بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
ما زلنا مع سلسلة نداءات الرحمن، ومع النداء الثاني والعشرين في الآية التاسعة والخمسين من سورة النساء، قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
[النساء:59].
أيها الإخوة! هذه الآية تعالج مشكلة قديمة جديدة، هذه المشكلة ما زالت البشرية تعاني منها، وهي العلاقة بين الراعي والرعية، بين الحاكم والمحكوم، بين الدولة والشعب.
وهذه القضية أريقت بسببها دماء، وأزهقت أرواح، وأتلفت ممتلكات، وثارت عداوات وبغضاء بين الناس، وهذه الآية تضع لها العلاج المناسب.
سبب نزول الآية
وسبب نزول هذه الآية ما روى البخاري و مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( نزلت في عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء -يعني: غضب على أفراد السرية لتقصير وقعوا فيه، أو ذنب اقترفوه- فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: فاجمعوا لي حطباً. فلما جمعوا الحطب دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها -يعني: هذه النار قعوا فيها- فقال لهم شاب منهم: إنما فررت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوه فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها )، يعني: يقول لهم: نحن آمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقناه، وشهدنا أن ما جاء به هو الحق، وجاهدنا معه، وصلينا، وصمنا، وتصدقنا، كل هذا فراراً من النار، ما يمكن نأتي فنقع في النار بهذه السهولة، فانتظروا حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أمرنا أن ندخلها دخلناها على بينة، قال: ( فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف )، أي: لو دخلتم هذه النار التي أمركم عبد الله بن حذافة أن تدخلوها لدخلتموها ومنها إلى نار جهنم مباشرة.
الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله
الأمر بطاعة ولاة الأمر وطرق إثبات الإمارة لهم
وقوله تعالى:
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ
[النساء:59]، الأمر: الشأن؛ وهو ما يهتم به من الأحوال والشئون، و(أولي الأمر) هم أصحاب الأمر الذين بيدهم التوجيه، وإصدار القرارات، وإملاء السياسات.
وثبوت هذه الصفة لها طرق:
الأولى: الولاية المسندة إليهم من الخليفة ونحوه، والآن لا يوجد خليفة يضم شتات المسلمين، ولذلك قال أهل العلم: القائم على إقليم معين، أو على قطر معين هو بمنزلة الخليفة.
الثانية: أن تكون هذه الولاية ثابتة لهم عن طريق جماعة المسلمين، يعني: المسلمون هم الذين ولوا فلاناً من الناس، أو عن طريق صفات الكمال التي تجعلهم محل اقتداء الأمة بهم وهي الإسلام والعلم والعدالة، يعني: الإنسان إذا كان عنده إسلام وعنده علم وهو عدل في نفسه ليس بفاسق ولا أتى بشيء من خوارم المروءة فإن الناس يقتدون به.
المراد بأولي الأمر في الآية
حقوق ولي الأمر على الرعية
الرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع
بقيت مسألة: لو كان الحاكم كافراً وليس فاسقاً، فقد يوجد في بعض بلاد المسلمين حكام يحلون الحرام ويحرمون الحلال فما الواجب؟
مثل هذا نقول: أجمع أهل العلم على أن خلعه واجب، لكن بالقدرة، أي: إذا قدر عليه، أما ما جرت عليه عادة بعض الصالحين من شباب المسلمين بأنهم إذا رأوا الحاكم قد ظهر منه الكفر البواح الذي عندهم من الله فيه برهان، فيخرجون من مسجد من المساجد، أو من مكان وهم مائة أو مائتان أو ألف أو ألفان يحملون أسلحة خفيفة، يعني: في النهاية ليست هي دبابات ولا طائرات ولا نحوها، ويريدون الخروج على الحاكم، فهذا الكافر أو الفاجر يدكهم دكاً بطائراته ودباباته، ولربما تهدم المساجد على رءوس أهلها، وبعد ذلك يحاصرون الدعوة ويحدثون في الأرض الفساد.
فنقول: مثل هذ الخروج مفسدته راجحة غالبة، بل تكاد تكون مفسدته محضة، ليس فيه مصلحة أصلاً.
وحبذا لو أن الناس فهموا هذه القواعد من أجل أن يسلموا من كثير من الشرور. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.