إسلام ويب

كتاب الطهارة [19]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت الشريعة بالأمر بالطهارة والتنزه عن النجاسة، وقد اختلف العلماء في الطهارة في مسائل منها الدلك، هل يشترط الدلك في الغسل أو لا يشترط؟ وكذلك اختلفوا في الوضوء: هل هو شرط في صحة الغسل أو ليس بشرط؟

    1.   

    اشتراط الدلك في الطهارة

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الأول: في معرفة العمل في هذه الطهارة، وهذا الباب يتعلق به أربع مسائل ].

    سيذكر في المسألة الأولى دلك الجسم عند الاغتسال، وهل يكون الاغتسال بإفاضة الماء أو لا بد من دلك الجسم جميعاً؟ فهنا الاختلاف.

    أقوال العلماء في الدلك في الطهارة

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الأولى: اختلف العلماء هل من شرط هذه الطهارة إمرار اليد على جميع الجسد، كالحال في طهارة أعضاء الوضوء..] بمعنى: أنه كما أن الوضوء لا بد فيه من إمرار اليد على جميع أعضاء الوضوء فكذلك الغسل يمرر يده على جميع الجسد.

    فالمصنف يقول: إن إمرار اليد في الوضوء شيء متفق عليه، وإمرار اليد في الغسل مختلف فيه، فهو ينجر في إمرار اليد في الغسل على إمرارها في الوضوء، وأن العلماء قد اتفقوا على إمرار اليد في الوضوء، وهذا ليس بصحيح.

    فهو يبني كلامه كله على أن الأحاديث التي في الغسل ليس فيها إمرار، ولا أن القياس هو الإمرار كالوضوء.

    قال: [ أم يكفي فيها إفاضة الماء على جميع الجسد وإن لم يمر يديه على بدنه، فأكثر العلماء على أن إفاضة الماء كافية في ذلك وذهب مالك وجل أصحابه و المزني ] وهو من أئمة الشافعية [ من أصحاب الشافعي ، إلى أنه إن فات المتطهر موضع واحد من جسده لم يمر يده عليه أن طهره لم يكمل بعد ] بمعنى: أنه لا بد من تمرير يده على جميع بدنه في الغسل.

    سبب اختلاف العلماء في اشتراط الدلك في الغسل

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم: اشتراك اسم الغسل، ومعارضة ظاهر الأحاديث الواردة في صفة الغسل لقياس الغسل على ذلك في الوضوء.. ].

    بمعنى: أن الغسل اسم مشترك في الإفاضة دون الدلك وفي الإفاضة مع الدلك، فهذا الاشتراك جعلهم يختلفون، فبعضهم قال: الإفاضة ليس فيها دلك، وبعضهم قال: لا بد فيها من الدلك.

    والسبب الثاني: أن الأحاديث كلها تدل على الإفاضة، ولكن اتفقوا على أن الدلك غير واجب فهو يقول: خالفت الأحاديث القياس.

    قال: [ وذلك أن الأحاديث الثابتة التي وردت في صفة غسله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة و ميمونة ليس فيها ذكر التدلك، وإنما فيها إفاضة الماء فقط.

    ففي حديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات، ثم يفيض الماء على جلده كله) والصفة الواردة في حديث ميمونة قريبة من هذا، إلا أنه: أخر غسل رجليه من أعضاء الوضوء إلى آخر الطهر ].

    أي ومثل حديث عائشة إلا أن في حديث ميمونة ذكرت أنه بعد أن اغتسل غسل رجليه.

    [ وفي حديث أم سلمة أيضاً، وقد سألته صلى الله عليه وسلم: ( هل تنقض ضفر رأسها لغسل الجنابة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت ) ] وهذا الحديث ظاهر في أن التدليك ليس بمطلوب في الغسل من الجنابة وهو كذلك في الوضوء ليس بمطلوب.

    ثم قال: [ وهو أقوى في إسقاط التدلك من تلك الأحاديث الأخر ] لأنه قال: ( يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات ) وقول المصنف: [لا يمكن] خطأ؛ لأنه يمكن وليس لا يمكن [لأنه يمكن هناك أن يكون الواصف لطهره قد ترك التدلك ] لأنه قد يغسله ولم يدلكه، ثم قال: [ وأما هاهنا فإنما حصر لها شروط الطهارة ] فقال: ( إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء.. )، فحصره في هذا، فهذا هو الواجب.

    قال: [ ولذلك أجمع العلماء على أن صفة الطهارة الواردة من حديث ميمونة و عائشة هي أكمل صفاتها ] بمعنى: أن الحديثين الأولين جاءا بالصفة الكاملة.

    [ وأن ما ورد في حديث أم سلمة من ذلك فهو من أركانها الواجبة ].

    وقد ثبت في حديث عائشة و ميمونة أنه توضأ.

    أقوال العلماء في اشتراط الوضوء لصحة الغسل

    وهنا مسألة هل الوضوء شرط في صحة الغسل أو ليس بشرط؟

    قال المصنف رحمه الله: [ وأن الوضوء في أول الطهر ليس من شرط الطهر.. ] يعني: أنه ليس من شرط الغسل أن يتوضأ قبله.

    ثم قال: [ إلا خلافاً شاذاً.. ] يعني هؤلاء يقولون: لا بد في الغسل من الوضوء، ولا يصح إلا بالوضوء.

    قال: [ روي عن الشافعي ] يقول أن هذا القول روي عن الشافعي ، لكن أنا لا أعرفه وهو قول ضعيف لم ينشر.

    [ وفيه قوة.. ] يعني هذا الخلاف.

    قال: [ من جهة ظواهر الأحاديث ] يعني: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يعمل ذلك الطهر إلا بأمر من الله، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم بيان لهذا، فكان يفعله بالوضوء، وبيان الواجب واجب، الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان بياناً لواجب فهو واجب.

    [ وفي قول الجمهور قوة من جهة النظر; لأن الطهارة ظاهر من أمرها أنها شرط في صحة الوضوء، لا أن الوضوء شرط في صحتها..]، يعني: أن الوضوء لا يصح إلا من إنسان طاهر ليس عليه جنابة، وليس من شرط الغسل من الجنابة أن يتوضأ -هذا معنى كلامه- وهذا هو الظاهر، فمثلاً: إذا توضأت الحائض فلا يقبل وضوءها.

    إذاً فالطهارة شرط للوضوء، وليس الوضوء شرط للطهارة، فهذا من جهة النظر.

    وهكذا يكون في الجنب، فإذا توضأ الجنب للصلاة لا تقبل صلاته إلى أن يغتسل ثم يتوضأ، وكذلك الحائض لا بد أن تكون طاهرة، وبعد ذلك تتوضأ.

    [ فهو من باب معارضة القياس لظاهر الحديث، وطريقة الشافعي تغليب ظاهر الأحاديث على القياس ] يعني: طريقة الشافعي أنه إذا تعارض القياس مع الحديث فإنه يغلب الحديث؛ فقال: لا بد من أن الوضوء شرط في كمال الغسل كمال صحته لا كمال فضيلته؛ لأن الأحاديث وردت بوجوب التدلك.

    لكن يكون حديث أم سلمة كالبيان على أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بواجب، وإنما هو مندوب؛ لأنه قال: ( إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أتت قد طهرت )، فإنه لا يوجد وضوء، فهذا يصرف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه بيان للواجب، وأن الوضوء ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لبينه لـأم سلمة .

    فهذا هو رأي الجمهور وهذا الذي نميل إليه، أما شيخنا ناصر الدين الألباني فكان يقول: إن الوضوء واجب، وإنه من كمال صحة الغسل ولا يصح إلا بالوضوء.

    لكنا نقول: ليس بواجب، ويستثنى من ذلك: الاستنشاق والمضمضة فهذه لها حكم آخر؛ لأنها واجبة.

    [فذهب قوم كما قلنا إلى ظاهر الأحاديث، وغلبوا ذلك على قياسها على الوضوء] يعني: الغسل [ فلم يوجبوا التدلك. وغلب آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على ظاهر هذه الأحاديث ] يعني غلبوا الغسل على الوضوء [ فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء ] أي: كما أن الحال أن التدلك واجب في الوضوء، فهو واجب في الغسل، كما في الحديث.

    [ فمن رجح القياس.. ] ويقصد بهم المالكية [ صار إلى إيجاب التدلك، ومن رجح ظاهر الأحاديث على القياس صار إلى إسقاط التدلك، وأعني بالقياس: قياس الطهر.. ] يعني: الغسل [ على الوضوء ].

    ثم انتقل إلى السبب الثاني للاختلاف وقد قال: أن هناك سببين للاختلاف: الأول: تعارض الأحاديث والثاني: الاشتراك في الاسم.

    فقال: [ وأما الاحتجاج من طريق الاسم ففيه ضعف، إذ كان اسم الطهر والغسل ينطلق في كلام العرب على المعنيين جميعاً على حد سواء ] أي: يقال له غسل، ويقال له: طهر، يعني: أنها كلها تسمى غسلاً؛ فالغسل من دون دلك والغسل بدلك يطلق عليها كلها غسلاً؛ وهذا من باب التواطؤ، وليس من باب الاشتراك.

    [ وأعني بالقياس: قياس الطهر على الوضوء ].

    وأولوا ظاهر كلامه أنهم اتفقوا على أن التدليك في الوضوء وليس كذلك، قال ابن قدامة في المغني (1/161): ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء، إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده، وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي.

    يعني إذا كان من قال: بأنه لا يجب الإمرار فلا بد من وصول الماء إلى جميع الجسد.

    أقول: وهو الأقرب بأنه لا يجب التدلك لا في الوضوء ولا في الغسل؛ لأن التدلك أمر زائد على مسمى الوضوء والغسل فإنه يقال: غسل الإناء، وإن لم يمرر يده فيه.

    ويسمى السيل الكثير: غاسول، وأحاديث صفة الغسل ليس فيها ما يدل على التدلك، والأصل براءة الذمة.

    معنى التواطؤ

    التواطؤ: هو الذي يطلق على الشيء.. مثلاً البياض يطلق على الناصع وعلى البياض غير الناصع، متواطئ، وإطلاقه كله حقيقة، فالغسل يطلق على التدليك حقيقة وعلى الإفاضة حقيقة في وقت واحد، أما الاشتراك فلا يطلق عليهما في وقت واحد، وإنما هو في وقت دون وقت؛ مثلاً القرء وضعته العرب للحيض، ووضعته وضعاً ثانياً حقيقة للطهر، هذا يسمى مشترك، والعين وضعتها العرب وضعاً حقيقياً للعين الباصرة ووضعتها وضعاً حقيقياً للعين الجارية، ووضعتها وضعاً حقيقياً لعين الذهب والفضة، ووضعتها وضعاً حقيقياً للشمس، وقلنا: وضعاً حقيقياً ليخرج ما كان الوضع فيها مجازياً، فهذه إطلاقات تطلق على المتواطئ وضعاً حقيقياً غير مشترك، كالبياض، والمشترك يوضع وضعاً حقيقياً إلا أنه مبهم..

    والمجاز يطلق وضعاً حقيقياً على واحد منهما ظاهر فيه، ويسمى الحقيقية، ومجاز في الآخر ويسمى: المؤول، مثل الأسد وضع وضعاً حقيقياً في الأسد، الحيوان المفترس، وهو مجاز في الرجل الشجاع، ويؤول إذا وجد القرينة على الرجل الشجاع.

    ومنه قوله: من المشترك الذي يكون وضعه وضعاً حقيقياً ولكنه مجمل فقد يكون مبيناً وقد لا يكون مبيناً يقول الإمام الشوكاني : والمجمل لا يعين حتى يبين.

    مثل قولك لشخص: أعطني شيئاً. فيقول: ما هو الشيء الذي أعطيك بين لي ما أعطيك.

    الاستخدام أن يكون اللفظ مشتركاً بين عدة معان، فيأتي سائل بالمعنى الأول، ثم يعيد ضمائر على المعاني الأخرى:

    مثل: وكم شفاها ريقه. يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قوله: ولها علت أنواره. أي إلى عين الشمس علت أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم.

    فالإطلاق إما أن يكون تواطؤاً وهو: أن يطلق اللفظ على حقيقة ذلك الأمر إطلاقاً واحداً يختلف فيه المسمى وصفته، من قوة وضعف، أو قلة وكثرة.

    فالبياض متواطئ؛ لأنه يختلف فيه المسمى في قوة البياض وضعفه، فالثلج شيء أبيض ولكنه يختلف بياضه عن غيره.

    وكذلك الماء متواطئ على القليل والكثير.

    فلو قال قائل: اعطني ماء، فإنك ستقول: هذا لفظ مشترك بين القليل والكثير فنقول لك: لا، هذا متواطئ.

    معنى المشترك في الأسماء

    والمشترك: هو أن يطلق اللفظ على عدة مسميات وضعاً حقيقياً، بحيث أن هذه المسميات كل مسمىً منها يختلف مع الآخر اختلافاً تاماً، فمثلاً لفظ (العين) له عدة مسميات حقيقية، يختلف وضع كل واحد منها عن الآخر، فالعين من مسماها (الذهب والفضة).

    ومن مسماها أيضاً العين الباصرة، والعين الجارية وعين الشمس فهذه المسميات وضع لفظ العين لها لفظاً حقيقياً.

    فإن قال قائل: العين تطلق على الجاسوس.

    فنقول: العين تطلق على الجاسوس من باب المجاز بالجزئية؛ لأنه يتجسس بعينه، فأطلقنا الجزء وأردنا الكل.

    ولهذا قال الأصوليون: إن المشترك مجمل في مسمياته، فلا يجب العمل به حتى يبين أحدها بدليل آخر. أي: حتى يعين.

    ومن أمثلته المسألة التي مضت معنا في الدرس الأول: لا يمس المصحف إلا طاهر، فإنه لفظ مشترك بين الطهارة من الحدث الأكبر والطهارة من الحدث الأصغر، والطهارة من النجاسة والطهارة من الكفر فلا يعمل به حتى يبين، ثم قد بين من وجه آخر أن المراد به المؤمن وأن النجس هو الكافر.

    إطلاق الحقيقة على المجاز

    وأما الإطلاق الثالث وهو: الحقيقة والمجاز، وهو ما يسمى بالظاهر والمؤول، فيجب عند الإطلاق حمل اللفظ على الظاهر، ولا يجوز حمله على المجاز -الذي هو المؤول- إلا إذا وجد في السياق قرينة تؤيد الحمل على المعنى المجازي.

    وذلك مثل ما مر معنا في الدرس: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ[النساء:43]، فهو حقيقة في الجماع، ولكن القرائن الخارجية من تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم ولمسه عائشة جعلتنا نختار المعنى المجازي، وهذا المثال من حيث الطريقة الفقهية.

    أما المثال عليه من حيث طريقة المعاني والبيان فمثل الأسد، فإنه حقيقة في الحيوان المفترس، فإذا قلت: احذروا الأسد! فيقصد به: الحيوان المعروف.

    لو قلت: لقد رأيت أسداً بجانب الفصل يحمل سلاحاً!

    فهذا يحمل على المجاز لوجود قرينة.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765800132