إسلام ويب

من سورة النور [2]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله عز وجل لا يظلم أحداً، لكنه حرم الجنة على الكافرين، فأعمال الكفار التي يعملونها من الخير ونفع الناس يجازيهم عليها في الدنيا، فإذا جاء يوم القيامة كانت هباءً منثوراً.

    الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    في الآية التاسعة والثلاثين من سورة النور يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39].

    كان المشركون إذا سمعوا في آيات القرآن ما أعد الله عز وجل للمؤمنين الطيبين في جنات النعيم من جزاء على أعمالهم الصالحات، يمنون أنفسهم فيقولون: ونحن نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحجيج، ونطعم المسكين ونقري الضيف ونفعل الخير، وقد رد الله عليهم في سورة التوبة فقال: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة:19-22]، نسأل الله أن يجعلنا منهم.

    هنا في هذه الآية في سورة النور يبين ربنا جل جلاله أن الكفار لا ينتفعون بشيء من أعمالهم التي حسبوها صالحة حين قدموها في الدنيا، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ[النور:39]، والسراب هو ذلك الشعاع الأبيض الناتج من رطوبة في الجو، يعلو على سطح الأرض فيخيل للناظر إليه من بعيد أنه ماء وليس بماء، ثم قال: يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ[النور:39] أي: العطشان، مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً[النور:39] أي: لم يجد ماء، بل لم يجد شيئاً، وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور:39].

    يقول العلامة الطاهر ابن عاشور : وهذا التمثيل أو هذا التشبيه يمكن تفصيله إلى أجزاء، فأعمال الكفار كالسراب من حيث كونها تحسب ماء وليست بماء، والكافر كالظمآن من حيث حاجته إلى عمله يوم القيامة كحاجة الظمآن إلى الماء في الدنيا.

    ثم إن فجأة الكافر بذهاب عمله وكونه هباء منثوراً يوم القيامة كفجأة الظمآن حين يصل إلى المكان الذي حسبه ماء فلم يجد شيئاً.

    ثم بعد ذلك فإن أخذ الله عز وجل للكافر أخذ عزيز مقتدر، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ[النور:39]، وهذه الآية كقوله في سورة إبراهيم: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ[إبراهيم:18]، وكقوله في سورة الفرقان: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088960493

    عدد مرات الحفظ

    780176380