أخبر الله سبحانه وتعالى أن أولياءه من أهل الإيمان والتقوى لا خوف عليهم في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن الله معهم، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا؛ لأن ما عند الله خير وأبقى، وقد دل القرآن والسنة على ثبوت كراماتهم، وقد أخبر الصالحون عن أنفسهم وأخبر عنهم غيرهم بما جرى لهم من ذلك، وقد يفعل السحرة وأهل الشعوذة بعض الخوارق فلا يغتر بها؛ لأنها من فعل الشياطين.
وفي الآية الكريمة فوائد ثلاث:
الفائدة الأولى: أن ولاية الله تعالى تكون بطاعته وموافقته في محابه ومكارهه، فمن آمن واتقى فهو الولي.
الفائدة الثانية: أن الأولياء هم أهل الإيمان والتقوى، فالكافر لا يكون ولياً أبداً، والفاجر لا يكون ولياً أبداً، قال ابن عطية رحمه الله: هذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا الذي تقتضيه الشريعة في الولي.
الفائدة الثالثة: أن أولياء الله يعاملهم ربهم بالحسنى، فيرفع عنهم الخوف والحزن في الدنيا والآخرة، وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
والولاية تحتاج إلى مباحث، لابد من عرضها:
أولاً: الولي في اللغة هو القريب، على وزن: فعيل، مبالغة من الفاعل، كالعليم والقدير، بمعنى عالم وقادر، وهو من توالت طاعاته من غير تخلل معصية، أو هو: فعيل، بمعنى مفعول، كقتيل وجريح، مقتول ومجروح، وهو الذي يتولى الحق سبحانه حفظه وحراسته على التوالي من كل أنواع المعاصي، ويديم توفيقه على الطاعات.
ثانياً: أولياء الله هم الذين آمنوا بالله ووالوه، فأحبوا ما يحب وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونهو عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع، وهم المتبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً.
ثالثاً: أفضل أولياء الله أنبياؤه، وأفضل أنبيائه المرسلون منهم وأفضل المرسلين أولو العزم، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم تسليماً كثيراً، وأفضل أولي العزم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إمام المتقين وسيد المرسلين.
رابعاً: أولياء الله على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، وقد ذكرهم الله عز وجل في أول سورة الواقعة، وفي سورة الإنسان، وفي سورة المطففين، وفي سورة فاطر.
خامساً: ليس من شرط ولي الله أن يكون معصوماً لا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم هو عند غيره، كما هو الحال في شأن كبار أولياء الله كـأبي بكر و عمر رضي الله عنهما.
سادساً: ليس لأولياء الله شارة ولا علامة يتميزون بها على سائر الناس في الظاهر، كما قيل: كم من صديق في قباء، وكم من زنديق في عباء، فلا يتميزون على الناس بلباس دون لباس، ولا بحلق شعر أو توفير شعر أو تقصيره أو ظفره.
سابعاً: ليس للولي طريق إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد أنه يسع ولياً الخروج على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، ومن استدل على ذلك بقصة موسى عليه السلام مع الخضر فهو ضال.
وهل للأولياء كرامات؟ اللهم نعم؛ ولذا قال الإمام الطحاوي رحمه الله: ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم.
قال أبو علي الجوزجاني رحمه الله: كن طالباً للاستقامة، لا طالباً للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة.
وأختم هذا الكلام ببعض التنبيهات:
أولاً: ليس كل من جرى على يديه شيء من خوارق العادات يجب أن يكون ولياً لله؛ لأن العادة تنخرق بفعل الساحر والمشعوذ، وخبر الكاهن والمنجم، وقد تفعل الشياطين لأوليائهم بعض الخوارق، كأن يطير في الهواء أو يمشي على الماء، أو يخبر في بعض الأوقات بشيء من الغيب، أو يختفي أحياناً عن أعين الناس، أو يخبر بعض الناس بما سرق له.
ثانياً: أكثر هذه الأمور قد توجد في أشخاص يكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي المكتوبة ولا يتنظف ولا يتطهر الطهارة الشرعية، بل يكون ملابساً للنجاسات، معاشراً للكلاب، يأوي إلى المزابل، رائحته خبيثة، ركاباً للفواحش، كافراً بالله، ساجداً لغيره من القبور وغيرها، غامزاً للشرع، مستهزئاً بحملته.
ونماذج من تلك الأحوال الشيطانية: حال ابن صياد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يظن أنه الدجال، و الأسود العنسي و مسيلمة الكذاب كان معهما من الشياطين من يخبرونهما ويعينونهما على بعض الأمور.
ومن هؤلاء من تأتيه الشياطين بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع، ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما.
ومسك الختام:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
[الأنفال:29].
وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.