إسلام ويب

بداية نزول الوحيللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أول ما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد في غار حراء، ثم فتر الوحي نحواً من أربعين يوماً حتى ظن نبينا محمد أن ربه قلاه فنزل عليه الوحي مرة أخرى. وكان الوحي يأتي على عدة صور: فتارة يأتي بصورة بشر، وتارة يأتي كدوي النحل، وتارة يأتي كصلصلة الجرس، وتارة يأتي مناماً.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

    نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    تقدم معنا أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، (فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها).

    وبينما هو صلوات ربي وسلامه عليه في غار حراء في ليلة القدر إذ فجأه الوحي، وقال له: (اقرأ. فقال عليه الصلاة والسلام: ما أنا بقارئ. فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. فتلا عليه قول ربنا جل جلاله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]). وكانت هذه الآيات الخمس هي أول ما نزل من القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

    ( فرجع عليه الصلاة والسلام ترجف بوادره )، وهي العروق التي في صفحة العنق إلى الترقوة، ( حتى دخل على خديجة فقال: زملوني، زملوني )، فغطوه صلوات ربي وسلامه عليه حتى ذهب عنه الروع، أي: حتى ذهب عنه ما كان يجد من فزع وخوف، ثم قال: ( يا خديجة ! ما لي؟ )، وأخبرها الخبر، وقال: ( لقد خشيت على نفسي ).

    فـخديجة رضي الله عنها كلمته بتلك الكلمات المحفوظة لدينا جميعاً: ( كلا والله لا يخزيك الله أبداً. إنك لتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق )، وكلام خديجة رضي الله عنها يدل على رجاحة عقلها، ودقة فهمها وسعة علمها، كأنها تعلم أن من سنن الله عز وجل أن الجزاء من جنس العمل، فالذي يعمل خيراً ويبذل معروفاً ويحسن إلى خلق الله، فالله عز وجل لا يخزيه ولا يضيعه.

    قالت رضي الله عنها: (إنك لتحمل الكل)، أي: الإنسان الضعيف الذي لا يستطيع أن يكتسب لنفسه، (وتقري الضيف)، بمعنى: أنك تكرم الضيف، (وتكسب المعدوم)، أي: تتصدق على الفقير والمسكين، (وتعين على نوائب الحق)، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان باذلاً نفسه في عون المظلوم وإغاثة الملهوف، وكما قيل:

    من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس

    والله عز وجل لا يضيع أجر المحسنين.

    ثم ما اكتفت بذلك رضي الله عنها، بل صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان شيخاً قد أسن، وكان يكتب بالعبرانية، وقد قرأ الكتاب الأول قالت له: (يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك، فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقال ورقة : هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً -أي أكون حياً- حين يخرجك قومك، فقال له عليه الصلاة والسلام: أومخرجي هم؟! قال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي وأوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم يلبث ورقة أن توفي)، وهذا الكلام من ورقة يدل على علمه بسير الأنبياء وتواريخهم صلوات الله وسلامه عليهم.

    قال الله عز وجل: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:52]، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [سبأ:34]، يعني: ما من نبي من الأنبياء أتى إلى قومه فقال لهم: يا قوم! قولوا: لا إله إلا الله، فقالوا: لا إله إلا الله، وإنما آذوه وعادوه، وما استجاب له إلا طائفة، وقد حكى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه عرضت عليه الأمم فرأى النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد )، يعني: بعض الأنبياء ما آمن بدعوتهم أحد، وبعض الأنبياء كـنوح عليه السلام قال الله عز وجل عنه: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود:40]، بعدما لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، أي: تسعمائة وخمسين سنة وهو يقول للناس: قولوا: لا إله إلا الله، وفي النهاية ما آمن معه إلا قليل، وكان على رأس من كفر به زوجه وولده، فزوجته كافرة وولده كافر.

    هذه سنة الله عز وجل مع الأنبياء، ولذلك قال مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [فاطر:25]، وقال له: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088947799

    عدد مرات الحفظ

    780058116