بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، نحمده، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [المسألة الثالثة: لمس النساء
اختلف العلماء في إيجاب الوضوء من لمس النساء باليد، أو بغير ذلك من الأعضاء الحساسة، فذهب قوم إلى أن من لمس امرأة بيده مفضيًا إليها ليس بينه وبينها حجاب ولا ستر فعليه الوضوء، وكذلك من قبلها; لأن القبلة عندهم لمس ما، سواء التذ أم لم يلتذ، وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه] وهو رواية عن أحمد [إلا أنه مرة فرق بين اللامس والملموس، فأوجب الوضوء على اللامس دون الملموس، ومرة سوى بينهما]. وهذا هو الراجح من مذهبه.
[ومرة فرق أيضًا بين ذوات المحارم والزوجة فأوجب الوضوء من لمس الزوجة دون ذوات المحارم].
وهو الراجح من مذهب الشافعي .
[ومرة سوى بينهما. وذهب آخرون إلى إيجاب الوضوء من اللمس إذا قارنته اللذة أو قصد اللذة, في تفصيل لهم في ذلك، وقع بحائل أو بغير حائل، بأي عضو اتفق، ما عدا القبلة، فإنهم لم يشترطوا لذة في ذلك، وهو مذهب مالك وجمهور أصحابه]. وهو مذهب أحمد .
قال: [ونفى قوم إيجاب الوضوء لمن لمس النساء وهو مذهب أبي حنيفة ]. وهو رواية عن أحمد كذلك.
والراجح أن اللمس للمرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً, سواءً كان بشهوة أو بغير شهوة, للأحاديث الواردة في الباب, والراجح أن المراد بالملامسة في الآية: الجماع, وهو هنا على غير الحقيقة, وإنما على المجاز، والذي أوجب المصير إليه الأحاديث الصحيحة الواردة في الباب التي لا يمكن تأويلها بأن ذلك كان بحائل، كحديث القُبلة, فإنه لا يمكن تأويلها أنها إلا بحائل.
إذاً قلنا: أليس أن اللمس حقيقة في الجس باليد, ومجازاً في الجماع، والأصل أن نستعمل الحقيقة قبل المجاز, ولكن الذي جعلنا نقدم المجاز على الحقيقة هي الأحاديث الواردة في الباب التي لا يمكن تأويلها, كحديث القُبلة. أما الآخرون فقد أولوا حديث القبلة وقالوا: أنه من فوق حائل, لكن القُبلة، هل يمكن تأويلها أنها فوق حائل؟ ما يمكن.
وكذلك قول عائشة : (وقعت يدي على بطن قدميه), هل يمكن على أن يكون هناك حائل؟ لا.
قال المصنف رحمه الله: [المسألة الرابعة:
مس الذكر؛ اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب] بل أربعة، كما سيأتي بيان ذلك.
قال: [فمنهم من رأى الوضوء فيه كيفما مسه، وهو مذهب الشافعي وأصحابه، و أحمد ، و داود ]. فهؤلاء قالوا: سواءً لمسه ببطن الكف، أو بظهرها, كيفما مسه, ينقض بشهوة أو بغير شهوة. وهذا الذي نسب إلى الشافعي وأصحابه ليس بصحيح، بل مذهب الشافعي وأصحابه: أنه ينقض اللمس ببطن الكف فقط؛ أما ظهرها لا.
وأما أحمد فهو كما قال: لا فرق عنده بين باطنه وظاهره.
قال: [ومنهم من لم يرَ فيه وضوءًا أصلاً، وهو أبو حنيفة وأصحابه ولكلا الفريقين سلف من الصحابة والتابعين].
إذاً: فهذان مذهبان: مذهب ينقض مطلقاً، ومذهب لا ينقض مطلقاً.
ثم: [وقوم فرقوا بين أن يمسه بحال، أو لا يمسه بتلك الحال]. هؤلاء قالوا: في حالة ينقض الوضوء من مس الذكر، وفي حالة أخرى لا ينقض, جمعًا بين الأحاديث.
[وهؤلاء افترقوا فيه فرقاً]. أي: هؤلاء الذين افترقوا بين أن يمسه بحال دون حال سيفترقون إلى ثلاثة مذاهب داخلية من هذا المذهب.
[فمنهم من فرق فيه بين أن يلتذ أو لا يلتذ].
بمعنى: فإن تلذذ به نقض, وإن لم يتلذذ به لم ينقض.
[ومنهم من فرق بين أن يمسه بباطن الكف أو لا يمسه, فأوجبوا الوضوء مع اللذة ولم يوجبوه مع عدمها].
وقوله هذا ليس هذا موضعه؛ لأن هذا تعليل للمذهب الأول، وليس تعليلًا لهذا المذهب الأخير.
ثم قال: [وكذلك أوجبه قوم مع المس بباطن الكف، ولم يوجبوه مع المس بظاهرها].
وهذا تعليل للمذهب الثاني.
قال: [وهذان الاعتباران مرويان عن أصحاب مالك وكأن اعتبار بطن الكف راجع إلى اعتبار سبب اللذة].
إذاً: فالقولان مرويان عن أصحاب مالك .
وقد عرفنا أن الشافعي يقول بالتفريق بين بطن الكف وظاهره، فمس الذكر ببطن الكف ينقض الوضوء.
إذاً الشافعي يقول بالمظان، أي: أن المس ببطن الكف فيه مظنة للتلذذ, أما ظاهرها فليس فيه مظنة للتلذذ.
إذاً: فهذان مذهبان: الأول: اللذة وعدمها, الثاني: المس ببطن الكف دون ظهره.
الثالث: قال: [وفرق قوم في ذلك بين العمد والنسيان، فأوجبوا الوضوء منه مع العمد، ولم يوجبوه مع النسيان، وهو مروي عن مالك ، وهو قول داود وأصحابه].
والمذهب الرابع من المذاهب الرئيسية: [ورأى قوم أن الوضوء من مسه سنة لا واجب]. وهذا هو الراجح.
[قال أبو عمر : وهذا الذي استقر من مذهب مالك عند أهل المغرب من أصحابه].
والخلاصة أنه سنة.
قال: [والرواية عنه فيه مضطربة].
يعني: رواية أبي عمر .
قال: [وسبب اختلافهم]. يعني: جميع الفقهاء.
قال: [وسبب اختلافهم في ذلك أن فيه حديثين متعارضين أحدهما الحديث الوارد من طريق بسرة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ) وهو أشهر الأحاديث الواردة في إيجاب الوضوء من مس الذكر، خرجه مالك في الموطأ].
وهذا الحديث أخرجه الشافعي ، وأخرجه الطيالسي ، و عبد الرزاق ، و النسائي ، وجماعة من أصحابه، وهذا حديث صحيح، ومن جملة من صححه الألباني في الإرواء وكذلك صححه الترمذي ، ولو قال: إن البخاري .... في غير الباب.
فالحديث: (من مس ذكره) صحيح، وكذلك صححه المنذري ، وضعفه أهل الكوفة. أنس بن الحارث ... ليس علي احتمال.
[وصححه يحيى بن معين و أحمد بن حنبل ، وضعفه أهل الكوفة وقد روي أيضا معناه من طريق أم حبيبة ]، وهذا رواه ابن ماجه .
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ), وهو حديث صحيح, وصححه الألباني في الإرواء.
قال: [وكان أحمد بن حنبل يصححه]. يصحح هذا الحديث.
قال: [وقد روي أيضاً معناه من طريق أبي هريرة وكان ابن السكن أيضاً يصححه، ولم يخرجه البخاري ولا مسلم ]. يعني حديث بسرة .
[والحديث الثاني المعارض له حديث طلق بن علي ، قال: ( قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل كأنه بدوي, فقال: يا رسول الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعد أن يتوضأ؟ فقال: وهل هو إلا بضعة منك)]. يعني مثل مس الرجل يده.
[خرجه أيضاً أبو داود و الترمذي وصححه].
وهو حديث صحيح.
[وصححه كثير من أهل العلم الكوفيون وغيرهم; فذهب العلماء في تأويل هذه الأحاديث أحد مذهبين: إما مذهب الترجيح أو النسخ وإما مذهب الجمع، فمن رجح حديث بسرة أو رآه ناسخاً لحديث طلق بن علي قال: بإيجاب الوضوء من مس الذكر، ومن رجح حديث طلق بن علي أسقط وجوب الوضوء من مسه، ومن رام أن يجمع بين الحديثين أوجب الوضوء منه في حال ولم يوجبه في حال]. في حال قال: ينقض إذا كان بلذة وأما إذا كان بغير لذة فلا ينقض، أو قال: إذا كان بباطن الكف ينقض وإذا كان بظاهرها فلا ينقض.
[أو حمل حديث بسرة على الندب وحديث طلق بن علي على نفي الوجوب.
والاحتجاجات التي يحتج بها كل واحد من الفريقين في ترجيح الحديث الذي رجحه كثيرة يطول ذكرها، وهي موجودة في كتبهم، ولكن نكتة اختلافهم هو ما أشرنا إليه].
إذاً: من سلك طريق الترجيح، عمل بحديث بسرة هو الراجح, وذلك أن حديث بسرة ناقل عن البراءة الأصلية إلى حكم جديد, والأصل في مس الذكر أنه لا ينقض الوضوء، ولكن الشريعة جاءت بالزيادة شيئاً فشيئاً, فحديث بسرة جاء لنا بحكم جديد وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نقل هذا الحكم من عدم الوضوء إلى الوضوء، فالعمل به متيقن؛ لأنه نقل الحكم من البراءة الأصلية إلى حكم جديد.
أما حديث طلق فإنه مبق على البراءة الأصلية, فإذا كان مبقٍ على البراءة الأصلية: فمن المحتمل أنه كان قبل حديث بسرة ، بمعنى أنه: كان قبل أن يوجب الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحكم باقٍ على البراءة الأصلية. ومعنى البراءة الأصلية يعني: جاء هذا الحديث قبل أن يوجد هذا الحكم.
ومن المحتمل أيضاً أنه بعد حديث بسرة فيكون ناسخاً له, وهذا أمر مشكوك فيه, فليس عندنا يقين أنه بعد حديث بسرة حتى يكون ناسخاً له.
فالمصير على المتيقن دون المشكوك فيه هو المتعين شرعاً. فحديث بسرة يقين أنه نقل هذا الحكم.
فهذا مذهب من سلك مسلك الترجيح.
أما مذهب من سلك طريق الجمع بين الحديثين, فأحسن الجمع ما قاله شيخنا ناصر الدين الألباني في تمام المنة ص (103)، فإنه قال: في (قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما هو بضعة منك), فيه إشارة لطيفة إلى أن المس الذي لا يوجب الوضوء إنما هو المس الذي لا يقترن معه شهوة؛ لأنه في هذه الحالة يمكن تشبيه مس الذكر أو مس العضو بمس عضو آخر من الجسم..). يعني: إذا كان بلا شهوة كمثل من مس دونه أو مس يده باليد الأخرى.
ثم قال: (.. بخلاف ما إذا مسه بشهوة، فحينئذٍ لا يشبه مسه مس العضو الآخر؛ لأنه يقترن عادة بشهوة، وهذا أمر بين كما ترى، وعليه؛ فالحديث ليس دليلاً للحنفية الذين يقولون: بأن المس مطلقاً لا ينقض الوضوء، بل هو دليل لمن يقول: بأن المس بغير شهوة لا ينقض. وأما المس بشهوة فينقض بدليل حديث بسرة ، وبهذا يجمع بين الحديثين، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه على ما أذكر). اهـ.
[المسألة الخامسة: الوضوء من أكل ما مسته النار].
أي: المطبوخ على النار، هل يجب الوضوء منه أو لا يجب؟
قال رحمه الله: [اختلف الصدر الأول في إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار لاختلاف الآثار الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق جمهور فقهاء الأمصار بعد الصدر الأول على سقوطه]، بمعنى: أنه لا يجب الوضوء مما مست النار.
[إذ صح عندهم أنه عمل الخلفاء الأربعة]، أي أنهم لا يقولون بالنقض، من الأكل مما مسته النار.
[ولما ورد من حديث جابر أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، أخرجه أبو داود ].
وحديث جابر هذا هو حديث صحيح.
فالحاصل أنهم اتفقوا على أنه لا يجب الوضوء مما مست النار.
ثم قال: [ولكن ذهب قوم من أهل الحديث أحمد و إسحاق وطائفة وغيرهم: أن الوضوء يجب فقط من أكل لحم الجزور؛ لثبوت الحديث الوارد بذلك عنه عليه الصلاة والسلام].
فكلهم اتفقوا على أنه لا يجب الوضوء مما مسته النار واختلفوا في لحم الجزور، وهي: الإبل هل يوجب الوضوء أكل لحمها أو لا يوجب؟
ذهب أحمد و إسحاق وطائفة أن الوضوء يجب من أكل ما مست النار، خلافاً للشافعي ، ولكن النووي اختار أن أكل الجزور ينقض، قال ابن رسلان :
واختير من أكل للحم الجزر ومع يقين حدث أو طهر
يعني: على أن الإمام النووي اختار أنه يجب الوضوء.
أقول: والراجح هو الوضوء من أكل لحم الجزور كما قال الإمام النووي في شرح مسلم (4/272): (وهذا المذهب أقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه، وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث)، يعني: حديث الوضوء من أكل ما مسته النار، (بحديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، ولكن هذا الحديث عام)، يعني: حديث جابر ، (وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام) اهـ.
لكن لو قال قائل: هذا عام بالنسبة للأمرين، عام في كل ما مسته النار خاص بالزمن وذاك عام في كل زمن وخاص باللحوم..
فنقول: نعم، لكنه عام في أن ما مست النار آخر الأمرين لا يتوضأ منه. فإيجاب الوضوء من ما مست النار خاص بلحم الجزور، فيستثنى مما مسته النار لحم الجزور.
فإن قال قائل: كان آخر الأمرين الوضوء من أكل لحم الجزور.
فنقول: آخر الأمرين، قد نصوا على أنه عدم الوضوء مما مست النار، وليس من أكل لحم الإبل.
فإن قال قائل: ولحم الإبل مما مست النار.
فيقال: لكنه تناوله بالعموم ولم يتناوله بالخصوص. وقد قال: (أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: لا، قال: أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: نعم)، فهذا خاص بالإبل.
[المسألة السادسة: الوضوء من الضحك في الصلاة.
شذ أبو حنيفة فأوجب الوضوء من الضحك في الصلاة لمرسل أبي العالية ]، يعني: حديث أرسله أبو العالية . [وهو: (أن قومًا ضحكوا في الصلاة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الوضوء والصلاة)]
وهذا الحديث المرسل لا بأس بسنده إلى أبي العالية ، ولكن مراسيل أبي العالية ضعيفة لا تقبل.
قال: [ورد الجمهور هذا الحديث لكونه مرسلاً ولمخالفته للأصول]، فلو قال قائل: كيف الأصول؟ قلنا: إذا ضحك قبل الصلاة فلا ينقض وضوءه، وإذا ضحك في الصلاة، ينقض، فهذا مخالف للأصول.
[وهو أن يكون شيء ما ينقض الطهارة في الصلاة، ولا ينقضها في غير الصلاة، وهو مرسل صحيح]. يعني: صحيح إلى أبي العالية ، ولكن أبا العالية مراسيله ضعيفة.
مسألة قلنا: إنه شاذ، وأن الحديث لا أصل له، ضعيف، وأن أبا العالية مراسيله غير مقبولة، والأصل براءة الذمة، فالظاهر أن الوضوء من الضحك شاذ.
قال المصنف رحمه الله: [المسألة السابعة: الوضوء من حمل الميت.
وقد شذ قوم فأوجبوا الوضوء من حمل الميت]. وهذا مذهب الظاهرية.
قال: [وفيه أثر ضعيف]. بل هو صحيح.
وهو [ (من غسل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)]
والأقرب مذهب الظاهرية؛ نظراً لصحة هذا الحديث، وقد نقل ابن حزم (1/ 251) هذا المذهب عن عمر ، ومن دونه من الخلفاء، وقال: لا يكون وضوؤهم إلا اتباعاً للسنة، والسنة تكفي.
فلو قال قائل: فهل يكون واجباً فيمن غسل ميتاً أن يغسل؟ فيقال: هذا الأقرب.
فإن قال قائل: يجب الوضوء لمن حمل ميتاً الحديث لقوله: ( من غسل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)، حديث أسماء بنت عميس أنها لما مات عثمان رضي الله عنه، قالت: إني امرأة عجوز والجو بارد.
فيقال: الحديث ليس بصحيح، وانظر النيل، فالحديث فيه ضعف.
فإن قال قائل: الوضوء لمن حمل ميتاً يعارض حديث: (إن المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا)، يعني: فإذا قلنا: أنه يتوضأ من حمل الميت، فما هو الحدث الذي وقع عليه؟
فنقول: حديث (المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا)، سنستدل به إذا قلنا: يجب عليه أن يغسل بدنه أو يديه، فإن من لمس الميت فليغسل يديه، ولكن هنا احتمال وهو قوله: (ومن حمله فليتوضأ)، يعني: ومن حمله فليتوضأ قبل حمله؛ ليأتي مستعدًا للصلاة، حتى أنه لا يضعه ويذهب إلى طلب الوضوء، فتفوته الصلاة. وهذا مخالف لمذهب الظاهرية، وهذا هو مذهب الجمهور.
فلو كان كل واحد حمل الميت يذهب يتوضأ فسيذهبون كلهم إلى المسجد ثم يذهبون إلى الوضوء.
وهذا مذهب الظاهرية.. يوصله إلى المسجد ثم يتوضأ.
لكن الأولى أن يحمل على الندب، أو يحمل على مذهب الجمهور أنه أمر بالوضوء قبل الحمل، لكن حمله على مذهب الجمهور بعيد.
قال المصنف رحمه الله: [المسألة الثامنة: الوضوء من زوال العقل] يعني: بغير النوم.
[وينبغي أن تعلم أن جمهور العلماء أوجبوا الوضوء من زوال العقل بأي نوع كان، من قبل إغماء أو جنون أو سكر، وهؤلاء كلهم قاسوه على النوم]. يعني: من باب القياس بالأولى.
و الشافعي يسميه: القياس بالأولى، والقياس بمعنى الأصل، وغيره لا يسميه قياساً، بل يسميه: فحوى الخطاب، أو لحن الخطاب.
[أعني: أنهم رأوا أنه إذا كان النوم يوجب الوضوء في الحالة التي هي سبب للحدث غالباً، وهو الاستثقال، فأحرى]، يعني: فأولى، [أن يكون ذهاب العقل سبباً لذلك.
فهذه هي مسائل هذا الباب المجمع عليها، والمشهورات من المختلف فيها، وينبغي أن نصير إلى الباب الخامس].
والراجح أنه يلحق بالنوم بفحوى الخطاب، وقد يطلق عليه القياس في معنى الأصل، والقياس الأولوي، ومفهوم الموافقة.
إذاً: فهذا له أربعة إطلاقات؟ الأول: فحوى الخطاب. الثاني: القياس بمعنى الأصل. الثالث: القياس الأولوي. الرابع: مفهوم الموافقة.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر