إسلام ويب

الإذن بالهجرة إلى الحبشةللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان صلى الله عليه وسلم يجتمع مع أصحابه سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فلما اشتد أذى المشركين على المسلمين أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى أرض الحبشة، والهجرة هجرتان: هجرة هرب وهجرة طلب، أما هجرة الهرب فهي بأن يفر الإنسان من بلد يغلب عليه مظاهر الكفر أو لا يأمن على نفسه أو عرضه أو ماله، وهجرة الطلب بأن يهاجر لطلب العلم ولطلب الرزق.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والبشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    تقدم معنا الكلام عن بعض الأذى الذي نال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضوان الله عليهم في مكة، وأن هذا كله قد جرى على سنة الله عز وجل في الدعوات والرسالات، وأنه ليس ببدع من الرسل، فالرسل من قبله قد كذبوا وأوذوا، وطوردوا، بل بعضهم صلوات الله وسلامه عليهم قد تعرض للقتل.

    ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ[هود:120]، وقال له: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [فاطر:4]، وقال أيضاً: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [فاطر:25]، فكل شيء تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يفت في عضده، ولا يؤثر على همته.

    وبعض أصحابه رضوان الله عليهم في لحظات الضعف لما شكوا إليه حالهم، بين لهم عليه الصلاة والسلام بأن هذه سنة ماضية، وبشرهم بأن الأمر لن يدوم، وسيكون بعد الضعف قوة، وبعد الهزيمة نصر، وبعد الفرقة اجتماع، وبعد الخذلان من البشر تأييد من رب العالمين جل جلاله.

    وخلال تلك الفترة -فترة الدعوة العلنية وما صاحبها من أذى- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه في دار عند الصفا، وهذه الدار هي للأرقم بن أبي الأرقم ، ولكن لماذا اختار تلك الدار عليه الصلاة والسلام؟

    السبب الأول: لأن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه كان مخزومياً، أي: كان من بني مخزوم، وبنو مخزوم كانوا منافسين لبني هاشم، يعني: العوائل والقبائل يحصل بينها نوع من التنافس والتحاسد والتسابق، وهذا الذي ابتلي به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان من بني هاشم، فكفر به أكثر بني مخزوم؛ لهذه العلة فقط، حتى إن أبا جهل لعنه الله يوم بدر قبل أن تبدأ المعركة قال له بعض الناس: (يا أبا الحكم ! نشدتك الله أمحمد على حق أم على باطل؟ قال: والله إني لأعلم أنه على حق، ولكننا تنافسنا وبنو عبد مناف، أطعموا فأطعمنا وسقوا فسقينا، حتى إذا تجافينا بالركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً )، يعني: طالما أنه من بني هاشم لا نؤمن به حتى يأتي نبي من بني مخزوم. هذا معنى كلامه.

    فالرسول عليه الصلاة والسلام هداه الله عز وجل للاجتماع في دار رجل مخزومي؛ لأنه لن يخطر ببال الناس إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام يجتمع مع أصحابه في دار من دور بني هاشم، فهذا الذي سيسبق إلى أذهان المشركين، هذا سبب.

    السبب الثاني: أن هذا الشاب كان حديث السن، فقد كان ابن ست عشرة سنة. والأذهان ستنصرف إلى بيوت الكبار، أي أنهم يجتمعون في بيت حمزة مثلاً، أو في بيت أبي بكر ، أو في بيت عمر وغيرهم من الكبار، ولن تنصرف إلى دار هذا الفتى حديث السن.

    السبب الثالث: أن داره كانت عند الصفا وهي منطقة كثيرة الحركة، منطقة مزدحمة فلن يستغرب الناس أن يأتي المسلمون في تلك المنطقة؛ لأنها منطقة سوق ومنطقة مطروقة من قبل الناس، فلن يلفتوا انتباه المشركين إلى اجتماعهم.

    هذه أسباب ثلاثة ذكرها بعض كتاب السير، والعلم عند الله تعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088965998

    عدد مرات الحفظ

    780204069