إسلام ويب

كتاب الصلاة [12]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اتفق العلماء على اشتراط النية في الصلاة، ولا يلزم توافق نية المأموم والإمام، وأركان الصلاة قولية وفعلية.

    1.   

    النية في الصلاة

    الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثامن في معرفة النية، وكيفية اشتراطها في الصلاة ]

    أقوال العلماء في حكم النية في الصلاة

    قال رحمه الله: [ وأما النية فاتفق العلماء على كونها شرطاً ]، وقال الشافعي : هي ركن.

    والفرق بين قول الأئمة الثلاثة: من قال: إن النية شرط فيجوز أن تتقدم على تكبيرة الإحرام، وقول الشافعي: إنها ركن فلا بد أن تقترن النية بتكبيرة الإحرام.

    [ في صحة الصلاة؛ لكون الصلاة هي رأس العبادات التي وردت في الشرع لغير مصلحة معقولة ]، بل المصلحة معقولة أخبر عنها الشرع وهي أول ما ينظر فيه من أعمال ابن آدم الصلاة، فإن وجدت تامة قبلت وقبل سائر عمله، وإن وجدت ناقصة ردت ورد سائر عمله.

    [ أعني: من المصالح المحسوسة.

    واختلفوا: هل من شرط نية المأموم أن توافق نية الإمام في تعيين الصلاة؟ ]، يعني: فلا يصلي ظهراً إلا وراء إمام يصلي ظهراً، فلا تصح صلاة الظهر خلف العصر، ولا تصح النافلة خلف الفريضة، ولا الفريضة خلف النافلة.

    [ وفي الوجوب ]، وفي أنها تكون واجبة. [ حتى لا يجوز أن يصلي المأموم ظهراً بإمام يصلي عصراً؟ ولا يجوز أن يصلي الإمام ظهراً يكون في حقه نفلاً، وفي حق المأموم فرضاً.

    فذهب مالك و أبو حنيفة إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية الإمام ].

    وقالوا: إذا صلى خلفه ولم توافق صلاة المأموم صلاة إمامه فصلاة المأموم باطلة.

    [ وذهب الشافعي إلى أنه ليس يجب ]. وأنه لا يجب اتفاق النية، وعن أحمد الروايتان كالمذهبين.

    سبب اختلاف العلماء في اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة

    قال رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم معارضة مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) ]، والحديث أخرجه البخاري و مسلم .

    [ لما جاء في حديث معاذ ] عند البخاري و مسلم [ من أنه ( كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصلي بقومه ).

    فمن رأى ذلك خاصاً لـمعاذ ، وأن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، يتناول النية، اشترط موافقة الإمام للمأموم ]. وقال: هذه القضية خاصة بـمعاذ .

    [ ومن رأى أن الإباحة لـمعاذ في ذلك هي إباحة لغيره ] لا سيما وقد كان مستمراً على ذلك. [ من سائر المكلفين، وهو الأصل قال: لا يخلو الأمر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين ]، يعني حديث: ( إنما جعل الإمام )، [ إما أن يكون ذلك العموم الذي فيه لا يتناول النية; لأن ظاهره إنما هو في الأفعال ]؛ لأنه قال: ( فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا )، وكلها أفعال، [ فلا يكون بهذا الوجه معارضاً لحديث معاذ ]، فيكون هذا في الأفعال. [ وإما أن يكون يتناولها فيكون حديث معاذ قد خصص من ذلك العموم.

    وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركها؛ إذ كان غرضنا على القصد الأول إنما هو الكلام في المسائل التي تتعلق بالمنطوق به من الشرع ].

    القول الراجح في موافقة المأموم لإمامه

    أقول: الراجح في هذا اختصاص الموافقة بين الإمام والمأموم في الأفعال التي لا يمكن مراعاتها في الصلاة، فمثلاً لا تصح صلاة الكسوف والجنازة مع غيرهما من الصلوات وتصح الصلاة الثلاثية والثنائية خلف الرباعية، والعكس فرضاً أو نفلاً. وإذا انتهى فعل المأموم قبل الإمام انتظره أو فارقه. فلو كان المأموم يصلي صلاة المغرب بعد من يصلي العشاء، فعندما يقوم الإمام للرابعة يجلس المأموم، وهو مخير بين أن ينوي مفارقة الإمام فيتشهد ويسلم، وبين أن ينتظر في التشهد حتى يأتي الإمام في الرابعة ويجلس ويتشهد ويسلم.

    كذلك إذا صلى الصبح بعد من يصلي الظهر، أو يصلي نافلة ثنائية، فإنه عندما يجلس للتشهد يجلس معه للتشهد، فإذا قام الإمام ليكمل فهو مخير بين أن ينوي المفارقة ويسلم، أو ينتظر إلى أن يكمل الإمام الصلاة ويسلم معه. ولا تكون مخالفة لحديث ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فنية المفارقة تكفي، وإذا انتهى فعل الإمام قبل المأموم قام المأموم بعد فراغ الإمام ليتم ما بقي كالمسبوق بركعة أو ركعتين أو ثلاث، وكالمقيم بعد المسافر.

    أما المسافر بعد المقيم فمن السنة أن يتم لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا اقتدى المسافر بمقيم أن يتم )، حديث صحيح. كما يصح النفل خلف الفرض والعكس لعدم وجود دليل ظاهر يدل على المنع، وحديث معاذ ظاهره الدلالة على عدم المنع، ومثله، الحديث الصحيح ( هل من رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ ).

    أما الدليل على جواز المفارقة فحديث الرجل الذي صلى بعد معاذ فأطال معاذ فتركه وأتم صلاته منفرداً. ( كان معاذ يصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأتي في خالفة من الليل فيصلي بقومه، وكان يطيل القراءة، وكان شاب يأتي ويصلي معه، فلما رآه يطيل القراءة فارقه وصلى لنفسه، فقال معاذ : إن هذا الشاب منافق، فلما سمع ذلك الشاب قال: والله لأشكونه إلى رسول الله، فجاء وشكاه إلى رسول الله، وقال: يا رسول الله! إنا أصحاب زرع وماشية، نذهب النهار في زرعنا وماشيتنا، وإن معاذاً يأتي في خالفة من الليل، فيطيل بنا الصلاة، ففارقته وصليت لنفسي، فقال: إني منافق، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال: أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ ) يعني: مفتن بين الناس، ( إذا صليت بالناس فصل بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، (والشمس وضحاها)، و(هل أتاك حديث الغاشية) )، عين له سوراً، ثم قال: ما تقول أنت يا أيها الشاب؟ قال: أنا لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، ما أحسن هذا الكلام الكثير، وإنما أقرأ فاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، واستعيذ من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حول هذا ندندن، ثم إنه جاء جيش، فخرج معاذ ، وخرج الصحابة لملاقاة ذلك الجيش الكافر الذي يريد غزو المدينة، فمر ذلك الشاب على معاذ وهو ذاهب يتبختر إلى المعركة، وقال لـمعاذ: ستعرف اليوم أني منافق أو مؤمن، وانغمس في الجهاد وقاتل قتالاً شديداً حتى قتل، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضية الشاب وأنه قتل شهيداً، فجاء معاذ ، فلما جاء معاذ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل صاحبك؟ الذي قلت: إنه منافق؟ قال: لقد صدق وكذبت, لا إله إلا الله، قال: لقد صدق صاحبي في أنه مؤمن، وكذبت عليه بأنه منافق.

    فسكوت الرسول صلى الله عليه وسلم على مفارقة الشاب المأموم إمامه معاذ إقرار له على ذلك الفعل، أما لو اقتدى مسافر بمقيم في التشهد الأخير فيجب على المسافر الإتمام، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ).

    1.   

    أركان الصلاة

    [ الجملة الثالثة من كتاب الصلاة.

    أركان الصلاة، وهي معرفة ما تشتمل عليه من الأقوال والأفعال، وهي الأركان.

    والصلاة المفروضة تختلف في هذين بالزيادة والنقصان، إما من قبل الانفراد والجماعة، وإما من قبل الزمان، مثل مخالفة ظهر الجمعة لظهر سائر الأيام، وإما من قبل الحضر والسفر، وإما من قبل الأمن والخوف، وإما من قبل الصحة والمرض، فإذا أريد أن يكون القول في هذا صناعياً وجارياً على نظام فيجب أن يقال أولاً: فيما تشترك فيه هذه كلها، ثم يقال فيما يخص واحدةً واحدةً منها، أو يقال: في واحدة واحدة منها ] يأتي بكل واحدة، [ وهو الأسهل، وإن كان هذا النوع من التعليم يعرض منه تكرار ما، وهو الذي سلكه الفقهاء، ونحن نتبعهم في ذلك، فنجعل هذه الجملة منقسمة إلى ستة أبواب:

    الباب الأول: في صلاة المنفرد الحاضر الآمن الصحيح.

    الباب الثاني: في صلاة الجماعة، أعني: في أحكام الإمام والمأموم في الصلاة.

    الباب الثالث: في صلاة الجمعة.

    الباب الرابع: في صلاة السفر.

    الباب الخامس: في صلاة الخوف.

    الباب السادس: في صلاة المريض.

    الباب الأول: في صلاة المنفرد الحاضر الآمن الصحيح، وهذا الباب فيه فصلان:

    الفصل الأول: في أقوال الصلاة. والفصل الثاني: في أفعال الصلاة.

    الفصل الأول: في أقوال الصلاة، وفي هذا الفصل من قواعد المسائل تسع مسائل:

    1.   

    حكم التكبير في الصلاة

    المسألة الأولى: التكبير، اختلف العلماء في التكبير على ثلاثة مذاهب ] تكبير في الصلاة، [ فقوم قالوا: إن التكبير كله واجب في الصلاة ]، وهو مذهب الإمام أحمد ، [ وقوم قالوا: إنه كله ليس بواجب وهو شاذ، وقوم أوجبوا تكبيرة الإحرام فقط، وهم الجمهور ] يعني الأئمة الثلاثة.

    سبب اختلاف العلماء في حكم تكبيرات الصلاة

    [ وسبب اختلاف من أوجبه كله، ومن أوجب منه تكبيرة الإحرام فقط: معارضة ما نقل من قوله لما نقل من فعله.

    فأما ما نقل من قوله فحديث أبي هريرة ] الذي أخرجه البخاري و مسلم [ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي علمه الصلاة: ( إذا أردت الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، ثم كبر، ثم اقرأ )، فمفهوم هذا هو أن التكبيرة الأولى هي الفرض فقط، ولو كان ما عدا ذلك من التكبير فرضاً لذكره له، كما ذكر سائر فروض الصلاة ].

    استدل بحديث المسيء صلاته أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يكبر عند كل خفض ورفع، وأن يقول: سمع الله لمن حمده، فانتفى العذر عن الجمهور، وتعين مذهب أحمد .

    قال: [ وأما ما نقل من فعله فمنها حديث أبي هريرة : أنه ( كان يصلي، فيكبر كلما خفض ورفع، ثم يقول: إني لأشبهكم صلاةً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري و مسلم .

    [ ومنها حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير ] أخرجه البخاري و مسلم [ قال: ( صليت أنا و عمران بن الحصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه من الركوع كبر ) ]، هذا التسامح فقوله: سمع الله لمن حمده إذا رفع رأسه من الركوع هذا من باب التسامح في اللفظ.

    [ ( فلما قضى صلاته وانصرفنا أخذ عمران بيده، فقال: أذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ) ] يعني: في الإتمام، [ فالقائلون بإيجابه تمسكوا بهذا العمل المنقول ] عن الصحابة [ في هذه الأحاديث، وقالوا: الأصل أن تكون كل أفعاله التي أتت بياناً لواجب محمولة على الوجوب، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ]، أخرجه البخاري و مسلم .

    [ و( خذوا عني مناسككم ) ]، أخرجه الإمام مسلم .

    [ وقالت الفرقة الأولى ]، وهم الجمهور، [ ما في هذه الآثار يدل على أن العمل عند الصحابة إنما كان على إتمام التكبير ]، يعني: يدل على الإتيان بالصلاة تامة، لا على الوجوب.

    [ ولذلك كان أبو هريرة يقول: ( إني لأشبهكم صلاةً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

    وقال عمران : ( أذكرني هذا بصلاته صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ) ]. يعني في إتمام الصلاة.

    [ وأما من جعل التكبير كله نفلاً فضعيف، ولعله قاسه على سائر الأذكار التي في الصلاة ] الأذكار التسبيح. [ مما ليست بواجب، إذ قاس تكبيرة الإحرام على سائر الأذكار.

    [ قال أبو عمر بن عبد البر : ومما يؤيد مذهب الجمهور ] يعني ابن عبد البر يؤيد مذهب الجمهور، [ ما رواه شعبة بن الحجاج ، عن الحسن بن عمران ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه، قال: ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتم التكبير، وصليت مع عمر بن عبد العزيز ، فلم يتم التكبير ) ]، ولكن الحديث أخرجه الطيالسي ، وهو حديث ضعيف، قال الحافظ في تهذيب التهذيب: هذا الحديث معلول، وقال أبو داود الطيالسي و البخاري : لا يصح. وقال الطبراني في تهذيب الآثار: الحسن بن عمران مجهول، فالحديث لا يصح، فلا يؤيد مذهب الجمهور كما قال ابن عبد البر .

    [ وما رواه أحمد بن حنبل ، عن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده، وكأن هؤلاء رأوا أن التكبير إنما هو لمكان إشعار الإمام للمأمومين بقيامه وقعوده، ويشبه أن يكون إلى هذا ذهب من رآه كله نفلاً ].

    الراجح في حكم التكبيرات في الصلاة

    الراجح وجوب تكبيرة الإحرام، والتسميع، وسائر تكبيرات الانتقال؛ وذلك لورود الأمر بذلك في حديث المسيء صلاته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ( إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، ثم يكبر الله، ويحمده، ويمجده، ويقرأ ما تيسر من القرآن كما علمه الله، ثم يكبره، ويركع، ويضع يديه على ركبتيه، حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى يطمئن ساجداً، ثم يرفع رأسه فيكبره، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته )، رواه أبو داود ، و الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي ، وأقره شيخنا في صفة الصلاة.

    قال الحافظ : فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه، وكان مذكوراً في هذا الحديث، فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وانظر: صفة الصلاة لشيخنا الألباني ، وانظر: الفتح (2/326) والمغني (1/362).

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765800097