إسلام ويب

تفسير سورة يس [5]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأساليب القرآنية في التوجيه والوعظ ذكر هلاك الأمم السابقة للعبرة والعظة، ومن ذلك: هلاك أصحاب القرية التي كذبت المرسلين؛ فقد أهلكهم الله بصيحة واحدة بسبب كذبهم واستهزائهم بالأنبياء، والاستهزاء بالأنبياء كفر سواء كان جاداً أو هازلاً والعياذ بالله.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

    فقد مضى معنا خبر العبد الصالح الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله، ويشد أزر المرسلين الثلاثة حين قال: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [يس:20].

    وذكر هذا الرجل المبارك مسوغات هذه الدعوة بأن هؤلاء الرسل لا يطلبون من الناس أجراً، ولا يسألونهم منفعة دنيوية، وهم في الوقت نفسه مهتدون، بارون، راشدون، صادقون، آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر، لم يعرف عنهم ما يدنس سيرتهم أو يلوث سمعتهم.

    ثم بدأ يذكر لهم المسوغات التي تجعله يفرد ربه جل جلاله بالعبادة، وقال: وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:22]، يعني: أن الله عز وجل منه المبدأ وإليه المصير، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء.

    وقوله: الَّذِي فَطَرَنِي[يس:22]، أي: خلقني أولاً، وهو الذي إليه المرجع والمآب.

    ثم سألهم مستنكراً: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ [يس:23]، كيف أعبد من دون الله عز وجل أصناماً وأوثاناً؟! فلو أن الله جل في علاه أراد أن ينزل بي ضراً فهذه الآلهة لا تغني عني شيئاً، ولا تمنع عني ضراً ولا تكشف عني بأساً، وما يحصل منها إنقاذ، لو فعلت ذلك إني إذاً لفي ضلال مبين.

    ثم أعلنها واضحة مدوية: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [يس:25]، يعني: ما كان يكتم إيمانه ولا كان يخفي إسلامه؛ بل أعلن على الملأ أنه مؤمن بالله وحده لا شريك له ولا رب سواه، فلما قال ذلك ما تحمل قومه؛ بل بادروا إلى قتله إما أنهم حرقوه، أو أنهم حفروا له ثم ردموا عليه، أو أنهم نشروه بالمنشار أو فعلوا به غير ذلك، المهم أنهم قتلوه، ومجرد ما فارقت الروح الجسد قيل له: ادْخُلْ الْجَنَّةَ[يس:26]، وصل إلى جنة عرضها السموات والأرض، فهذا الرجل تمنى أمنية، قال: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ [يس:26-27]، يعني: يا ليت هؤلاء القوم المكذبين الضالين رأوا ما أعد الله لي في جنات النعيم وما أكرمني به في مستقر رحمته؛ من أجل أن يؤمنوا بالذي آمنت به ويهتدوا للذي هداني الله إليه.

    ثم بين ربنا جل جلاله هوان العباد عليه إذا كفروا، فقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ [يس:28]، أي: ما احتاج ربنا جل جلاله أن يرسل عليهم جنوداً من السماء، وعدداً من الملائكة وإنما سلط عليهم ملكاً واحداً صاح صيحة تقطعت بها قلوبهم في أجوافهم وفزعوا لتلك الصيحة فصاروا جميعاً هلكى خامدين؛ قال تعالى: إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس:29]، أي: أموات غير أحياء، فما أهون الخلق على الله إذا هم كفروا به، قال صلى الله عليه وسلم: ( من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله به في أي أودية الدنيا هلك )، وهذه سنة ربنا جل جلاله.

    ولذلك أبرهة الحبشي لما أراد أن يهدم الكعبة وتكبر على الله، فالله عز وجل سلط عليه طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، وكذلك يأجوج ومأجوج الذين يظنون أنه لا أحد أقوى منهم، سلط الله عز وجل عليهم النغف، نوع من الدود يدخل في أنوفهم فيتركهم صرعى، وقل مثل ذلك في أناس أهلكهم الله بما افتخروا به، كمثل فرعون الذي قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي[الزخرف:51]، فالله عز وجل جعل هذه الأنهار حتفه وهلاكه، كما قال سبحانه: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، وكذلك عاد الذين قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً[فصلت:15]، الله عز وجل سلط عليهم الريح، وثمود أرسل الله عليهم صاعقة.. وهكذا في سائر الأمم المكذبة، وقارون الذي افتخر بقصره وماله قال الله عز وجل: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ [القصص:81].

    فأهلك الله تلك القرية المكذبة للرسل بصيحة واحدة، قال تعالى: إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس:29].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088969936

    عدد مرات الحفظ

    780247251