول مالك : بأنها لا تقضى؛ لأن من شرطها الجماعة والإمام فيرد عليه: بأن الجماعة والإمام وردت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والفعل لا يدل على الوجوب أو الشرطية, وإنما يدل على الاستحباب.
التنفل قبل العيد وبعده.
يعني: إذا كانت صلاة العيد فهل يتنفل بعدها أو قبلها.
[ واختلفوا في التنفل قبل صلاة العيد وبعدها: فالجمهور على أنه لا يتنفل لا قبلها ولا بعدها، وهو مروي عن علي بن أبي طالب و ابن مسعود و حذيفة و جابر ، وبه قال أحمد .
وقيل: يتنفل قبلها وبعدها، وهو مذهب أنس و عروة ، وبه قال الشافعي .
وفيه قول ثالث: وهو أن يتنفل بعدها ولا يتنفل قبلها، وقال به الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة ، وهو مروي أيضاً عن ابن مسعود .
وفرق قوم بين أن تكون الصلاة في المصلى أو في المسجد، وهو مشهور مذهب مالك ].
قال: إن كانت في المصلى لا يتنفل, وإن كان في المسجد فلا مانع؛ لأنه يصلي تحية المسجد.
قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: أنه ثبت: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم فطر أو يوم أضحى فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما )] والحديث متفق عليه.
[ وقال صلى الله عليه وسلم ] فيما أخرجه مسلم .
[ ( إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين ) ] .
فهذا القول يعارض الفعل, هذا سبب الخلاف أثران وقياس وهو: هل صلاة العيد تشبه صلاة الفريضة, فإذا كانت تشبه صلاة الفريضة فلا بد من نفل قبلها ونفل بعدها, وإذا كانت لا تشبه صلاة الفريضة بل هي نافلة في ذاتها, فالنافلة لا نفل لها قبلها ولا بعدها.
[ وترددها أيضاً من حيث هي مشروعة بين أن يكون حكمها في استحباب التنفل قبلها وبعدها حكم المكتوبة أو لا يكون ذلك حكمها؟ فمن رأى أن تركه الصلاة قبلها وبعدها هو من باب ترك الصلاة قبل السنن وبعدها، ولم ينطلق اسم المسجد عنده على المصلى ] .
المصلى ما يسمى مسجداً؛ لأنه لا يعتكف فيه.
[ لم يستحب تنفلاً قبلها ولا بعدها، ولذلك تردد المذهب ] أي: مذهب مالك .
[ في الصلاة قبلها إذا صليت في المسجد؛ لكون دليل الفعل معارضاً في ذلك القول ].
القول هو: ( إذا جاء أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ).
[أعني: أنه من حيث هو داخل في مسجد يستحب له الركوع، ومن حيث هو مصلٍ صلاة العيد يستحب له ألا يركع تشبهاً بفعله صلى الله عليه وسلم.
ومن رأى أن ذلك من باب الرخصة ] عدم صلاة الرسول [ ورأى أن اسم المسجد ينطلق على المصلى ندب إلى التنفل قبلها ] .
يعني قال: ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنفل من باب الرخصة.
[ ومن شبهها بالصلاة المفروضة استحب التنفل قبلها وبعدها كما قلنا.
ورأى قوم أن التنفل قبلها وبعدها من باب المباح الجائز، لا من باب المندوب ولا من باب المكروه وهو أقل اشتباهاً إن لم يتناول اسم المسجد المصلى ].
الراجح: أن صلاة العيد إن صليت في المصلى فلا يتنفل لا قبلها ولا بعدها اقتداءً بفعله صلى الله عليه وسلم, وإن صليت في المسجد فلا بد للداخل قبل إقامتها من صلاة تحية المسجد, عملاً بعموم حديث: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليركع ركعتين ).
[ واختلفوا في وقت التكبير في عيد الفطر بعد أن أجمع على استحبابه الجمهور؛ لقوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ[البقرة:185], فقال جمهور العلماء: يكبر عند الغدو إلى الصلاة ] .
أي: عندما لما يريد أن يذهب إلى الصلاة يكبر فقط.
[وهو مذهب ابن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال مالك و أحمد و إسحاق و أبو ثور . وقال قوم: يكبر من ليلة الفطر إذا رأوا الهلال حتى يغدو إلى المصلى، وحتى يخرج الإمام، وكذلك في ليلة الأضحى عندهم إن لم يكن حاجاً].
ذاك القول قال به أحمد , وهذا القول والله أعلم سيأتي.
[وروي عن ابن عباس إنكار التكبير جملة إلا إذا كبر الإمام.
واتفقوا أيضاً على التكبير في أدبار الصلوات أيام الحج، واختلفوا في توقيت ذلك اختلافاً كثيراً: فقال قوم: يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، وبه قال سفيان و أحمد و أبو ثور . وقيل: يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وهو قول مالك و الشافعي . وقال الزهري : مضت السنة أن يكبر الإمام في الأمصار دبر صلاة الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق ] .
يعني: هم اتفقوا على التكبير, واتفقوا عليه أن يكون بعد الصلوات, وكذلك نقل عن الصحابة, ولكن اختلفوا في ابتدائه وانتهائه.
[وبالجملة فالخلاف في ذلك كثير، حكى ابن المنذر فيها عشرة أقوال.
وسبب اختلافهم في ذلك: هو أنه نقلت بالعمل ]. أي لم ينقل بالأثر.
[ ولم ينقل في ذلك قول محدود ] عن الرسول صلى الله عليه وسلم, أي لم يرد به القول، وإنما ورد فعل محدود قال: رواه البيهقي من حديث جابر قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر يوم عرفة من صلاة الغداة إلى صلاة آخر عصر أيام التشريق, الثلاثة الأيام بعد العيد ), وسنده ضعيف, قال ابن القطان : جابر الجعفي سيء الحال مرمي بالكذب, و عمر بن شوق أسوأ حالاً منه, بل هو من الهالكين, وقال البخاري و أبو حاتم : عمر بن شوق منكر الحديث. والخلاصة أن الحديث ضعيف جداً. إلا أن التوقيت صح عن علي و ابن عباس و ابن مسعود ،كما في الإرواء (3/125), فيصح أن يقتدى بهم في ذلك؛ لأنه لا يمكن أن يقال ذلك من قبل الرأي منهم, بل لا بد وأن عندهم فيه علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, يعني: أن الحديث المرفوع ضعيف, لكن آثار الصحابة صحيحة, وليست من عند أنفسهم, إذاً فيصح أن نقتدي بهم في ذلك.
[فلما اختلف الصحابة في ذلك اختلف من بعدهم].
يعني: التكبير في صلاة عيد الأضحى.
[والأصل في هذا الباب قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]. فهذا الخطاب وإن كان المقصود به أولاً أهل الحج، فإن الجمهور رأوا أنه يعم أهل الحج وغيرهم، وتلقي ذلك بالعمل، وإن كانوا اختلفوا في التوقيت في ذلك، ولعل التوقيت في ذلك على التخيير; لأنهم كلهم أجمعوا على التوقيت واختلفوا فيه.
وقال قوم: التكبير دبر الصلاة في هذه الأيام إنما هو لمن صلى في جماعة. وكذلك اختلفوا في صفة التكبير ] .
يعني: كيف صفتها؛ لأنه ما ورد فيها نص.
[ في هذه الأيام، فقال مالك و الشافعي : يكبر ثلاثاً: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر) . وقيل: يزيد بعد هذا: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) . وروي عن ابن عباس أنه يقول: (الله أكبر كبيراً) ثلاث مرات، ثم يقول الرابعة: (ولله الحمد). وقالت جماعة: ليس فيه شيء مؤقت ].
ليس في شيء محدد, يكبر ومخير.
[ والسبب في هذا الاختلاف: عدم التحديد في ذلك في الشرع، مع فهمهم من الشرع في ذلك التوقيت أعني: فهم الأكثر.
وهذا هو السبب في اختلافهم في توقيت زمان التكبير، أعني: فهم التوقيت مع عدم النص في ذلك.
وأجمعوا على أنه يستحب أن يفطر في عيد الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وألا يفطر يوم الأضحى إلا بعد الانصراف من الصلاة ].
وذلك لأنه أخرج أبو داود و الترمذي و الحاكم و البيهقي من حديث بريدة : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم فطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي ) وإسناده صحيح.
[ وأنه يستحب أن يرجع من غير الطريق التي مشى عليها؛ لثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام ].
أخرجه الإمام البخاري عن جابر قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم العيد خالف الطريق ).
سبحانك اللهم وبحمدك, نشهد أن لا إله إلا أنت, نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر