إسلام ويب

أحداث تونس عظاتللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سنة الله في الطغاة والظلمة لا تتغير ولا تتبدل، فعاقبتهم الخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة، وهلاك الطاغية يبعث الأمل والتفاؤل في نفوس المؤمنين، ويكون درساً لغيرهم من الطغاة المتكبرين، وما حدث لطاغية تونس عبرة لكل الطغاة.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32] اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

    أما بعد: أيها الإخوة الكرام! فإن الله عز وجل قد أقام هذا الكون على سنن لا تتخلف، ومن هذه السنن: أن الجزاء من جنس العمل، وهذا نجده في القرآن كثيراً كقول الله عز وجل: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152] ، وكقول الله عز وجل: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7] ، وكقوله سبحانه: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا [الطارق:15] ، وقوله سبحانه: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:50] ، وكذلك نجده في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه )، وكقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ) ، وغير ذلك من النصوص الكثيرة المتواترة في سنته صلوات ربي وسلامه عليه.

    ونجد هذا أيضاً في قصص القرآن، فيقص الله عز وجل دائماً علينا أخبار الطغاة المتكبرين المستبدين، الذين سعوا في الأرض بالفساد، ولم يتقوا الله عز وجل في عباده، يقص علينا ربنا جل جلاله كيف أنه أخذهم أخذ عزيز مقتدر، وأنزل بهم بأسه، وأظهر فيهم آياته، وانتقم للمستضعفين من أولئك الجبابرة المستكبرين، نقرأ قول ربنا جل جلاله، بسم الله الرحمن الرحيم طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:1-6]، هذا الفرعون اللئيم الذي طغى وبغى وتكبر حتى بلغ به عرام الكفر أن يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وأن يقول للناس: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وأن يقول لهم: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29] وأن يسخر من نبي الله موسى عليه السلام فيقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:51-53] ، فرعون أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وهذه الأنهار التي كان يفخر بأنها تجري من تحته، جعلها الله عز وجل بقدرته تجري من فوقه، وقال له: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92] .

    كذلك قارون الذي قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] ، قال الله عز وجل: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ [القصص:81] .

    و النمرود بن كنعان الذي قال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] ، وتكبر على الاستجابة لدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام، سلط الله عليه دويبة من دواب الأرض دخلت في أنفه، وما زالت تطن في رأسه، فهذا المتكبر المتغطرس ما كان يقر له قرار إلا إذا ضرب بالنعال على رأسه.

    وكذلك عقبة بن أبي معيط هذا الذي آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رآه مرة ساجداً عند الكعبة، فوضع رجله على عنق النبي عليه الصلاة والسلام، وغمزها، حتى كادت عيناه صلى الله عليه وسلم تندران، كادت عيناه تخرجان من محجريهما، ثم بعد ذلك يوم بدر أُخذ في الأسرى، فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بينهم ذليلاً حسيراً ناكس الرأس خاشع الطرف، وأسلمه إلى عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رضي الله عنه، وأمره أن يضرب عنقه، فقال: ( أنا من بين الناس يا محمد؟ قال: نعم. قال: ولمَ؟ قال: بعداوتك لله ورسوله ) ، وبدأ يستعطف الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له: ( من للصبية يا محمد؟ قال: النار ).

    كذلك أبو لهب ، هذا الذي كان يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام، فيطرح الأذى في طريقه، ويتبعه أينما ذهب، يقول للناس: لا تصدقوه فإنه كذاب، فإنه ساحر؛ سلط الله عليه بعد غزوة بدر بأيام داء يقال له: العدسة، وكان داء معدياً، فقضى عليه، وما استطاع أبناؤه أن يغسلوه ولا أن يدفنوه حذراً من العدوى، فحملوه من طرف فراشه، وأسندوه إلى جدار، ثم ما زالوا يرجمونه بالحجارة حتى غيبوه، وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127]، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا ).

    وكذلك من كانت تعذب زنيرة ، تلك الجارية الرومية رضي الله عنها التي أسلمت وتابعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه، كانت سيدتها تعذبها، وتأمر جواريها بأن يضربنها على رأسها حتى ذهب بصرها رضي الله عنها، ثم بعد ذلك كانت رضي الله عنها تعطش، فإذا طلبت الماء وقد ذهب بصرها، يقولون لها: الماء أمامك، فتذهب فتتعثر، وتسقط، وسيدتها الكافرة ومن معها يضحكن منها ويهزئن بها، ثم قالت لها: إن كان ربك حقاً فادعيه لعله يرد عليك بصرك، فقد أذهب بصرك اللات والعزى، قالت: كذبت وبيت الله، ما تنفع اللات والعزى ولا تضر، ما أذهب بصري إلا الله، وهو قادر على أن يرده علي، فرد الله عليها بصرها، ثم هذه السيدة الكافرة الفاجرة التي كانت تأمر بتعذيبها، ابتلاها الله عز وجل بصداع دائم، يلازمها، ولا ترتاح إلا بعد أن يضربها جواريها على رأسها، والجزاء من جنس العمل، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:123-124].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088959159

    عدد مرات الحفظ

    780162321