إسلام ويب

عام الحزن وخروج النبي إلى الطائفللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثيرة هي الأحداث المؤلمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظمها موت عمه أبي طالب على الكفر، وموت خديجة زوجه وأم أولاده وسنده في بداية دعوته وأول من آمن به، وتستمر الآلام بعد ذلك عند خروجه إلى الطائف داعياً لهم للإيمان فما وجد منهم إلا الخذلان والأذية والسخرية، وحينئذ ينزل ملك الجبال منتصراً له، فيجد النبي رحيماً حريصاً على أن يخرج الله من أصلاب من آذوه من يقول: لا إله إلا الله.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    فمن الأحداث العظيمة التي حصلت في العام السادس من البعثة النبوية المباركة إسلام السيد الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان إسلامه نصراً، وكانت هجرته فتحاً، وكانت خلافته من بعد رحمة، فرضي الله عنه وأرضاه، ولما علم المشركون بأن دين الله قد عز بإسلام حمزة ومن بعده عمر لجئوا إلى المقاطعة العامة من أجل أن يفتوا في عضد المسلمين، ويحملوهم على ترك الدعوة إلى الله عز وجل، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبروا ثلاث سنوات، حتى اضطروا إلى أن يأكلوا أوراق الشجر، إلى أن سعى بعض المشركين فيهم المطعم بن عدي و أبو البختري بن هشام ، وغيرهم إلى نقض هذه الصحيفة وإبطال ما فيها.

    وكان مما ابتلي به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بثلاث سنوات موت عمه أبي طالب الذي كان عوناً له وعضداً.

    حزن النبي على موت عمه على الكفر

    ومما زاده ألماً صلوات الله وسلامه عليه أن عمه أبا طالب مات على غير الإسلام، وما شهد شهادة التوحيد رغم إلحاح النبي صلى الله عليه وسلم عليه في ذلك، قال له: ( يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله )، فكان منطق أبي طالب غريباً! قال له: ( يا ابن أخي! لولا أن يقول الناس: قد قالها جزعاً من الموت لأقررت عينك بها )، وفي بعض الروايات بأنه قال: (لولا المسبة والعار لقلتها)، ففكر في المسبة والعار، وفيما يقوله الناس، وفيما ستلوكه الألسنة، ولم يفكر في نجاة نفسه، فمات على الكفر، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابه الحزن العظيم، فأنزل الله عز وجل قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56]، أي: أنت يا محمد! تهدي إلى صراط مستقيم، تبين للناس الحق والخير والهدى والسنة وسبيل الاستقامة، لكنك لا تملك الهداية التي بمعنى التوفيق والتسديد، وخلق الإيمان في القلب، فهذا لا يملكه إلا الله عز وجل، ولا يقدر عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا أحد من خلق الله.

    استغفار النبي لعمه ونزول القرآن بنهيه عن ذلك

    ولما نزلت هذه الآية قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لأستغفرن لك مالم أنه عنك )، (لأستغفرن لك) أي: لعمه، (مالم أنه عنك)، فأنزل الله عز وجل قوله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:113-114]، فحرمت هذه الآية على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين أن يستغفروا لمن مات على الكفر، يعني: أي إنسان مات كافراً على أي ملة من ملل الكفر: وثنية، يهودية، نصرانية، شيوعية، وغير ذلك. لا يصلح أن نقول: اللهم اغفر له وارحمه، ولا يصلح أن نقول: رحم الله فلاناً، هذا غير جائز.

    وكذلك من كان منافقاً نفاقاً اعتقادياً، قال الله عز وجل عن المنافقين: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]، وهذه الآية كما لا يخفى نزلت في شأن عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك أنه لما أدركه الموت جاء ولده عبد الله -وكان من صالحي المؤمنين- إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ( يا رسول الله! إن أبي قد هلك، أعطني قميصك أكفنه فيه لعل الله يرحمه )، فالنبي عليه الصلاة والسلام من محبته للخير أعطى عبد الله ذاك القميص ليكفن فيه أباه، وما اكتفى بذلك عليه الصلاة والسلام، بل أدركهم في المقبرة بعدما وضعوه في لحده، فأخرجه عليه الصلاة والسلام وتفل في فمه من ريقه الشريف عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك وضعه ليصلي عليه صلاة الجنازة، فقال له عمر : ( يا رسول الله! إنه عبد الله ابن سلول الذي قال كذا يوم كذا، والذي قال كذا يوم كذا )، يعدد صحيفة سوابقه، يقول: هذا الخبيث هو الذي قال: ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل )، وهو الذي قال: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون:7]، وهو الذي قال: ما نحن ومحمد إلا كما قالت العرب: سمن كلبك يأكلك، وهو الذي قال: زوجة نبيكم تبيت مع رجل غريب، والله ما نجت منه ولا نجا منها، إلى غير ذلك من الفحش والكفر والقبح الذي صدر منه. ومع ذلك الرءوف الرحيم الصفوح الحليم عليه الصلاة والسلام قال: ( دعني يا عمر فإن الله قد خيرني فاخترت، قال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]، لأزيدن على السبعين، وصلى عليه صلاة الجنازة، فنزلت الآية: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84] ).

    والشاهد من هذا الكلام: أنه لا يجوز الاستغفار ولا الترحم على من مات كافراً أو منافقاً نفاقاً اعتقادياً.

    وللأسف أن بعض الناس يقول: قال ربنا: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، ونحن نقول له: أكمل الآية من أجل أن تعرف معناها، قال ربنا: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ [الأعراف:156-157]، فمن لم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصدق بنبوته، فإنه لا نصيب له في هذه الرحمة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088959852

    عدد مرات الحفظ

    780167305