إسلام ويب

ديوان الإفتاء [367]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من رحمة الله تعالى بعباده تفضيل بعض الشهور والأيام على بعض، كتفضيله رمضان على بقية الشهور، فقد خصه بوجوب الصيام، وخصه بليلةٍ العبادة فيها خير من ألف شهر، فينبغي للمسلم أن يحرص فيه أشد الحرص على أوقاته وساعاته الفاضلة، أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وتقبل الله منا الصيام والقيام، وأهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحب ويرضى، وجعلنا من عتقائه في هذا الشهر المبارك من النار.

    وإنها لسعادة عظيمة أن يوفق العبد للطاعة في هذا الشهر المبارك، حيث الحسنات مضاعفة، والسيئات مكفرة، والعثرات مقالة، ونسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    إن كان من وصية في بداية هذا الشهر المبارك فإنني أذكر بقول الله عز وجل: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:184]، فرمضان أيامه ليست بالطويلة، وإنما هي أيام معدودة، والعاقل هو الذي يغتنمها في التقرب إلى الله عز وجل بأنواع الخيرات، والمسابقة في القربات، والمغبون الخاسر هو الذي تضيع منه هذه الأيام المباركة والليالي الفاضلة، ما بين لهو وطرب، وغناء ولعب، ودخول وخروج، وذهاب وإياب، ثم يخرج من رمضان صفر اليدين؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رغم أنف امرئٍ دخل عليه رمضان ثم خرج ولم يغفر له ).

    يا أيها الإخوة والأخوات! علينا أن نكثر في هذا الشهر المبارك من قراءة القرآن، والدعاء والاستغفار، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، وصلة الأرحام، وبر الوالدين.

    وعلينا أن نكثر في هذا الشهر المبارك من النوافل، وأن نكثر من ذكر الله عز وجل، وحضور مجالس العلم، وغير ذلك من أنواع الطاعات التي نجدها يوم القيامة حسنات كأمثال الجبال.

    وعلينا كذلك أن نحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحافظة على السحور وتأخيره، وأن نعجل الفطر، وأن يكون فطرنا على رطبات، فمن لم يجد فعلى تمرات، فمن لم يجد فليحس حسوات من ماء.

    وعلينا كذلك أن نحيي سنة الاعتكاف، والتماس ليلة القدر.

    وعلينا كذلك أن نكثر من الجود كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن؛ فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ).

    إخوتي وأخواتي! رمضان فرصة العام، وقد ميزه الله عز وجل على سائر الشهور بنزول القرآن فهو: رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[البقرة:185]، وميزه الله عز وجل كذلك على سائر الشهور بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وميزه بكثير من الخصائص: ( ففيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه مردة الشياطين، وينادي مناد: يا باغي الخير! أقبل، ويا باغي الشر! أقصر ).

    كان الصالحون من هذه الأمة إذا دخل رمضان لزموا المساجد، وقالوا: نصوم صيامنا، ونعبد ربنا.

    رمضان ليس شهراً للأفلام والمسلسلات، والفوازير والمسرحيات، والجرائد والمجلات، ولا القصص المسلية، ولا الجلسات اللاهية، ولا الطواف في الأسواق، إنما رمضان شهر القرآن، فكان الصالحون إذا دخل رمضان قال قائلهم: إنما هما خصلتان: قراءة القرآن وإطعام الطعام.

    رمضان شهر القرآن، شهر الصيام، شهر القيام، شهر الطاعات، شهر القربات، شهر الاعتكاف، رمضان شهر الذكر والشكر، رمضان شهرٌ لتجديد الصلة بالله عز وجل وتمتين العلاقة به جل جلاله، رمضان شهرٌ للتوبة، شهر لتكفير السيئات، وحط الخطيئات، ورفع الدرجات، وإقالة العثرات.

    فاغتنموا بارك الله فيكم هذه الأيام، ( إن لربكم في بقية أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها ) لعل دعوة توافق رحمة يسعد صاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبداً.

    فإياكم أن يتفلت رمضان من بين أيديكم، فإن (نعمتين مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، كل منا عليه أن يتذكر أنه قد لا يشهد رمضان من العام الذي يأتي، ربما يكون رمضان هذا هو آخر الشهور التي يشهدها في حياته؛ بل ربما يكون هذا اليوم الذي نحن فيه هو آخر الأيام؛ ولذلك فالإنسان العاقل يغتنم الساعة التي هو فيها، كما قال القائل:

    ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها

    في هذه الساعة أنظر ماذا يريد مني ربي جل جلاله فيها فأبادر به وأسارع إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وصحتك قبل سقمك )، وقال: ( بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر )، أسأل الله عز وجل أن يوفقنا للطاعات، والتزود من الحسنات، والله الموفق والمستعان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088969624

    عدد مرات الحفظ

    780244275