بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ومع النداء الخامس والأربعين في الآية العشرين من سورة الأنفال قول ربنا الرحمن:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
[الأنفال:20].
سبب نزول الآية
قيل: إنها نزلت بسبب اختلافهم في النفل، ومجادلتهم في الحق، وكراهيتهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ربنا جل جلاله في قصة بدر أن فريقاً من المؤمنين كانوا كارهين للخروج، وقد أخذوا يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولون له: يا رسول الله! ما علمنا أنا نلقى قتالاً، لو أخبرتنا لتهيأنا ونحو ذلك، فأنزل الله عز وجل هذه الآية يعظهم فيها بوجوب طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهذه الآية مؤكدة لمضمون الآية الأولى حين قال ربنا سبحانه:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ
[الأنفال:1].
معاني مفردات الآية
المعنى الإجمالي للآية
طاعة رسول الله وشروط تحقيقها
طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب استقلالاً، يعني: ولو أمر بشيء لم يرد الأمر به في القرآن، ولو نهى عن شيء لم يرد النهي عنه في القرآن فطاعته واجبة، لو أن إنساناً قال: أنا أطيع الله ولا أطيع الرسول صلى الله عليه وسلم فليس من أهل الإيمان؛ لأن المسلم حين يقول في الأذان وفي الإقامة وفي التشهد وفي الخطبة وفي كل موضع: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأشهد أن محمداً رسول الله لا بد في تحقيقها من ثلاثة أمور:
أولها: تصديقه فيما أخبر، إذا كنت تشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، فلا بد أن تصدقه في كل ما أخبر به.
ثانيها: طاعته فيما أمر، فكل ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام نطيعه فيه.
ثالثها: اجتناب ما نهى عنه وزجر، فمن أتى بهذه الثلاثة فهو صادق في قوله: أشهد أن محمداً رسول الله؛ ولذلك فإن الله عز وجل هاهنا قال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
[الأنفال:20]، طاعته عليه الصلاة والسلام من طاعة الله.
قال جماعة من المفسرين: الخطاب في الآية للمنافقين، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم، أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون، مثلما قيل في قوله سبحانه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
[المائدة:51]، وأن الآية مخاطب بها عبد الله ابن سلول باعتباره قد أعلن الإيمان بلسانه وإن كان في قلبه هو أكثر من الكافر الأصلي، فالله عز وجل يخاطبهم بذلك.
مناسبة ذكر طاعة الله مع الأمر بطاعة رسوله وتقبيح التولي عنه
يستفاد من هذه الآية بعض الفوائد:
منها: وجوب طاعة الله عز وجل بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
ومنها: وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة مستقلة في كل ما يأمر به وينهى عنه.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى: في هذه الآية بيان شاف وإيضاح كاف في أن القول لا ينفع إلا مع العمل، وأنه لا معنى لقول المؤمن: سمعت وأطعت، مالم يظهر أثر قوله بامتثال فعله، فأما إذا قصر في الأوامر فلم يأتها، وتعمد إتيان النواهي باقتحامها، فأي سمع عنده؟! أو أي طاعة له؟! وإنما يكون حينئذٍ بمنزلة المنافق الذي يظهر الإيمان ويسر الكفر. وهذا هو المراد بقوله:
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ
[الأنفال:21].
يعني: إنسان يقول بلسانه: أنا مسلم، ثم لا يصلي الخمس، ولا يصوم الشهر، وهو أكال للربا، ركاب للفواحش، شراب للخمور، وبعد ذلك لا يظهر عليه التزام بأمر ولا نهي، فإن هذا الإنسان يكذب فعله قوله. هذا الذي ترك جنس العمل فلم يقف عند حدود الحلال والحرام، ولم يلتزم الأوامر والنواهي، فقد أجمع أهل العلم من لدن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الإيمان نية وقول وعمل؛ ولذلك لا تجد في القرآن: إن الذين آمنوا، بل لا بد فيها من إقران العمل: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ومنها: تحريم التولي والإعراض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتولي والإعراض عنه نوع من أنواع الكفر والعياذ بالله، كما قال ربنا:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ
[الأحقاف:3]، وقال سبحانه:
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ
[النور:48]، هذه هي سمة الكفار والمنافقين.
ومنها: أن التولي مع السماع أفحش وأقبح من التولي مع عدمه.
ونسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.