الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الخامسة:
اتفق العلماء على نجاسة بول ابن آدم ورجيعه إلا بول الصبي الرضيع ففيه اختلاف.
[ واختلفوا فيما سواه من الحيوان ] هل يلحق ببول الإنسان أو لا يلحق [ فذهب الشافعي و أبو حنيفة إلى أنها كلها نجسة ] ملحقة ببول الإنسان، سواء كانت مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم.
[ وذهب قوم إلى طهارتها بإطلاق أعني فضلتي سائر الحيوان، البول والرجيع.
وقال قوم..] منهم مالك و أحمد .
[ أبوالها وأرواثها تابعة للحومها؛ فما كان منها لحومها محرمة فأبوالها وأرواثها نجسة محرمة، وما كان منها لحومها مأكولة فأبوالها وأرواثها طاهرة، ما عدا التي تأكل النجاسة..] يعني الجلالة [ وما كان منها مكروهاً فأبوالها وأرواثها مكروهة، وبهذا قال مالك و أحمد ، كما قال أبو حنيفة بذلك الأسار.
قال رحمه الله: وسبب اختلافهم شيئان:
أحدهما: اختلافهم في مفهوم الإباحة الواردة في الصلاة في مرابض الغنم، وإباحته عليه الصلاة والسلام للعرنيين شرب أبوال الإبل وألبانها ]، هذا سبب ولهذا يقولون: إن الصلاة في المرابض تدل على طهارة الحيوان مأكول اللحم، وكذلك شرب الأبوال يدل على طهارة الحيوان مأكول اللحم [ وفي مفهوم النهي عن الصلاة في أعطان الإبل ] بعضهم يقول: النهي عن الصلاة في أعطان الإبل؛ لأن أعطانها نجسة، وبعضهم يقول: لا؛ لأنها تشوش على المصلي، أو أمر تعبدي.
[ والسبب الثاني: اختلافهم في قياس سائر الحيوان في ذلك على الإنسان، فمن قاس سائر الحيوان على الإنسان، ورأى أنه من باب قياس الأولى والأحرى لم يفهم من إباحة الصلاة في مرابض الغنم طهارة أرواثها وأبوالها جعل ذلك عبادة ] يعني يقول: إن القياس المسمى: فحوى الخطاب ولحن الخطاب، يقول: إذا كان الإنسان - هو مكرم - بوله نجس وغائطه نجس؛ فكذلك جميع الحيوانات، وأما الأحاديث التي فيها الصلاة في مرابض الغنم؛ فيحمل على أن الصلاة في مرابض الغنم على حائل، ولا يباشر النجاسات، والصلاة في مرابض الإبل للنجاسة، وأما شرب أبوال الإبل؛ فهو للتداوي، والتداوي يجوز بالنجس للضرورة.
[ ومن فهم من النهي عن الصلاة في أعطان الإبل النجاسة، وجعل إباحته للعرنيين أبوال الإبل لمكان المداواة على أصله في إجازة ذلك قال: كل رجيع وبول فهو نجس. ومن فهم من حديث إباحة الصلاة في مرابض الغنم طهارة أرواثها وأبوالها، وكذلك من حديث العرنيين، وجعل النهي عن الصلاة في أعطان الإبل عبادة أو لمعنى غير معنى النجاسة ] قالوا: الصلاة في مرابض الغنم تدل على الطهارة؛ لأن الغالب أن الصحابة ما كانوا يأخذون معهم السجادات - كما هو الآن - ويصلون عليها، بل كانوا يصلون على الأرض، وكذلك شرب الأبوال يدل على الطهارة؛ لأن حديث: ( لم يجعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها )، فيدل على الطهارة.
قال: وأما النهي عن الصلاة في أعطان الإبل؛ فلئلا تشوش على المصلي إذا جاءت؛ لأنها إذا جاءت وهو في مرابضها تشوش عليه، وهذا هو القول الذي سنرجحه إن شاء الله.
[ وكان الفرق عنده بين الإنسان وبهيمة الأنعام أن فضلتي الإنسان مستقذرة بالطبع ] يعني بول الإنسان وغائطه مستقذر بالطبع [ وفضلتي بهيمة الأنعام ليست كذلك جعل الفضلات تابعة للحوم، والله أعلم ] إذا كان الحيوان مأكول اللحم فروثه وبوله طاهر، والله أعلم.
[ ومن قاس على بهيمة الأنعام غيرها جعل الفضلات كلها ما عدا فضلتي الإنسان غير نجسة ولا محرمة والمسألة محتملة ] فقاس البهائم كلها على بهيمة الأنعام ولم يقسها على الإنسان؛ فقال: لا يوجد إلا بول الإنسان نجس وكل الأبوال -حتى الحمار- بولها طاهر وروثها طاهر، وهذا فيه مجازفة، فهناك أبوال أعفن وأقذر من بول الإنسان، مثل بول الحمار، فهو أقذر من بول الإنسان، وهذا القول بعيد.
[ ولولا أنه لا يجوز إحداث قول لم يتقدم إليه أحد في المشهور، وإن كانت مسألة فيها خلاف لقيل: إن ما ينتن منها ويستقذر بخلاف ما لا ينتن ولا يستقذر، وبخاصة ما كان منها رائحته حسنة؛ لاتفاقهم على إباحة العنبر وهو عند أكثر الناس فضلة من فضلات حيوان البحر ] العنبر الذي يبيعونه وهو غالٍ؟ يقول: إنه فضلة حيوان البحر، وفي فتح المعين للشافعية: ليس العنبر روثاً..
خلافاً لمن زعمه، بل هو نبات في البحر، انظر إعانة الطالبين وهو شرح هذا الكتاب (1/100). فالراجح أنه نبت من نبات البحر، وليس روث حيوان.
[ وكذلك المسك، وهو فضلة دم الحيوان الذي يوجد المسك فيه فيما يذكر ] نعم، المسك هو دم متجمد، والدم المتجمد فرق بينه وبين الدم المسفوح.
والراجح أن جميع الأبوال والأرواث تلحق ببول الآدمي ورجيعه، إما بفحوى الخطاب -أعني أن بعضها أرفع من بول الإنسان- أو بلحنه، فتكون بعضها مثل بول الإنسان وبعضها أخس من بول الإنسان..
وكذلك الرجيع، فبعض الحيوانات لها رجيع أقدر من الغائط، فهذه تلحق إما بفحوى الخطاب أو لحنه المعبر عنه بنفي الفارق، ولا يستثنى من ذلك إلا ما أخرجه الدليل من مأكول اللحم، كما صحت الأدلة في الصلاة في مرابض الغنم، وهي لا تخلو من ذلك، وما صح من إباحته صلى الله عليه وسلم للعرنيين شرب أبوال الإبل. فالخلاصة أن كل الحيوانات بولها وروثها نجس إلا مأكول اللحم؛ لأنه صحت به الأحاديث، أنه صلى في مرابض الغنم، والغالب أنها تكون فيها البول وفيها الروث، وكانوا يصلون وليس هناك حائل..
وأما الجلالة مثل الدجاج فنجس إلا أنه يعفى عن الطيور التي في المساجد لأن الاحتراز منه فيه مشقة.
ما يعفى عنه من النجاسات:
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة السادسة: اختلف الناس في قليل النجاسات على ثلاثة أقوال:
فقوم رأوا قليلها وكثيرها سواء ] في عدم العفو، [ وممن قال بهذا القول الشافعي . وقوم رأوا أن قليل النجاسات معفو عنه، وحدوه بقدر الدرهم البغلي وهو ما يساوي ذلك السواد الذي يكون في يد البغل، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة ، وشذ محمد بن الحسن فقال: إن كانت النجاسة ربع الثوب فما دونه جازت به الصلاة.
وقال فريق ثالث: قليل النجاسات وكثيرها سواء إلا الدم على ما تقدم ] فهذا قال: قليله وكثيره سواء في عدم العفو إلا الدم، كما تقدم من أن مذهب الجمهور العفو عن قليله.
[ وهو مذهب مالك ] والجمهور ومنهم الشافعي [ وعنه ] أي: عن مالك [ في دم الحيض روايتان ] هل يعفى عن قليله أو لا يعفى؟ [ والأشهر مساواته لسائر الدماء ] أي: يعفى عن قليله.
قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في قياس قليل النجاسة على الرخصة الواردة في الاستجمار للعلم بأن النجاسة هناك باقية ] فقالوا: قليل النجاسة يعفى عنه؛ لأن المستجمر يبقى عليه أثر النجاسة في قبله ودبره، ومع ذلك يعفى عنها، فهذا يدل على أن قليل النجاسة معفو عنها و الشافعي يقصره على الاستنجاء والدم القليل فقط، لكن أبا حنيفة يقول في جميع النجاسات: يعفى عن قدر الدرهم، في أي محل وخلاصة الأقوال ثلاثة:
القول الأول: لا يعفى عن شيء من النجاسة مطلقاً.
القول الثاني: يعفى عن قدر الدرهم.
القول الثالث: لا يعفى عن شيء من النجاسات ويستثنى منها الدم، وهذا القول قول الجمهور، وهو قول الشافعي .
أما قول المؤلف إن الشافعي يقول: إنه لا يعفى عن الدم، فهذا خطأ في النسبة. [ فمن أجاز القياس على ذلك استجاز قليل النجاسة، ولذلك حدوه بالدرهم قياساً على قدر المخرج ] يقول الشافعي والجمهور: إن القبل والدبر رخصة؛ لأن الإنسان قد يحدث عليه بول أو غائط ولا ماء لديه؛ فرخص له الاستنجاء بالحجر، وإذا كانت رخصة فلا يقاس عليها سائر النجاسات التي كانت يمكنك أن تتحرز عنها، هكذا يقولون؛ فـالشافعي والجمهور قالوا: إن أبا حنيفة قاس شيئاً لا رخصة فيه على ما فيه رخصة، ويمكن الإنسان التحرز عنه بخلاف الغائط والبول عند عدم الماء؛ فقالوا: يعفى عن قدر الدرهم؛ لأن قدر الدرهم يكون مثل الدبر؛ ولكن قوله غير صحيح، [ ومن رأى أن تلك رخصة، والرخص لا يقاس عليها منع ذلك.
وأما سبب استثناء مالك ] والجمهور [ من ذلك الدماء فقد تقدم. وتفصيل مذهب أبي حنيفة : أن النجاسات عنده تنقسم إلى مغلظة ومخففة، وأن المغلظة هي التي يعفى منها عن قدر الدرهم.. ] وهذا عجيب كيف يعفى عن قدر الدرهم، حتى بول الكلب.
[ والمخففة هي التي يعفى منها عن ربع الثوب، والمخففة عندهم مثل أرواث الدواب، وما لا تنفك منه الطرق غالباً، وتقسيمهم إياها إلى مغلظة ومخففة حسن جداً ].
قال إمام الحرمين الجويني في كتابه "غياث الأمم في التياث الظلم" ويقال له: "الغياثي" وهذا كتاب تكلم فيه عن عصرنا الحاضر، وهو في هذا الكتاب لا ينقل عن أحد من العلماء، وإنما يبتكر فيه المسائل ابتكاراً، وأتى فيه بمسائل غير موجودة في وقته، ولكنه تكلم عنها فكانت حلاً لمسائل الخلاف في وقتنا الحاضر؛ فحللها بتحليل أحسن تحليل! فمن أراد أن يعرف مسائل الخلاف في هذا الوقت الذي كثر فيه المنحرفون عن الشريعة الإسلامية وكانوا رؤساء لا يحكمون بالشريعة الإسلامية وذهبت الخلافة الإسلامية؛ فإنه تكلم بأوسع شيء فيه؛ وكأنه يعالج العصر الحاضر وهو جزء واحد فقط.
قال إمام الحرمين في (صفحة 444إلى صفحة446) في الكلام على ما يدخل تحت المعفو عنه من النجاسات.
قال: رب نجاسة متيقنة يقضي الشرع بالعفو عنها.. ثم بعد ذلك قسمها إلى قسمين؛ فقال: وتقسم إلى قسمين:
الأول: ما لا يتصور التحرز عنه أصلاً، وليس من الممكن الاستقلال باجتنابه، وهو كالغبار الثائر من قوارع الطرق التي تطرقها البهائم والدواب والكلاب أقول: أليس في شوارع القرى أبوال الحمير متيقنة وروث الحمير متيقن والكلام كذلك.
وأنت تخرج في أيام فيها غبار لا سيما وأنت قد توضأت، فما تصل إلى المسجد إلا وثيابك كلها قد تعلق عليها تراب وفيها آثار حتى من روث الحمير، وحتى المياه في الآبار لما نخرجها فيها آثار روث الحمير؛ فهذه لا يمكن الاحتراز عنها؟
وكذلك أيام المطر في البادية تجد الروث على الماء، ولا تمشي إلا وهو يلصق برجليك، معناه أنه يعفى عن ذلك.
وعلى القطع نعلم نجاستها، والناس في تردداتهم وتصرفاتهم يعرقون، والرياح تثير الغبار; فتنال الأبدان والثياب.. يعني تنال هذه النجاسة الأبدان والثياب، ثم لا تخلو عما ذكرناه البيوت والدور والأكنان.
ونحن نعلم أن التحرز من هذا غير داخل في الاستطاعة، والماء يغشاه منه ما يغشى غيره من الثياب والأبدان والبقاع؛ فلا خفاء في أن يكون ذلك محطوطاً عن المكلفين أجمعين.
القسم الثاني: ومن ضرب النجاسة ما يدخل في الإمكان الاحتراز منها على عسر، وإذا التصقت بالبدن والثوب أمكن غسلها، ولكن يلقى المكلفون فيه مشقة لو كلفوا الاجتناب أو الإزالة.
فهذا على الجملة معفو عنه عند العلماء فمثلاً طريق المسجد طريق معتادة أيام المطر وهي طويلة تكلفك عشر دقائق أحياناً، ولكن فيها القاذورات، وتوجد طريق أخرى ستكلفك نصف ساعة فيها مشقة على المكلفين، فهذه مشقة في الاجتناب، والثانية مشقة في الإزالة، وإن أخذت لك قربة من الماء وحملتها من بيتك إلى المسجد ثم غسلت هذه القاذورات التي لصقت بك في الطريق، فهذا فيه تكليف ومشقة فهذا يعفى عنه.
وإنما اختلفوا في القدر والتفاصيل، ومثال هذا القسم عند الشافعي - رحمه الله - دماء البراغيث والبثرات، والبثرات: الجروح ونحن نقول -ذاك كلامه-: إنا غير مكلفين بالتوقي مما لا يتأتى التوقي منه أو كان متصوراً على العسر والمشقة؛ فهو معفو عنه، ولكن قد يخفى المعفو عنه قدراً وجنساً، والوجه أن يقال: إن كان التشاغل مما يضيق متنفس الرجل في تصرفاته وعباداته وأفعاله ويجهده ويكده؛ فهو معفو عنه في الشرع.
يقول: إن هناك من النجاسات ما لا يمكن الاحتراز عنه، هذا ما حدده لا بقليل ولا كثير، ولكن من النجاسات ما فيه مشقة؛ فهذا يعفى عن القليل والكثير منها.
قال العلماء: ويعفى في أيام الريح عن أسفل الثوب ما لا يعفى عن أعلاه؛ لأن أسفل الثوب كله سيتملأ غباراً فيعفى عنه في أيام الريح فلا يمكن أنه يذهب إلى الصلاة في المسجد ويغتسل ويلبس الثوب الآخر لأن هذا فيه مشقة، فالعفو عن النجاسات يتعلق بالمشقة؛ فإذا رأيت شيئاً يشق عليك؛ فهذا معفو عنه؛ ومثل ذلك سلس البول أو سلس المذي أو أي سلس فهذا يعفى عنه للمشقة إذا كان يعاوده في اليوم أكثر من أربع مرات أو خمس مرات.
وكذلك هناك منظومة ابن العماد وهذه نسخة جيدة في المعفوات، يقول: يعفى في المرضعة - يذكر فيها - على القول بأن قيء الصبي نجس، يعفى عن التقام ثديها، ويعفى في المرضعة عن البول في الأيام الباردة في حجرها؛ لأنها مشقة عليها.
طهارة المني:
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة السابعة: اختلفوا في المني: هل هو نجس أم لا؟ فذهبت طائفة، منهم مالك و أبو حنيفة إلى أنه نجس ] إلا أن أبا حنيفة قال: يكفي فيه الفرك يابساً، وأوجب مالك غسله بالماء يابساً أو رطباً.
[ وذهبت طائفة إلى أنه طاهر، وبهذا قال الشافعي و أحمد و داود ].
قال رحمه الله: [ وسبب اختلافهم فيه شيئان:
أحدهما: اضطراب الرواية ] أي: اختلاف الروايات [ في حديث عائشة ، وذلك أن في بعضها: ( كنت أغسل ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المني فيخرج إلى الصلاة، وإن فيه لبقع الماء ) ] إذاً فيه الغسل [ وفي بعضها: ( أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وفي بعضها: ( فيصلي فيه ) ] وفي بعضها: ( وهو في الصلاة ) [ خرج هذه الزيادة مسلم .
السبب الثاني: تردد المني بين أن يشبه بالأحداث الخارجة من البدن ] يعني بالبول والغائط [ وبين أن يشبه بخروج الفضلات الطاهرة ] كالمخاط [ كاللبن وغيرها.. ] يعني على أيهما أقرب؟ [ فمن جمع الأحاديث كلها بأن حمل الغسل على باب النظافة، واستدل من الفرك على الطهارة على أصله في أن الفرك لا يطهر نجاسة، وقاسه على اللبن وغيره من الفضلات الشريفة لم يره نجساً ] قال: إن الأصل إنما يغسل للنظافة وإن غسله كان للتنزه عن الأقذار؛ ويقاس على الفضلات التي هي غير نجسة؛ رأى أنه طاهر.
[ ومن رجح حديث الغسل على الفرك.. ] قال: إن حديث الغسل أرجح من حديث الفرك [ وفهم منه النجاسة، وكان بالأحداث عنده أشبه منه مما ليس بحدث ] قال: إنه يشبه البول والغائط [ قال: إنه نجس.
وكذلك أيضاً من اعتقد أن النجاسة تزول بالفرك.. ] كما قال أبو حنيفة قال: نجس، لكنه يزول بالفرك [ قال: الفرك يدل على نجاسته كما يدل الغسل وهو مذهب أبي حنيفة .
وعلى هذا فلا حجة لأولئك في قولها.. ] أي: عائشة [ (فيصلي فيها)، بل فيه حجة لـأبي حنيفة في أن النجاسة تزال بغير الماء، وهو خلاف قول المالكية ] فإن مالكاً قال: لا تزال إلا بالماء.
الراجح: أن المني طاهر وأنه أشبه بالخارج المستقذر، مثل المخاط والبصاق ونحوه، وذلك لحديث عائشة ، قالت: ( كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب فيصلي فيه )، أخرجه الجماعة إلا البخاري ، قال الحافظ : وأصرح منه ما رواه ابن خزيمة قالت: ( ثم يذهب إلى الصلاة )، كأنه يستدل به لـمالك أن النجاسة تفرك، لكن يوجد حديث يدل على أنها فركته وهو يصلي.
وأصرح منه ما رواه ابن خزيمة أنها: ( كانت تحته من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي )، قال الحافظ : وقد روي الأمر بفركه من طريق صحيح، رواها ابن الجارود في المنتقى، قال: ( كان عند عائشة ضيف؛ فأجنب.. ) يعني نزل رجل كأنه من أقارب عائشة فأجنب فجعل يغسل ما أصابه؛ فقالت عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بحته )، قال النووي في المجموع: ولو كان نجساً لم يكف فركه كالدم والمذي أما غسل عائشة وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو إقرار منه على فعل، وهو لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على استحباب النظافة من الأشياء المستقذرة، وأما ما ورد من الأمر بغسله فهو ضعيف لا تقوم به حجة، انظر: المجموع، (2/561) والنيل: (1/66).
قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثالث: في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها:
وأما المحال التي تزال عنها النجاسات فثلاثة ولا خلاف في ذلك:
أحدها: الأبدان ثم الثياب، ثم المساجد ومواضع الصلاة، وإنما اتفق العلماء على هذه الثلاثة; لأنها منطوق بها في الكتاب والسنة.
أما الثياب ففي قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] على مذهب من حملها على الحقيقة، وفي الثابت من أمره صلى الله عليه وسلم بغسل الثوب من دم الحيض.. ] ، هذا مر وهو حديث صحيح..
[ وصبه الماء على بول الصبي الذي بال عليه ] وهو حديث صحيح.
[ وأما المساجد فلأمره عليه الصلاة والسلام: بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي الذي بال في المسجد .. ] وهو حديث صحيح [ وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: أنه أمر بغسل المذي من البدن ] قال: ( اغسل ذكرك ) [ ( وغسل النجاسات من المخرجين ) ] من القبل والدبر.
[ واختلف الفقهاء هل يغسل الذكر كله من المذي أو لا؟ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث علي المشهور وقد سئل عن المذي فقال: يغسل ذكره ويتوضأ ].
سبب اختلافهم هل اسم الذكر يطلق على الطرف منه أو يطلق عليه كله؟
فمن قال: يطلق على الجزء منه؛ قال: يغسل ما يخرج منه، ومن قال: يطلق على الذكر كله قال: لا بد من غسل الذكر كله.
[ وسبب الخلاف فيه هو هل الواجب هو الأخذ بأوائل الأسماء أو بأواخرها؟ فمن رأى أنه بأواخرها، أعني: بأكثر ما ينطلق عليه الاسم؛ قال: يغسل الذكر كله، ومن رأى الأخذ بأقل ما ينطلق عليه قال: إنما يغسل موضع الأذى فقط قياساً على البول والمذي ].
والراجح أنه يغسل الذكر كله والعلة في غسل المذي النجاسة، أما العلة في غسل الذكر؛ فهو طلب التقلص؛ حتى لا يخرج منه مذي آخر عند بقائه منتصباً دون غسل.
ومعناه أنه لا يخرج المذي من الفحل إلا إذا كان ذكره منتصباً، بخلاف المصاب بالسيلان فيخرج منه وإن لم يكن ذكره منتصباً؛ ولهذا قالوا: كل فحل يمذي؛ فما دام الذكر منتصباً؛ فإن المذي سيخرج حتى ولو غسلته، فستقوم وسيخرج المذي، فالرسول صلى الله عليه وسلم دلك على شيء، وهو أنك إذا غسلت المذي أن تغسل الذكر كله فعند ذلك سيموت الذكر ولا يكون منتصباً، وإذا لم ينتصب فلن يخرج المذي فهذه العلة.
وأما حكم المذي، فالمشهور من مذهب أحمد أنه يجب فيه النضح، والرواية الثانية عنه أنه يجب فيه غسل الذكر.
وبهذا قال الشافعي . وحديث سهل بن حنيف يؤيد القول الأول وفيه: ( يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح حيث ترى أنه أصابك )، يعني: من الثوب، والحديث رواه الترمذي وصححه. فالمذي إن كان في البدن؛ فيجب غسله وإن كان في الثوب؛ فيخفف فيه بالنضح. ويؤيد هذا أن الشرع قد خفف في بول الصبي؛ لحصول المشقة فأوجب فيه النضح، فكذلك قد ورد في هذا الحديث التخفيف في المذي بالنضح؛ لما يحصل للشباب من المشقة في خروج المذي أكثر مما يحصل في حمل الصبي.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر