إسلام ويب

إرهاصات النبوة [2]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد تم بناء البيت الحرام على مراحل متعددة آخرها في زمن رسول الله الذي شرفه الله فيه بوضع الحجر الأسود، وقد أخبر الله بأوصاف رسوله في الكتب السابقة، وهي التي قادت سلمان من فارس إلى بلاد العرب بحثاً عنه، وقد حبب إلى رسول الله الخلاء، وبدئ بالرؤيا الصادقة، وسلم عليه الحجر وبشر بالنبوة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم. أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

    الكلام في هذا الدرس -أيها الإخوة الكرام- عن بناء الكعبة، والكعبة بيت الله الحرام، وهي أول بيت وضع للناس، وسميت كعبة من الكعوب وهو الظهور؛ ولذلك سمى الله عز وجل الفتيات اللائي في الجنة: كواعب، قال سبحانه: وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:33]، والفتاة الكاعب: هي التي ظهر نهداها، وكذلك العظمان الناتئان الظاهران عند مفصل الساق مع القدم يسميان كعبين، فسميت الكعبة كعبة: لأنها ظاهرة بارزة على وجه الأرض، وهي أول بيت وضع للناس كما أخبر ربنا جل جلاله في كتابه.

    أول من بنى الكعبة

    وهذه الكعبة التي جعلها الله قياماً للناس اختلف المؤرخون في أول من بناها:

    فقال بعضهم: أول من بنى الكعبة الملائكة عليهم السلام، وذلك أنهم لما أخبرهم ربنا بأنه خالق بشراً من طين وقالت الملائكة: يا ربنا! أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة:30]، فالله عز وجل قال للملائكة: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30].

    فالملائكة استغفروا ربهم من هذا السؤال الذي طرحوه، وطافوا حول البيت المعمور في السماء السابعة يستغفرون الله مما قالوا، فقال الله لهم: ( ابنوا لي بيتاً في الأرض، من عصاني من عبادي ثم أتاني تائباً وطاف به غفرت له )، فبنت الملائكة الكعبة المشرفة.

    وبعض المؤرخين يقولون: أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام، فإنه بعدما أهبط إلى الأرض أمر بأن يبني لله بيتاً، فبنى البيت الحرام في مكة، ثم لما كان في زمان نوح وغمر الطوفان الأرض غمر الكعبة المشرفة فذهبت معالمها وضاعت، إلى أن جاء الخليل عليه السلام فأمره الله عز وجل بأن يرفع القواعد من البيت، فـإبراهيم عليه السلام حفر حتى وجد القواعد، ثم رفعها وأظهر هذا البناء بمعونة ولده إسماعيل، وبعدما فرغا توجها إلى الله بالدعاء: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:127-128].

    إعادة قريش بناء الكعبة ودور النبي في ذلك

    ثم بعد ذلك هدمت الكعبة، ثم بناها العمالقة، ثم هدمت وبنتها قبيلة جرهم، ثم لما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما زال شاباً لم يوح إليه بعد، حديث السن، تهدمت أجزاء من الكعبة، فاتفقت قريش على أن تهدمها ثم تعيد بناءها، واشترطوا ألا يدخل في هذا البناء مهر بغي، ولا مال مغصوب، ولا مال من ربا.

    ولما أرادوا أن يهدموها وجدوا حية عظيمة قائمة عليها، ففزعوا وروعوا وضجوا إلى الله بالدعاء، ومعلوم بأن المشركين كانوا يدعون، وكانوا يحلفون، وكانوا يحجون، وكانوا يطوفون، لكنها عبادات مشوبة بطقوس شركية، فدعوا الله عز وجل فأرسل الله طائراً أنشب مخالبه في تلك الحية ثم حملها وألقاها عند أجياد -بعض جبال مكة- بعيداً عن الكعبة، ثم شرعوا في هدمها وإعادة بنائها مرة أخرى.

    لما وصلت قريش في البناء إلى مكان الحجر الأسود الذي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه نزل من السماء أبيض فسودته خطايا بني آدم)، والذي أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم (بأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان، تشهد لمن استلمه بحق). فلما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود اختصمت قريش من الذي ينال شرف وضعه في مكانه، حتى ثاروا إلى السلاح وتحالفت بنو مخزوم وبنو عدي، وأتوا بقصعة من دم فغمسوا فيها أيديهم، لكن بعض عقلائهم قالوا: نحكم أول من يدخل علينا المسجد الحرام نحكمه، فكان أول داخل بفضل من الله ونعمة محمد صلى الله عليه وسلم، فصاح القوم: قد جاء الأمين، قد جاء الأمين.

    وكان معروفاً عندهم صلوات ربي وسلامه عليه بالأمانة، فعرضوا عليه الأمر، فهداه الله عز وجل لحيلة مشروعة ووسيلة طيبة تحقن بها الدماء، ويرضى بها الجميع، قال: ( ائتوني بثوب، فجيء له بثوب، فبسطه ثم حمل الحجر فوضعه فيه، وقال: ليأخذ كل فخذ بطرف من الثوب ) يعني: بنو هاشم يأخذون طرفاً، وبنو عدي يأخذون طرفاً، وبنو مخزوم طرفاً، وبنو أمية بن عبد شمس يأخذون طرفاً، وبنو تيم يأخذون طرفاً، وبنو أسد، وهكذا كل فخذ من قريش أخذ بطرف، فاشتركوا جميعاً في حمله حتى أوصلوه إلى مكانه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه.

    وفي هذا دليل على أنه صلوات الله وسلامه عليه مفطور على الذكاء وسرعة البديهة، وحسن السياسة والرغبة في الوفاق وجمع الكلمة، وأنه أبعد الناس صلوات الله وسلامه عليه من الشقاق، وحب الخلاف وأن يذيع صيته ولو كان على حساب الدماء والأعراض.

    وفي هذا تدريب من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم على أن يخوض في أمور الناس اجتماعية وسياسية ودينية ويشارك فيها كلها صلوات ربي وسلامه عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089221289

    عدد مرات الحفظ

    782872318