عصى إبليس ربه بعدم السجود لآدم، فكتب الله عليه اللعنة والطرد من رحمته، وأقسم إبليس حينئذٍ أن يترصد لبني آدم ليغويهم، وكانت خطوات شيطانية بحسب مقدرته وضعف بني آدم، فيبدأ بالكفر وينتهي بأن يشغلهم بالمفضولات من الفاضلات.
أيها الإخوة الكرام! في قول إبليس لعنه الله:
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
[الأعراف:12]، قال العلامة الشيخ محمد الأمين عليه رحمة الله في أضواء البيان: وقياس إبليس فاسد من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أنه في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار، فالله عز وجل قال له: اسجد، فعليه أن يسجد، وهذا مثل أمر الله عز وجل لنا: أن نصلي المغرب ثلاثاً، والعشاء أربعاً، والصبح ركعتين، فعلينا أن نقول: سمعنا وأطعنا ولا نعترض، وإذا قال الله عز وجل: هذا حلال وهذا حرام، نقول: سمعنا وأطعنا، سواء أدركنا العلة أم لم ندركها، لكن إبليس اعترض، وقاس في مقابلة النص، فصيره الله شيطاناً رجيماً.
الوجه الثاني: نقول: لا نسلم بأن النار خير من الطين، بل نقول: الطين خير من النار، فأصلنا خير من أصله، فإن النار طبيعتها إحراق وتدمير وتخريب وطيش، وأما الطين فطبيعته رزانة ووقار، وتودعه البذرة فتخرج لك ثمرة، وتنبت لك شجرة، والطين هو الذي يقبل منا ما يخرج منا، والطين هو الذي يقبلنا بعد أن نصير جثثاً هامدة، كما قال ر بنا:
أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً
[المرسلات:25-26]، (كفاتاً): تكفتكم، أي: تضمكم على ظهرها أحياء، وفي بطنها أمواتاً.
الوجه الثالث: نقول لإبليس: لو سلمنا أن النار خير من الطين، فلا نسلم لك أنك خير من آدم؛ لأن شرف الأصل لا يستلزم شرف الفرع، وكما قيل:
إذا افتخرت بآباء لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئسما ولدوا
وكما قيل:
وما ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهلة
بمعنى أن النار لو كانت خيراً من الطين فلا يلزم من ذلك أن يكون إبليس خيراً من آدم، فشرف الأصل ليس بالضرورة أن يتبعه شرف الفرع؛ ولذلك نوح عليه السلام من أشرف خلق الله، وولده من أخس خلق الله، كافر، شيطان رجيم.