إسلام ويب

شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [10]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أسماء الله الحسنى: العالم والعليم، والعليم أبلغ من العالم ودائماً يذكر اسم الله العليم مطلقاً بخلاف اسم الله العالم فلا يذكر إلا مقيداً. ومن أسمائه: الخبير، ومعناه العالم بدقائق الأمور، ومن أسمائه: القدير السميع البصير العالي علو الذات، وعلو القدر وعلو القهر سبحانه مستو على عرشه، وهو في كل مكان بعلمه.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    الفرق بين اسم الله (العالم) واسمه (العليم)

    قال المؤلف رحمه الله في ذكر بعض أسماء ربنا جل جلاله: [العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير], هذه ثمانية من أسماء ربنا جل جلاله, الدالة على صفاته.

    قوله: (العالم), وفي بعض النسخ (العليم), ونقول: (العليم) أولى من (العالم) لأمور:

    أولاً: أن اسم (العليم) تكرر في القرآن سبعاً وخمسين ومائة، وأما (العالم) فقد جاءت في القرآن اثنتي عشرة مرة.

    ثانياً: من ناحية اللغة العالم اسم فاعل, والعليم صيغة مبالغة, أو صفة مشبهة, على وزن فعيل.

    ثالثاً: العليم في القرآن تذكر مطلقة, أما العالم فتذكر مقيدة, كما في قول الله عز وجل: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[الحشر:22] وقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا[الجن:26] وقوله تعالى: وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[الأنعام:73], كذلك قول الله عز وجل: مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ[المؤمنون:91] وقوله تعالى: عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[المؤمنون:92] وقوله تعالى: عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ[سبأ:3]؛ فكلمة (عالم) دائماً تذكر مقيدة بذكر الغيب, أو بذكر الغيب والشهادة, أما العليم فتذكر مطلقة.

    وورد في القرآن أيضاً (عالمين) بالجمع مرتين, كما في قول الله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ[الأنبياء:51], وكما في قول الله عز وجل: وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء:81].

    الفرق بين علم الله وعلم الإنسان

    فهو سبحانه وتعالى عالم, وهو سبحانه وتعالى عليم, ووصف نفسه أيضاً بأنه علام، قال تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[سبأ:48], فهو سبحانه عالم عليم علام.

    والإنسان قد يوصف بأنه عالم, فقد يكون الإنسان عالماً في فرع من العلوم, لكن الفرق بينك وبين علم الله جل جلاله كالفرق بين الله وبين خلقه.

    والدليل على ذلك ما يلي:

    أولاً: أن علمك بالتعلم, أما علم الله عز وجل فصفة لازمة لذاته, فلو أردنا أن نتعلم شيئاً فلا بد أن نعكف عليه ونصبر, وإذا أراد الإنسان أن يعلم ما يحصل في الشارع فلابد أن يخرج وينظر، أما الله جل جلاله فهو عليم بكل معلوم, لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

    ثانياً: علمك أيها الإنسان علم محدود, أما علم الله جل جلاله فكما قال: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59], يعني: عالم بالممكن والمستحيل, عالم بما في البر والبحر, عالم بما في السماء والأرض, عالم بالموجودات كلها, والمعدومات كلها, سبحانه وتعالى.

    هذا المعنى صوره رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من رواية ابن عباس رضي الله عنهما في قصة موسى مع العبد الصالح (لما طلب منه موسى أن يعلمه مما علمه الله وركبا في السفينة فجاء عصفور فنقر في البحر -يعني: أخذ شيئاً من ماء البحر- فقال العبد الصالح لـموسى: ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره), يعني: أن علم الإنسان ولو كان نبياً بالنسبة لعلم الله شيء يسير جداً, فوصف ربه جل جلاله بأنه العالم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088960312

    عدد مرات الحفظ

    780173990