بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
اختلاف العلماء في كيفية المسح على الخفين
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: ] في باب المسح على الخفين، وهي: كيفية المسح على الخفين، قال: [ وأما تحديد المحل ] أي محل المسح على الخفين فاختلف فيه أيضاً فقهاء الأمصار، فقال قوم: إن الواجب من ذلك مسح أعلى الخف، وإن مسح الباطن- أعني: أسفل الخف - مستحب، و مالك أحد من رأى هذا و الشافعي ، ومنهم من أوجب مسح ظهورهما وبطونهما وهو مذهب ابن نافع من أصحاب مالك ، ومنهم من أوجب مسح الظهور فقط ولم يستحب مسح البطون ].
وهو مذهب أحمد .
[ وهو مذهب أبي حنيفة وداود و سفيان وجماعة. وشذ أشهب فقال: إن الواجب مسح الباطن، أو الأعلى أيهما مسح ]، إذاً فالأقوال ثلاثة الأول: أن مسح الظاهر والباطن سنة.
الثاني: أن مسح الظاهر والباطن واجب.
والثالث: أن مسح الظاهر واجب فقط.
سبب اختلاف العلماء في كيفية المسح على الخفين
قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم تعارض الآثار الواردة في ذلك وتشبيه المسح بالغسل ] فمن شبه المسح بالغسل قال: يمسح الأعلى والأسفل، [ وذلك أن في ذلك أثرين متعارضين: أحدهما حديث المغيرة ، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وباطنه ]، وهو حديث ضعيف.
والمحفوظ هو أعلى الخف وأسفله، [ والآخر حديث علي ]، وهو حديث حسن، ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه )، فمن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين حمل حديث المغيرة على الاستحباب، وحديث علي على الوجوب، وهي طريقة حسنة.
ومن ذهب مذهب الترجيح أخذ إما بحديث علي ، وإما بحديث المغيرة ، فمن رجح حديث المغيرة على حديث علي رجحه من قبل القياس ] لأن القياس أنك تغسل أعلى الرجل، وأسفلها، [ أعني قياس المسح على الغسل.. ومن رجح حديث علي رجحه من قبيل مخالفته للقياس أو من جهة السند والأسعد في هذه المسألة مالك و الشافعي أي: لأنهم عملوا بالحديثين: الحديث الصحيح، والحديث الضعيف، فحملوا الحديث الضعيف على الاستحباب، وحملوا الحديث الصحيح على الوجوب.
ولكن هذا مبني على قاعدة العمل بالحديث الضعيف.
فالراجح أنه يعمل به في فضائل الأعمال، وقد اختلفوا في معنى فضائل الأعمال، فقال بعضهم: إنه يثبت به الاستحباب، وقال بعضهم: لا يثبت به الاستحباب، بل إذا كان العمل مستحباً بحديث صحيح جاز يعمل بالحديث الضعيف في ذكر الفضائل، فالراجح: أن الحديث الضعيف لا يثبت حكماً شرعياً، والأحكام الشرعية: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح، إذاً ليسا بأسعد؛ لأنه لا يثبت به حكم شرعي، والقول بسنية المسح حكم شرعي، فلا يثبت بالحديث الضعيف.
ولهذا فلا يمكن الجمع؛ لأن الحديث ضعيف.
[ وأما من أجاز الاقتصار على مسح الباطن فقط، فلا أعلم له حجة ] بل خالف الحديث الضعيف، والصحيح، [ لأنه لا هذا الأثر اتبع، ولا هذا القياس استعمل ]، والقياس غسل الظاهر والباطن، [ أعني قياس المسح على الغسل ].
أنا أقول: بما أن حديث المغيرة ضعيف، والقول بمسح الأسفل حكم شرعي، والأحكام الشرعية لا تثبت إلا بالأدلة الصحيحة، فالراجح الاقتصار على ما ثبت في حديث علي الذي هو مسح أعلى الخف فقط.
والجوربين هما: غطاء للرجلين ليس من جلد، وإنما يكون من صوف، والجوربين هما الشراب، سواء كان من صوف، أو من قطن.
المسح على الجوربين
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: وأما نوع محل المسح فإن الفقهاء القائلين بالمسح اتفقوا على جواز المسح على الخفين واختلفوا في المسح على الجوربين، فأجاز ذلك قوم، ومنعه قوم، وممن منع ذلك: مالك و الشافعي و أبو حنيفة ]، أي: قالوا: لا يجوز إلا على الخفين [ وممن أجاز ذلك: أبو يوسف و محمد صاحبا أبي حنيفة ، و سفيان الثوري ] وهو مذهب أحمد ، إذاً فالمسألة فيها قولان: الجواز والمنع.
سبب اختلاف العلماء في المسح على الجوربين
قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم: اختلافهم في صحة الآثار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين والنعلين، واختلافهم أيضاً في هل يقاس على الخف غيره، أم هي عبادة لا يقاس عليها، ولا يتعدى بها محلها؟ فمن لم يصح عنده الحديث ]، لكن أحاديث المسح على الجوربين صحيحة منها ما أخرجه أبو داود و النسائي و ابن خزيمة من حديث المغيرة بن شعبة ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين )، قال الترمذي : حديث حسن صحيح، وقال الألباني في الإرواء: وهو كما قال، وصححه أيضاً ابن التركمان في الجوهر النقي، و أحمد شاكر و الأعظمي ، وقال الأعظمي : إسناده صحيح، إذاً ورد حديث صحيح في المسح على الجوربين، وكذلك حديث أبي موسى الأشعري : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين )، والخلاصة فيه: أنه حديث صحيح، وهناك أحاديث كثيرة.
[ أو لم يبلغه، ولم يرى القياس على الحكم قصر المسح عليه ومن صح عنده الأثر، أو جوز القياس على الخف أجاز المسح على الجوربين، وهذا الأثر لم يخرجه الشيخان، أعني: البخاري و مسلم ]، يعني: أثر المسح على الجوربين، [ وصححه الترمذي ، ولتردد الجوربين المجلدين بين الخف والجورب غير المجلد عن مالك في المسح عليهما روايتان: إحداهما بالمنع، والأخرى بالجواز ].
فبما أنه قد صحت الأحاديث في المسح على الجوربين، فالراجح العمل بها اتباعاً للسنة.
وبعض العلماء أورد إشكالاً وهو: أنه لا يمسح على الجوربين إلا إذا كانت الوطأة التي يطأ بها الأرض مجلدة ومن الأعلى غير مجلدة، وهذا القول ليس عليه دليل.
قال المصنف رحمة الله: [ المسألة الرابعة ] صفة الخف [ وأما صفة الخف ] يعني: هل هو مخرق أو صالح؟ [ فإنهم اتفقوا على جواز المسح على الخف الصحيح، واختلفوا في المخرق، فقال مالك وأصحابه: يمسح عليه إذا كان الخرق يسيراً، وحدد أبو حنيفة بما يكون الظاهر منه أقل من ثلاثة أصابع ]، يعني يقول: أقل من ثلاثة أصابع يمسح عليه، [ وقال قوم بجواز المسح على الخف المخرق ما دام يسمى خفاً وإن تفاحش خرقه، وممن روي عنه ذلك: الثوري ومنع الشافعي أن يكون في مقدم الخف خرق يظهر منه القدم ولو كان يسيراً، في أحد القولين عنه ] وهو مذهب أحمد وظاهره أن الشافعي و أحمد قالوا: لا يجوز سواءً كان الخرق قليلاً أو كثيراً.
سبب اختلاف العلماء في صفة الخف
قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في ذلك: اختلافهم في انتقال الفرض من الغسل إلى المسح هل لموضع الستر -أعني: ستر الخف القدمين- أم هو لموضع المشقة في الخفين؟]، أي قالوا: السبب في المسح على أن القدمين مستورة، وهؤلاء قالوا السبب: ستر القدمين، فإذا تخرق لا يجوز ومن قال بمشقة النزع قال: في المخرق مشقة، وفي غير المخرق مشقة، فهذا هو السبب، والمسألة مسكوت عنها. [ فمن رآه لموضع الستر لم يجز المسح على الخف المخرق؛ لأنه إذا انكشف من القدم شيء انتقل فرضها من المسح إلى الغسل، ومن رأى أن العلة في ذلك المشقة لم يعتبر الخرق ما دام يسمى خفاً، وأما التفريق بين الخرق الكثير واليسير، فاستحسان ورفع للحرج وقال الثوري : كانت خفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس، فلو كان في ذلك حظر لورد ونقل عنهم، قلت: هذه المسألة هي مسكوت عنها، فلو كان فيها حكم مع عموم الابتلاء به لبينه صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى:
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
[النحل:44] ].
يعني: بما أن المسألة مسكوت عنها فهي عفو. والراجح جواز المسح عليها، وإن كانت مخرقة ما دامت تسمى خفاً.
اختلاف العلماء في توقيت المسح على الخفين
قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الخامسة: مدة المسح على الخفين ] يعني كم قدره؟ .. [ وأما التوقيت فإن الفقهاء أيضاً اختلفوا فيه، فرأى مالك أن ذلك غير مؤقت، وأن لابس الخفين يمسح عليهما ما لم ينزعهما، أو تصبه جنابه. وذهب أبو حنيفة و الشافعي إلى أن ذلك مؤقت ] وهو مذهب أحمد .
سبب اختلاف العلماء في مدة المسح على الخفين
الراجح في مسألة توقيت المسح على الخفين
وقوله: [ إلا أن دليل الخطاب ] هذا ليس من كلام المصنف رحمه الله، وفيه نظر من وجهين، الأول: معارضة النص بالقياس وهو فاسد.
الوجه الثاني: أن حديثي علي و صفوان بيانان لمدة الرخصة في مسح الخفين وليسا بيانين أن انقضاء المدة ينقض الطهارة، فهذه الأحاديث جاءت لبيان أن مدة المسح ثلاثة أيام.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.