أيها المسلمون عباد الله! إن الفقر آفة من الآفات العظيمة التي استعاذ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرن بينها وبين الكفر، فثبت من دعائه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر )، فهنا يستعيذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفقر -مع أنه الراضي بقضاء الله، والذي ما كان يعجبه من الدنيا إلا المؤمن التقي- لأنه صلوات ربي وسلامه عليه يعلم أن للفقر آثاراً مدمرة، هذه الآثار تعود على الأفراد وعلى الشعوب والجماعات، وعلى الأمم والمجتمعات، هذه الآثار المدمرة آثار على الدين، آثار على الأخلاق، آثار على بناء الأمم وتماسك الشعوب، هذا كله من آثار الفقر.
أثر الفقر على الدين
الجمع بين الأمر بالسعي في الأرض ومدح المقلين من المال
أثر الفقر على الأخلاق والقيم
إن الإنسان ليفزع حين يرى في بعض بلاد المسلمين أنه ما يكاد يقف في مكان، أو يسير في طريق، أو يغشى سوقاً، إلا وقد غلب على ظنه أن عدد السائلين المتسولين أكثر من عدد القنوعين المتعففين، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن أهل الجنة كل عفيف متعفف ) ، وأثنى ربنا جل جلاله على أناس فقال:
يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا
[البقرة:273] ، والواحد منهم قد يكون محتاجاً، قد يكون فقيراً، قد يكون جائعاً، لكنه لا يسأل الناس قط.
ويفزع المرء أيما فزع حين يقرأ بأن إنساناً اعتدى على تاجر في سوق الذهب، فقتله ثم قطع رأسه ثم مزق جسده، ووزع أشلاءه على أماكن النفايات والقمامات، من أجل أن يسرق بعضاً من الذهب وبعضاً من المال، ثم بعد هذا كله يخرج مع أهله وذويه يبحث عنه، يبحث عن القتيل ويصلي معهم الصلاة المكتوبة، ويرفع يده بعد الصلاة يسأل الله بأن يجمع القتيل أو الذاهب أو المفقود بذويه، ثم بعد هذا كله يتبين بأن هذا الذي يصلي ويدعو هو القاتل والعياذ بالله! يسفك دماً حراماً، يقتل نفساً معصومة، يسرق مالاً حراماً، ثم بعد ذلك يصلي مع الناس ويرفع يده، لا يستحي من الله ولا يستحي من الناس، نعوذ بالله من الضلال، وكل هذا في سبيل ماذا؟! في سبيل المال!
إن الإنسان مهما جمع من المال فإنه تاركه كله، وعما قليل سيحمل على الأعناق إلى قبره وينادي على أهله: يا أهلي، يا أبنائي، يا من سكنتم ديارنا، وقسمتم مالنا، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بنا، لقد جمعت المال من حله وحرامه، ثم تركته لكم تستمتعون به، فالمال لكم والحساب علي، هذا لسان حال الميت إذا حمل إلى قبره، المال لكم أيها الورثة والحساب علي، وهذا الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لأصحابه: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا واحد إلا وماله أحب إليه، قال: فإن مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أبقيت ) ، هذا الذي تكنزه وتجمعه هو الذي سيذهب إلى الورثة، وأما مالك حقاً الذي تجده عند الله يربيه لك، كما يربي أحدكم فلوه، هو المال الذي أنفقته في سبيل الله.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.
اللهم وسع أرزاقنا، اللهم وسع أرزاقنا، اللهم وسع أرزاقنا، اللهم ارزقنا الغنى في قلوبنا، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجةً هي لك رضاً ولنا فيها صلاح، إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.