لقد كرم الله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، ومن تكريمه له أنه ما ناداه في القرآن باسمه المجرد، وإنما ناداه بصفة النبوة أو الرسالة، وقد تكرر نداء الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب خمس مرات، يأمره فيها بالتقوى وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، كما يأمره بتخيير أزواجه بين العيش معه على شظف العيش أو أن يمتعهن ويطلقهن، وفي تلك النداءات يبين له مهمته ويحثه على أن يأمر نساءه ونساء المسلمين بالستر والعفاف.
أمر الله سبحانه وتعالى لنبيه بالثبات على التقوى
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.
هذه السورة المباركة سورة الأحزاب مدنية باتفاق أهل التفسير، وآياتها ثلاث وسبعون آية، وعدد كلماتها ألف ومائتان وثمانون كلمة، وحروفها خمسة آلاف وسبعمائة وستة وتسعون حرفاً.
وهذه السورة المباركة تكرر فيها النداء لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خمس مرات بلفظ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ[الأحزاب:1]، وهذا من تكريم الله لنبيه عليه الصلاة والسلام، ففي القرآن ربنا سبحانه ينادي الأنبياء بأسمائهم: يا آدم ، يا إبراهيم ، يا موسى ، يا عيسى ، لكن إذا نادى نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه يناديه بوصف النبوة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ[الأحزاب:1]، أو بوصف الرسالة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ[المائدة:41] أو: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1]، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1]، حتى إذا خاطب نساءه رضوان الله عليهن يقول لهن: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ[الأحزاب:30]، فالله عز وجل نادى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم خمس مرات في هذه السورة.
ثم يأتي بعد ذلك الكلام عن اللقطاء، وهم موجودون في كل مجتمع، يوجد من لا يعرف له أب ولا أم، فمثل هذا ينهانا الله عز وجل عن تبنيه، لا نتبناه، ولا نعطيه أسماءنا، لكن نكفله ونرعاه وننسبه إلى أبيه، ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ[الأحزاب:5]، فإذا كنا لا نعلم له أباً، قال الله عز وجل: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ[الأحزاب:5]، لابد أن نقوم نحوهم بواجب الأخوة من الكفالة والرعاية والعناية، وللأسف قد أخل المسلمون بهذا الواجب العظيم حتى كفل اللقطاء منظمات تنصيرية، تنشئ هؤلاء على عقيدة الثالوث، وهذا لا شك عار وشنار في جبين الأمة كلها.
والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعيش عيشة الشظف، عيشة القلة، كان يعيش في حجرات كما قال الحسن البصري : دخلتها وأنا غلام فتي، فكنت إذا رفعت يدي نلت سقفها، وإذا مددت رجلي نلت جدارها، ولو اتكأت عليها لسقطت.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي طاوياً، لا يجد عشاءً، يتقلب على فراشه من شدة الجوع، كانت حياته حياة الزهد والكفاف، وأزواجه -رضوان الله عليهن- كبقية النساء يرغبن في الزينة، ويرغبن في الذهب، ويرغبن في الثياب، وفي الحلي، ويرغبن في أن يتوسعن في العيش، وهذه كلها رغبات مشروعة، لا غبار عليها، خاصة أن بعض زوجاته كن من بنات السادة والتجار وأصحاب الأموال، فـعائشة رضي الله عنها مثلاً أبوها رجل من أثرى أثرياء قريش، الصديق أبو بكر رضي الله عنه، فهؤلاء النسوة يعلمهن الله عز وجل أن البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن يدفعن ثمنه ولابد أن يكون له مقابل، إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ[الأحزاب:28]، فالتي تريد الدنيا، تريد التوسع تأتي لأمتعها، أي: أعطيها متعة المطلقة، أعطيها مالاً وثياباً وحلياً وأسرحكن سراحاً جميلاً، ويكون الطلاق.