إسلام ويب

تفسير آية - البقرة [282]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الدين الإسلامي كامل وشامل لكل مطالب الحياة، ومن ذلك أنه اهتم باقتصاد الأمة فأمر من أراد المداينة أن يكتب الدين صغيراً كان أو كبيراً، حفظاً لعلاقات المحبة والمودة بين المسلمين ومنعاً لوقوع التنازع المؤدي إلى فساد علاقات المسلمين.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وعدد ما اختلف الليل والنهار، وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:

    ففي الآية الثانية والثمانين بعد المائتين من سورة البقرة، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282].

    والمعنى الإجمالي لهذه الآية المباركة: يا أيها المؤمنون! إذا تعاملتم بالدين بيعاً أو سلماً أو قرضاً، فاكتبوا هذه المعاملة، وليكن الكاتب عدلاً، ثقةً، مأموناً، يقظاً، خبيراً بألفاظ الكتابة ومعانيها، ولا يمتنع هذا الكاتب من نفع إخوانه المسلمين، وليتذكر نعمة الله عليه حين علمه بعد جهل، فليكتب وليقم المدين بالإملاء عليه حال الكتابة؛ ليكن إملاؤه حجة عليه؛ لأنه غير متهم بأن يزيد على نفسه ما لم يأخذ، وأوصى ربنا سبحانه هذا المدين المملي بوصيتين: الأولى: تقوى الله، والثانية: ألا ينقص شيئاً من الحق الذي وجب عليه، فإن كان المدين ناقص الأهلية، بأن كان سفيهاً مبذراً ناقص التدبير، أو ضعيفاً صبياً أو مجنوناً، أو جاهلاً أو شيخاً هرماً لا يقدر على ضبط الأمور، أو كان عاجزاً عن الإملاء لبلاهة أو خرس، أو عي أو عمى، فعلى وليه الذي يتولى أموره من وصي أو مترجم أن يقوم بالإملاء على الكاتب بالعدل والإنصاف دون زيادة أو نقصان.

    ثم أرشدنا ربنا سبحانه إلى ضبط الأمور وتقرير الوقائع عن طريق الإشهاد، فنشهد على هذه المعاملة رجلين مسلمين حرين ممن نرضاهم ونقبل شهادتهم، فإن لم نجد رجلين، فرجل وامرأتان.

    والسبب في اشتراط امرأتين مكان الرجل الواحد: أن المرأة قليلة الضبط، كثيرة النسيان، لا تهتم غالباً بالمعاملات المالية، فإذا نسيت إحداهما ذكرتها الأخرى.

    ونهى ربنا سبحانه عباده عن الامتناع عن الشهادة إذا توجهت عليهم؛ إذ بالشهادة تثبت الحقوق وتنهى المنازعات، ويمنع الظلم والجور.

    ثم نهانا ربنا سبحانه عن الملل والضجر من كتابة الدين قليلاً كان أو كثيراً؛ لأن هذا أدعى للقسط، وأبعد من الخطأ، وأنفى لحصول الريبة والشك، وأقطع للنزاع والشقاق.

    واستثنى من ذلك: التجارة الحاضرة، التي تستدعي حركة وسرعة وتقابضاً، فلا داعي للكتابة حينئذ، إذ لا يترتب عليها شيء من النزاع والاختلاف، لكن الإشهاد مطلوب؛ لأنه أحوط.

    والمبدأ الواجب اتباعه في هذه المعاملة هو: عدم المضرة، فلا يحل للكاتب ولا الشهيد إيقاع الضرر بالدائن أو المدين بتحريف أو إخفاء بعض الوقائع، كما لا يجوز للمتعاملين إلحاق الضرر بالكاتب أو الشهيد بحمله على الزور أو تهديده أو ترغيبه برشوة ونحوها، ومن فعل شيئاً من ذلك فإنه يوصم شرعاً بالفاسق؛ لهذا فلا بد من التزام التقوى وامتثال أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه؛ لأن فيها صلاح الدنيا والآخرة.

    وفي قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، يقول سيد قطب رحمه الله: الضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة، فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته، ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معاً على تذكر ملابسات الموضوع كله، وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية، فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلاً نفسياً في المرأة حتماً، وتستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية، ولا ترجع فيها إلى تفكير بطيء، وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة، وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها، حين تكون امرأة سوية.

    بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا إيحاء ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى إذا انحرفت مع أي انفعال، فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089223017

    عدد مرات الحفظ

    782889781