إسلام ويب

تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أعد الله للمؤمنين في الجنة أنهاراً تجري من تحتهم، وحلية يلبسونها متكئين على الأرائك، وهم في أعظم نعيم، كما أن الله ضرب مثلاً للمؤمنين والكافرين برجلين أحدهما كافر ومعه جنتان من جنات الدنيا فاغتر بهما، وظن أنه لن يبعث يوم القيامة، وإن بعث فسيجد حظاً عظيماً.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

    اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً * وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً [الكهف:30-36].

    في الآيات التي سبقت بين ربنا جل جلاله حال المتكبرين المتغطرسين، الذين طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحي عن مجلسه الفقراء والمساكين، وبين ربنا جل جلاله أنه أعد لهم جهنم وما فيها من العذاب المقيم فقال: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:29].

    وفي هذه الآيات يبين ربنا جل جلاله حال المؤمنين الطيبين الذين عملوا الصالحات، وأكثروا من القربات، ويبين ما أعد لهم في الجنة من النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول، وهذه عادة القرآن غالباً أنه يثني بعد ذكر أصحاب النار بأصحاب الجنة كما في قوله تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]، وهذا تأويل قول ربنا جل جلاله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ [الزمر:23].

    يقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30]، أي: إن الذين رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وقد وقر الإيمان في قلوبهم، وترجمته أعمالهم، فبعدما قالوا: آمنا بالله استقاموا على أمره جل جلاله، فعملوا الصالحات، و(الصالحات) جمع صالحة، وتطلقها العرب على كل فعلة طيبة، ومنه قول أبي العاص بن الربيع رضي الله عنه يمدح زوجه زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها:

    بنت الأمين جزاك الله صالحةً وكل بعل سيثني بالذي علما

    وكما في قول الآخر:

    الحب مشغلة عن كل صالحة وسكرة الحب تنفي سكرة الوسن

    فقوله: (عملوا الصالحات) أي: أتوا بالأفعال الطيبات، والخصال الحسنات.

    وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الكهف:30]، (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) اسم إن، وخبرها قوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30]، وقال بعض المفسرين: بل خبرها قوله تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ [الكهف:31]، فتكون جملة: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30] جملةً معترضة، وهذا قد تكرر في القرآن، كقول ربنا الرحمن في سورة الحج: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الحج:17]، وكقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة:8].

    وكقول القائل:

    إن الخليفة إن الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم

    وقوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف:30] الضمير في قوله: (إنا) يعود إلى رب العزة جل جلاله.

    والإضاعة أصلها جعل الشيء ضائعاً، أي: أن يُفقد من مظنة وجوده، وتطلق الإضاعة على عدم التمكين من الانتفاع بالشيء، وهو إطلاق مجازي، ومنه قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، وقول الله عز وجل: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90]، وقوله سبحانه: أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195].

    وقوله: أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30]، أي: أجر من أحسن من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكلمة (عملاً) منصوبة على التمييز.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088950988

    عدد مرات الحفظ

    780084229