إسلام ويب

الرقية الشرعيةللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الرقية الشرعية من أجل المنافع التي يقدمها المسلم لإخوانه المسلمين، وقد وردت النصوص والأحاديث بالحث على ذلك، ولكن ينبغي على الراقي مراعاة آداب وأحكام الرقية، فيكون ذا علم وبصيرة بالرقية الشرعية حتى لا تختلط عليه بالرقية الشركية، ويكون قصده من ذلك نفع المسلمين وإسداء الخير لهم، وألا يجعل قصده الاستكثار من المال، وأن تكون رقيته على المرض على طريقة رقية النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاء يشكو إليه، وأن يتجنب الرقى غير الواردة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعا، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

    أما بعد:

    أيها الفضلاء! فالقرآن منهج حياة، يعلم ذلك كل من عرف كتاب الله عز وجل حق المعرفة، وتلاه حق التلاوة، وأحاط بشيء من حكمه وأحكامه.

    وفي سنن الترمذي من حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ستكون فتن، قالوا: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يخلق على كثرة الرد، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ) .

    قراءة القرآن مغنم، وتدبر القرآن مغنم، والاستشفاء بالقرآن مغنم، وتعلم القرآن مغنم، كما أن هجر القرآن مأثم ومغرم، من هجر تلاوة القرآن، أو هجر تدبر القرآن، أو هجر التحاكم إلى القرآن، أو هجر الاستشفاء بالقرآن فهو مغبون خاسر:

    كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول

    هذا العنوان أيها الإخوة الكرام! الذي طلب مني أن أتكلم فيه: (القرآن منهج حياة) لا يخفى عليكم أنه موضوع كبير، لا يستطيع المرء أن يحيط به لا علماً ولا وقتاً، ولذلك أقتصر في هذه الكلمة اليسيرة إن شاء الله على تناول موضوع يكثر السؤال عنه وهو الاستشفاء بالقرآن، أو ما يسميه الناس بالرقية، أو يقولون: الرقية الشرعية.

    وجعلوا لذلك أمكنة سموها العيادات القرآنية، فأريد في هذه الكلمة أن أنبه على مشروعية التداوي بالقرآن، وبيان الكيفية الصحيحة، مع التنبيه على بعض الأخطاء التي وقع فيها الناس في هذا الباب.

    النقطة الأولى: مشروعية العلاج من كل داء: فقد أوجدنا ربنا في هذه الدنيا ونحن معرضون للآفات والأسقام، والأوجاع والأمراض، فلربما يشكو الإنسان رأسه، ولربما يشكو ضرسه، ولربما يشكو وجعاً في الركبة أو القدم، ولربما يعاني من ألم في البطن أو الأذن، وهكذا كما قال ربنا: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4] .

    ومن رحمة الله بنا أنه جعل هذه الأمراض كفارة للذنوب والخطايا؛ ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من ذنوبه وخطاياه )، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه واحد من الصحابة، فوجد الرسول عليه الصلاة والسلام يرتعد من شدة الحمى، فالصحابي قال: ( يا رسول الله! إنك لتوعك وعكاً شديداً -تتألم ألماً شديداً- فقال عليه الصلاة والسلام: إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم، فقال له الصحابي: ذاك أن لك الأجر مرتين؟ قال: نعم).

    تقدير الداء وتقدير الدواء معه

    والله جل جلاله الذي أنزل الداء أنزل معه الدواء، لكن هذا الدواء قد يعرف وقد يجهل، ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أنزل الله داء إلا أنزل معه دواء )، ما من داء على وجه الأرض، حتى الأدواء التي دوخت الدنيا، كالسرطانات بأنواعها عافانا الله وإياكم، ومرض نقص المناعة المكتسبة وهو ما يعرف بالإيدز، وكذلك داء البرص ونحوها، هذه كلها لها أدوية, ( ما أنزل الله داء إلا أنزل معه الدواء ).

    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد سرده لروايات الحديث: المراد بالإنزال في هذا الباب إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى الله عليه وسلم مثلاً، أي أن الله عز وجل أنزل الداء وأنزل الدواء على لسان الملك يخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، أو عبر بالإنزال عن التقدير؛ كما قال سبحانه: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر:6]، فعبر بالإنزال عن التقدير، وفيها التقييد بالحلال، فلا يجوز التداوي بالحرام، إذا قال: ( ما أنزل الله داء إلا أنزل معه دواء )، فالله عز وجل لا ينزل إلا الحلال، فلا يجوز التداوي بالحرام.

    انحصار الشفاء من الداء بإصابة الدواء له

    لا يكون شفاء من الداء إلا إذا أصاب الدواء الداء، فالشفاء متوقف على الإصابة، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكمية أو الكيفية فلا ينجع، فلو أن إنساناً منا أصيب بمرض, فقيل له: خذ في كل يوم حبة من هذه الأقراص، فقال: أنا مستعجل للشفاء؛ لأن ورائي أعمالاً، وأريد أن أسعى على رزقي فابتلع الشريط كله، هل يحصل له الشفاء؟ لا، بل يحمل إلى المستشفى؛ لأنه قد تجاوز الحد إما في الكمية وإما في الكيفية، بل ربما أحدث داء آخر، وأن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد، هكذا يقول الحافظ رحمه الله، وفيها كلها إثبات الأسباب، والإنسان إذا أراد أن يصل إلى النتيجة فإنه يأخذ بالأسباب، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، وأن التداوي لا ينافي التوكل، كما أنه لا ينافي دفع الجوع والعطش الأكل والشرب، فالإنسان لو جاع فإنه يأكل، ولو عطش فإنه يشرب، ولا يقول: آكل؛ لأني متوكل على الله هو الذي يطعمني ويسقيني. وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار ونحو هذا، انتهى كلامه رحمه الله.

    ثبوت السنة قولاً وفعلاً بالتداوي بما هو مشروع

    لقد ثبتت في السنة القولية والفعلية طلب الدواء، فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( تداووا )، أمر, ( تداووا عباد الله! فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا الهرم )، والهرم: هو تقدم السن، فهذا لا علاج له، فمن تقدمت سنه ما بقي إلا له أن يستعد للقاء الله عز وجل، ويتهيأ بالعمل الصالح.

    أما السنة الفعلية فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الخلق توكلاً على الله عز وجل، أنه كان يتداوى مما يصيبه من الأسقام والأوجاع، فمثلاً: في يوم غزوة أحد لما شجت جبهته، ودخلت حلقتان في وجنتيه, وكسرت رباعيته, وجحشت ركبتاه عليه الصلاة والسلام تداوى، فقد جاءت فاطمة تصب الماء، وتغسل الدم عن وجه أبيها, ولما لم يستمسك الدم أخذت حصيرة فأحرقتها بالنار، ثم وضعتها على وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمسك الدم، وكذلك عصب صلى الله عليه وسلم موضع الجرح.

    وكذلك لما كان في مرض موته عليه الصلاة والسلام أمر بماء من سبعة آبار فاغتسل به؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء )، فالإنسان إذا جاءته حمى فالعلاج النبوي أنه يتبرد بشيء من الماء.

    وكذلك كان يصف لأصحابه رضوان الله عليهم الأدوية التي تنفعهم بإذن الله، وكتب السنة بذلك طافحة، حتى لا تكاد تفتح كتاباً من كتب السنة إلا وجدت باباً يسمى باب الطب؛ لذلك الإمام البخاري رحمه الله عنده كتاب الطب، وكذلك غيره من أئمة الحديث، بل إن بعض علمائنا ألف كتباً مخصوصة في الطب النبوي, ذكر فيها الأدوية التي كان يصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلاج بعض الأدواء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088966365

    عدد مرات الحفظ

    780208918