إسلام ويب

نسبه ومولده عليه الصلاة والسلامللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ولد النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف العرب نسباً، وأكرمهم معدناً، وأوسطهم داراً، ونشأ صلى الله عليه وسلم يتيماً، فقد مات أبوه وهو في بطن أمه، ثم ماتت أمه، وكفله جده عبد المطلب حتى مات، ثم كفله أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    ونحن في هذه الدروس نتناول طرفاً من خيرة السير، سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ريب بأننا مأمورون معشر المسلمين بأن نتعرف على سيرة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام؛ من أجل أن يتحقق الاقتداء والائتساء به، يقول الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]، وهذه الأسوة لا تكون إلا إذا عرفنا من هو نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام.

    وتلاحظون بأن القرآن الكريم قد اهتم بالسيرة، فقد نزلت سور في شأن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك نزلت آيات في ذكر ما تعرض له صلوات ربي وسلامه عليه هو وأصحابه مع المشركين، ومع أهل الكتاب من اليهود وغيرهم، وكذلك مع المنافقين.

    وتجدون في القرآن الكريم كذلك ثناء على نبينا صلى الله عليه وسلم بما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، كل ذلك للدلالة على أن سيرته أمر ينبغي الاهتمام به، والالتفات إليه، والحرص عليه.

    شرف نسب النبي صلى الله عليه وسلم

    وأول ما يتعلق به الكلام في سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام الحديث عن نسبه الشريف صلوات ربي وسلامه عليه، وقد ثبت في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الله تعالى قد اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار ).

    والمجمع عليه: أن نبينا عليه الصلاة والسلام من ولد إسماعيل ومن نسل إبراهيم، وأما اسمه -صلوات ربي وسلامه عليه- فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهو عربي عدناني من ولد إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

    وذكر بعض المفسرين في قول ربنا جل جلاله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:217-219].

    فقالوا: إن المراد بقوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي: تقلبك في أصلاب الآباء الموحدين الساجدين من لدن آدم مروراً بنوح وإبراهيم ثم إسماعيل عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

    لكن كما يقول صاحب أضواء البيان رحمه الله: من أنواع البيان في القرآن أن يقول بعض المفسرين في الآية قولاً تدل الآية نفسها على خطأ هذا القول؛ لأننا نعلم بأن القرآن يفسر بسياقه وسباقه ولحاقه. يعني: لا يمكن تنتزع أن آية من سياقها وتضع لها تفسيراً خاصاً، بل لا بد أن تنظر إلى ما قبلها وما بعدها. قال: ويدل على خطأ هذا القول أن الله عز وجل قال قبلها: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، قال: وليس المعنى: تقوم في أصلاب آبائك إجماعاً، يعني: لا يمكن أن يكون معنى قوله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء:218] أي: في أصلاب آبائك، ثم قال: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:219] أي: في أصلاب آبائك الموحدين.

    فمعنى الآية والعلم عند الله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، أي: يراك في صلاتك متقلباً قائماً وراكعاً وساجداً وجالساً، يعني: تقلبك في أحوال الصلاة.

    وقال بعضهم: (وتقلبك في الساجدين) أي: تصرفك كتصرف الأنبياء من قبلك صلوات الله وسلامه عليهم، مثلما كان يتصرف الأنبياء في رعيتهم، كذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.

    وقال بعضهم: (وتقلبك في الساجدين) أي: تقليبك النظر فيمن يصلي من ورائك، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام من خصائصه أنه كان يرى من خلفه مثلما يرى من بين يديه، ولذلك يوماً من الأيام أراد أن يصلي بالناس فقال: ( استو يا فلان )، خاطب واحداً من الصحابة باسمه وهو صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، فسأله الصحابة: ( يا رسول الله! كيف رأيته؟ قال: إن هيئتي ليست كهيئة أحدكم، إني أراكم من وراء ظهري مثلما أراكم من بين يدي )، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرى من خلفه مثلما يرى من أمامه.

    فنسبه عليه الصلاة والسلام أشرف الأنساب وأفضلها وأعلاها.

    الحكمة في كون الأنبياء من أفضل الناس نسباً

    والحكمة من كون الأنبياء من أعلى الناس نسباً، وأوسطهم داراً:

    أولاً: ليقطع ألسنة المعاندين، فإن بعض المفلسين إذا أعوزته الحجة فإنه لا يجد إلا أن يطعن في نسب خصمه يقول: هو ابن فلان، أو لا يعرف له أب، أو يقول: هذا من بيت وضيع، أو من نسب دنيء، ونحو ذلك من الكلمات؛ لأن الناس مجبولون على التفاخر بالأنساب، والانتساب إلى الآباء والأجداد، فلا بد أن يكون النبي من أوسط الناس داراً ومن أعلاهم نسباً.

    ثانياً: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء وهم ذو نسب عال؛ لئلا يطعن طاعن بأنهم ادعوا النبوة من أجل أن يبحثوا عن مجد فاتهم من حيث النسب.

    اعتراف الأعداء بشرف نسب النبي

    ونسب نبينا صلى الله عليه وسلم اعترف به حتى أعداؤه، ولذلك لما كتب إلى هرقل كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام قال فيه: ( من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فأسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] )، وكان هرقل لا يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا سمع به؛ ولذلك قال لعماله وحاشيته: انظروا هل هاهنا أحد من العرب؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام عربي، وأعرف الناس بالرجل قومه وأهله، قال لهم: فتشوا هل هاهنا أحد من العرب؟ فوجدوا أبا سفيان بن حرب في جماعة من التجار، و أبو سفيان في ذلك الوقت هو زعيم المشركين، فلما جيء به، وجه إليه هرقل عشرة أسئلة، وقال له: لا تكذب، فإن كذبت أخبرني من وراءك أنك كاذب، يعني : التجار الذين معك، وكان الكذب عند العرب عيباً، حتى الكفار لا يكذبون، فسأله قائلاً: (هذا الرجل أهو ذو نسب فيكم؟ وهل كان في آبائه من ملك؟ وهل قال هذا القول أحد قبله؟ وهل عهدتم عليه كذباً قبل أن يقول مقالته التي قال؟ وهل يدخل في دينه الضعفاء أم الأقوياء؟ وهل يزيدون أو ينقصون؟ وهل يرتد عن دينه أحد سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ وهل يغدر؟ وهل حاربتموه؟ وكيف الحرب بينكم وبينه؟).

    وبدأ أبو سفيان يجيب عن هذه الأسئلة، قال: وما منعني من الكذب إلا مخافة أن تُعهد علي كذبة، يعني: يراها عاراً.

    ومحل الشاهد السؤال الأول: ( هل هو ذو نسب فيكم؟ فقال أبو سفيان : نعم. هو فينا ذو نسب )، فأقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم نسبه عال وشرفه معلوم صلوات ربي وسلامه عليه.

    وأيضاً: فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم ) يفيدنا أنه ينبغي أن يحب العرب كجنس؛ لأن منهم خير البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا يعني ذلك لزوم أن نحبهم كأفراد، فإن الأفراد فيهم المؤمن والكافر، والمؤمنون فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك؛ ولذلك الحكم لا يسري على الأفراد، لكن كجنس نحب الجنس العربي من باب محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو سيد العرب والعجم عليه الصلاة والسلام، فقد قال: ( إن الله عز وجل يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين جعل القبائل جعلني في خير قبيلة، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نسباً وخيرهم بيتاً )، عليه الصلاة والسلام، هذا نسبه من ناحية الأب.

    نسب النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أمه

    أما من ناحية الأم فأخواله من بني زهرة؛ لأن أمه آمنة بنت وهب هي من بني زهرة، ويلتقي والد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع والدته في كلاب بن مرة ، يعني: أن جدهما واحد؛ لكن والد النبي عليه الصلاة والسلام من بني هاشم بن عبد مناف، ووالدته من بني زهرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089242676

    عدد مرات الحفظ

    783040257