الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
الحكمة من مشروعية كتابة الدين
كيفية كتابة الدين
الإشهاد على الدين
شهادة النساء في الدين
العلة من قيام امرأتين مقام رجل واحد في الشهادة
النهي عن الامتناع من أداء الشهادة
الحكمة من الأمر بكتابة الدين
التيسير في عدم كتابة التجارة المتبادلة
النهي عن الإضرار بكاتب الدين أو شهيده
لمسات بلاغية في قوله: (واتقوا الله ويعلمكم الله)
قال الله عز وجل:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
[البقرة:282]، كلمة (الله) تكررت ثلاث مرات، وهذا إظهار في مقام الإضمار.
قال البيضاوي رحمه الله: كرر لفظة (الله) في الجمل الثلاث لاستقلالها.
فالأولى: حث على التقوى.
والثانية: وعد بالنعمة.
والثالثة: تعظيم لشأنه جل جلاله.
وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: الإظهار في مقام الإضمار أدخل في التعظيم، ومنه قول القائل:
اللؤم أكرم من وبر ووالده واللؤم أكرم من وبر وما ولدا
واللؤم داء لوبر يقتلون به لا يقتلون بداء غيره أبدا
ومنه قول إنسان كان متضايقاً من الشيب، لكنه يظهر خلاف ما يبطن:
لما رأيت الشيب لاح بياضه بمفرق رأسي قلت للشيب مرحباً
فقد كرر الشيب مرتين.
لم يقل: قلت له مرحباً، بل قال: قلت للشيب مرحباً. وللعلم أنه لا يوجد أحد يقول للشيب: مرحباً!
أثر التقوى في تحصيل العلم والرد على من يدعي العلم اللدني
أيها الإخوة! أرجو أن تنتبهوا لهذا الكلام: ظهر بين المسلمين ذئاب من الدجالين، لم يجلس أحدهم في حلقة قرآن، ولا قرأ حديث خير الأنام صلى الله عليه وسلم، ولا عرف عنه اشتغال بعلم ولا جلوس عند أهله، وفجأة بدأ يشرع للناس، ولما قيل له: هذا كلام كله خطأ من أين أتيت به؟ قال: جاءني فيض من الله؛ لأني تقي والله قال:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ
[البقرة:282]، كما قال بعضهم: أنتم تُحدثون عن ميت عن ميت عن ميت، ونحن نحدث عن الحي الذي لا يموت.
وقال آخر: حدثني قلبي عن ربي، قلبه عن ربه مباشرة، فلا يحتاج إلى علماء ولا إلى شيوخ ولا إلى غيره!
قال محمد عبده في سبل المنار: اشتهر على ألسنة المدعين في معنى هاتين الجملتين:
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ
[البقرة:282] أن التقوى تكون سبباً للعلم، وبنوا على ذلك أن سلوك طريقتهم وما يأتونه فيها من الرياضة وتلاوة الأوراد والأحزاب تنثر لهم العلوم الإلهية وعلم النفس وغير ذلك من العلوم بدون تعلم.
ثم قولهم هذا -عبارة عن جعل المسبب سبباً- يعني: هل العلم سبب للتقوى أم التقوى سبب للعلم؟ هل تستطيع أن تتقي الله دون أن تتعلم؟ لا يمكن؛ لأن التقوى أصلاً هي فعل المأمور واجتناب المحظور، فإذا كان كذلك فكيف يمكن أن يعرف الإنسان بغير العلم بأن هذا مأمور وهذا محظور؟!
فجعلوا المسبب سبباً والفرع أصلاً والنتيجة مقدمة.
فإن المعروف المعقول أن العلم هو الذي يثمر التقوى؛ فلا تقوى بلا علم، والعلم هو الأصل وعليه المعول.
ثم قال رحمه الله: إننا لا ننكر العلم الذي يسمونه: لدنيّاً.
فعلاً بعض الناس يتعلم العلم ويتقي الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى يجعل عنده فراسة ومكاشفة يستدل بها بالمحسوس على المغيب، كما حصل لبعض الصحابة ومن بعدهم رضوان الله عليهم أجمعين.
نقول: إن العلم بالله والعلم بالشرع والعمل به مع الإخلاص قد يصرف العالم العامل المخلص إلى الله حتى يكون كالمنفصل بقلبه وروحه عن العالم الطبيعي، لكن كل هذا أولاً يأتي عن طريق العلم.
ما يفيده الأمر في قوله تعالى: (فاكتبوه)