إسلام ويب

كتاب الطهارة [25]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حرص فقهاء الشريعة الإسلامية على بيان العلامات التي تطهر الحائض عند رؤيتها، فمن ذلك بيانهم لمسألة الصفرة والكدرة في الحيض، كما أنهم بينوا ما يتعلق بالحائض والمستحاضة من أحكام، وذلك كله منهم حرصاً على نشر وتعليم الشريعة وفقهها.

    1.   

    الصفرة والكدرة في الحيض

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    أقوال العلماء في حكم الصفرة والكدرة في الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الخامسة ]: الصفرة والكدرة يعني: حكم الصفرة والكدرة وهل تلحق بالحيض أول لا تلحق؟

    [ اختلف الفقهاء في الصفرة والكدرة هل هي حيض أم لا؟ فرأت جماعة أنها حيض في أيام الحيض، وبه قال الشافعي و أبو حنيفة , و أحمد ، وروي مثل ذلك عن الإمام مالك ] إذاً الأئمة الثلاثة ورواية عن مالك .

    [ وفي المدونة عنه: أن الصفرة والكدرة حيض في أيام الحيض وفي غير أيام الحيض، رأت ذلك مع الدم أو لم تره ]، هذا قول ثاني لـمالك : أن الصفرة والكدرة حيض مطلقاً.

    [ وقال داود و أبو يوسف : إن الصفرة والكدرة لا تكون حيضة إلا بأثر الدم .. ] هنا عبارة: (في أيام الحيض) وعبارة: (وفي أثر الدم)، كأنه فيهما اختلاف بشيء يسير، (في أيام الحيض) لمن كانت لها عادة ففي العادة تكون من الحيض، وإذا خرجت عن العادة فليست من الحيض، وقوله: (في أثر الدم) لا ينظر إلى العادة حتى ولو كانت خرجت منها -خرجت عن العادة- وهذا الفرق بينها.

    فمن قال بأثر الدم فلا ينظر إلى العادة، ومن قال في أيام الحيض ينظر إلى العادة، فإذا كانت العادة سبعة أيام فالكدرة في داخل السبعة الأيام حيض، ومن قال في أثر الدم فإذا انتهى في السبع وفي الثامن رأت صفرة أو كدرة فإنها تكون حيضاً؛ لأنها في أثر الدم وهي خرجت عن زمن الحيض المعتاد.

    فحاصل أن الأقوال ثلاثة: إما في زمن الحيض أي: العادة، أو مطلقاً، أو في أثر الدم.

    سبب الاختلاف في مسألة الكدرة والصفرة في الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: مخالفة ظاهر حديث أم عطية لحديث عائشة ] حديث عائشة يعتبر موقوفاً عليها، وأما حديث أم عطية [ وذلك أنه: روي عن أم عطية أنها قالت: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الغسل شيئاً ]، وحديث أم عطية رواه البخاري ، وحديث عائشة علقه البخاري في صحيحه.

    فقولها: (لا نعد الكدرة بعد الغسل شيئاً)، يعني: بعد زمن العادة فهذا فرق وهو أنه بعد زمن العادة. وهذه الرواية رواية أبي داود ، وهي عنده بلفظ: الطهر، يعني: بعد الغسل ليست رواية البخاري ، ورواية البخاري : ( كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيء ) ولم يقل: في زمن الطهر ولا شيء، لكن في أبي داود : ( لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً )، فتكون رواية أبي داود مقيدة لرواية البخاري ، وهذا القيد صحيح.

    هذا ذكره الحافظ في الفتح، الجزء الأول، صفحة خمسمائة وثماني، يعني: القيد بعد الطهر.

    [ وروي عن عائشة أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة، فيها الكرسف فيه الصفرة والكدرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة ]، يعني هل يغتسلن أو لا؟ فتقول: [ لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ].

    فمن رجح حديث عائشة جعل الصفرة والكدرة حيضاً، سواء ظهرت في أيام الحيض أو في غير أيامه، مع الدم أو بلا دم، فإن حكم الشيء الواحد في نفسه ليس يختلف ]، هذا كلام صاحب الكتاب فهم من كلام عائشة. أنها تعمل بالكدرة مطلقاً، ولكن سياق كلامها وواقع القصة أن ذلك في أيام الحيض، لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، يعني حتى ترين الطهر، وهذا في حق من تعتاد القصة البيضاء أو العادة أو الجفاف.

    إذاً بتمعن النظر نرى أنه ليس هناك مخالفة بين حديث عائشة وحديث أم عطية .

    والقصة ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، وبعضه يكون كالخيط فبعد انقطاع الحيض يدفع الرحم ماء أبيض.

    والقطنة والكرسف معروفة، يعني تأخذ قطنة وتبعثها في علبة صغيرة، يجعل فيها الطيب، كانوا يضعون القطنة بعد أن تضعها المرأة في فرجها وترجع تضعها في هذه العلبة الصغيرة وتذهب بها وتوصلها إلى عائشة .

    وأما الصفرة والكدرة: فشيء يخرج من الفرج إثر انقطاع الدم، يفرز الفرج ماءً أصفر أو أحمر أو أكدر، كدورة يفرزها الفرج.. [ ومن رام الجمع بين الحديثين قال: إن حديث أم عطية هو بعد انقطاع الدم، وحديث عائشة في أثر انقطاعه ]، وهذا الجمع هو الصحيح.

    [ أو إن حديث عائشة في أيام الحيض وحديث أم عطية في غير أيام الحيض ]، يعني: بعد الطهر.

    [ وقد ذهب قوم إلى ظاهر حديث أم عطية ولم يروا الصفرة والكدرة شيئاً، لا في أيام الحيض ولا في غيرها، ولا بإثر الدم ولا بعد انقطاعه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دم الحيض أسود يعرف )؛ ولأن الصفرة والكدرة ليست بدم وإنما هي من سائر الرطوبات التي ترخيها الرحم، وهو مذهب أبي محمد بن حزم ].

    إذاً معنا أربعة أقوال:

    القول الأول: أن الصفرة والكدرة حيض في زمن الحيض، وفي غيره ليست بحيض.

    القول الثاني: أنها حيض في إثر الحيض وهو قول داود .

    القول الثالث: أنها حيض مطلقاً وهو قول مالك في المدونة.

    القول الرابع: أنها حيض في إثر الدم سواءً كانت في العدة أو خرجت من العدة.

    الراجح في مسألة الصفرة والكدرة في الحيض

    والراجح التفصيل في ذلك، وهو: أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض وفي إثر انقطاعه - أخذت بالقولين - تعد حيضاً، وأنها في غير أيام الحيض وبعد تيقن انقطاع الدم وظهور القصة البيضاء لا تعد حيضاً، وهذا هو الذي يجمع به بين الخبرين على أحسن وجه.

    بل ظاهر سياق الخبرين يقتضي هذا، يعني سياق الخبرين يقتضي هذا التفصيل؛ ولأن الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض تعتبر من الرطوبات التي يرخيها الرحم، يعني يدفعها الرحم.

    أما في أيام الحيض وإثر انقطاعه فإنها من بقايا ما يفرزه الرحم من دم الحيض. وهذا هو الذي رجحناه.

    1.   

    علامة الطهر من الحيض

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة السادسة ]: علامة الطهر من الحيض:

    أقوال العلماء في علامة الطهر

    قال رحمه الله: [ اختلف الفقهاء في علامة الطهر، فرأى قوم أن علامة الطهر: رؤية القصة البيضاء أو الجفوف ] يعني واحدة من هذا أو الجفوف كأن تدخل القطنة في فرجها فتخرج جافة هذا علامة الطهر، [ وبه قال ابن حبيب من أصحاب مالك ، وسواء كانت المرأة من عادتها أن تطهر بالقصة البيضاء أو بالجفوف، أي ذلك رأت طهرت به، يعني يقول: أي واحد حصل من هذا طهرت به.

    وفرق قوم.. فقوم قالوا: إن كانت المرأة ممن ترى القصة البيضاء فلا تطهر حتى تراها، وإن كانت ممن لا تراها فطرها بالجفوف، وذلك في المدونة عن مالك ].

    سبب اختلاف العلماء في علامة الطهر

    [ وسبب اختلافهم أن منهم من راعى العادة ] القصة البيضاء [ ومنهم من راعى انقطاع الدم فقط ]، بأي صفة كانت، [ وقد قيل: إن التي عادتها الجفوف تطهر بالقصة البيضاء ]؛ لأن القصة البيضاء أقوى من الجفوف [ ولا تطهر التي عادتها القصة البيضاء بالجفوف وقد قيل بعكس هذا وكله لأصحاب مالك ].

    الراجح في علامة الطهر

    وعلى كل حال هذا أمر يرجع إلى عادة النساء يعرفنه فالنساء أكثر من أن نرجح لهن نحن، الطهر يعرفنه، تقول لها: كيف طهرك؟ فتقول لك: كذا.. إذاً فالراجح أنه أمر يرجع إلى عادة النساء، فيطبقنه في أنفسهن.

    أما المسألة السابعة فقد انتهى الكلام عليها.

    1.   

    معرفة أحكام الحيض والاستحاضة

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الثالث ] هو: معرفة أحكام الحيض والمستحاضة.

    [ والأصل في هذا الباب قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ[البقرة:222].. الآية، والأحاديث الواردة في ذلك، التي سنذكرها.

    الأشياء المتفق على أن الحيض يمنع منها

    واتفق المسلمون على أن الحيض يمنع أربعة أشياء.

    أحدها: فعل الصلاة ووجوبها ]، يعني: لا يجوز لها أن تصلي ولا يجب عليها قضاؤها؛ [ أعني: أنه ليس يجب على الحائض قضاؤها بلا خلاف ]؛ إذاً قوله: بلا خلاف، في حديث عائشة : ( أحرورية أنت )، كما في البخاري يعني أنت من الخوارج الذين يوجبون القضاء، إذاً أهل السنة والجماعة، وليس أهل السنة فقط، كانوا لا يعدون اختلاف الخوارج والشيعة من الخلاف الذي يخرق الإجماع، ولهذا يقول ابن حزم : لما كتب أن النصرانية اختلفت في كتابها فأورد عليه النصارى كلام الاثني عشرية؛ لأنهم يعرفوهم ونقلوا عنهم من كتب الاثني عشرية أن القرآن حصل فيه كذا وحصل كذا.. وآيات قرآنية محرفة في كتب الاثني عشرية، فقال: (لا نعدهم من أهل الإسلام، فلا يكون خلافهم منسوباً إلى أهل الإسلام)، وهكذا كان أهل السنة والجماعة يخرجون هذه الفرقتين، أما أهل السنة الآن فيخرجون الجميع ولا يبقون إلا الفرقة الناجية التي يقولون: إنها هم ويحصروها في واحد في المائة من الأمة الإسلامية، بل أقل من واحد في المائة.. فلو نظرنا لرأينا أنها أقل من واحد في الألف، والرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى أمته رأى سواداً ملأ الأفق؛ ولهذا بعض العلماء الذين فهموا أن الفرق الضالة أكثر من الفرق غير الضالة، طعنوا في الحديث، في المتن، فقالوا: هو ضعيف من حيث المتن، ومنهم: الإمام ابن الوزير ، فقد ضعفه من حيث المتن، فقال: لأن الأحاديث الصحيحة تدل على أن أمة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من سائر الأمم، وهذا يقتضي أن الناجية منها أقل من سائر الأمم، فجاء هؤلاء وقالوا أكثر من هذا؛ فقالوا: إن الناجي من أمة الرسول صلى الله عليه وسلم واحد من الألف أو أقل. لكن الإمام المقبلي قال: الحديث صحيح وقد صححه شيخنا ناصر الدين الألباني ، فقال: ولا يلزم من هذا أن الطائفة تكون من الطائفة الواحدة هي الأقلية، فقد تكون الطائفة الواحدة هي أكثر من الواحدة والسبعين، ومعنى الكلام يرد به على من حصرها في أهل السنة.

    وقال: ولا يلزم وجود الواحد والسبعين في كل الأزمان أما الواحدة فهي موجودة في كل الأزمان بالفعل، فيجوز أن تأتي فرقة كذا وتنقرض، وتأتي فرقة كذا وتنقرض ( ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة )، إذاً فلا نحصرها في أهل السنة، وإنما هم أهل السنة والجماعة..

    ومن هنا تعرفون أن هناك فرقاً في وقتنا هذا بين أهل السنة والجماعة وبين أهل السنة؛ لأن من يسمون أنفسهم أهل السنة هو اصطلاح لهم ولا مشاحة في الاصطلاحات لكن هم من أهل السنة والجماعة؛ لأن أهل السنة والجماعة أوسع من هذا، فنحن إذا أطلقنا ما نطلق أهل السنة، بل نقول: أهل السنة والجماعة.

    [ والثاني: أنه يمنع فعل الصوم لا قضاؤه ]، وهذا مجمع عليه، [ وذلك لحديث عائشة ] الذي رواه البخاري ، [ الثابت أنها قالت: ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، وإنما قال بوجوب القضاء عليها طائفة من الخوارج ] أي: في الصلاة.

    وهنا قاعدة أصولية: هل القضاء بالأمر السابق أو بالأمر الجديد؟

    يؤخذ من هذا الحديث أن القضاء لا يجب إلا بأمر جديد؛ لأن قوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43] وغيرها من الآيات فيها الأمر بإقامة الصلاة والمحافظة عليها، ولذلك ما قالت عائشة أنها يلزم بها القضاء، وإنما قالت: أنه لم يأمرهم بقضائها، وأمرهم بقضاء الصوم فدل على أن أداء العبادة في غير وقتها بعذر يقتضي أن عدم فعلها في وقتها إنما يلزم بأمر جديد.

    فكل عبادة لم تفعل في وقتها لمانع شرعي من ذلك فإنها لا يلزم أداؤها -إذا زال ذلك المانع- إلا بأمر جديد. وهل يكون ناسخاً للأمر الأول؟

    أقول: ليس ناسخاً، يعني لا يلزم إذا وجد المقتضي وكان معه مانع فزال، فالمقتضي لا ينفذ، فإذا زال المانع فلا بد من أمر جديد.

    [ والثالث: فيما أحسب الطواف؛ لحديث عائشة الثابت ] الذي رواه البخاري [ حين أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفعل كلما يفعل الحاج غير الطواف بالبيت.

    والرابع: الجماع في الفرج؛ لقوله: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ[البقرة:222] ] والجماع هذا مجمع عليه، وغير الجماع سيأتي حكمه.

    [ واختلفوا من أحكامها في مسائل نذكر منها مشهوراتها وهي خمس: ]

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765799580