إسلام ويب

تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الرابعللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • البيوت -كما لا يخفى- نعمة من نعم الله، ولها حرمة عظيمة، ولذلك لا يجوز دخولها بدون إذن أهلها، كما لا يجوز الاطلاع عليها بدون علمهم، ولا بد من الاستئذان حتى على الأقارب والأرحام

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    فقد تبين أن سبب نزول هذه الآيات المباركات أن امرأةً من الأنصار شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول الله! إني أكون على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي، ولا يزال رجل من أهلي يدخل علي وأنا على تلك الحال، فنزلت هذه الآية: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور:27]، فقال أبو بكر : يا رسول الله! أرأيت الخانات والمساكن التي في طريق الشام؟ فأنزل الله عز وجل قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النور:29] ).

    ومعلوم أن البيوت نعمة من نعم الله علينا، فالإنسان يستر فيها عورته، ويخلو فيها بأهله، ويتخفف فيها من ثيابه، ويباشر فيها حياته وهو آمن من أن يطلع عليه الناس، وقد امتن ربنا جل جلاله علينا بهذه النعمة، فقال سبحانه في سورة النحل: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ [النحل:80]، فهذه البيوت لها حرمتها، ولذلك ثبت في صحيح مسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حل لهم أن يفقئوا عينه )، وقد اختلف أهل العلم في هذا الحديث: هل هو على ظاهره، أو ليس كذلك؟ فبعضهم قالوا: ليس على ظاهره، وإنما خرج مخرج التهديد والوعيد لمن يتجسس على الناس ويتطلع عليهم بغير إذن منهم.

    قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: والصحيح أن الحديث على ظاهره، فمن اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقئوا عينه لم يكن عليهم دية ولا ضمان قال: ويدل على ذلك حديث أنس في صحيح البخاري : ( أن رجلاً قال لرسول صلى الله عليه وسلم: لقد اطلعت عليك من بعض حجرك وفي يدك مدرىً ترجل به رأسك )، المدرى: ما يستعمل في ترجيل الرأس كالمشط ونحوه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لكنني لو رأيتك لطعنتك في عينك )، وهذا كلام من الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم وهو أرحم الناس بالناس، وهذا يدل على عظم جرم من اطلع على بيت الناس بدون إذن أو بدون علم منهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الاستئذان من أجل النظر )، وقال عمر بن الخطاب : من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق.

    ولذلك مضى معنا في آداب الاستئذان أن الإنسان إذا طرق باباً أنه لا يقابله من تلقاء وجهه، وإنما يتنحى يميناً أو شمالاً حتى يؤذن له.

    مضى معنا من الآداب: أن ( الاستئذان ثلاث مرات، فإن أذن لأحدكم وإلا فليرجع )، وهذا المعنى قد رواه أبو موسى الأشعري ، و أبو سعيد الخدري ، و أبي بن كعب رضوان الله على الجميع، ( لما جاء أبو موسى يستأذن على عمر بن الخطاب فطرق الباب ثلاثاً ثم رجع، فقال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ؟ قالوا: بلى، فطلبوه فأرجعوه، قال له عمر : ما الذي ردك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان ثلاث، فإن أذن لأحدكم وإلا فليرجع. فقال له عمر : لتأتيني ببينة أو لأجعلنك نكالاً -أو قال: لأوجعنك ضرباً- فجاء أبو موسى مذعوراً، فضحك منه الصحابة رضي الله عنهم وقالوا: لا يقوم معك إلا أصغرنا، فقام معه أبو سعيد ، وشهد عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الاستئذان ثلاث، فإن أذن لأحدكم وإلا فليرجع. فقال عمر رضي الله عنه: ألهاني عنه الصفق بالأسواق )، يعني: ألهاني عن هذا العلم الذي سمعتموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أني كنت مشغولاً في الأسواق.

    وفي بعض الروايات: ( أن أبي بن كعب قال له: يا ابن الخطاب ! لا تكن عذاباً على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر : إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت )، فاعتذر بأنه ما اتهم أبا موسى رضي الله عنه، ولكنه كره أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أن يتثبت من هذا الحديث الذي رواه عبد الله بن قيس عليه من الله الرضوان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088959419

    عدد مرات الحفظ

    780163266