كان قارون قريباً من موسى، حسن الصوت بالتوراة، فأعطاه الله مالاً عظيماً ونصحه قومه أن يحسن إلى الناس، وألا يفسد في الأرض، وألا يفرج بذلك المال لكنه لم يستجب لنصيحتهم، وأخبرهم أنه حصل على المال بسبب علمه، فكفر وآذى موسى فدعا عليه فخسف الله به الأرض.
قرابة قارون من موسى
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ذكر ربنا جل جلاله في كتابه الكريم صفات النقص التي جبل عليها الإنسان، ومن ذلك:
وفي سورة القصص، يذكر الله عز وجل نموذجين لناس أنعم الله عليهم فكفروا بنعمة الله، فأبدلهم الله بعد الخوف أمنا، وبعد النعمة نقمة، ففي أول السورة يذكر ربنا جل جلاله فرعون وهامان، وهما الشخصان الكافران اللذان سكرا بالسلطة والقوة، إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ [القصص:8].
ثم في آخر السورة يذكر ربنا جل جلاله رجلاً آخر سكر بالمال، فقد وسع الله عليه، وبسط له أسباب الرزق، وكثر له المال، فحمله ذلك على الكفر بنعمة الله عز وجل.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ابن عم موسى وكان يقال له: النور؛ لأنه كان حسن الصوت، وكان صوته في تلاوة التوراة جميلاً.
نصائح بني إسرائيل لقارون
وهذا الرجل آتاه الله مالاً، فبغى على قومه، وبغيه عليهم إما بالكبر والبطر وإظهار التفوق، وإما بظلمه إياهم، وانتقاصه حقوقهم، أو بغيه عليهم بمنعه حق الله في المال، فليس في ماله حق للسائل والمحروم، وقد وجه له قومه نصائح خمساً:
وهذا الخبيث ما أثرت فيه الموعظة، ولا نفعت معه النصيحة، بل كان جوابه جواب اللئيم الخسيس: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي[القصص:78]، أي: فلست بحاجة إلى نصائحكم، وليس لله فضل علي، فإن هذا المال أوتيته على علم عندي.
قال ابن جرير رحمه الله: وَلا يُلَقَّاهَا[القصص:80] أي: الجنة، إِلاَّ الصَّابِرُونَ [القصص:80]، وقال غيره: وَلا يُلَقَّاهَا[القصص:80] أي: تلك الكلمة، التي قالها أولئك الحكماء بأن ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً، ما يفقه هذه الكلمة ويعمل بها إلا من رزقه الله صبراً.
حسد قارون لنبي الله موسى عليه السلام
وقد كان قارون يحسد نبي الله موسى على ما آتاه الله من فضله، فكان يحسده على النبوة، وعلى إقبال الناس عليه، واحتفائهم به واستماعهم إليه؛ لأن صاحب المال والعياذ بالله! في الأعم الأغلب يظن أن هذا المال إنما آتاه الله إياه لأنه كريم على الله، ولأنه حبيب إلى الله، فلا يرى لأحد فضلاً، ومثله الخبيث العاص بين وائل السهمي الذي قال: لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً [مريم:77].
وهذا حال الكثيرين، فهذا الرجل لما حسد موسى، قالوا: مر يوماً وهو في أبهته وفخامته وخدمه وحشمه، وموسى عليه السلام يعظ بني إسرائيل، فوقف عليه وقال له: يا موسى !لأن فضلت علي بالنبوة فقد فضلت عليك بالمال، يعني كما يقول الناس بلسانهم: الكتوف تلاحقت، وإلا سواء، أو كذا.
فازداد حقده على موسى، واستأجر امرأة من بني إسرائيل وأعطاها مالاً من أجل أن تفضح موسى وتبهته أمام الناس، فبينا موسى عليه السلام في مجلس وعظه يكلم الناس، ويقول لهم: من قتل قتل، ومن زنا بعدما أحصن رجم، إذ قام قارون وقال له: حتى وإن كنت أنت يا موسى؟ فقال له: وإن كنت، فقامت تلك المرأة وقالت: إن موسى راودني عن نفسي، فارتعد صلوات ربي وسلامه عليه فرقاً من الله عز وجل وغضباً لحرماته أن تنتهك، ثم أقبل على المرأة وقال: أسألك بالله الذي فلق لي البحر، ونجاني وقومي، وأهلك فرعون وقومه، ما الذي حملك على ذلك؟ فألقى الله في قلبها الرعب، وقالت: حملني على ذلك قارون، فخر موسى عليه السلام لله ساجداً، وقال: اللهم إني أسألك أن تأخذه أخذ عزيز مقتدر، فقال الله له: يا موسى! قد أمرت الأرض أن تطيعك، فقال موسى للأرض: خذيهم إلى أقدامهم، قال الله عز وجل: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ[القصص:81]، فغاص إلى أقدامه هو ومن معه، ثم قال: يا أرض! خذيهم إلى ركبهم، فغاص في الأرض، ثم قال: يا أرض! خذيهم إلى صدورهم، فغاصوا في الأرض ثم قال: يا أرض! اخسفي بهم.