إسلام ويب

كتاب الطهارة [16]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بينت الشريعة الإسلامية بعضاً من الأفعال التي لا بد فيها من الطهارة قبل الدخول فيها، فمنها المتفق عليها ومنها المختلف فيها ومن ذلك: الطهارة للصلاة، وهي محل اتفاق بين جميع المسلمين على شرطيتها. وكذلك الطهارة لمس المصحف. والوضوء للجنب إذا أراد النوم، أو الأكل والشرب، أو معاودة الأهل.

    1.   

    اشتراط الطهارة للصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الخامس: وهو معرفة الأفعال التي تشترط هذه الطهارة في فعلها الصلاة ]. بمعنى أن هناك أعمالاً يشترط أن يكون الإنسان فيها على وضوء.

    قال: [ والأصل في هذا الباب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6]، الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)]. وهو حديث صحيح.

    اتفاق المسلمين على اشتراط الطهارة للصلاة

    قال: [فاتفق المسلمون على أن الطهارة شرط من شروط الصلاة لمكان هذا]. يعني: لمكان الآية والحديث. [وإن كانوا اختلفوا هل هي شرط من شروط الصحة أو من شروط الوجوب؟]. فإذا كانت الطهارة شرط صحة، فمعناه: لا تصح الصلاة إلا بالوضوء، وإذا كانت شرط وجوب فلا تجب الصلاة إلا بعد الوضوء.

    وعلى كل حال فهي من شرط الصحة؛ لأن شرط الوجوب هو ما لا يجب على الشخص أن يقوم به، كزوال الشمس، شرط لوجوب الصلاة، وكالاستطاعة في الحج، شرط لوجوب الحج، فهي شرط في صحة الصلاة.

    خلاف العلماء في الصلاة التي يشترط لها الطهارة

    قال: [ولم يختلفوا أن ذلك شرط في جميع الصلوات]. يعني: الذي يقول: إن الوضوء شرط في الصلاة، الصلوات لم يستثن شيئاً من الصلاة، سواء كانت فريضة أو نافلة، أو صلاة كسوف، أو تحية مسجد.

    قال: [إلا في صلاة الجنازة، وفي السجود، (أعني: سجود التلاوة)، فإن فيه خلافاً شاذًا]. فمن رأى أن صلاة الجنازة صلاة، وأن سجود التلاوة صلاة، اشترط له الطهارة، ومن لم يرَ أنه صلاة؛ لكون السجود لا يطلق عليه صلاة لا في اللغة ولا في الشرع، أما صلاة الجنازة فيطلق عليها صلاة في اللغة؛ لأنها بمعنى الدعاء، وأما في الشرع فلا يطلق عليها صلاة.

    لأن الصلاة في الشرع: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، أما صلاة الجنازة وسجود التلاوة فليست فيها، فلهذا السبب اختلفوا فيها.

    الراجح في مسألة اشتراط الطهارة لصلاة الجنازة وسجود التلاوة

    وقد رجح شيخنا ناصر الدين الألباني عدم وجوب الوضوء لصلاة الجنازة؛ لأنها بمعنى الدعاء، وكذلك سجود التلاوة، فإنه لا يسمى صلاة لا لغة ولا شرعًا أما صلاة الجنازة فهي صلاة في اللغة؛ لأن الصلاة في اللغة الدعاء، كما قال تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ[التوبة:103]، أي: ادع لهم.

    فالأقرب أنه لا يجب لهما الوضوء.

    سبب اختلاف العلماء في اشتراط الطهارة لصلاة الجنازة وسجود السهو

    قال المصنف رحمه الله: [والسبب في ذلك الاحتمال العارض في انطلاق اسم الصلاة على الصلاة على الجنائز وعلى السجود، فمن ذهب إلى أن اسم الصلاة ينطلق على صلاة الجنائز وعلى السجود نفسه وهم الجمهور اشترط هذه الطهارة فيهما.

    ومن ذهب إلى أنه لا ينطلق عليهما، إذ كانت صلاة الجنائز ليس فيها ركوع ولا سجود، وكان السجود أيضًا ليس فيه قيام ولا ركوع، لم يشترطوا هذه الطهارة فيهما.

    1.   

    اشتراط الطهارة لمس المصحف

    ويتعلق بهذا الباب مع هذه المسألة أربع مسائل].

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الأولى مس المصحف: هل هذه الطهارة شرط في مس المصحف أم لا؟]. يعني: هل يجوز مس المصحف من غير طهارة أو لا يجوز؟

    قال: [ فذهب مالك و أبو حنيفة و الشافعي ] و أحمد . [إلى أنها شرط في مس المصحف، وذهب أهل الظاهر إلى أنها ليست بشرط في ذلك]. وممن ذهب إلى مذهب أهل الظاهر من السلف: ابن عباس و الشعبي ، و الضحاك و زيد بن علي .

    ومن المتأخرين: الشوكاني و ابن الأمير و الألباني .

    سبب الخلاف في اشتراط الطهارة لمس المصحف

    قال المصنف رحمه الله: [والسبب في اختلافهم:]. السبب في اختلاف المتقدمين والمتأخرين، [تردد مفهوم قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]]. بين معنيين.

    [بين أن يكون المطهرون هم بنو آدم]، وبين أن يكون الضمير عائداً على المصحف.

    قال: [وبين أن يكونوا هم الملائكة، وبين أن يكون هذا الخبر مفهومه النهي، وبين أن يكون خبرًا لا نهيًا فمن فهم من (المطهرون) بني آدم، وفهم من الخبر النهي قال: لا يجوز أن يمس المصحف إلا طاهر، ومن فهم منه الخبر فقط وفهم من لفظ (المطهرون) الملائكة قال: إنه ليس في الآية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف].

    الحكم على حديث عمرو بن حزم: (لا يمس القرآن إلا طاهر)

    وحديث عمرو بن حزم في مرتبة الحسن لغيره؛ لأن طرقه كلها لا تخلو من ضعف يسير.

    قال: [ وأحاديث عمرو بن حزم اختلف الناس في وجوب العمل بها]. يعني: رواية عمرو بن حزم .

    [لأنها مصحفة ورأيت ابن المفوز يصححها إذا روتها الثقات]. فإذا كانت الرواية إلى عمرو بن حزم صحيحة فهو صحيح.

    [لأنها كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأهل الظاهر يردونهما]. ورخص مالك للصبيان في مس المصحف على غير طهر لأنهم غير مكلفين. يعني: اختلف العلماء في رواية: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، هل هي صحيحة أو غير صحيحة؟ أولاً بالنسبة لنسبه فهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص .

    فلما يقول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فمن المحتمل أن يكون جده محمداً ، ومن المحتمل أن يكون عبد الله ، ولذا قال بعض المحدثين: إن كان الضمير عائدًا إلى عمرو فهو محمد ، ومحمد تابعي، فالحديث مرسل، وإن كان الضمير عائداً إلى شعيب فهو عبد الله بن عمرو بن العاص ، و شعيب لم يدرك جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، فالحديث منقطع. فلا يخلو الحديث إما أن يكون منقطعًا أو يكون مرسلاً، فهو ضعيف على كل حال، هكذا قالوا.

    ولكن: الضمير يعود إلى شعيب ، و شعيب يروي عن جده عبد الله ، وروايته عن جده عبد الله متصلة؛ لأنه ثبت بالأسانيد الصحيحة عن شعيب أنه قال له: حج مع جده عبد الله ، وكان معه في منى، وسئل عن مسائل وأجاب عنها وهو معه، فهو يقول: كنت مع جدي عبد الله بن عمرو في منى، وسئل عن كذا وكذا وكذا، فهذا يدل على أنه أخذ عن جده ولقيه وسمع منه، فالحديث إذاً متصل، يبقى الكلام على إسناده، أما إسناد حديث عبد الله بن عمرو فهو حسن لذاته، و عمرو بن شعيب رتبته حافظ خفيف الحفظ لا يرقى إلى مرتبة الصحيح؛ لأن الصحيح: ما رواه عدل تام الضبط متصل السند، وهذا: خفيف الضبط. وفي حديث معناه: يقول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أنه ( لا يجوز للمرأة إنفاق مالها بغير إذن زوجها ).

    ما وقع من المناظرة بين ابن باز والألباني حول حق المرأة في التصرف بمالها دون إذن زوجها

    وفي هذا الحديث وقعت مساجلة بين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ناصر الدين الألباني ، وقام كل واحد أظن ثلاث مرات وهو يؤيد قوله، فـعبد العزيز بن باز يقول: إن هذه الرواية ليست بصحيحة، وأن الأصول تقتضي أن لا تمنع المرأة من التصرف في مالها لورود الأحاديث الصحيحة بذلك.

    والشيخ ناصر الدين الألباني يقول: الحديث في مرتبة الحسن، وهو صريح في منع المرأة من التصرف في مالها، فلا يجوز لها أن تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها، وأما الأحاديث الأخرى فهي عامة في التصرفات الأخرى، والخاص يقضي على العام. وكلًا قام وأطال الكلام في هذا الموضوع، وخرجوا على غير اتفاق.

    فوقعت أنا وزميل لي بين كلامهم فقلنا: النفقة المراد بها في الحديث: ألا تعطي من مالها إلا بإذن زوجها، أي: عطاءً، فالحديث فيه منع التصرف في غير الصدقة؛ وهو العطاء البذخ، والعطاء فيما يكون فيه تصرف في المال، مما يخل بالزوجية، فهذه ممنوعة منه؛ لأنهما شريكين، وأما الأحاديث الأخرى فلا تمنع من التصدق في مالها وصلة رحمها، ولا يشترط في ذلك إذن زوجها؛ لأنه يجوز لها أن تتصرف في ماله للمصلحة، كما ( سألت هند بنت عتبة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان كان رجل شحيح، فهل آخذ من ماله لأنفقه على أولادي؟ قال: نعم ).

    الراجح في مس المصحف للمحدث

    أقول: الراجح: جواز مس المصحف للمحدث حدثًا أكبر أو أصغر، وللحائض جريًا على البراءة الأصلية.

    وهذا ما رجحه الشوكاني في النيل (1/277)، حيث قال بعد أن تكلم على حديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، كلاماً طويلاً: والمؤمن ليس بنجس دائمًا؛ لحديث: ( المؤمن لا ينجس ).

    فيكون معنى قوله: (لا يمس القرآن إلا طاهر )، أي: أنه لا يمسه الكافر، وإنما يمسه المسلم.

    قال: (فلا يصح حمل المطهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية، بل ينبغي حمله على من ليس بمشرك، كما في قوله تعالى: إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ[التوبة:28].

    قوله: (بل ينبغي حمله على من ليس بمشرك)، يعني: لا يمس القرآن إلا طاهر، أي: لا يمس القرآن إلا من ليس بمشرك، وأن المشرك لا يمسه؛ لأنه نجس.

    قال: (لهذا الحديث)، حديث: (المؤمن لا ينجس)، (ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، وهو متفق عليه).

    وقال: (ولو سُلم صدق اسم الطاهر على من ليس بمحدث حدثًا أكبر أو أصغر، فقد عرفتَ: أن الراجح إذا كان اللفظ المشترك مجملاً في معانيه فلا يعين حتى يبين).

    فقوله (طاهر) لفظ مشترك بين المؤمن وبين المحدث حدثًا أكبر أو أصغر، والتي ليست بحائض، فهو مشترك بين هذه المعاني، فلا يعين حتى يبين، فهو مجمل في معانيه، فلا يعين في واحد منها حتى يبين.

    (وقد دل الدليل ههنا: أن المراد به غير المشرك لحديث: (المؤمن لا ينجس) فيكون المراد بقوله: (لا يمس القرآن إلا طاهر) المؤمن، وهو نفي للمشرك.

    (ولو سُلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته)، يعني: إرادة المؤمن، (لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحًا بلا مرجح، وتعيينه لجميعها استعمالاً للمشترك في جميع معانيه). مثلاً: فهم قالوا: إن المراد بالطاهر أي: من الجنابة ومن الحدث، وليس فيه دليل على أن المراد به المشرك. فيقال: هذا الكلام مجمل، ولا يجب علينا العمل به في هذا الحديث حتى يعين.

    قالوا: هذا مشترك، ولنا أن نعمل المشترك في جميع معانيه: فلا يمسه إلا مسلم وطاهر من الحدث الأصغر، ومن الحدث الأكبر، وليست بحائض حتى نعمل هذا المشترك في جميع المعاني.

    قال الشوكاني رحمه الله: (وفيه خلاف، ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال للمشترك في جميع معانيه، لما صح لوجود المانع وهو حديث: (المؤمن لا ينجس)، وهو يمنعنا أن نستعمله في جميع معانيه.

    ثم قال: (قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر لا يصح لا حقيقة ولا مجازًا ولا لغة.

    قال الشوكاني : فإن ثبت هذا فالمؤمن طاهر دائمًا، فلا يتناوله الحديث، سواء كان جنبًا أو حائضًا أو محدثًا أو على بدنه نجاسة).

    وقال شيخنا ناصر الدين الألباني في تمام المنة ص (144): الأقرب والله أعلم أن المراد بالطاهر في الحديث هو المؤمن، سواء أكان محدثًا حدثًا أكبر أو أصغر أو حائضًا أو على بدنه نجاسة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس)، وهو متفق عليه).

    1.   

    وضوء الجنب

    أقوال العلماء في وضوء الجنب إذا أراد النوم

    قال المصنف رحمه الله: [المسألة الثانية نوم وأكل وجماع الجنب: اختلف الناس في إيجاب الوضوء على الجنب في أحوال]، هل الوضوء واجب على الجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل أو سنة؟

    [أحدها: إذا أراد أن ينام وهو جنب; فذهب الجمهور إلى استحبابه دون وجوبه، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه]،

    المراد بالجمهور الأئمة الأربعة.

    [وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر : ( أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ واغسل ذكرك، ثم نم)].

    وفي رواية قال له: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأت) ففي رواية الأمر، وفي رواية الشرط.

    قال ابن دقيق العيد : وحديث عمر جاء بصيغة الأمر والشرط، وهو متمسك من قال بالوجوب. انظر الفتح (1/469). يعني: لما قال: (توضأ واغسل ذكرك، ونم)، وقال: (نعم، إذا توضأت).

    قال المصنف رحمه الله: [وهو أيضًا مروي عنه من طريق عائشة]. الضمير في (عنه) عائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه مروي عنها بطريق الفعل، وليس بطريق القول، كما هو في البخاري وغيره عن أبي سلمة قال: سألت عائشة : (أكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم، ويتوضأ)، وكذلك قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة).

    قال: [وذهب الجمهور إلى حمل الأمر]. الأمر في حديث عمر ، [بذلك على الندب والعدول به عن ظاهره]. لأن ظاهره الوجوب.

    [لمكان عدم مناسبة وجوب الطهارة لإرادة النوم، (أعني: المناسبة الشرعية) ].

    يعني: أن المناسب أن الطهارة للصلاة وللذكر، أما للنوم فغير مناسب في الشرع.

    قال: [وقد احتجوا أيضًا] يعني الجمهور، [لذلك بأحاديث، أثبتُها]. يعني: أقواها.

    [حديث ابن عباس ] رواه مسلم .

    [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خرج من الخلاء فأتي بطعام، فقالوا: ألا نأتيك بِطُهر؟)].

    أي: لتتوضأ وتأكل.

    فقال: (أأصلي فأتوضأ؟) وفي بعض رواياته: (فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: ما أردت الصلاة فأتوضأ)، والاستدلال به ضعيف، فإنه من باب مفهوم الخطاب]. أي مفهوم المخالفة.

    أنواع مفهوم الخطاب وما يحتج به منها

    [ومن أضعف أنواعه].

    لأن مفهوم المخالفة إما أن يكون مفهوم صفة، مثل أكرم من جاءك من العلماء، هذا مفهوم صفة، أو مفهوم شرط: إذا جاءك خبري فأنفق المال. هذا مفهوم شرط، أو مفهوم غاية: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ[البقرة:187].

    يبقى مفهوم اللقب: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ [الفتح:29]، أي لا يوجد نبي بهذا اللقب غير محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه الصلاة اسم ذات، لا هي صفة، ولا هي مفهوم غاية، ولا هي شرط، وليست بذات، وإنما هي من باب اسم لقب، وهو من أضعفها.

    وقد اتفق أهل الأصول على أنه ليس بحجة إلا خلافاً لواحد شذ.

    أقول: ضابط مفهوم اللقب بأنه: الاسم الذي يعبر به عن الذات، والصلاة هنا: اسم عبر به عن ذات الصلاة، وقد اتفق الأصوليون على أن مفهوم اللقب ليس بحجة.

    [وقد احتجوا بحديث عائشة ]. يعني: الجمهور.

    [ (أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب لا يمس الماء)]. قالوا: إن قوله: ( لا يمس ماء)، اسم عام في الوضوء والغسل، وحمله من قال بالوجوب على أنه عام والمراد به الغسل.

    قال: [إلا أنه حديث ضعيف]. بل الحديث صحيح.

    خلاف العلماء في حكم الوضوء للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يعاود

    [وكذلك اختلفوا في وجوب الوضوء على الجنب الذي يريد أن يأكل أو يشرب، وعلى الذي يريد أن يعاود أهله]، مرة أخرى، [فقال الجمهور في هذا كله بإسقاط الوجوب لعدم مناسبة الطهارة لهذه الأشياء، وذلك أن الطهارة إنما فرضت في الشرع لأحوال التعظيم كالصلاة]. هنا بين أن الأحوال تعظيم.

    [وأيضًا فلمكان تعارض الآثار في ذلك، وذلك أنه روي عنه عليه الصلاة والسلام: (أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعاود أهله أن يتوضأ)، وروي عنه: (أنه كان يجامع ثم يعاود ولا يتوضأ)، وكذلك روي عنه: منع الأكل والشرب للجنب حتى يتوضأ، وروي عنه إباحة ذلك].

    أقول: لكن الراجح أن الوضوء مستحب ولا يجب؛ وذلك لحديث عمر عند ابن خزيمة و ابن حبان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، ويتوضأ إن شاء)، زاد (إن شاء).

    قال الحافظ : وأصله في الصحيحين دون قوله: (إن شاء)، وتعقبه شيخنا في آداب الزفاف صفحة (38) بقوله: بل هو في صحيح مسلم بهذه الزيادة.

    وقال الحافظ : وأصله في الصحيحين دون قوله: (إن شاء).

    وتعقبه شيخنا في آداب الزفاف (38) بقوله: بل هو في صحيح مسلم بهذه الزيادة، أي: بقوله: (إن شاء).

    وهذه الزيادة دليل صريح على عدم وجوب الوضوء للجنب قبل النوم، فهي صارفة للأمر عن حقيقته التي هي الوجوب إلى المعنى المجازي الذي هو الندب. انتهى.

    أو أنها معينة للاشتراك في الأمر.

    فبعض الأصوليين يقولون: الأمر حقيقة في الوجوب مجاز في الندب. هذا قول، وقال بعض الأصوليين يقولون: الأمر مشترك بين الوجوب والندب. فهو من باب الأسد، أو هو من باب القرء.

    فإن قلنا بالقول الأول فهي بينة على أن المراد به المجاز، وإن قلنا بالقول الثاني وهي معينة للمشترك.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    1.   

    الأسئلة

    نوع (لا) وما يعود عليه الضمير من قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)

    السؤال: [ما نوع (لا) وعلى ما يعود الضمير في قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ[الواقعة:79]]؟

    الجواب: لو قلنا: إن الضمير في لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ[الواقعة:79] يعود إلى القرآن. والمطهرون: المراد بهم بنو آدم، فيكون هذا خبر (لا) النافية؛ وهي من معاني الخبر، والخبر في حق الله يشترط فيه الصدق، ونحن نرى أن غير المطهرين يمسون المصحف.

    فيجب أن يكون الخبر بمعنى: النهي في قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرُونَ[الواقعة:79]، فهو خبر بمعنى النهي.

    وإن قلنا: بأن الضمير في لا يَمَسُّهُ[الواقعة:79]، يعود إلى اللوح المحفوظ، والمطهرون: المراد بهم الملائكة، فهذا خبر ولا يراد به النهي.

    فمن قال بالأول، قال: إن الآية فيها دلالة على أنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف.

    ومن قال بالثاني، قال: إن الآية ليس فيها دليل؛ لأن هذا خبر عن الملائكة، فليس فيه دليل على أنه لا يمسه إلا المطهرون من بني آدم.

    قال: [وإذا لم يكن هناك دليل لا من كتاب ولا من سنة ثابتة]، يعني: صحيحة، [بقي الأمر على البراءة الأصلية وهي الإباحة، وقد احتج الجمهور لمذهبهم بحديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب: (لا يمس القرآن إلا طاهر)].

    مدى رواية شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه محمد

    السؤال: أليس في قوله عن أبيه عن جده فيه احتمال روايته عن أبيه محمد ؟

    الجواب: احتمال، ولكن نحن عرفنا أن أباه محمداً ليس من رجال الحديث، ولا يروي عنه، فلما يقول: عن أبيه عن جده؛ لأنه طالب عند جده عبد الله ؟ وإلا فهو يحتمل عن هذا وعن هذا، لكن لما عرف أنه طلب العلم عند جده عبد الله ولم يقل أحد فيه احتمال أنه روى عن أبيه محمد قلنا أن المراد به عبد الله.

    المراد بالطهارة في حديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر)

    السؤال: ما المراد من حديث (لا يمس القرآن إلا طاهر).

    الجواب: حديث: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، الأقرب فيه ما ذكره الأئمة: الطهارة من الشرك لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس)، وهو متفق عليه.

    والمراد: عدم تمكين المشرك من مسه، فهو كحديث: (النهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو)، وهو متفق عليه، ومن أراد الزيادة في هذا البحث فليرجع إلى نيل الأوطار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765799927