قال عروة : أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده، فيقره ويستمعه ويستوشيه.
وقال عروة أيضاً: لم يسم من أهل الإفك أيضاً إلا حسان بن ثابت ، و مسطح بن أثاثة ، و حمنة بنت جحش ، في ناس آخرين لا علم لي بهم.
يعني: تقدم معنا أن حسان عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وأنه رضي الله عنه ما مات حتى ذهب بصره، وقد كان له شعر فحل ينافح به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: إن الله تعالى قد أعطاني لساناً لو نزل على حجر لفلقه، ولو نزل على رأس لحلقه، سخر هذا اللسان في المنافحة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وأما حمنة بنت جحش فقد كانت زوجةً لـمصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه، فلما قتل في أحد شهيداً تزوجها طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عن الجميع، وأما مسطح بن أثاثة فقد كانت أمه رضي الله عنها هي ابنة خالة أبي بكر ، و مسطح هذا من البدريين؛ فهو في الطبقة الثانية من الصحابة؛ لأن أعلى طبقة في الصحابة هم العشرة المبشرون بالجنة، يليهم في الفضل أهل بدر رضوان الله عليهم الذين قال الله لهم: ( اعملوا ما شئتم، قد غفرت لكم ).
قال: غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى، وإن كبر ذلك يقال: عبد الله بن أبي ابن سلول . قال عروة : ( كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان، وتقول: إنه الذي قال:
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، والذي يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ ).
(كيف تيكم) للمؤنث، يقابلها كيف ذلكم للمذكر.
نستفيد من هذا: أن الزوج المسلم ينبغي له أن يلاطف أهله، وأن يدخل السرور عليهم ما استطاع خاصةً في أحوال الضعف، فإذا كانت المرأة حاملاً، أو كانت مريضةً، أو كانت حزينةً ونحو ذلك فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتلطف معها، ويؤنسها بالكلام، فلما كانت في مرضها ذاك رضي الله عنها رابها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتلطف معها، كان يكتفي إذا دخل أن يسلم ثم يقول: ( كيف تيكم؟ )، ولا يزيد على ذلك.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.