إسلام ويب

كتاب الطهارة [34]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النجاسة نوعان: نوع متفق عليه، ونوع جرى الخلاف فيه بين العلماء. فمن المتفق عليه: طهارة ما لا دم له سائل، مثل دود الخل وما يتولد من المطعومات ومن المختلف فيه ميتة البحر، والميتة وأجزائها، ودم السمك، والقليل من دم الحيوان البري.

    1.   

    ميتة الحيوان الذي لا دم له وميتة البحر

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثاني في معرفة أنواع النجاسات.

    وأما أنواع النجاسات فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة: ميتة الحيوان ذي الدم الذي ليس بمائي، وقد ذكرنا ذلك في المسألة الأولى ].

    ذكر خلاف العلماء في حكم ميتة ما لا دم له وميتة البحر

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الأولى: اختلفوا في ميتة الحيوان الذي لا دم له]، يعني الحيوانات الصغار التي إذا أخذت عضو منها لا يسيل الدم..

    [وفي ميتة الحيوان البحري] أي: الذي مات بنفسه في البحر، ليس بسبب عزل الماء ولا بسبب الاصطياد.

    [ فذهب قوم إلى أن ميتة ما لا دم له ] يعني: يسيل [ طاهرة، وكذا ميتة البحر وهو مذهب مالك وأصحابه ]، وكذلك مذهب أحمد ، قالوا: إن هذه ميتتها طاهرة.

    [ وذهب قوم إلى التسوية بين ميتة ذوات الدم والتي لا دم لها في النجاسة ] هؤلاء قالوا: إن الميتة كلها نجسة سواءً كان لها دم سائل أو ليس لها دم سائل، [ واستثنوا من ذلك ميتة البحر ] فإنها طاهرة، [ وهو مذهب الإمام الشافعي ]، إلا أنه قال: يعفى عن ميتة ما لا دم له سائل، مالم يطرح أو يغير ما وقع فيه.

    فإذا وقعت في الإناء بنفسها، كالذباب ومات، أو أي شيء لا دم له سائل وقع في الإناء بنفسه، فهل ينجس الماء؟

    قال: لا ينجسه، إلا أن تأخذه ميتاً فتطرحه فإنه ينجس الماء، أو يكثر بحيث يغير الماء.

    وعنده قد سبق أن الماء القليل إذا لاقته النجاسة فإنه ينجس. لكن لو سقط في الإناء بنفسه فمات فلا ينجس الماء، فيعفى عنه؛ للمشقة.

    [ إلا ما وقع الاتفاق على أنه ليس بميتة ]، هناك أشياء لا دم لها سائل، وقع الاتفاق على أنها ليست بميتة، فهذا الشافعي يرى أنها طاهرة وهي: [ مثل دود الخل، وما يتولد في المطعومات ]، فمثلاً بعض المطعومات يتولد منها دود، ويموت فيها، فحكمه أنه طاهر بالاتفاق.

    [ وسوى قوم بين ميتة البر والبحر، واستثنوا ميتة ما لا دم له وهو مذهب أبي حنيفة ]، إذاً مذهب أبي حنيفة يقول: إن ميتة البحر نجسة وميتة البر نجسة، إلا أنه يستثنى ما لا دم له سائل، فإنه طاهر.

    سبب اختلاف العلماء في ميتة ما لا دم له وميتة البحر

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ[المائدة:3] ]، لأن هذه الميتة عام.

    [وذلك أنهم فيما أحسب.. ]، أي فيما يظن المؤلف أنه: [ اتفقوا أنه من باب العام أريد به الخاص ]، فمثلاً الشافعي قال: من باب العام أريد به الخاص فاستثنى منه ميتة البحر فقط.

    و مالك و أحمد قالوا: من باب العام أريد به الخاص، فاستثنوا منه ميتة البحر وما لا دم له سائل، و أبو حنيفة قال: من باب العام أريد به الخاص فاستثنى منه ميتة ما لا دم له سائل.

    فكلهم استثنوا، لكن كلاً استثنى على ما يرى، فمن حيث الجملة اتفقوا على أنه من باب العام أريد به الخاص، لكن اختلفوا في ما هو الذي استثني منه؟

    فمالك و أحمد قالوا: يستثنى منه ميتة البحر فقط، وما لا دم له سائل. و الشافعي قال: يستثنى منه ميتة البحر، و أبو حنيفة قال: يستثنى منه ما لا دم له سائل.

    [ واختلفوا أي خاص أريد به؟ فمنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر، وما لا دم له ]، وهؤلاء هم: مالك و أحمد . [ ومنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر فقط ]، وهذا مذهب الشافعي .

    [ ومنهم من استثنى من ذلك ميتة ما لا دم له فقط ] وهو أبو حنيفة .

    [ وسبب اختلافهم في هذه المستثنيات هو سبب اختلافهم في الدليل المخصوص ]، أي: الذي خصص هذه المستثنيات.

    [ أما من استثنى من ذلك ما لا دم له، فحجته مفهوم الأثر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام من أمره بمقل الذباب إذا وقع في الطعام ]، يعني غمس الذباب إذا وقع في الطعام، وهو حديث صحيح، فإنه أمر بغمسه وغمسه يؤدي إلى موته، فهذا يدل على أن ميتته طاهرة.

    [ قالوا: فهذا يدل على طهارة الذباب، وليس لذلك علة إلا أنه غير ذي دم ]. قالوا: علته أنه غير ذي دم.

    [ وأما الشافعي فعنده أن هذا خاص بالذباب ]، يقول: الذباب تغمسه للعلة الظاهرة، وهي: أن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر دواء، فأنت تغمسه ليزيل الداء بالدواء.

    ثم إن الشافعي سيرد قولهم على أن ما لا دم له سائل أنه طاهر، فيقول: [ ووهن الشافعي هذا المفهوم من الحديث؛ بأن ظاهر الكتاب يقتضي أن الميتة والدم نوعان من أنواع المحرمات ]، فهم يقولون: سبب طهارة ما لا دم له سائل هو عدم وجود الدم؛ لأن الدم هو سبب النجاسة.

    فقال الشافعي : هذا الكلام ضعيف، ليس الدم سبب النجاسة، إنما الميتة هي سبب للنجاسة، والدليل على أن الميتة هي سبب للنجاسة هو أن الذبح يطهر الحيوان ولا يطهر دمه.

    فإذا كان الحيوان الذي ذبح، أليس يكون أولاً الدم باق فيه أو لا؟ ثم بعد ذلك يخرج، فيقول: هل يطهر الحيوان بنفس الذبح أو بعد خروج الدم؟

    بالذبح، إذاً أنتم قلتم بطهارة الحيوان المذبوح مع بقاء الدم، وبأن الدم نجس لا تطهره الذكاة.

    إذاً فهذه العلة هي احتقان الدم غير صحيحة هنا، ويدلل على ذلك بأن السبب الذي هو الدم موجود، والمسبب منتفي وهو طاهر، فهذا يدل على أن الدم ليس له تعلق بالنجاسة. ويمثل لذلك بالعصير، لما يكون مسكراً، هل يكون ممنوعاً تعاطيه؟ قد يكون نجساً عند بعض العلماء، فيقول: لا يزول عنه الحكم إلا بزوال العلة التي هي الإسكار، فكما يجب عليكم أن تقولوا: إن المذبوح لا تكون فيه الطهارة إلا إذا زال الدم، ولكنكم لا تقولون بذلك؛ فعلم أن الدم شيء مستقل وهو غير الميتة، فالميتة تطهر بالذبح، والدم لا يطهر بالذكاة. هذا معنى كلامه.

    [ أحدهما تعمل فيه التذكية وهي الميتة، وذلك في الحيوان المباح الأكل بالاتفاق، والدم لا تعمل فيه التذكية فحكمهما مفترق ] الدم متى فيه التذكية؟! [ فكيف يجوز أن يجمع بينهما حتى يقال: إن الدم هو سبب تحريم الميتة؟! وهذا قوي كما ترى ] المؤلف يقوي هذا التعليل [ فإنه لو كان الدم هو السبب في تحريم الميتة لما كانت ترتفع الحرمية عن الحيوان بالذكاة، وتبقى حرمية الدم الذي لم ينفصل بعد عن المذكاة، وكانت الحلية إنما توجد بعد انفصال الدم عنه ] أي: عن الحيوان [ لأنه إذا ارتفع السبب ارتفع المسبب الذي يقتضيه ضرورة; لأنه إن وجد السبب والمسبب غير موجود فليس له هو سبباً، ومثال ذلك أنه إذا ارتفع التحريم عن عصير العنب وجب ضرورة أن يرتفع الإسكار إن كنا نعتقد أن الإسكار هو سبب التحريم ]، هذا تعليل الشافعي أنه لا يصح التعليل بأن سبب نجاسة الميتة هو احتقان الدم فيها، فالتي لا دم لها سائل فهي طاهرة.

    دليل الشافعي في استثنائه من الميتات ميتة البحر

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما من استثنى من ذلك ميتة البحر ] وهو الشافعي ، [ فإنه ذهب إلى الأثر الثابت في ذلك من حديث جابر وفيه: (أنهم أكلوا من الحوت الذي رماه البحر أياماً وتزودوا منه، وأنهم أخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحسن فعلهم وسأل: هل بقي منه شيء؟) ]، وهذا الحديث رواه البخاري و مسلم ، وهو يدل على أن ميتة البحر طاهرة، وكذلك الحديث: ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )، وهو حديث صحيح.

    [ وأما أبو حنيفة ] الذي قال: إن ميتة البحر نجسة، [ فرجح عموم الآية على هذا الأثر، إما لأن الآية مقطوع بها ] يعني أنها واردة بالتواتر [ والأثر مظنون ]، أي: وارد بالآحاد؛ لأن الإمام أبا حنيفة يرى أنه إذا تعارض العام والخاص فعنده أن العام نص في العموم، وأن الخاص ينسخ من العام بقدره، ثم يقول: إن الآحاد لا ينسخ المتواتر، وأحاديث الباب آحاد والآية متواترة، على القاعدة الأصولية: بأنه لا ينسخ المتواتر بالآحاد. فالآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ[المائدة:3]، عامة، أي ميتة، ميتة بر أو بحر.

    يقول: إن العام نص في العموم وليس ظاهراً، فإذا جاء الخاص فإنه ينسخ من العام بقدره، ثم بعد ذلك يقول: ولا يكون النسخ إلا أن المتواتر ينسخ المتواتر والآحاد ينسخ الآحاد، أما الآحاد فلا ينسخ المتواتر، وهذا مذهب الجمهور، جمهور أهل الأصول يقولون: إن المتواتر لا ينسخ بالآحاد، وعليه أكثر أهل الأصول، وكتب الأصول كلها تقول هذا، وما خالف في هذه القاعدة إلا الشيخ الشنقيطي في كتابه المذكرة ويمكن في الأضواء، ودلل على ذلك بأنه وردت آيات في القرآن: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ[الأنعام:145]، هذه الآية نص على أن هذه الأربعة نص، وأنه لا يوجد غير هذه الأربعة نجس، أو محرم، ثم جاءت أحاديث تحريم الحمر الأهلية بالآحاد، يقول: نص وليس بتخصيص وأنه بالنفي والاستثناء؛ فدل على أن الآحاد ينسخ المتواتر.

    فدلل بهذا وقال: إنه لا تعارض بين الآحاد والمتواتر إلا بشرط أن لا يكون متعارضة، ويكون بنص، قال: لا تعارض على جواز قبول الآحاد المعارض لقبول المتواتر إذا اختلف الزمن، فلو قال لك ألف شخص: إن زيداً يوم الجمعة كان في صنعاء، وجاء واحد وقال لك: يوم الأحد كان في الحديدة، فلا تعارض بين الخبرين.

    [ وإما لأنه رأى أن ذلك رخصة لهم، أعني حديث جابر ]، يعني: أن حديث جابر هذا كان رخصة؛ لأنه كان لا يوجد لهم أكل، ففي الحديث على أنهم كانوا يأخذون من تمرة تمرة، ثم بعد ذلك التمرة يمصها اثنان أو ثلاثة، فكان هذا رخصة لاضطرارهم.

    لكن قوله: (رخصة) ينقضه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فهل بقي منه شيء؟ ).

    وأجاب عن الحديث: ( الحل ميتته )، أي: ميتته التي بسبب الاصطياد، أو بسبب حسر البحر عنها وكذلك أجاب هنا وقال: إن هذا الحيوان لم يمت في البحر بنفسه، ولكنه انحسر عنه البحر فمات، وهو يجيز مثل هذا، لكن الطافي الذي يموت بنفسه ويطفو على البحر فإنه لا يجيزه.

    [ أو لأنه احتمل عنده أن يكون الحوت مات بسبب، وهو رمي البحر به إلى الساحل; لأن الميتة هو ما مات من تلقاء نفسه من غير سبب خارج. ولاختلافهم في هذا أيضاً سبب آخر، وهو: احتمال عودة الضمير في قوله تعالى: وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ[المائدة:96] ]، أي: هل هو طعام البحر أو الصيد؟ فإن كان طعامه الصيد فهو يدل على أن الطافي نجس، وإذا كان المقصود طعام البحر فيدل على أن الطافي من الميتة طاهر ويجوز أكله.

    [ أعني: أن يعود على البحر أو على الصيد نفسه، فمن أعاده على البحر قال: طعامه هو الطافي ]، فيجوز أكله.

    [ ومن أعاده على الصيد قال: هو الذي أحل فقط من صيد البحر. مع أن الكوفيين أيضاً تمسكوا في ذلك بأثر ورد فيه تحريم الطافي من السمك، وهو عندهم ضعيف ]، يعني حديث: ( ما ألقى البحر أو جزر فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه )، وهذا الحديث ضعيف.

    الراجح في حكم ميتة البحر والجراد والآدمي

    إذاً: الراجح طهارة ميتة البحر؛ لما هو مقرر في الأصول من جواز تخصيص الكتاب بالسنة عند الجمهور، وإن منعه الحنفية، فالأحاديث السابقة مخصصة لعموم الآية، وليست من باب النسخ كما يزعم أبو حنيفة .

    وكذلك ميتة الجراد، حكمها أنها مستثناة من عموم الآية؛ لحديث ابن عمر : ( أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال )، وهو حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه و الحاكم و البيهقي ، كما في صحيح الجامع.

    وكذلك ميتة الآدمي طاهرة وليست نجسة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس )، وفي البخاري من حديث ابن عباس تعليقاً: ( إن المؤمن لا ينجس حياً ولا ميتاً ) وقد صححه شيخنا في مختصر البخاري ، وهو موقوف، وروي مرفوعاً وصححه الحاكم ، كما في المجموع (2/567).

    إذاً المستثنيات من الميتة هي: ما لا دم له سائل، وميتة البحر، والجراد، والآدمي.

    الراجح في حكم ميتة ما لا دم له

    الراجح في ميتة ما لا دم له سائل أنها طاهرة؛ لما صح من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بغمس الذباب، وغمسه يؤدي إلى موته.

    الراجح في نوع نجاسة المشرك حياً وميتاً

    إن حديث: (المؤمن لا ينجس) مفهوم المخالفة: أن الكافر نجس، ولكن مفهوم المخالفة هذا رده الأكل من طعامهم، والتزوج بالكتابية، فدل على أن نجاسته ليست حسية وإنما هي نجاسة معنوية، هذا في الحياة، يبقى في الموت، فإذا حكمنا بأن هذا المفهوم مردود في الحياة، فكذلك نقول: إنه غير مقبول في الحياة فكذلك غير مقبول في الموت، فالكافر موتته طاهرة، وهذا المفهوم لا يؤخذ به، ويدل عليه عموم قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ[الإسراء:70]، فبني آدم عام للكافر والمسلم، ومن كرامتهم عدم نجاسة ميتتهم، هكذا قال العلماء.

    إذاً الذي رجحنا أن قوله: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[التوبة:28]، أنه نجاسة اعتقاد لا نجاسة حسية.

    إذاً تعارض مفهوم حديث ابن عباس الموقوف أو المرفوع مع عموم الآية: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، فإننا نأخذ بعموم منطوق الآية.

    1.   

    أجزاء الميتة

    أقوال العلماء في أجزاء الميتة

    قال المصنف رحمه الله: [ أجزاء الميتة: المسألة الثانية وكما اختلفوا في أنواع الميتات كذلك اختلفوا في أجزاء ما اتفقوا عليه أنه ميتة، وذلك أنهم اتفقوا على أن اللحم من أجزاء الميتة ميتة ]، هذا اتفق العلماء على نجاسته.

    [ واختلفوا في العظام والشعر، فذهب الشافعي ] وكذلك أحمد [ إلى أن العظم والشعر ميتة، وذهب أبو حنيفة إلى أنهما ليسا بميتة ] بل طاهرة [ وذهب مالك للفرق بين الشعر والعظم فقال: إن العظم ميتة وليس الشعر ميتة ].

    سبب خلاف العلماء في حكم أجزاء الميتة

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: هو اختلافهم فيما ينطلق عليه اسم الحياة من أفعال الأعضاء.

    فمن رأى أن النمو والتغذي هو من أفعال الحياة قال: إن الشعر والعظم إذا فقدت النمو والتغذي فهي ميتة ].

    إذاً من قال: إن الشعر والعظم ينمو ويتغذى فهو نجس، فجعل علة النجاسة النمو والتغذي.

    [ومن رأى أنه لا ينطلق اسم الحياة إلا على الحس قال: إن الشعر والعظام ليست بميتة; لأنها لا حس لها.

    ومن فرق بينهما] قال: العظم يحس والشعر لا يحس [ أوجب للعظام الحس ولم يوجب للشعر ] وهو كذلك [ وفي حس العظام اختلاف، والأمر مختلف فيه بين الأطباء ]، الراجح أن العظم يحس، فإذا كسر قرن الحيوان حس به وتألم.

    لكن الشعر ما يحس به ولا يتألم، أما سحبها فإنما يحس الجلد، لكن لو قصيته ما يحس.

    [ومما يدل على أن التغذي والنمو ليسا هما الحياة التي يطلق على عدمها اسم الميتة، أن الجميع قد اتفقوا على أن ما قطع من البهيمة وهي حية أنه ميتة لورود ذلك في الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة) واتفقوا على أن الشعر إذا قطع من الحي أنه طاهر] واتفقوا على أن الشعر إذا قطع ليس بميتة، فهو يدل على أن التعليل بالنمو والتغذي ليس بصحيح؛ لأنه لو كان صحيحاً وحرم به اللحم، فسيحرم به الشعر.

    [ ولو انطلق اسم الميتة على من فقد التغذي والنمو لقيل في النبات المقلوع إنه ميتة ] لأنا إذا قلنا: إن العلة هي النمو والتغذي، فالنبات ينمو ويتغذى، فيكون قلعه ميتة وحشه ذكاة، وهذا لا يقول به أحد من العلماء.

    [ وذلك أن النبات فيه التغذي والنمو و للشافعي أن يقول: إن التغذي الذي ينطلق على عدمه اسم الموت هو التغذي الموجود في الإحساس ]. يقول: إن العلة مركبة من التغذي والإحساس، أما النبات فهو يتغذى ولا يحس. ولا يجوز أن تكون العلة مركبة من شيئين.

    الراجح في حكم عظم وقرن وظفر وظلف وشعر الميتة

    والراجح أن العظم والقرن والظفر والظلف والشعر -الظلف بمعنى الظفر- من الميتة طاهر، وقد نسب ابن تيمية هذا إلى جمهور السلف، قال الزهري : كان خيار هذه الأمة يمتشطون بعظم الفيل، ولو كان نجساً؛ لكون الفيل نجساً ولا يطهر بالذكاة لم يجز الامتشاط به.

    وعلل ابن تيمية عدم النجاسة بأنها -أي هذه الأشياء- لا تحمل دماً مسفوحاً، فهي كميتة ما لا دم له سائل.

    ينظر المسائل الماردينية من (ص37) إلى (ص43)، وهو كتيب صغير مخرج وهو ضمن مجموعة الفتاوى.

    إذاً فالشافعي يقول: إن العظم نجس والعلة فيه التغذي والإحساس، وإن الشعر ليس بنجس؛ لأنه لم يجمع العلتين، فأخذ التغذي دون الإحساس ويقول: أيضاً إن الشعر من الميتة نجس، وقصه في حال الحياة طاهر، ويستدل بقوله تعالى: وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ [النحل:80]، فيقول: النص قد دل على أنه إذا جز في حال الحياة فهو طاهر، أما إذا كان حال الموت فهو نجس.

    1.   

    جلود الميتة

    خلاف العلماء في حكم الانتفاع بجلود الميتة

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: جلود الميتة اختلفوا في الانتفاع بجلود الميتة، فذهب قوم إلى الانتفاع بجلودها مطلقاً دبغت أو لم تدبغ ]، وعلى هذا القول تكون طاهرة.

    [ وذهب قوم إلى خلاف هذا، وهو ألا ينتفع به أصلاً وإن دبغت.

    وذهب قوم إلى الفرق بين أن تدبغ، وألا تدبغ، ورأوا أن الدباغ مطهر لها وهو مذهب الشافعي و أبي حنيفة ، وعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما مثل قول الشافعي ، والثانية أن الدباغ لا يطهرها، ولكن تستعمل في اليابسات ]، وهو كذلك مذهب أحمد .

    واليابسات، مثلاً أن تجعل فيه أواني، أو تجعل فيه ثياب، وغيرها.

    [ والذين ذهبوا إلى أن الدباغ مطهر اتفقوا على أنه مطهر لما تعمل فيه الذكاة من الحيوان، أعني: المباح الأكل ]، الذين قالوا: إنه يطهر اختلفوا فيما بينهم! ما الذي يطهر من جلود الحيوان؟

    فقال قوم: يطهر جلد الحيوان مأكول اللحم، أما غيره من الحيوانات فلا تطهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فدباغها ذكاتها ).

    [ واختلفوا فيما لا تعمل فيه الذكاة، فذهب الشافعي إلى أنه مطهر لما تعمل فيه الذكاة فقط، وأنه بدل منها في إفادة الطهارة ]، قال المؤلف: والمقرر في مذهب الشافعية طهارة جلود الميتة إذا دبغت، سواء كان في مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم ما عدا الكلب والخنزير. انظر كفاية الأخيار، (ص12).

    واستثنوا الكلب والخنزير لأنهما نجسان في حال الحياة، والموت ينجس به الطاهر، ويطهره الدبغ، فلا يكون ميتتها تخفيفاً من نجاستها، فإذا كانت نجسة في حال الحياة فلا يمكن أن يخفف الموت من نجاستها فهذا خلاف القياس والموت يحدث النجاسة ولا يخففها. هذا كلام الشافعية.

    [ وذهب أبو حنيفة إلى تأثير الدباغ في جميع ميتات الحيوان ما عدا الخنزير ]، كأنه يرى أن الخنزير نجس والكلب ليس نجساً.

    [ وقال داود : تطهر حتى جلد الخنزير ]، أخذ بحديث: ( أيما إهاب دبغ فقد طهر )؛ لأن (أيما) تفيد العموم.

    سبب اختلاف العلماء في حكم جلود الميتة

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم تعارض الآثار في ذلك ]، أي: وردت آثار تقول: بأن الجلد يطهر بالدباغة، وهناك أثر أنه لا يطهر.

    [ وذلك أنه ورد في حديث ميمونة إباحة الانتفاع بها مطلقاً ]، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( هلا انتفعتم بها؟ فقيل: إنها ميتة! فقال: إنما حرم أكلها )، فأجاز الانتفاع ولم يذكر فيه الدباغ، فهذا دل على أنه يجوز الانتفاع بها مطلقاً.

    [ وذلك أن فيه أنه مر بميتة، فقال صلى الله عليه وسلم: ( هلا انتفعتم بجلدها؟ ) ]، تمام الحديث: ( قالوا: إنها ميتة! قال: إنما حرم أكلها )، وهذا الحديث صحيح، أخرجه البخاري .

    [ وفي حديث ابن عكيم منع الانتفاع بها مطلقاً، وذلك أن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب: ( ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قال: وذلك قبل موته بعام )، فهو يدل على أنه ناسخ لما قبله.

    وحديث ابن عكيم رواه أبو داود و الترمذي وهو صحيح. والتفسير اللغوي للإهاب هو: الجلد قبل الدبغ.

    وانتقل من اسم الإهاب إلى اسم الجلد والفروة، وبقي له أسماء أخرى.

    [ وفي بعضها الأمر بالانتفاع بها بعد الدبغ، والمنع قبل الدبغ والثابت في هذا الباب هو حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر )؛ اختلاف هذه الآثار اختلف الناس في تأويلها.

    فذهب قوم مذهب الجمع على حديث ابن عباس أعني أنهم فرقوا في الانتفاع بها بين المدبوغ وغير المدبوغ ]، أي: حملوا معاني الأحاديث على حديث ابن عباس ، يعني قوله: ( لا تنتفعوا بإهاب -أي: قبل الدبغ-، فهلا انتفعتم بجلدها )، أي: بعد الدبغ، فحملوها كلها على حديث ابن عباس ، وهذا الحمل هو الصحيح.

    [وذهب قوم مذهب النسخ فأخذوا بحديث ابن عكيم لقوله فيه: قبل موته بعام]. فقالوا: إن حديث ابن عكيم ناسخ لغيره من الأحاديث وهو مذهب أحمد .

    [وذهب قوم مذهب الترجيح لحديث ميمونة ورأوا أنه يتضمن زيادة على ما في حديث ابن عباس ، وأن تحريم الانتفاع ليس يخرج من حديث ابن عباس قبل الدباغ ; لأن الانتفاع غير الطهارة]، يعني قالوا: ينتفع بها وإن كانت نجسة؛ لأن الانتفاع غير الطهارة، فحديث ابن عباس يدل على الطهارة وهذا يدل على الانتفاع، [عني: كل طاهر ينتفع به وليس يلزم عكس هذا المعنى، عني: أن كل ما ينتفع به هو طاهر].

    الراجح في حكم جلود الميتة

    والراجح أن جلود الميتة تطهر بالدباغة؛ للأحاديث الواردة في ذلك، فأما حديث ابن عكيم ، فإنما هو في الإهاب وهو الجلد قبل أن يدبغ فلا منافاة بينه وبين ما ورد من أن جلد الميتة يطهر بالدباغ، ويستثنى من ذلك ما كان نجساً في حال الحياة، وهو الكلب والخنزير، فإنه لا يطهر جلداهما بالدباغ؛ لأنهما لا يكونان بعد الموت بأحسن حالاً منهما قبله.

    1.   

    دم الحيوان

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: دم الحيوان: اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس ]، سواءً كان مأكول اللحم، أو غير مأكول اللحم.

    خلاف العلماء في دم السمك والقليل من دم الحيوان

    قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا في دم السمك، وكذلك اختلفوا في الدم القليل من دم الحيوان غير البحري ].

    تنبيه: ذهب الشوكاني و صديق حسن خان وشيخنا ناصر الدين الألباني من المتأخرين إلى طهارة الدم ما عدا دم الحيض.. انظر السيل (1/144) وسلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم (300).

    قال شيخنا ناصر الدين الألباني في الدرس عام 1381هـ، الأصل في الدم الطهارة كغيره من الأشياء؛ لأنه لم يرد حديث في نجاسته لكن نقل عن الكثير من العلماء الاتفاق على نجاسته كما قال المصنف هنا: اتفقوا على نجاسته؟

    وقد عثرنا على ما يخالف هذا الاتفاق في دم الإنسان ودم مأكول اللحم، أثر على هذه المسألتين...

    فنحن نرجع إلى الأصل في المسألتين ونقول: بطهارة دم الإنسان ودم الحيوان المأكول اللحم، أما دم الإنسان؛ فإنه قد ورد أن بعض الصحابة كان حارساً ليلة في غزوة، وكان مع ذلك قائماً يصلي فرماه العدو ثلاث رميات حتى خرج منه الدم، ومع هذا مضى في صلاته، والصلاة نافلة؛ لأنها لو كانت فريضة وقلنا: إنه لا يوجد لديه ماء حتى يغسل الدم، والحديث يقول: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، أما النافلة فلا يكلف بالصلاة فيها. فهذا يدل على أن دم الإنسان طاهر؛ لأنه من الضروري أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم الواقعة تفصيلاً ولم ينكر عليه استمراره في الصلاة، والقول بأنه يحتمل عدم علمه بعيد؛ لأنه هو قائد الجيش فيكون من باب التقرير، ومع هذا فإذا لم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد علم الله ذلك فلم ينزل على نبيه إبطال هذا الحكم في زمن التشريع، فدل هذا على طهارة دم الإنسان، ويقويه أيضاً الرجوع إلى البراءة الأصلية.

    وهذا التقرير إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم اطلع عليه فهو تقرير منه، وإن قلنا: إنه لم يطلع عليه فهذا التقرير من الله؛ لأنه عمل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وأما طهارة دم الحيوان المأكول اللحم فإنه قد ورد أثر عن ابن مسعود أنه نحر جزوراً وقام يصلي وقد تلطخ بطنه بدمها وفرثها، وهذا الأثر صحيح، وهو يبعد القول بالاتفاق على نجاسة دم الحيوان المأكول اللحم؛ لأنه ممن يعتد بخلافه - أي: خلاف ابن مسعود - فلا يصح نقل الاتفاق هنا، فإذاً اللازم عند الاختلاف مع عدم الدليل الرجوع إلى الأصل، والأصل في الدم الطهارة.

    خلاف العلماء في حكم دم السمك

    قال المصنف رحمه الله: [ فقال قوم: دم السمك طاهر، وهو أحد قولي مالك ، ومذهب الشافعي .

    وقال قوم: هو نجس على أصل الدماء، وهو قول لـمالك في المدونة.. ] وكذلك أحمد [ وكذلك قال قوم: إن قليل الدماء معفو عنه.

    وقال قوم: بل القليل منها والكثير حكمه واحد ] في النجاسة [ والأول عليه الجمهور ]، ومنهم الشافعي ، فيقول: إن قليل الدم يعفى عنه؛ لأنه ما يسمى مسفوحاً.

    [ والسبب في اختلافهم في دم السمك هو اختلافهم في ميتته ]، فمن قال: ميتته نجسة كـأبي حنيفة يقول: دمه نجس، [ فمن جعل ميتته داخلة تحت عموم التحريم جعل دمه كذلك، ومن أخرج ميتته أخرج دمه قياساً على الميتة، وفي ذلك أثر ضعيف ] بل الأثر صحيحاً، [ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( أحلت لنا ميتتان ودمان: الجراد والحوت والكبد والطحال ).

    سبب خلاف العلماء في حكم كثير الدم وقليله

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما اختلافهم في كثير الدم وقليله فسببه اختلافهم في القضاء بالمقيد على المطلق أو بالمطلق على المقيد ]، إذا ورد لفظ المطلق ولفظ المقيد، هل العام يقضي على الخاص أو الخاص يقص من العام؟

    [ وذلك أنه ورد تحريم الدم مطلقاً في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ[المائدة:3] ] هذا مطلق [ وورد مقيدا في قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً[الأنعام:145]، إلى قوله: أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ[الأنعام:145].

    فمن قضى بالمقيد على المطلق -وهم الجمهور- قال: المسفوح هو النجس المحرم فقط، ومن قضى بالمطلق على المقيد; لأن فيه زيادة قال: المسفوح وهو الكثير، وغير المسفوح وهو القليل، كل ذلك حرام ] لأنه قضى بالمطلق على المقيد [ وأيد هذا بأن كل ما هو نجس لعينه فلا يتبعض ]، لا نقول للشيء الذي هو نجس بعينه: إن بعضه نجس وبعضه ليس نجس، لكن يقول العلماء: يعفى عنه.

    الراجح ما قاله الجمهور من أن المقيد يقضي على المطلق؛ لاتفاق المطلق والمقيد في السبب والحكم حسب ما تقدم تقريره في المقدمة، إذا اختلف المطلق والمقيد في الحكم والسبب أجمع العلماء على أنه لا يحمل المطلق على المقيد، مثل آية السرقة، سببها السرقة، والقطع من الكف، وآية الوضوء سببها الوضوء وهي إلى المرفقين، فهذا اختلف في الحكم وفي السبب.

    وإن اتفقا في الحكم والسبب، فإنه يحمل المطلق على المقيد، وجئنا بهذا المثال، قلنا: كآيتي الدم، قلنا هذا الكلام في المقدمة، فالآن هنا دل على أن المطلق يحمل على المقيد حسب القاعدة المتقدمة، ويؤيده ما روت عائشة ، قالت: ( كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم، فنأكل ولا ننكره )، يعني هذا يدل على أن الدم القليل جائز.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765799816