إسلام ويب

كتاب الصلاة [2]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للعلماء في وقت المغرب قولان: قول: أنه ضيق بقدر ما يتوضأ ويصلي خمس ركعات، وقول: أن وقتها موسع من ما بين غروب الشمس إلى غروب الشفق. وأما وقت العشاء فقد اختلف العلماء في أوله فذهب أبو حنيفة إلى أنه مغيب البياض بعد الحمرة، وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه مغيب الحمرة.

    1.   

    أقوال العلماء في وقت المغرب

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    وقت المغرب.

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: اختلفوا في المغرب هل لها وقت موسع كسائر الصلوات أم لا؟ ].

    قلنا: إن الظهر والعصر أوقاتها تسع أكثر من صلاتها، لكن المغرب اختلفوا في وقته هل هو ضيق لا يسع إلا خمس ركعات، أو هو أوسع من ذلك؟

    قال: [ فذهب قوم إلى أن وقتها واحد غير موسع، وهذا هو أشهر الروايات عن مالك وعن الشافعي ].

    وهؤلاء قالوا: إذا غربت الشمس فإن وقت المغرب بقدر ما يتوضأ ويصلى خمس ركعات: المغرب ثلاث، وسنته ركعتين.

    [ وذهب قوم إلى أن وقتها موسع، وهو ما بين غروب الشمس إلى غروب الشفق ].

    وهذا القول الثاني.

    قال: [ وبه قال أبو حنيفة ، و أحمد ، و أبو ثور ، و داود ، وقد روي هذا القول عن مالك و الشافعي ].

    فـمالك و الشافعي لهم قولان في وقت المغرب ولكن المعتمد في مذهب الشافعي ، وعند علماء الشافعية هو القول

    الثاني وهو: أن وقتها موسع، وهذا القول من الأقوال التي اعتمدت من مذهب الشافعي القديم، ففي مذهب الشافعي القديم: أن وقت المغرب موسع، وفي الجديد: أن وقتها ضيق، والمعتمد من المذهبين هو الجديد، ما عدا ست عشرة مسألة مستثناة اعتمد فيها المذهب القديم، منها هذه المسألة.

    سبب اختلاف العلماء في وقت المغرب

    [ وسبب اختلافهم في ذلك: معارضة حديث إمامة جبريل في ذلك؛ لحديث عبد الله بن عمر ، وذلك أن في حديث إمامة جبريل: ( أنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد)، وفي حديث عبد الله : (ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق) ] وهذا هو المعروف والظاهر.

    [ فمن رجح حديث إمامة جبريل جعل لها وقتاً واحداً.

    ومن رجح حديث عبد الله جعل لها وقتاً موسعاً، وحديث عبد الله خرجه مسلم ، ولم يخرجه الشيخان، وحديث إمامة جبريل -أعني حديث ابن عباس - الذي فيه ( أنه صلى بالنبي عليه الصلاة والسلام عشر صلوات مفسرة الأوقات، ثم قال له: الوقت ما بين هذين ) ].

    وهذا لم يخرجه البخاري ولا مسلم .

    [ والذي في حديث عبد الله من ذلك هو موجود أيضاً في حديث بريدة الأسلمي ، خرجه مسلم وهو أصل في هذا الباب ].

    ولفظ حديث بريدة الأسلمي : ( أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين -يعني اليومين-، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر، والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غربت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله! فقال: الوقت وقت صلاتكم ما بينما رأيتم).

    وهذا فيه: أنه صلى المغرب عند مغيب الشفق، وهو مقدم على حديث جبريل؛ لأنه متأخر، وحديث جبريل متقدم.

    قال: [ قالوا ]، أي: الفقهاء أن وقته موسع. [ وحديث بريدة أولى; لأنه كان بالمدينة عند سؤال السائل عن أوقات الصلوات، وحديث جبريل كان في أول الفرض بمكة ].

    وما قاله المؤلف هو الراجح؛ الراجح في وقت المغرب؛ لأنه يتعين الأخذ بالآخر، فالآخر من أمره صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الله بن عمرو حدثه في المدينة، وحديث بريدة الأسلمي : صلى بهم في المدينة.

    1.   

    وقت العشاء

    قال: [ المسألة الرابعة: اختلفوا في وقت العشاء الآخرة في موضعين: أحدهما: في أوله. والثاني: في آخره ].

    مذاهب العلماء في بداية وقت العشاء

    [ أما أوله، فذهب مالك ، و الشافعي ، و أحمد وجماعة إلى أنه مغيب الحمرة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه مغيب البياض، الذي يكون بعد الحمرة ].

    سبب اختلاف الأئمة في أول وقت العشاء

    قال: [ وسبب اختلافهم في هذه المسألة: اشتراك اسم الشفق في لسان العرب، فإنه كما أن الفجر في لسانهم فجران، فكذلك الشفق شفقان: أحمر وأبيض، ومغيب الشفق الأبيض يلزم أن يكون بعده من أول الليل ]، يعني: بعد مغيب الشفق الأحمر من أول الليل.

    قال: [ إما بعد الفجر المستدق من آخر الليل، أعني: الفجر الكاذب، وإما بعد الفجر الأبيض المستطير، وتكون الحمرة نظير الحمرة، فالطوالع إذاً أربعة: الفجر الكاذب، والفجر الصادق، والأحمر، والشمس، وكذلك يجب أن تكون الغوارب، ولذلك ما ذكر عن الخليل من أنه رصد الشفق الأبيض فوجده يبقى إلى ثلث الليل كذب بالقياس والتجربة، وذلك أنه لا خلاف بينهم، أنه قد ثبت في حديث بريدة ، وحديث إمامة جبريل: ( أنه صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق ) ].

    إلا أن الأئمة الثلاثة و أبا حنيفة اختلفوا في المراد بالشفق، فقال الأئمة الثلاثة: هو الحمرة، وقال أبو حنيفة : هو البياض. والراجح ما قاله الأئمة الثلاثة؛ لأن الشفق يطلق في لسان العرب على الأحمر.

    قال الفراء : (سمعت بعض العرب يقولوا: عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق. قال الفراء : وكان أحمر). ومن أراد أن يستزيد فليراجع المجموع: (45/3) الطبعة الأخيرة.

    قال رحمه الله: [ وقد رجح الجمهور مذهبهم بما ثبت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء عند مغيب القمر في الليلة الثالثة) ] وهذا الحديث أخرجه أحمد و الدارمي و أبو داود ، وصححه، وقال الحاكم : إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود .

    وهذا الحديث يدل على أن مغيب الشفق في الليلة الثالثة قبل مغيب البياض. وهذا الحديث يقوي رأي من قال: إن المراد بالشفق: الأحمر، والحديث صحيح. وفي الحديث أيضاً ذكر أن صلاة رسول الله كانت عند مغيب الشفق في الليلة الثالثة، والمعروف أن الشفق الأحمر يغيب في الليلة الثالثة، والبياض باقي إلى قرب ثلث الليل، يكون أولاً حمار، وبعده صفار، وبعده بياض، واتفق الأئمة الثلاثة أنه إذا زال الأحمر والأصفر فقد دخل الأبيض، ووقت مغيب الأحمر والأصفر ما بين ساعة، إلى ساعة وثلث، تقريباً.

    فيكون الصفار نهاية الحمار، والبياض نهاية الصفار، ويكون جهة المغرب، يمتد على الأفق.

    إذاً: فالمقصود أن الأحمر يظهر بعد الشمس، ثم يتلاشى حتى تكون صفرة بعده، ثم يصير الشفق أبيض بعده، ثم يحل بعده ظلام. ولكن مع الكهرباء لا يظهر في المدن، فمن أراد رؤيته فمن البادية.

    قال رحمه الله: [ ورجح أبو حنيفة مذهبه بما ورد في تأخير العشاء، واستحباب تأخيره الصلاة إلى نصف الليل ].

    قال: أبو حنيفة يقول: إنه ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العشاء، ولكنه ما كان يؤخرها دائماً.

    وقوله: ( لولا أن أشق على أمتي لأخرت هذه الصلاة إلى نصف الليل ) الحديث صحيح، صححه الألباني ، وأخرجه أبو داود .

    كما أن قوله هذا: (لولا أن أشق على أمتي لأخرت هذه الصلاة إلى نصف الليل ) دليل على أنه ما أخرها.

    مذاهب الأئمة في آخر وقت العشاء وما يحتجون به

    قال: [ وأما آخر وقتها فاختلفوا فيه على ثلاثة أقوال ].

    معنى قوله: (آخر وقتها اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال). ليس المقصود بالاختلاف هذا أنه هل يصلى بعد هذا الوقت أو لا يصلى، إنما هو اختلاف فيما يسمى، هل يسمى وقت الاختيار؟ فمن قال: إنه ثلث الليل، قال: وقت الاختيار إلى ثلث الليل، ومن قال: نصف الليل، قال: وقت الاختيار إلى نصف الليل. وكذلك الحال في صلاة العصر، أن وقت الاختيار إلى الإصفار.

    لكن ما حكم الصلاة بعد وقت الاختيار؟ ذهب الأئمة الثلاثة: الشافعي و مالك و أبو حنيفة إلى أن الصلاة بعد الوقت المسمى وقت الاختيار: أنها جائزة ومكروهة.

    بمعنى أنه يكره أن يؤخر الصلاة إلى هذا الوقت؛ لأنه ورد في الأصل أنها صلاة المنافقين، أي يتشبه بالمنافقين.

    وقال الإمام أحمد : أن تأخيرها إلى ما بعد وقت الاختيار محرم، فهو يصلي وعليه شيء من الإثم. قال الأئمة الأربعة: ووقت العذر -الذي عنده عذر- ووقت الضرورة ينتهي بطلوع الفجر.

    والخلاصة معنى قوله: (وأما آخر وقتها فاختلفوا على ثلاثة أقوال)، اعلم أن هذا الاختلاف في العشاء، وكذلك العصر إنما هو في وقت الاختيار، ومعناه: أن المختار: أن لا تؤخر الصلاة عن هذا الوقت، وقد اتفق الأئمة الثلاثة: أنه تجوز الصلاة بعد وقت الاختيار مع الكراهة، وقال أحمد : إنه يحرم تأخيرها إلى ما بعد وقت الاختيار لغير عذر.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765800027