إسلام ويب

كتاب الصلاة [15]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للصلاة في الإسلام مزية عظيمة، من حيث تحري الأقوال والأفعال الصحيحة التي لا تخل بها، ومن هذه الأقوال التي اختلف العلماء فيها القنوت في صلاة الفجر، أو في جميع الصلوات، أو في رمضان فقط. ومن الأفعال رفع اليدين في الصلاة، فاختلف العلماء في ثلاثة مواضع منها: حكمها، والمواضع التي ترفع فيها، وحد رفعها في الصلاة، وكذلك اختلفوا في مسألة الاعتدال من الركوع وفي الركوع إلى قولين: واجب، وسنة.

    1.   

    القنوت في صلاة الصبح

    الحمد لله نحمده، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:

    أقوال العلماء في القنوت

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة التاسعة: القنوت؛ اختلفوا في القنوت، فذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب، وذهب الشافعي إلى أنه سنة ].

    ومعنى مستحب عند الإمام مالك أي: أنه أقل من السنة. [ وذهب أبو حنيفة ]. و أحمد [ إلى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح، وأن القنوت إنما موضعه الوتر، وقال قوم: بل يقنت في كل صلاة. وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان، وقال قوم: بل في النصف الأخير منه ]. أي: ليس القنوت في رمضان كله، بل في النصف الأخير منه.

    [ وقال قوم: بل في النصف الأول منه ].

    سبب اختلاف العلماء في القنوت

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في ذلك: اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقياس بعض الصلوات في ذلك على بعض: (أعني: التي قنت فيها على التي لم يقنت فيها)، قال أبو عمر بن عبد البر : والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه على رعل وذكوان، والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة. وقال الليث بن سعد : ما قنت منذ أربعين عاماً أو خمسة وأربعين عاماً إلا وراء إمام يقنت ].

    يعني: أن الليث ما كان يرى القنوت, ولكن الإمام إذا كان يقنت، وهو مقتدٍ به فإنه يقنت وراءه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ), فالإمام حاكم, فإذا قنت الإمام تابعه المأموم في القنوت, فلا يخالف الإمام بحجة أنه يعتقد خلاف ما يرى الإمام، فإذا كنت مقتدياً فعليك أن تتبع الإمام ولو رأيت أنه يخالف ما تراه, فلهذا كان الليث لا يقنت بمفرده, ولكن إذا كان الإمام يقنت قنت معه.

    [ قال الليث : وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً أو قال: أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين، حتى أنزل الله تبارك وتعالى عليه معاتباً: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ[آل عمران:128], فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القنوت، فما قنت بعدها حتى لقي الله ].

    وهذا الذي أخذ به الليث . [ قال: فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت، وهو مذهب يحيى بن يحيى ] من المالكية [ قال القاضي ]. يعني به: المؤلف. [ ولقد حدثني الأشياخ: أنه كان العمل عليه بمسجده عندنا بقرطبة ]. يعني: كأنه ما يقنت.

    [ وأنه استمر إلى زماننا أو قريب من زماننا ].

    [ وخرج مسلم عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [آل عمران:128] ) ] وهذا الحديث أخرجه مسلم .

    [ وخرج عن أبي هريرة أنه قنت في الظهر، والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح ]. يعني: في صلوات السفر.

    [ وكذلك مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قنت شهراً في صلاة الصبح يدعو على بني عصية ].

    إذاً فالقنوت مختلف، في محله في الصلاة, وسيأتي الكلام في الاختلاف فيما هي الألفاظ التي يقنت بها.

    بيان ما يقنت به

    قال المصنف رحمه الله: [ واختلفوا فيما يقنت به، فاستحب مالك القنوت بـ ( اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونستهديك، ونؤمن بك، ونخنع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق )] وهذا الدعاء استحبه مالك [ ويسميها أهل العراق السورتين ] يقولوا: أنها سورتان. [ ويروى أنها في مصحف أبي بن كعب ] قال هذا بعضهم ولكنه لم يثبت؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بتواتر.

    [ وقال الشافعي ، و إسحاق : بل يقنت بـ ( اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، تباركت ربنا وتعاليت ), وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

    وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد و الدارمي و أبو داود و الترمذي و النسائي ، وصححه الألباني وهو حديث صحيح, قال الترمذي : إنه حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه, ولكن الحديث صحيح.

    [ وقال عبد الله بن داود : من لم يقنت به بالسورتين فلا يصلى خلفه ]. وهذا القول فيه تشدد. [ وقال قوم: ليس في القنوت شيء موقوت ].

    وبعضهم يقول: تقنت بأي دعاء تريد أن تدعو به وتحتاجه؛ لأنه إذا كان للحاجة فيكون مناسباً للحاجة التي نزلت بك, فتدعو بها وهو كذلك, يعني: إذا كنت تدعو في القنوت لنازلة نزلت بك, فيناسبه القنوت في النازلة التي نزلت بك فتقنت وتدعو فيها أو لها.

    ولم يأتِ في شيء من الأحاديث ما يدل على استمرار القنوت عند نزول النوازل، وعند عدمها, إلا حديث أنس عند البيهقي و الدارقطني عن الربيع بن أنس قال: ( كنت جالساً عند أنس -يعني: أن الربيع هذا ولد- فقيل له: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً, فقال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا ), صححه الحاكم في كتاب القنوت, و النووي في المجموع. وقد أعل الحديث بعلل منها: أن في سنده أبا جعفر الرازي واختلف فيه, فوثقه غير واحد, منهم: ابن المديني و الموصلي و أبو حاتم و ابن عدي و ابن سعد و الحاكم , و ابن عبد البر , فهؤلاء كلهم قالوا: إنه صحيح وهذا وجه قوي من النظر للشافعية، فلا نقول كما يقول بعض الذي لا يعرفون من العلم إلا رسمه, يدرس شهرين وقال: أنا شيخ، يقول: إن هذا بدعة، ولا نصلي بعد الشافعية؛ لأنهم مبتدعون, إذا عرفنا هذا علمنا أن الخلاف له وجه قوي من النظر؛ لأنه يدور حول تصحيح هذا الحديث أو تضعيفه, فمن صح عنده هذا الرجل ووثقه، فإنه يعمل بذلك.

    وقال فيه جماعة: إنه ثقة سيء الحفظ, يعني: حتى اللمز فيه قليل ليس بالقوي, وقال فيه جماعة: إنه ثقة سيء الحفظ, منهم: أبو زرعة و عمرو بن علي و ابن خراش و النسائي و ابن حبان , وقال الحافظ في التقرب: صدوق سيء الحفظ, ومما أعل به الحديث: أنه قد روي عن أنس التصريح بكذب من زعم استمراره صلى الله عليه وسلم على القنوت, إلا أن فيه: قيس بن عاصم وهو ضعيف, وفي هذه الرواية قيل لـأنس : رووا أنك قلت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم استمر في القنوت, قال: كاذب الذي يقول: إني قلت, ولكن الحديث فيه قيس بن عاصم وهو ضعيف, واتفقوا على ضعفه, إذاً ما يعارض صلة الحديث الذي اختلفوا فيه.

    فـقيس بن عاصم ضعيف, قال الحافظ في التلخيص: وروى ابن خزيمة في صحيحه عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ), قال: فاختلفت الأحاديث عن أنس يعني: مرة قال: (استمر) ومرة قال: (كذاب), ومرة قال: (لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم), فالأحاديث عن أنس مضطربة, فلا يقوم بمثل هذا حجة. هذا كلام الحافظ.

    قلت: وسائر أحاديث الباب قاضية بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله عند أن ينزل بالمسلمين نازلة, فإذا ارتفعت تركه, من غير تخصيص لبعض الصلوات دون بعض, بل كان يفعله عند النوازل في جميع الصلوات, فتارةً يدعو لجماعة من المسلمين, وتارةً يدعو على جماعة من المشركين, وتارة يفعله قبل الركوع وتارةً يفعله بعد الركوع.

    فالحاصل: أنه مشروع في النوازل غير مشروع مع عدمها, من غير فرق بين صلاة الفجر وغيرها, انظر المجموع (3/484-485)، والتلخيص (1/245)، ووبل الغمام (1/285)، والتهذيب (4/583)، والتقريب (2/406).

    1.   

    رفع اليدين في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ الفصل الثاني: في الأفعال التي هي أركان، وفي هذا الفصل من قواعد المسائل ثمان مسائل: المسألة الأولى:

    رفع اليدين ].

    حكم رفع اليدين في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ اختلف العلماء في رفع اليدين في الصلاة في ثلاثة مواضع: أحدها: في حكمه ] أي: في حكم رفع اليدين.

    [ والثاني: في المواضع التي يرفع فيها من الصلاة. والثالث: إلى أين ينتهي برفعها أما الحكم ] يعني: حكم الرفع. [ فذهب الجمهور ] ومنهم الأئمة الأربعة.

    [ إلى أنه سنة في الصلاة، وذهب داود وجماعة من أصحابه ] وكذلك الأوزاعي .

    [ إلى أن ذلك فرض، وهؤلاء انقسموا أقساماً، فمنهم من أوجب ذلك في تكبيرة الإحرام فقط، ومنهم من أوجب ذلك في الاستفتاح ]. يعني: عند تكبيرة الإحرام [ وعند الركوع: أعني: عند الانحطاط فيه، وعند الارتفاع منه، ومنهم من أوجب ذلك في هذين الموضعين وعند السجود ]. وهؤلاء قالوا: بالوجوب.

    [ وذلك بحسب اختلافهم في المواضع التي يرفع فيها.

    وسبب اختلافهم: معارضة ظاهر حديث أبي هريرة الذي فيه تعليم فرائض الصلاة لفعله صلى الله عليه وسلم وذلك أن حديث أبي هريرة إنما فيه أنه قال له: ( وكبر ) ]. يعني: أن حديث أبي هريرة الذي علم فيه المسيء صلاته.. لم يذكر في تعليمه إياه رفع اليدين, فهذا يدل على أن رفع اليدين غير فرض, وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كان يرفع يديه, فمن أخذ بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مستنداً على حديث: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ), قال: إنه واجب, ومن قال: إنه لم يذكر في حديث المسيء صلاته، قال: هو غير واجب، بل مستحب.

    [ ولم يأمره برفع يديه. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر ]. وهذا الذي أخرجه البخاري و مسلم .

    [ وغيره: أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ].

    مواضع رفع اليدين في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما اختلافهم في المواضع التي ترفع فيها ] أي: مواضع رفع اليدين في الصلاة, يعني: ما هي الضوابط لذلك الرفع.

    [ فذهب أهل الكوفة: أبو حنيفة و سفيان الثوري وسائر فقهائهم إلى أنه لا يرفع المصلي يديه إلا عند تكبيرة الإحرام فقط، وهي رواية ابن القاسم عن مالك ]. و ابن القاسم هو من طلاب مالك ، وقد روي مثل هذا القول فقال: لا يرفع إلا عند تكبيرة الإحرام.

    [ وذهب الشافعي و أحمد و أبو عبيد و أبو ثور ، وجمهور أهل الحديث وأهل الظاهر إلى الرفع عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وهو مروي عن مالك ، إلا أنه عند بعض أولئك فرض، وعند مالك سنة. وذهب بعض أهل الحديث إلى رفعها عند السجود وعند الرفع منه ]. لثبوت ذلك.

    [ والسبب في هذا الاختلاف كله اختلاف الآثار الواردة في ذلك، ومخالفة العمل بالمدينة لبعضها ]. فـمالك يقدم عمل أهل المدينة. [ وذلك أن في ذلك أحاديث: أحدها: حديث عبد الله بن مسعود ].

    وهذا الحديث أخرجه أبو داود ، وفيه: أن عبد الله بن مسعود قال: ( ألا أصلي بكم صلاة رسول الله, فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة ). وخلاصة الكلام: أن الحديث صحيح.

    [ وحديث البراء بن عازب : ( أنه كان عليه الصلاة والسلام يرفع يديه عند الإحرام مرة واحدة، لا يزيد عليها ) ].

    وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن البراء بن عازب بلفظ: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود ), قال النووي في المجموع عن حديث البراء هذا: بأنه ضعيف باتفاق، ثم تكلم عليه، إذاً فحديث البراء هذا ضعيف.

    [ والحديث الثاني: حديث ابن عمر ، عن أبيه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضاً كذلك وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد. وكان لا يفعل ذلك في السجود )، وهو حديث متفق على صحته ]. أخرجه البخاري و مسلم .

    [ وزعموا أنه روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلاً من أصحابه ].

    وقال بعضهم: إنه بلغ من رواه خمسون رجلاً من الصحابة, فهو على كل حال حديث متواتر, فالرفع في هذه المواضع الثلاثة متواتر، والمواضع هي: عند تكبيرة الإحرام, وعند الركوع, وعند الرفع منه. ويراجع الحديث في البخاري و مسلم ، لمعرفة النقص الذي في الحديث؛ لأن الحديث الذي ذكره المؤلف فيه نقص.

    [ والحديث الثالث: حديث وائل بن حجر ، وفيه زيادة على ما في حديث عبد الله بن عمر : ( أنه كان يرفع يديه عند السجود ) ] وحديث الرفع عند السجود ثابت، وقد صححه الألباني في صفة الصلاة.

    [ فمن حمل الرفع هنا على أنه ندب أو فريضة، فمنهم من اقتصر به على الإحرام فقط، ترجيحا لحديث عبد الله بن مسعود ، وحديث البراء بن عازب ].

    وقد سبق ذكر أن حديث البراء بن عازب ضعيف, وحديث ابن مسعود قالوا: بأنه منسوخ, وأنه كان في أول الأمر. [ وهو مذهب مالك لموافقة العمل به ]. يعني: لموافقة عمل أهل المدينة.

    [ ومنهم من رجح حديث عبد الله بن عمر ، فرأى الرفع في الموضعين (أعني: في الركوع وفي الافتتاح لشهرته).

    لعل معنى كلامه (في الركوع) والله أعلم أنه عند الاعتدال؛ لأنه ..., فهو زاد الركوع، ولكن الاعتدال ليس هو الافتتاح, الافتتاح تقدم أنه متفق عليه عند الحنفية وغيرهم, فلعل قوله: في الافتتاح، أي: عند الاعتدال. كان عليه أن يقول: فرأى الرفع في ثلاثة مواضع, أعني: في الركوع وفي الافتتاح والاعتدال, أو يقول: في الركوع والاعتدال والافتتاح لشهرته؛ لأن هذا هو القول الثاني، أو أن يقول: فرأى الرفع في الموضعين، يعني: زيادة على الافتتاح. (أعني: في الركوع وفي الاعتدال وعلى هذا تكون العبارة صحيحة.

    إما أن يكون الافتتاح بدل الاعتدال, فيكون الكلام واضح؛ لأنهم قد اتفقوا على الرفع في الافتتاح.

    وهنا يقول: [ أعني: في الركوع ]. يعني: في الركوع.

    [ وفي الافتتاح ]. وعلى كل حال إذا كان هذا الحديث كذلك, فالمراد به في الركوع، أي: في الرفع منه, ولكنه ثبت في الثلاثة المواضع عن خمسين صحابياً.

    [ ومن كان رأيه من هؤلاء أن الرفع فريضة: حمل ذلك على الفريضة ]. ولا بد أن يكون كلامه هنا معناه: أنه سكت عن الرفع في الركوع فلم يذكره، عند إرادة الركوع, وهو لا بد أن يتعرض له, فالأولى أن يكون الافتتاح الاعتدال, لعله كذا, أو أن هناك نقصاً وهو أنه لثلاثة مواضع.

    [ ومن كان رأيه أنه ندب حمل ذلك على الندب، ومن ذهب مذهب الجمع، وقال: أنه يجب أن تجمع هذه الزيادة بعضها على بعض على ما في حديث وائل بن حجر . فإذاً العلماء ذهبوا في هذه الآثار مذهبين: إما مذهب الترجيح ]. وهو مذهب الحنفية [ وإما مذهب الجمع ] وهم أهل الحديث الذين اثبتوها كلها.

    [ والسبب في اختلافهم في حمل رفع اليدين في الصلاة: هل على الندب أو الفرض؟ هو السبب الذي قلناه من قبل، من أن بعض الناس يرى الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أن تحمل على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك، ومنهم من يرى أن الأصل ألا يزاد فيما صح بدليل واضح، من قول ثابت أو إجماع أنه من فرائض الصلاة، بل بدليل واضح، وقد تقدم هذا من قولنا، ولا معنى لتكرير الشيء الواحد مرات كثيرة ].

    يعني: بعضهم يقول: إن الفعل يدل على الوجوب مطلقاً, وبعضهم يقول: الفعل لا يدل على الوجوب إلا بشرطين:

    الشرط الأول: أن يكون بيناناً لمجمل.

    الشرط الثاني: أن يدل دليل أو إجماع على أن ذلك الفعل واجب. إذاً فمواضع رفع اليدين ثلاثة, بعضهم قال: عند تكبيرة الإحرام فقط.

    وبعضهم قال: عند تكبيرة الإحرام والركوع والاعتدال.

    وبعضهم قال: عند تكبيرة الإحرام والركوع والاعتدال والسجود والرفع منه.

    الراجح في مواضع رفع اليدين في الصلاة

    والراجح: أنه ثبت رفع اليدين من طريق التواتر في ثلاثة مواضع: عند تكبيرة الإحرام, وعند الركوع, وعند الاعتدال عن نحو خمسين صحابياً, وثبت عند القيام من التشهد الأول أحياناً عند البخاري من حديث ابن عمر , وثبت عند السجود والرفع منه أحياناً عند النسائي و أبي عوانة من حديث مالك بن الحويرث ، وصححه شيخنا في صفة الصلاة (ص140) وقال: وقد روي هذا الرفع عن عشرة من الصحابة, وذهب إلى مشروعيته (يعني: الرفع الأخير) جماعة من السلف، منهم: ابن عمر , و ابن مسعود , و الحسن البصري و طاوس , وابنه عبد الله , و نافع مولى ابن عمر , و سالم ابنه, و القاسم بن محمد , و عبد الله بن دينار , و عطاء , وقال عبد الرحمن بن مهدي : هذا من السنة, وعمل به أحمد بن حنبل , وهو قول عن مالك و الشافعي .

    حد رفع اليدين في الصلاة

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما الحد الذي ترفع إليه اليدان ]. يعني: إلى أي حد ترفع اليدان في الصلاة.

    [ فذهب بعضهم إلى أنه المنكبان، وبه قال مالك ، و الشافعي ، وجماعة، وذهب بعضهم إلى رفعهما إلى الأذنين، وبه قال أبو حنيفة ، وذهب بعضهم إلى رفعهما إلى الصدر، وكل ذلك مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن أثبت ما في ذلك أنه كان يرفعهما حذو منكبيه، وعليه الجمهور، والرفع إلى الأذنين أثبت من الرفع إلى الصدر وأشهر ].

    وبما أن الروايات الثلاث صحيحة, فالكل سنة فهو من العمل المخير.

    1.   

    الاعتدال من الركوع وفي الركوع

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: الاعتدال من الركوع ]. يعني: الرفع من الركوع والطمأنينة فيه, هل هو ركن مقصود لذاته أو المقصود به تمييز، هوي الركوع عن هوي السجود؟ وهل الاعتدال والجلوس بين السجدتين ركنان مستقلان أو المقصود بهما الفصل بين هوي الركوع وهوي السجود, وبين السجدتين؟ فـأبو حنيفة يرى: أنهما ليسا بركنين مستقلين, وإنما المقصود بهما الفصل, فبأدنى ارتفاع من الركوع أو من الاعتدال من السجود يكفي, حتى ولو رفع قليلاً، ولكن الجمهور على أنهما ركنان مقصودان, وأنه لا بد فيهما من الطمأنينة, وحديث المسيء صلاته يشير إلى أنها أركان مستقلة, وأنه لا بد فيها من الطمأنينة.

    أقوال العلماء في حكم الاعتدال من الركوع وفي الركوع

    قال المصنف رحمه الله: [ ذهب أبو حنيفة إلى أن الاعتدال من الركوع وفي الركوع غير واجب ].

    لا تجب الطمأنينة في الركوع؛ لأنه ليس هناك طمأنينة عند النزول للركوع [ وقال الشافعي ] و أحمد [ هو واجب. واختلف أصحاب مالك : هل ظاهر مذهبه يقتضي أن يكون سنة أو واجباً؟ إذ لم ينقل عنه نص في ذلك.

    سبب اختلاف العلماء في حكم الاعتدال من الركوع

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: هل الواجب الأخذ ببعض ما ينطلق عليه الاسم، أم بكل ذلك الشيء الذي ينطلق عليه الاسم؟

    [ فمن كان الواجب عنده الأخذ ببعض ما ينطلق عليه الاسم لم يشترط الاعتدال في الركوع ] أي: أنه لا يشترط فيه الاعتدال والطمأنينة فيه.

    [ ومن كان الواجب عنده الأخذ بالكل اشترط الاعتدال، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث المتقدم للرجل الذي علمه فروض الصلاة: ( اركع حتى تطمئن راكعاً، وارفع حتى تطمئن رافعاً )]. وهذا الحديث صحيح متفق عليه.

    [ فالواجب اعتقاد كونه فرضاً، وعلى هذا الحديث عول كل من رأى أن الأصل لا .. ].

    وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765799974