إسلام ويب

أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان [2]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بقدوم رمضان، ويستقبله بصيام جزء من شعبان، ويتحرى رؤية هلاله، ويبشر أصحابه بقدومه عليهم، ويعلمهم أركانه ومفسداته.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.

    أما بعد:

    فقد تقدم معنا الكلام في بعض الأحكام المهمة، المستنبطة من آيات الصيام في سورة البقرة، وعرفنا أن صيام رمضان فرض بالكتاب والسنة والإجماع.

    وعرفنا أن هذه الفريضة قد نزلت في شعبان من السنة الثانية من الهجرة، وقد أجمع أهل العلم على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صام تسع رمضانات.

    وعرفنا بأن هذه الفريضة قد فرضت على التدرج، ومرت بأطوار، فقد كان صيام عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر فرضاً، ثم نسخ ذلك بصيام رمضان على التخيير، فكان من شاء صام ومن شاء أطعم، ثم أنزل الله عز وجل قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، فصار الصوم لازماً لكل قادر.

    ثم إن الرجل كان له أن يأكل ويشرب مالم ينم، فإذا نام لم يحل له أن يطعم ولا أن يشرب إلا إذا غربت شمس اليوم الذي يليه، حتى أنزل الله عز وجل قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].

    وعرفنا بأن الصوم لا يجب إلا على من توافرت فيه شروط خمسة، وهي: بلوغ، وعقل، وقدرة، وإقامة، ونقاء من دم حيض أو نفاس.

    وأن الصوم لا يصح إلا بشرطين، وهما: الإسلام، وكون اليوم الذي يصام فيه هو من الأيام التي يصح صومها.

    وينبغي أن نعلم بأن هذه الآيات المباركة قد تعرضت لمفسدات الصيام، وذكرت أصولها الثلاثة، وهي: الجماع، والأكل، والشرب.

    ومن هنا نقول: بأن مفسدات الصيام تتمثل في عدة أمور:

    المفسد الأول: الجماع، وهذا بإجماع العلماء؛ فقد جاء في حديث الأعرابي أنه: ( لما أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخمش وجهه، وينتف شعره، ويقول: هلكت وأهلكت، قال: وما ذاك؟ قال: وقعت على أهلي وأنا صائم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، وهي: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً). وهذه الكفارة على التخيير عند علمائنا المالكية رحمهم الله.

    المفسد الثاني: تعمد إخراج المني، فمن أخرج منياً وهو صائم فقد فسد صومه، وقد يكون إخراج المني عن طريق العبث، أو بإدامة فكر، أو بإدامة نظر، وهذا كله مفسد للصيام، وموجب للقضاء والكفارة؛ لأنه في معنى الجماع، فحكمهما واحد.

    المفسد الثالث: تعمد إخراج المذي، فلو أن إنساناً أدام نظراً، أو أدام فكراً حتى أمذى فقد فسد صومه، ووجب عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأن خروج المذي مرحلة من مراحل قضاء الشهوة، وهي مما يتنافى مع الصيام؛ ولذلك يتأكد في حق كل صائم أن يغض بصره عما حرم الله عز وجل، وأن يديم فكره فيما يحبه الله ويرضاه.

    المفسد الرابع: وصول شيء إلى الجوف، أي: إلى المعدة، أو إلى الأمعاء، سواء كان هذا الواصل مائعاً أو جامداً، وسواء وصل من أعلى أو وصل من أسفل، وهو ما يسمى باللبوس أو بالحقنة الشرجية، أو ما إلى ذلك، فهذا كله يعد من المفسدات.

    المفسد الخامس: من أكل شاكاً في غروب الشمس، فلو أن إنساناً شك: هل الشمس غربت أو لم تغرب؟ ثم بعد ذلك أقدم على الأكل ولم يبال فإن صيامه يكون فاسداً؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فالأصل بقاء النهار، ولا ينبغي للإنسان أن ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أدبر النهار من هاهنا وأقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم )، أما لمجرد الشك بأن الشمس قد غربت فيبادر الإنسان إلى أن يطعم أو يشرب، فهذا صومه فاسد ويلزمه قضاؤه.

    المفسد السادس: وصول شيء مائع إلى الحلق، يعني: لم يصل إلى المعدة، ولا إلى الأمعاء، وإنما وصل إلى الحلق، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا حين أوصى لقيط بن صبرة رضي الله عنه، فقال له: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )؛ فحذره عليه الصلاة والسلام من المبالغة في الاستنشاق حال الصيام؛ لأن ذلك ربما يؤدي إلى تسرب هذا الماء إلى الحلق، ومعلوم أن الحلق بوابة الطعام مباشرة؛ ولذلك ينبغي للإنسان أن يحتاط حال صيامه فلا يوصل مائعاً إلى حلقه.

    المفسد السابع: الأكل أو الشرب، فلو أن إنساناً طعم أو شرب فقد فسد صومه، فإن كان عامداً فعليه القضاء والكفارة عند الحنفية والمالكية؛ إلحاقاً لمتعمد الأكل والشرب بمتعمد الجماع.

    وأما إذا كان ناسياً، كمن أكل أو شرب ناسياً، وهذا يحصل كثيراً في أول رمضان، فقد اعتاد بعض الناس إذا قام من نومه أن يعمد إلى الثلاجة أو إلى القربة فيشرب منها، فلربما يقوم في أول يوم من رمضان بعد طلوع الفجر فيجري على عادته، ويذهب ويشرب، ثم بعد ذلك يتذكر أنه صائم؛ فهذا عند المالكية يلزمه القضاء، فمن أكل أو شرب ناسياً لزمه القضاء.

    أما عند جمهور العلماء فإنهم يقولون: لا قضاء عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه ).

    فرد المالكية -رحمهم الله- فقالوا: معنى الحديث: فليتم صومه. أي: إمساكه، فالصوم هنا صوم لغوي، فيتم إمساكه عن الطعام ويلزمه القضاء، واستدلوا بالقياس، فقالوا: نقيس الصوم على الصلاة؛ فالصوم ركنه الإمساك، والصلاة لها أركان معروفة، فلو أن إنساناً نسي ركناً من أركان الصلاة، فهل نقول له: أتم صلاتك؟ أم نقول له: لا بد أن تأتي بعين المنسي؟

    فمثلاً لو أن إنساناً في الصلاة نسي الركوع، وهوى إلى السجود مباشرة، معنى ذلك أنه فوت ركنين: فوت الركوع وفوت الرفع منه، نقول له: لا بد أن ترجع فتأتي بهما، فإن لم تفعل فلا بد أن تلغى هذه الركعة وتقيم أخرى مكانها، قالوا: فكذلك الصيام، ركنه الإمساك، فمن نسي هذا الركن فإنه لا إثم عليه، لكن يلزمه القضاء.

    ولكن يرد على هذا القياس -رغم وجاهته- الرواية الصحيحة في سنن البيهقي بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه، ولا قضاء عليه ولا كفارة )؛ فنص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه: لا قضاء عليه ولا كفارة.

    والعلماء لا يفرقون بين قليل الطعام وكثيره في حق الناسي فلو أن إنساناً نسي فأكل سمكاً ودجاجاً ولحماً، ثم أتبعه فولاً وعدساً وبصلاً، فأكله كله ناسياً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة، وكذلك من أكل عنبة أو زيتونة أو تينة فلا قضاء عليه ولا كفارة؛ إذ لا فرق بين قليل الطعام وكثيره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088952651

    عدد مرات الحفظ

    780105496